الثورة / إبراهيم الوادعي
مع تعثر المفاوضات غير المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية لوقف العدوان على اليمن ورفع الحصار الذي جاء نتيجة محاولة الأخيرة فرض شروط مذلة على اليمن وإبقائه رهن التهديد باندلاع الحرب مجددا وبقاء عناصر الفوضى والاقتتال قائمة، واستغلال أزمته الإنسانية المتفاقمة ومقايضتها مقابل وقف إطلاق النار .
وفي الضفة الأخرى لم يعد الوقت متاحا للاستمرار بالحرب إلى ما لانهاية بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة ، مؤشرات فشل الحرب العسكرية باتت واضحة وحلفاء واشنطن يخسرون يوميا مزيدا من الأراضي في اليمن ، كما أن تطور قدرات صنعاء العسكرية تنامت بشكل شكل خطراً فعلياً على أهم حليف لواشنطن وهي إسرائيل التي باتت مؤخرا تحت مرمى النيران اليمنية.
حاول المبعوث الأمريكي تعديل خطته أكثر من مرة لكن التعديلات الأمريكية على مبادرتها لم ترق إلى الاستجابة لمتطلبات صنعاء الأساسية وفي مقدمتها فصل الملفين الإنساني عن السياسي والعسكري ، باعتبار فتح الموانئ ومطار صنعاء وتدفق السلع الأساسية والوقود والأدوية دون عوائقا حقاً مكفولا قانونا وإنسانيا للشعب اليمني ، بينما تبقي واشنطن على ربط الملفين معا وتبقي الحصار سيفا مصلتا على رقاب اليمنيين .
بحسب مسؤولين في صنعاء، فإن الميدان العسكري تجاوز الخطة الأمريكية ، وطرحها من قبل واشنطن باستمرار يشير إلى أنها تنوي تدشين حرب جديدة على الشعب اليمني ليس بالضرورة عسكرية وإنما اقتصادية، الورقة الأبرز التي لا تزال في يد أمريكا وحلفائها .
منذ فبراير 2020م تحول تحالف السعودية بريطانيا أمريكا إسرائيل الإمارات، إلى وضع الدفاع بعد هجوم خاطف أسفر عن تأمين العاصمة صنعاء وانتهى عقب شهر واحد إلى تهديد معقل التحالف الأساسي في شمال شرق اليمن ، ومنذ ذلك الحين اتخذ التحالف موضع الدفاع عن معقله وأسفرت كل محاولاته العسكرية آخرها في مديرية الزاهر بالبيضاء عن خسارة مزيد من الأراضي وخسارة العشرات من عملائه قتلى وجرحى وأسرى ضاقت بهم سجون صنعاء، وفق مسؤول في لجنة الأسرى اليمنية يقول إن التحالف لم يعد يأبه لكثرة عدد أسراه بملف الأسرى لكونهم يمنيين ثانيا .
وحدها الورقة الاقتصادية التي لا تزال تبقي صنعاء في موقع الدفاع نتيجة هيمنة الولايات المتحدة دوليا وتحكمها بالاقتصاد العالمي وفرض الحصار البحري على اليمن بالتعارض مع كل المواثيق اليمنية .
الحرب الاقتصادية على اليمن بدأت بعد عام ونصف من العدوان على اليمن ، ويورد أعضاء في فريق صنعاء التفاوضي في مفاوضات الكويت 2016م بأن السفير الأمريكي آنذاك هدد وفد صنعاء بنقل البنك المركزي إلى عدن وهو ما تم لاحقا في سبتمبر من العام 2016م وطباعة الريال اليمني بحيث تصبح قيمته لا تساوي الورق الذي يطبع عليه ، وهو ما دأبت عليه حكومة المرتزقة حيث جرى طباعة تريليونات الريالات دون غطاء أو حاجة سوقية ما جعل التضخم يبلغ مستوى قياسيا لن تعرفه اليمن في تاريخها ، وانهار الريال اليمني مقابل الدولار الى أكثر من الف ريال للدولار الواحد في المناطق المحتلة و600 ريال في المناطق الحرة التي يحكمها المجلس السياسي الأعلى.
عملت الولايات المتحدة الأمريكية ضمن حربها الاقتصادية على تجفيف نحو 97 % من موارد الدولة اليمنية إما بالسيطرة عليها عسكريا كمنابع النفط والغاز ، أو تجميد الأرصدة اليمنية الخارجية وتحويلها لصالح المرتزقة وتمويل عمليات التحالف ، أو بالحصار على ميناء الحديدة الحيوي وأهم ميناء بعد ميناء عدن، لا يزال بقبضة صنعاء وخارجا عن سيطرة التحالف.
هذه الإجراءات بالإضافة إلى قطع رواتب موظفي الدولة منذ ما يزيد عن 5 سنوات أسفرت جميعها عن تعميق الأزمة الإنسانية في المناطق الحرة ، وجعل الحكومة في صنعاء تواجه صعوبات جمة في توفير حتى نصف راتب كل شهرين، كما كانت وعدت في وقت سابق .
منذ العام 2020م منعت الولايات المتحدة دخول سفن الوقود كعقاب لصنعاء على قيامها بصرف نصف راتب لموظفي الدولة ، ومع أن الصرف كان متطابقا مع اتفاق السويد الذي أبرم نهاية العام 2018م إلا أن الويات المتحدة كانت تريد إيرادات ميناء الحديدة أن تبقى مجمدة ولا تستفيد منها صنعاء في تخفيف الأزمة الإنسانية في مناطق سيطرتها .
مثّل قطع الرواتب ونقل عمليات البنك المركزي إلى عدن أحد أهم أركان الحرب الاقتصادية على صنعاء ، وأهم الصعوبات التي وضعت في طريق الحكومة في صنعاء ، ومع أنها نجحت في الحد من آثار نقل عمليات البنك المركزي إلى عدن ونظام التحويلات سويفت وطباعة العملة المتكرر ، إلا أن الرواتب ظلت العقبة الأبرز في ظل شحة الموارد .
قبل أيام رمت واشنطن بورقة ضغط اقتصادية جيدة في وجه صنعاء وقررت عبر حكومة العملاء رفع سعر الدولار الجمركي عبر ميناء عدن ، ما يعني ارتفاعا في أسعار المواد المستوردة ، وبالتالي تضاعف الأعباء الاقتصادية على الشعب اليمني وفي ظل استمرار انقطاع الرواتب وشحة موارد الدولة والحصار على الموانئ وسفن الوقود .
وبعد اقل من أسبوع على إقرار هذا القرار الكارثي من قبل حكومة العملاء ، ضغطت واشنطن لمنح فرع عدن قرضا بقيمة 664 مليون دولار تقريبا من صندوق النقد الدولي بالمخالفة حتى لمعايير الإقراض من قبل الصندوق الذي يقضي بعدم منح قروض لدول في ظل وضع الحرب والصراع .
وفي ذلك دلالتان، الأولى أن الحرب الاقتصادية أضحت سلاح واشنطن الوحيد للضغط على حكومة صنعاء وإجبارها على الرضوخ لاشتراطاتها لوقف اطلاق النار الذي تسعى واشنطن لتحقيقه اليوم قبل الغد نتيجة المتغيرات العسكرية في اليمن والمنطقة والتي باتت في غير صالح شراع الولايات المتحدة بل وتنذر بانحسار نفوذها من المنطقة سريعا ، وفقدان حلفائها الاستقرار .
والدلالة الثانية يقين واشنطن أن إبقاء مارب خارج سيطرة حكومة صنعاء مسألة وقت قبل أن تنهار أمام زخم هجوم جديد .
المعركة الآن هي عض للأصابع بين صنعاء وواشنطن ، وتدرك الأخيرة أن صنعاء بقيادتها الوطنية تعاني من اجل شعبها ، وهي تحاول استغلال ذلك استغلال اللئيم، بينما تطال المعاناة كل قطاعات الشعب اليمني حتى في المناطق المحتلة والذين اضحوا تحت المقصلة مرتين بفقدان الأمن وفقدان القدرة على العيش ناهيك عن الكرامة المهدورة في ظل المحتل ووكلائه .
يرى كثير من المحللين أن صنعاء لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام تجويع شعبها ، صنعاء المقتفية خطى الإمام علي تدرك جيدا حكمته المشهورة حين منع معاوية جيش العراق من الماء، فقال لهم ارووا سيوفكم من الدماء ترووا من الماء .
وفي هذا السياق كان السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي – حفظه الله – واضحا في خطابات تطرقت إلى المبادرة الأمريكية وكواليس التفاوض غير المباشر في عمان ، بان الشعب اليمني لن يجوع أو يستكين للموت جوعا وقد أضحى في يده سيف وترس يصل به إلى عمق دول العدوان ، ما يعني حكما بأن نار الحرب الاقتصادية التي ساهمت في إشعالها السعودية ستطالها وقد تطال حلفاء آخرين لواشنطن ، فالإجراءات الحربية الاقتصادية الأخيرة التي يقدم عليها التحالف بمثابة شحذ لسيف التجويع ولن تقبل به صنعاء التي تمضي نحو التعافي وإن بوتيرة أقل من الجانب العسكري نتيجة معطيات عدة ليست السطور هنا محلا لتناولها ..
لدى صنعاء أسلحة نوعية لم تكشف عنها، والمحسوم فقط أنها تطال “إسرائيل” والثابت الآخر أن معركة مارب محسومة سلفا ولن تثني أي من أوراق الضغط السياسية والاقتصادية عن تحريرها، فالتراجع عن تطهيرها بنظر صنعاء يظل الأخطر والمهدد لمستقبل الأجيال اليمنية .