في خطابه بالمناسبة التاسعة والخمسين لثورة 26 سبتمبر.. هنأ بالانتصارات التي يحققها الأبطال بالتزامن مع أعياد الثورة
الرئيس المشاط: نرحب بأي جهود صادقة لتحقيق السلام ورفع الحصار وإنهاء العدوان والاحتلال ومعالجة آثار الحرب وحفظ سيادة اليمن واستقلاله
الثورة / سبأ
وجّه فخامة المشير الركن مهدي المشاط – رئيس المجلس السياسي الأعلى، مساء أمس، خطابا إلى أبناء الشعب اليمني بمناسبة العيد الـ 59 لثورة الـ 26 من سبتمبر الخالدة، في ما يلي نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله الطيبين، وصحابته المنتجبين، وبعد..
أيها الإخوة والأخوات
إن احتفاءنا وتعاطينا مع هذا اليوم من تاريخنا اليمني الكبير يجب أن يكون مختلفا تماما عن كل الأنماط التي دأب عليها النظام البائد، والتي مع الأسف الشديد أحالت مثل هذه الذكرى إلى مناسبات موسمية للتضليل، وحفلات الشتائم، وتصدير الضجيج الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، والعكوف فقط على تضخيم الذات الفارغة، وكأنه قد خرق الأرض أو بلغ الجبال طولى.
يجب أن ننفذ دائما وأبدا إلى ما تحت السطح لننتزع ما يحتاجه هذا الوطن الجريح من معالجات تساعده في التصحيح والبناء.
لقد مرّ على هذه الثورة قرابة الستين عاماً، غير أننا وفي كل ذكرى ومناسبة لم نحاول يوما أن نسأل لماذا بقيت بلد السادس والعشرين من سبتمبر تراوح مكانها ضمن قوائم الدول والبلدان الأكثر فقرا وفسادا؟ وفي المقابل لم نسأل أيضا: لماذا رأينا البلدان الأخرى تتقدم إلى الأفضل؟ لماذا وجدنا الصين مثلا تنهض كمارد عملاق وتتحول من بلد كان الناس فيها يضطرون أحيانا لأكل لحوم الموتى – لشدة فقرها وجوعها وعوزها – إلى بلد هي اليوم القوة الاقتصادية الأولى والمرشحة غدا لإحراز المركز الأول عالميا في جميع المجالات، وكل ذلك في أقل من أربعين عاما فقط، ولم نسأل أيضا: لماذا وكيف تحولت بلد مثل ماليزيا وفي ظرف عشرين عاما فقط من بلد كانت تسمى ذات يوم بلد الملاريا إلى بلد يشار إليها اليوم كواحدة من كبار النمور الآسيوية؟
إن الأجوبة الصحيحة على مثل هذه الأسئلة تكمن في حقيقة واحدة، مفادها أن هذه البلدان اعتزت بنفسها، وتمسكت بقرارها، وامتلكت أنظمة تقدس أوطانها وشعوبها، وقادة رجالاً لا يبيعون أوطانهم على الرصيف، ولا يحولون بلدانهم إلى حدائق خلفية لأحد، ولم يرهنوا قرارهم الوطني لقاء ثمن بخس، ولم يغرقوا في وحل الفساد ونهب المقدرات، وتحويلها إلى مدن سكنية، وشركات وأرصدة بنكية في الخارج، ولم يصفقوا يوما لحصار بلدهم، وقصف شعبهم، واحتلال أرضهم، كما هو حال المرتزقة اليمنيين اليوم.
نعم لقد سبق السادس والعشرين من سبتمبر ظروف وإرهاصات وعوامل أعلنت على أساسها الأهداف الرامية إلى تحقيق التغيير والتطوير، وكان يمكننا وفق الآمال والتوجّهات الخيرة أن نرى يمناً عزيزاً وقوياً مثله مثل أي بلد آخر لو لم يتعرّض هذا اليوم التاريخي -مع الأسف- لطعنات غادرة من قِبل أبناء غير بررة، أهدروا قرار البلاد واستقلالها، وما دروا أنهم بذلك أهدروا كل فرص البناء على مدى كل هذا العمر الطويل.
أيها الشعب اليمني العظيم
إن دروس تاريخ النضالات الإنسانية تقول لنا اليوم وبكل وضوح، أن الطريق إلى بناء البلدان يبدأ دائما وأبدا بامتلاك القرار الحر والمستقل، وبامتلاك الشجاعة الكافية للمراجعة والتصحيح، وفي ذلك وحده المبدأ الذي يمكننا من خلاله أن نعيد الاعتبار لكل نضالات شعبنا عبر جميع محطاته التاريخية.
وهنا فقط يصبح التاريخ ملهما كله ومفيدا كله، بحلوه ومره وبنجاحاته وإخفاقاته، ولذلك يمكننا اليوم أن نقول إن لكل تلك الأخطاء، التي اكتنفت تجربة السادس والعشرين من سبتمبر، الفضل الكبير في رفد ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر المجيدة بحاجتها من الوعي واستيعاب الدروس، وما هي عليه اليوم من إرادة وقدرة على ضبط وتصويب المسارات، مثلما أن للأخيرة فضلاً فيما تعيده اليوم من اعتبار للأهداف العلنية في السادس والعشرين من سبتمبر، وغيرها من مواقف شعبنا اليمني العزيز التي تعرّضت للاختراقات المبكرة، وهكذا ينبغي أن نتعامل مع تاريخنا المجيد وأن ننظر إليه دائما وأبدا كمستودع لتجارب ونضالات اجترحها شعبنا الواحد في القديم والحديث (منذ فجر التاريخ اليمني ومرورا بما قبل وبعد سبتمبر الأمس وسبتمبر اليوم)، وبهذا فقط تتواصل الجسور، وتتلاقح التجارب، وتصحح بعضها بعضا، وبهذا فقط تتراكم لدى الأجيال القدرة على مواصلة المشوار بأقل قدر من الخطأ، وأكبر قدر من الصواب، فلا حاضر بدون ماض، ولا مستقبل من دون حاضر، وفي كل مرحلة لا شك خطأ وصواب، على أن أسوأ الأخطاء وأكثرها هدم وظلامية على الإطلاق هو رهن القرار والتبعية للخارج، مثلما أن أعظم الصواب وأنفعه للبلاد والعباد هو حرية واستقلال القرار الوطني، وهذا باختصار شديد هو الدرس الكبير الذي يجب ترسيخه في نفوسنا، وتوريثه لأجيالنا كي نضمن العبور إلى يمن عزيز يزدهر فيه معنى الحياة الكريمة، وتختفي منه معاناتنا وهواننا على العالمين، وتلك غاية نبيلة تستحق ولا ريب أن ندفع من أجلها ما ندفعه اليوم من ثمن كبير وباهظ.
أيها الإخوة والأخوات
وبهذه المناسبة التاريخية، أجد الفرصة سانحة لتجديد التهاني والتبريكات بالانتصارات الإضافية الكبيرة التي تزهو بها معركتنا التحررية بالتزامن مع ابتهاجات شعبنا بأعياده السبتمبرية الخالدة.
كما أجدد الدعوة لكل المنحرفين عن طريق الحرية والاستقلال إلى مراجعة حساباتهم، والعودة إلى جادة الصواب، وإدراك أنهم بتبعيتهم للخارج المعتدي على بلدنا وعلى شعبنا المظلوم إنما يخسرون دنياهم وآخرتهم وكينونة وجودهم، وأن الفلاح كل الفلاح والخير كل الخير في الانحياز إلى بلدهم وشعبهم. ونؤكد أن صدورنا مفتوحة وواسعة بسعة هذا الوطن الذي يتسع للجميع، وليس لنا من شروط سوى الإيمان بحرية واستقلال هذا البلد، والعمل من أجل تحرير أرضه، وعزة ورفعة شعبه المجاهد.
ونجدد التأكيد على موقفنا الثابت والراسخ في مواصلة الدفاع عن بلدنا وشعبنا. وفي هذا السياق نرفض رفضا قاطعا كل ضغط وكل تضليل وكل إجراء يهدف إلى الانتقاص من حق الشعب اليمني في الدفاع عن نفسه وعن حريته واستقلاله، مؤكدين في نفس الوقت استعدادنا التام والمستمر لوقف كل أشكال عملياتنا الدفاعية فور توقف كل أشكال العدوان، وترحيبنا الدائم بأي جهود مخلصة وصادقة وضامنة لتحقيق السلام، ورفع الحصار، وإنهاء العدوان والاحتلال، وتعالج آثار وتداعيات الحرب، وتحفظ لبلدنا سيادته واستقلاله ومصالحه المشروعة، باعتبار كل ذلك حقوقا طبيعية وقانونية وإنسانية لشعبنا اليمني الصامد والصابر، وعلى أساس من التزامنا الأكيد بضمان معالجة مخاوف الجوار وضمان مصالحه المشروعة مع بلدنا.
(تحيا الجمهورية اليمنية – الخلود للشهداء – الشفاء للجرحى – الحرية للأسرى.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته).