عفاف محمد
في كل عصر ومصر مثَّل الشعراء والأدباء صحافة محلية لعصورهم، حيث سردوا الأحداث في قوالب أدبية مزخرفة، وتميز الشعراء بتنوع موضوعاتهم الشعرية وتوسعها ،ومع مرور العصور تجدد وعيهم وتجددت ثقافتهم، وقد يقول قائل إن الشعر انكمش في عصر صدر الإسلام وهذا ما عرفناه جميعا وقرأنا عنه ،ولكن وفي حقيقة الأمر يجب إعادة النظر وإمعان الفكر في تلك الفترة منذ تاريخ البعثة النبوية إلى بداية عصر بني أمية وأن ندرسها دراسة تحليلية من خلال استقراء الأحداث فالكثير إن لم يكن كل الكتَّاب والمهتمين بالشعر والأدب لم يعطوا تلك الفترة حقها ولم يتحدثوا عنها إلا على أنه حصل فيها انكماش وركود، والأرجح أنه حدث العكس .
كان الشعراء في الجاهلية يقولون الشعر في مواضيع متعددة ويذكرون مفاخرهم وثاراتهم وحروبهم وصراعاتهم ثم جاء الإسلام بأحداثه ومتغيراته لينتقل بالعرب تلك النقلة العظيمة ويخوض تلك التحديات والصراعات الخطيرة فمن غير المعقول وغير المنطقي أن يسود الركود والانكماش الجانب الشعري ،وهل جاء الإسلام ليكمم أفواه الشعراء أم ليمنحهم الفكرة الصحيحة والمواضيع الراقية والرؤية الواسعة والاهتمامات الكبيرة، وقد روي أن الرسول الأعظم صلوات الله عليه وعلى آله كان ينصب لحسان منبرا في مؤخرة المسجد ويقول له (أجب عني اللهم أيده بروح القدس) ويمكن أن نقيس تلك المرحلة على واقعنا المعاصر في ظل المسيرة القرآنية كيف انتعش الشعر وبرز الكثير من الشعراء في ساحة المواجهة وتمخضت المواهب من رحم التحدي والمعاناة والشعور بالمسؤولية وما أشبه الليلة بالبارحة في صمودها وتحدياها ومعاناتها وتضحياتها ،وما قيل من الشعر في تلك الفترة أُريد له أن يُطمس وأن يُغيب ويُنسى ولم يُسمح له بالظهور حتى أصبح نسيا منسيا وخاصة ما كان منه يتعلق بمواضيع حساسة ترتبط بمصير الأمة لأنه أصبح لا يتناسب ولا ينسجم بحال مع بني أمية الذين سعوا بكل وسيلة وبإمكانات هائلة إلى تغيير ثقافة الأمة وإعادتها إلى الجاهلية تحت عنوان الإسلام وكذلك عادت الأمة والشعر إلى الجاهلية من جديد وترسخ عند الجميع أن تلك الفترة سادها الانكماش والركود، ولكم أن تتخيلوا أي نكبة ستحل بما يكتبه شعراء المسيرة القرآنية إذا تمكن العدو من السيطرة على الأمور لا سمح الله.
ونتطرق وإياكم إلى شعراء هذا العصر من واكبوا ما هو جديد ابتكروه استناداً على ظروف الحياة ومتطلباتها، ومنها ما كان له أثر من الجاهلية والإسلام، فأضافوا عليها وعدّلوا قواعدها حتى جعلوها غرضاً مُستقلاً بحدّ بذاته، كالفخر، والمدح، والهجاء، والوصف، وكان للشعر الحماسي حضوره الخاص ،حيث وصف المعارك والملاحم البطولية منذ سالف العصور ،وفي عصرنا الحاضر ازدهر الشعر الحربي مجددا ،وخصوصا مع مجريات الأحداث الأخيرة التي تعرض فيها يمن الحكمة والإيمان لعدوان وحشي ممنهج، ولوحظ أن الشعر الحربي اتسعت مواضيعه، وتطوّرت أساليبه، وأصبحت معانيه وألفاظه أكثر قوة وصلابة ،مماشاةً للحالة الجديدة التي يعيشها الشعب اليمني، ومتأثراً بالمظاهر السياسية، والدينية، والثقافية؛ الطارئة ،حيث وكانت الحرب الظالمة من قبل تحالف الشر على اليمن قد تركت أثرها النفسي في ذوات المواطنين بشكل عام، وعبر عنها الشعراء بشكل خاص، ورسموا لوحات شعرية بديعة ،وصفوا فيها تلك المشاهد التي عاشها اليمنيون وعبروا عن وحشية العدوان ،وبطولات رجال الله في الميدان ،و انعكست المشاهد الحاصلة عبر قصائدهم النارية وكلها انصبت في نصرة الدين والوطن بمفاهيم قرآنية بحته مستمدة من الثقافة القرآنية التي أنارت البصائر .
وما تميز به شعراء المرحلة أنهم جعلوا من ميدان النزال ميداناً قتالياً أدبياً ثقافياً، اتقدت هممهم وتفاعلت إيما تفاعل مع قصيدة متفجرة تُلقى أو خطاب ديني توعوي تحشيدي، أو قصيدة حماسية مُزوملة، وكانت استجابتهم لكل ذلك سريعة، وكان تفاعلهم كبيراً وانعكس ذلك من خلال الملاحم البطولية المستعرة والانتصارات الساحقة التي سطروها.
وبذلك أضحى لشعراء المرحلة دورهم القتالي الثقافي، الذي لا تكاد تخلو منه جبهة، فالشاعر بينهم كالوقود يشعل الهمم والحماس في صفوف الأسود المستبسلة.
وحديثنا الآن عن شاعر ممن عرفوا الحق وناصروه ودافعوا بشعرهم عن أرضهم ودينهم، وأسهموا في نشر أفكار ومفاهيم المسيرة القرآنية التي تحث على الجهاد ضد الطغاة .
كان ولازال شاعرنا ممن أشعلوا فتيل الحماس في الجبهات، ووقفوا إلى جانب الواقع والحقيقة والمشاعر الخلاقة والنبيلة.
شاعرنا هو أبو زيد النعمي.
الاسم: علي محمد أحمد النعمي (أبو زيد النعمي)
تاريخ الميلاد: 1397هـ.
محل الميلاد: قرية الرحا /عزلة نوسان /مديرية كحلان الشرف /م حجة.
في بادئ الأمر كانت بداياته الشعرية عبارة عن محاولات ركيكة وبسيطة مثل أي شاعر يملك ميولاً لقول أو كتابة الشعر كبداية، حيث كان حينها قد تأثر كثيراً بأمير شعراء اليمن الحسن بن علي الهبل رحمة الله عليه.
وكان الهاجس الشعري يزوره من وقت لآخر وكان يستجيب له وينسج حسب الأحداث قصائد معبرة، كتب القصيدة الفصحى والشعبية ومن أوائل ما كتب قصيدة بلواعج حرى في أحداث سجن (أبو غريب) حيث أثارت غيرته كعربي حر لا يقبل حدوث تلك المشاهد المستفزة.
ويقول في مطلعها :
يقول أخلائي الذين أسامر
علام بذي الأيام طرفك ساهر
ولم ذا نفيت الزاد والما كليهما
فللوجه إثبات بكفيك ظاهر
لقد كان فيك الظرف حالا ملازما
وثغرك بسام ووجهك ناضر
فهل صرف الظرف الملازم صارف
من الدهر فاصبر إنما الدهر غادر
عهدناك بشاشاً تبدد بؤسنا
وتجمع منا ما ذرته الأعاصير
فمالك قد كسّرت سالم جمعنا
وقاتك محذوف وسِفرك شاغر
تعض من الغيظ الأنامل غاضبا
كأنك ليث قد دهته المخاطر
وأنت المنادى ما الذي كدر الصفا
فهل لك أن تبرز لديك الضمائر
فقلت وهل حر يطيب معاشه
وتصبو إلى السلوان منه المشاعر
وكيف يطيق النوم أو يعشق البقا
يداس بأقدام العدى وهو صاغر
دعوني فقد ضاقت عليّ رحابها
ودارت على صفو الحياة الدوائر
ليَهن بعز الموت من مات قبلنا
ووارته عما نحن فيه المقابر
أبعد انتهاك العرض يسلو أخو الإبا
وقد سُبيت بالرافدين الحرائر
هناك على أرض الفرات وفي ( أبو
غريب) فعال في حشاي هواجر
بذا السجن كم من حرة عربية
تفخذها قرد من العجم كافر
سباهن جند البوش كم من عقيلة
عفاف لها أصل من الفحش طاهر
ودار عليهن الجنود جميعهم
فذا وارد يأتي وذلك صادر
وكم ثم شبان سجود جباههم
ولكن لغير الله فالأمر آخر
لعمري لقد نالوا من العرض نيلة
يهون دمار عندها ومجازر
ولم يكتفوا بل أمعنوا في انتهاكهم
إلى أن أذاعوا ما أتوه وجاهروا
فكل الفضائيات تعرض عرضنا
تعيث به تلك الجنود الخنازر
نساء وشبان يُبث اغتصابهم
وليس لهم في أمة العرب ناصر
(كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيس ولم يسمر بمكة سامر)
بلى نحن كنا أهلها فأذلنا
علوج الكراسي والملوك السماسر.
وكان الشاعر أبو زيد النعمي يكتب في وقت تقمع فيه المواهب والقدرات العقلية وكان الجانب الثقافي والأدبي شبه راكد، حيث نزح الكثير من الشعراء لشعر الغزل الهابط والسطحي، فكان الشعر والشعراء في ضياع وتيه حقيقي.
ومع ذلك كانوا يلاقون قبولاً واستحساناً وضاعت أهم القضايا في طيات هذا التحضر البليد الذي لا يرقى بالعقول .
ويقول الشاعر” أبو زيد النعمي” إن الشعر قبل المسيرة القرآنية لم تكن له قيمة ولا أثر ولا هدف ولا رؤية ولا قضية ولا مشروع ولا إطار يجمع المثقفين ثم بفضل الله توفر كل ذلك في ظل المسيرة القرآنية التي اهتدى فيها الشعراء وسخروا شعرهم متأثرين بنعمة المشروع والقيادة القرآنية المتمثلة في السيد المولى عبد الملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله ويرعاه الذي تربى وتثقف على يديه الجيل الصاعد أهلهم وزكاهم. وارتقوا بعدها في كل المجالات.
واستوحي شاعرنا معظم قصائده من ملازم الشهيد القائد عليه السلام ومحاضرات وخطابات السيد يحفظه الله.
ويقول في ذلك شاعرنا: أعتقد أن الإنسان مهما بلغت بلاغته وفصاحته وقدرته البيانية ومهما توسعت معارفه وثقافته واطلاعاته ومهما كان علمه فهو ليس بشيئ ما لم يتزود بالثقافة القرآنية ويتسلح بالوعي والإيمان ويتحلى بالروحية الجهادية ويتحرك بمسؤولية منسجما مع إخوته المؤمنين في إطار ولاية الله سبحانه وأعلام الهدى.
كذلك اهتم الشاعر النعمي بالمدائح النبوية وأجاد زخرفتها، وإليكم مقاطع من قصيدة بليغة تنضح بالولاء وحب رسول الله:
على كمالك صلى النجم والقلم
فما الذي حدثونا عنك أو رسموا
وعند ذكراك كل الكون ينشد عن
قريحة ولكل الكائنات فم
وأنت أعظم أن ترقى إليك يد
سحر البيان ويوفي قدرك الكلم
يا أيها النعمة المسداة هل عُرفت
إلا على يدك الخيرات والنعم
يا أيها الرحمة المهداة هل فرحت
إلا بمولدك الأكوان والنسم
بُعثت بالحق دينا واحدا قيما
فيه المبادئ والأخلاق والقيم
تتلو الكتاب تزكيهم تعلمهم
ترعى تربي تواسي ترتقي بهم
والجاهلية في أقسى مظاهرها
والناس فيها ضوار والحياة دم
حتى سما الناس واخضرت نفوسهم
كالأرض جادت على جدبائها الديم
والناس إن أعرضوا عن ربهم شقيت
حياتهم وإذا ما أظلموا ظلموا
بضع وعشرون عاما أي مدرسة
لو أن من قرأوا تأريخها فهموا
بضع وعشرون عاما من حياتك في
أحداثها النور والأحكام والحكم
ماذا جرى أي مشروع أتيت به
فالأرض تسمو به والعرب والعجم
من نقطة الصفر حققت المحال فما
من مستحيل إذا ما جدت الهمم
نهضت وحدك والأخطار محدقة
والمكر حولك والهيجاء تضطرم
قامت لدعوتك الدنيا فما قعدت
إلا وأنت عليها الخصم والحكم
ومكة اعصوصبت كفرا فما لبثت
إلا وبين يديك البيت والحرم
وعانقت يثرب الإسلام حاضنة
فشأن أنصارك الإيثار والكرم
نصرت بالرعب كم حربا حسمت ولا
يسل سيف ولا فيها يراق دم
مجاهدا تذهل الأحداث مستبقا
زمامها وعلى الأخطار تقتحم
تخوض معركة في إثر معركة
والكفر منك على الأدبار يتحطم
واستحكمت دولة الإسلام شامخة
بالعدل تسمو وبالأخلاق تتسم
وقبل أن تترك الدنيا تركت لنا
من بعدك الثقلين.. النهج والعلم
واليوم يا أمة الإسلام يجمعنا
نبينا فأطيعوا الله واعتصموا
حتام نبقى حيارى في ضلالتنا
نشقى ونقهر يوميا ونهتضم
وحقنا ضائع والعرض منتهك
والنفط محتلب والمال ملتهم
خيراتنا نحو أمريكا تساق وفي
أوطاننا البؤس والحرمان والسقم
كأنما نحن أغنام وأظلمها
فربما دافعت عن نفسها الغنم
ما قيمة العيش أمريكا مسيطرة
فينا وحكامنا في حلفها خدم
ماذا تبقى من الدين الحنيف لنا
إلا طقوسا بها بالكاد نلتزم
أين المبادئ فينا أين عزتنا
حكامنا تحت إسرائيل قد هرموا
أين الأخوة منا أين وحدتنا
أين الكرامة والأخلاق والشيم
أين العروبة والإسلام أين وهل
أوضاعنا مع دين الله تنسجم
عودي إلى المصطفى يا أمتي قسما
إن الحياة بدون المصطفى عدم
يا أيها النور في ذكرى ولادته
بشائر النصر والتمكين ترتسم
إن أعرضت نجد عن ذكراك واجتهدت
مع اليهود وصدوا عنك جهدهم
فانزل على الرحب لكن في نواظرنا
وفي بصائرنا تجلى بك الظلم
لنا بذكراك عهد لا يزال فهم
ونحن فيك هنا نرضى ونختصم
وإنها يا رسول الله ما برحت
قلوبنا بك رغم الحرب تبتسم
وشعبنا بك مسرور ومحتفل
وأنت فينا إباء عزة شمم
وأنت من جفوة الدنيا لنا سند
وأنت أفراحنا والسعد والحلم
جئنا نسابق فيك العالمين على
هداك يمضي بنا القرآن والعلم
في عالم عن إله الكون منفصل
قد أرهقته الرؤى العمياء والنظم
وأمة أخرجت للناس قاطبة
لما تداعت تداعت فوقها الأمم
هل حاربونا على شيء سواك وهل
إلا هواك الذي من شعبنا نقموا
فحسبنا اليوم دون الناس أن لنا
شعبا بحب رسول الله يتهم
لولاك ما حاصرونا لا ولا قصفوا
شعبي ولا عصفوا يوما ولا حزموا
يحاربونك باسم الدين واتخذوا
أيمانهم جنة والصد دأبهم
كم زيفوا من عناوين مزخرفة
والله يخرج ما أخفوا وما كتموا
في قصيدته عن المولد النبوي نلاحظ السبك البياني والتدفق الوجداني في تسلسل وعذوبة ونلاحظ الصور الفنية والبلاغية التي تطرزت به الأبيات فالنفوس تخضر بالهدى النبوي كما تخضر الأرض الجدباء إن أصابها وابل:
حتى سما الناس واخضرت نفوسهم
كالأرض جادت على جدبائها الديم
وفي طيات القصيد نجد الحكم البليغة الموجزة، «فما من مستحيل إذا ما وجدت الهممُ»
وفي هذه القصيدة تتدفق العاطفة في أسلوب جميل ينفذ إلى الأعماق ويأسر القلب والوجدان المتقد حبا وشوقا لنبي الرحمة صلوات الله وسلامه عليه وآله:
فانزل على الرحب لكن في نواظرنا
وفي بصائرنا تجلى بك الظلم
كما نلاحظ الربط التاريخي بين ماضي الأمة وحاضرها وكيف تتشابه الأحداث وتتجسد المواقف، فعمار لا زال ذلك الوفي المخلص، والكرار لا زال روحا خالدة نستمد منها العزم والثبات والإقدام في مواجهة طغاة العصر:
فهاهنا روح عمار وحيدرة
في فتية آمنوا بالله واعتصموا
والقصيدة تقف في حضرة المصطفى بإجلال وإعظام وشغف ترحل بنا إلى آفاق نبوية مضيئة بقيم الحب والقيم والفضائل في أبيات متراصة محكمة كعقد من اللؤلؤ النضيد.
وفي زمن كشف الحقائق وبعد أن سقطت الأقنعة وبانت الأوجه القبيحة وأعلن الأعراب تطبيعهم مع اليهود خط النعمي هذه السطور المعنونة بـ”التطبيع”:
لا تيأسوا
مهما تمادوا
في النفاق ومارسوا
وتسابق الأعراب
في تطبيعهم
وولائهم
نحو اليهود
وسارعوا وتنافسوا
وتصهينوا وتأمركوا
وتجالسوا وتجانسوا
لا تيأسوا
إن طبعت غلمان زائد
أو سارعت فيهم سعود
فسعود هم نفس اليهود
ذواتهم والنهج واحد
قاموا
ببيع القدس والحرمين
ثم تحكموا في الحج
تلبية لأمريكا التي هي ربهم
والى نتنياهو
أتوا من كل فج صاغرين
بدمائنا يتقربون
ويسبحون بحمده
في ذلة
قد عظَّموه وقدَّسوا
وهنا على أبناء أمتهم
طغوا وتكبروا وتغطرسوا
لا تيأسوا
يا أمة الإسلام
إن السديس
يمثل الحاخام
كالكلب إن تحمل
وإن تتركه يلهث
بمبادئ الإسلام يعبث
متوجها بالدين حيث توجهت
أهواء أمريكا
وما أملت عليهم من سياسة
فيبرر التطبيع بهتانا وزورا مثل من
يأتي إلى غسل النجاسة بالنجاسة
ويبيع دين الله في سوق النخاسة
فتراه داعية
إلى حب اليهود المجرمين
الغاصبين المعتدين
وهم الأشد عداوة للمؤمنين
ولأجلهم يفتي بإيجاب الجهاد
مؤيداً ومباركاً ومشاركاً
عدوانٍ أمريكا على شعب اليمن
متلذذا بدم الطفولة في المهاد
هو في الخفاء وفي العلن
مسخ يهودي الهوية والولاء
هم منهم قد قالها رب السماء
فاقرأ {ومن يتولهم }
تعرف حقيقة هؤلاء
لا تيأسوا
هم إخوة
في وجه كل منافق
منهم ترى صهيون
رجس على رجس
وكفر فوقه كفر
وملعون على ملعون
رأس التحالف والذنب
تبَّت صهاينة العرب
فهم الأشد على بني الإسلام ضراً
هم قال رب العالمين أشد كفراً
بنفاقهم صبغوا الحياة ودنسوا
وبخبثهم قلبوا الأمور ولبسوا
لا تيأسوا
فالخائنون بلا خلاق
مردوا نفاقا وارتزاق
خانوا القضية والشعوب
وبأمة الإسلام ضحوا
يا لها
من صفقة تدمي القلوب
لولا سعود لم يكن
ليهود في الأقصى وجود
لولا سعود لم تكن
هذا المصائب والحروب
قرن الشياطين اللعين
أدوات أمريكا وإسرائيل
والبقر الحلوب
لكنهم
مهما استمروا في العمالة واللآمة
لن يحصدوا غير الخسارة والندامة
مهما عتوا وتسيسوا
وتآمروا وتأبلسوا
لا تيأسوا
فالله أكبر
وهو العزيز القادر الجبار
وهو القوي الغالب القهار
وهو السلام المؤمن الملك المهيمن
فبه فثق وبه استعن وبه اعتصم
وإليه فالتجأوا عليه توكلوا
يا كل مؤمن
ماذا نخاف
والله أمريكا ومن معها ضعاف
طيرانها أوهى من الذبان
دباباتها مثل الأرانب والخراف
هي ليس إلا قشة
في عين من عرفوا إله الكون
وانطلقوا فما وهنوا ولا ضعفوا
ولم يستيئسوا
لا تيأسوا
سقطت جميع الأقنعة
في ظل هذي المعمعة
ضد اليهودي أو معه
لا تحسبوا أن المواقف مهزلة
في زحمة الأحداث فرز للرجال وغربلة
فالساقطون إلى الجحيم سيسقطون
يا أيها المتخاذلون
وأيها المتنصلون
وأيها المستسلمون
قسماً بربي إنكم لن تسلموا
فلتسألوا التاريخ عما تجهلون
لا عز إلا بالجهاد
لا حل إلا في الزناد
يا للرجال وللبنادق
اليوم سوف تظل تنكشف الحقائق
اليوم إما مؤمنٌ حرٌ صريحٌ أو منافق
اليوم إما أن نكون أعزة
أو لا نكون
لا تيأسوا
مهما جرى
لا لن نعود القهقرى
نحن الذين بدمهم قد عمدوا سبتمبراً
لن نستكين ولن نلين
في نهج زيد والحسين
قدماً سنمضي واثقين
بالله رب العالمين
نمضي بإيمان ووعي راسخ وعلى بصيرة
في منهج القرآن
خلف السَّيِّد الكرار في هذي المسيرة
رغم المآسي والدمار
رغم المجازر والحصار
سنظل نهتف بالشعار
يا من توليتم يهوداً
واتخذتم من مواليهم عجول
الله مولانا وحيدر والرسول
وبعون رب العرش نحن الغالبون
فاستبشري
يا قدس إنا قادمون
هيهات منا الذل هيهات السكوت
ما حجم أمريكا أمام الله
أوهى من بيوت العنكبوت
يا أمة الإسلام فلتستيقظي
يا أمة نامت على طول اللدم
حرماتنا مهتوكة والأرض دم
حتام نبقى تحت أمريكا خدم
تالله ما من مخرج يا أمتي
من هذه الظلمات
من عيش المذلة والضنك
إلا هدى القرآن وابن المصطفى
علم الهدى عبدالملك
فلتصرخوا
الله أكبر
موتا لأمريكا وإسرائيل
هم أوهى وأصغر
وعلى يهود لعنة البارئ
فهم شر الخلائق
والنصر للإسلام
مهما عربد الحلف المنافق
فسيهزمون ويغلبون
وإلى جهنم يحشرون
في هذه القصيدة من شعر التفعيلة يمضي بنا الشاعر في تسلسل وتدفق يكشف خبايا نفوس المطبعين ويعري سوءتهم ويفضح نواياهم ويبث روح العزيمة والإقدام في النفوس ويشحن الإرادة بطاقة إيمانية وصلابة محمدية حيدرية حسينية.
وتكرار مفردة لا تيأسوا يوحي بالعزم النافذ والإرادة الصلبة التي يريد الشاعر أن يرسخها لدى المتلقي، فلا يأس ولا ضعف ولا انكسار مهما طبع المطبعون وتصهين المتصهينون.. وفي القصيدة يضع الحل الناجع لكل معضلات الأمة إلا وهو الولاء لله ورسوله وآل البيت والتمسك بالقرآن والاهتداء بهديه.
ويؤكد أن أمريكا هي أوهى من بيت العنكبوت في ظل التمسك بالقرآن والعترة.
ومن رائعة أخرى لشاعرنا كتبها للشهداء الأبرار بعنوان (ذكرى الشهيد):
ذكرى الشهيد بمعنى الآي والسور
تدفقي في شغاف القلب وانهمري
وعززي عندنا روح الصمود ويا
فجر الشهادة أشرق في دجى الفكر
ومن لدى الشهداء الخالدين فجد
بنفحة تبعث الموتى من البشر
فإن في وحي ذكراهم لمدرسة
مليئة بدروس الوعي والعبر
أمامهم ينحني التاريخ منبهرا
لما يرى من حياة العين والأثر
وعندهم يستحي سحر البيان فيا
قصيدتي في رحاب العز فانتثري
ويا لسان العلا حدث بلا حرج
ووثقي يا معالي أطيب السير
عن صدق إيمانهم عن أي مدرسة
جاءوا كمثل قضاء الله والقدر
عن نبلهم والمبادئ عن شهادتهم
على الملازم والآيات والسور
عن حسن أخلاقهم عن طهر أنفسهم
عن المكارم والإحسان والذخر
عن الكرامة والمجد الذي رسموا
عن الرجولة في فتيانها الغرر
عن بأسهم والتفاني عن قضيتهم
عن خوضهم لغمار الموت والخطر
عن اقتحاماتهم في كل ملحمة
عن الزحوفات في الآصال والبكر
وراء كل شهيد قصة وله
حكاية سطرت بالدم في الزبر
هم أكرم الناس أنداهم وأرحمهم
وفي وجوه العدى قدوا من الحجر
هم العطاء ورب العرش قابله
من فضله بعطاء غير منحسر
نالوا الشهادة والفوز العظيم وهل
فوق الشهادة من فخر لمفتخر
هم أعظم الخلق عند الله منزلة
قد خصهم بالنعيم الأرغد النضر
حسب الشهيد وحسب العاشقين لها
ما قال رب السماء في أصدق الخبر
هم الرجال رجال الله من صدقوا
ما عاهدوا واستجابوا ساعة العسر
في الله ذابوا وفي رضوانه انطلقوا
فأشرقوا في الدنا كالشمس والقمر
وفي ذكرى الشهيد يحلق بنا الشاعر في فضاء الشهادة ويسمو بأرواحنا في رحاب العظماء.
ويستهل الشاعر قصيدته بهذا البيت الذي تتدفق فيه الآيات في شغاف القلب وتنهمر كوثرا فياضا:
ذكرى الشهيد بمعنى الآي والسورِ
تدفقي في شغاف القلب وانهمري
وعززي عندنا روح الصمود ويا
فجر الشهادة أشرق في دجى الفكر
فالشهادة وجه مشرق للحرية والبذل والعطاء اللا محدود ومن عظيم بذل الشهداء نستمد روح العزيمة والإرادة ونستنقي منها معاني الكرامة والإباء، فالشهادة هي الفوز والخلود الأبدي، هي الحياة الكريمة في ظل رضوان الله وفي كنف رعايته، وما أعظم أن تستشهد صابرا محتسبا في سبيل الله والوطن والأرض والعرض:
نالوا الشهادة والفوز العظيم وهل
فوق الشهادة من فخر لمفتخر
ويمضي بنا الشاعر في قصيدته التي سطرها بمداد مشاعره ودماء قلبه النابض حبا وعشقا لهذا الوسام الرباني إلى أن يصل بنا إلى هذه الأبيات الذي يقطع فيها عهود الوفاء للشهداء بالسير على دربهم والمضي في طريقهم :
يا أيها العظماء الخالدون لكمِ
منا عهود الوفا بالسير في الأثرِ
قضية سوف نفديها ونحملها
حتى اللقاء بكم في غاية السفرِ
ويختتم الشاعر قصيدته بهذا الابتهال إلى الله أن يثبته على هذا النهج وأن يختتم بالشهادة في رضاه عمره:
يا رب ثبت على نهج الهدى قدمي
وفي رضائك ربي اختم بها عمري
والقصيدة في مجملها محبوكة السبك، بديعة الصور كلماتها عذبة رقراقة معانيها سامية جليلة، فهي في مقام العظماء الأنقياء الذين باعوا لله المهج والأرواح.
وكانت هذه بعض لوحات أبو زيد النعمي الشعرية ولم تكن إلا غيضاً من فيض حيث وهو يواكب كل حدث وبأسلوب يرتقي في كل مدى.
– لم يشارك شاعرنا في أية مسابقة ولذلك لعدم رغبته في أي تنافس وكذلك يعتبر أن أعظم تكريم هو من الله والذي يكون بنعمة الهداية، ويقول عن ذلك:
وما أحط الإنسان حين يتوجه بعمله إلى غير الله وينتظر الجزاء من غير الله.
والحق يقال إن شعراء المسيرة القرآنية هم أسمى وأرفع من أن يكونوا كذلك بل هم مجاهدون كغيرهم من المجاهدين يتمتعون بنفسيات راقية وزاكية ويحملون روحية البذل والعطاء وعندهم الاستعداد العالي للقتال والتضحية بالنفس في سبيل الله.
نسأل الله تعالى أن يتقبل الله منا ويرضى عنا وأن يمنحنا وسام الشهادة في سبيله {وذلك هو الفوز العظيم} .