الثورة /
مثّل الانهيار الأمني خلال الفترة (2011 – 2014م) انعكاسا لحالة الوصاية الأمريكية والتحكم في الملفين الأمني والعسكري وأيضا السياسي في اليمن، وتلك هي نتيجة تراكمية للتدخلات الأمريكية وانعكاسا لحالة الوصاية التي سادت حينها لتراكمات طويلة من التدخلات الأمريكية.
وقد تعززت التدخلات الأمريكية خلال فترة 2011 – 2014م بفعل الانفلات الأمني وحالة الصراع الحزبي كذلك ، وعلى الرغم من تغير الشخوص المعروضة في واجهة السُلطة من علي صالح إلى عبدربه منصور هادي، فإن السفير الامريكي – كما كان عليه الوضع سابقاً – ظل هو الحاكم الفعلي لليمن ، وإن كان في فترة الأخير برز بشكل أوضح مما كان عليه الحال في عهد سلفه.
في مرحلة ما بعد 2011م اقترنت السيطرة الأمنية العسكرية الأمريكية مع السيطرة السياسية كذلك ، فقد عمد الأمريكيون إلى توجيه الانتقال السياسي داخل ذات المنظومة الحاكمة والتي انقسمت على نفسها في نهاية المطاف ، حزب المؤتمر الحاكم وأسرة علي صالح وحزب الإصلاح الذي يزعم المعارضة وعائلة الأحمر، ومعهم هادي والشريحة الجديدة التي تربت على يد المعهد الديمقراطي الأمريكي والمنظمات الموازية لها.
ويتفق سياسيون وخبراء أمنيون ومراقبون على أن الانهيار الأمني الذي شهدته اليمن منذ نهاية العام 2011م إلى نهاية العام 2014 م، وخلف آلاف القتلى والضحايا مرده إلى الوصاية الأمريكية التي كانت قائمة آنذاك من قبل السفارة الأمريكية ، وتحكم وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية سي أي إيه التي نقلت إلى صنعاء المنطقة الإقليمية للوكالة وحولتها إلى عاصمة إقليمية تدير منها الأوضاع الأمنية في القرن الأفريقي والخليج.
وكانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية قد أنشأت محطتها في صنعاء في أواخر عهد علي عبدالله صالح، وفقاً لاعتراف صالح نفسه في مقابلة قالها قبيل اندلاع ثورة 2011م ، صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، نقلا عن مسؤولين أمنيين أمريكيين حاليين وسابقين، قالت في فبراير من العام 2015م، أن الـ”سي آي إيه” أجلت العشرات من عناصرها في اليمن يوم 11 فبراير 2015م حين غادر السفير الأمريكي العاصمة صنعاء، من ضمن حوالي 200 عنصر مدني وعسكري، كانوا يعملون في سفارة الولايات المتحدة في صنعاء قبيل إغلاق السفارة.
الانفلات الأمني الذي ضرب اليمن خلال فترة الوصاية الأمريكية التي برزت بشكل واضح وغير مسبوق بعد أحداث 2011م كان له مقدمات في العشرة الأعوام التي سبقته منذ 2001م، ووفق إحصائية تنشرها الثورة فإن الانفلات الأمني شهد تطورا متصاعدا منذ نهاية العام 2011م حتى 2014م حين تفجرت ثورة 21 سبتمبر، وبمقارنة حوادث الاغتيالات والتفجيرات وغيرها نجد أن العام 2014م سجل رقما أكبر بكثير من العام 2013م الذي سجل رقما أكبر من العام الذي سبقه.
آلاف الاغتيالات والتفجيرات واقتحام المعسكرات والأعمال التخريبية للكهرباء وأنابيب النفط ، شهدتها الأعوام المذكورة ، ولم تقم السلطة الحاكمة حينها بأي إجراء للتحقيق أو ملاحقة المجرمين ، وهو الأمر الذي أكد أن الانفلات الأمني حينها كانت تديره جهة تتحكم بالأجهزة الأمنية وبالقرار السيادي بشكل عام ، وهذه الجهة هي السفارة الأمريكية.
ويرى ضابط في جهاز الأمن والمخابرات اليمنية، أن ذلك الانهيار يعود إلى حالة الاستلاب نفسها، وتحكم السفارة الأمريكية بالقرار الأمني ، وبقي الملف الأمني هشاً ومنهاراً بسبب قضيتين الأولى حالة الصراع التي خلقتها أمريكا بطبيعة الحال ، والثانية أن الأمريكيين أنفسهم خلقوا ذلك المشهد لتحقيق أهداف وغايات سعوا لتنفيذها.
أمريكا لا ترغب في استقرار البلدان ، واليمن حين كان محكوما بالوصاية الأمريكية شهد انفلاتا أمنيا غير مسبوق ، يقول خبير عسكري مضطلع إن الانتكاسة الأمنية والعسكرية التي شهدتها اليمن خلال فترة ما قبل ثورة 21 سبتمبر كانت تؤشر إلى تمكن الأمريكيين من إدارة البلاد بشكل كلي ، واعتبر في حديث للثورة أن حدوث كل تلك التفجيرات والاغتيالات في ظل صمت السلطة الحاكمة وعدم قيامها بإجراء أي تحقيقات ولا بتعقب أي من المجرمين أمراً لم يكن مستغربا وكان متوقعا ، إذ أن حالة الارتهان من قبل السلطة وقتها للأمريكيين عرضت كافة اليمنيين للقتل والاغتيال والموت بالمفخخات.
ودائما كانت السفارة الأمريكية تربط حالة الانفلات الأمني التي تصاعدت في اليمن ، إلى الانقسام السياسي ، لكن الانقسام نفسه كان مضبوطا بسقوف السفير الأمريكي الذي كان يضع نفسه حكما بين الأحزاب التي ارتهنت كليا لسلطة السفير ، خروج السفارة الأمريكية في بداية العام 2015م تحت ضغط الثورة سحب نفسه على الواقع الأمني الذي شهد تطورا ملحوظا بشكل متصاعد وصولا إلى ما نشهده اليوم من استقرار أمني متميز.
ثورة 21 سبتمبر أعادت الاستقرار لليمن وقطعت حبال الوصاية الأممية
بعد التفاف النظام الفاسد على ثورة الشباب السلمية وتهافت الأطراف السياسية لتقاسم السلطة، كان مشروع أمريكي يلوح في الأفق، هدفه تمزيق اليمن وإنهاك قواته المسلحة وتسخير أمنه لتحقيق الأطماع الأمريكية، فتضعف الدولة وتعم الفوضى الأمنية التي تجعل البلد عبارة عن مقصلة لكل أبنائه.
لقد شكّل موضوع خلخلة الجيش هاجساً لدى الرئيس التوافقي آنذاك، فبادر في الـ 4 من ديسمبر 2011م إلى إصدار قرار بتشكيل لجنة عسكرية وأمنية تتولى إعادة هيكلة القوات المسلحة، بناء على ما تم الاتفاق عليه في المبادرة الخليجية التي سرقت الثورة.
وفي الـ 16 من أبريل 2012م، وصل فريق فني أمريكي إلى اليمن، وترأس السفير الأمريكي، جيرالد فايرستاين، اجتماعاً ضم اللجنة العسكرية والأمنية التي شكلها هادي والوفد الأمريكي. وفي اللقاء تسلم الأمريكيون كافة بيانات القوات المسلحة وأرقامها وأنواع السلاح الذي تمتلكه، وأسماء القيادات العسكرية ووضعها وكافة هياكل القوات المسلحة وبياناتها ووضعها، إضافة إلى تقارير ما حققته القوات اليمنية من نجاحات ميدانية في “الحرب على أنصار الشريعة في أبين»، ضمن عمليات عسكرية كان يقودها العقيد سالم قطن، وبعد شهرين فقط من تسلم الأمريكيين ملف القوات المسلحة اغتيل سالم قطن.
كان اغتيال قطن بمثابة تدشين مشروع التصفيات في اليمن، حيث بلغ عدد من تمت تصفيتهم خلال أربعة أشهر فقط أكثر من 110 ضباط.. قبل ذلك عقد السفير الأمريكي مؤتمراً صحفياً في صنعاء ، جاء فيه: «إن هناك وحدات عسكرية لديها بعض الإشكاليات وسيتم حلها ومعالجتها».