القبيلة اليمنية.. تنسى الجراحات لمواجهة العدوان
تنفيداً لتوجيهات قائد الثورة.. حل أكثر من 450 قضية ثأرفي ذمار وحجة
محافظة ذمار في المقدمة بحل 400 قضية ثأر وحجة تسجل حل 60 قضية قتل في عام واحد
من أجل توحيد القبيلة اليمنية ضد المؤامرات التي سبقت العدوان تم تشكيل مجلس التلاحم القبلي
الشيخ العصري: في ظل العدوان من الواجب نبذ كل أسباب الخلاف
الشيخ عاطف: وثيقة الشرف التي أعلن عنها السيد القائد منطلقنا للقضاء على ظاهرة الثأر
في غير خطاب لقائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، ومنها خطابه بمناسبة السنة الهجرية الجديدة 1443هـ، كانت هناك الكثير من الموجهات الهادفة إلى خلق حالة من التآلف والتآخي بين الناس، والدفع في اتجاه حل الخلافات، وأبرزها قضايا الثأر ليكون المجتمع والناس بعدها متآلفين، متعاونين، مجتمعين، متوحدين، باعتبار ذلك من مبادئ الإسلام «وأخلاقه وقيمه وتعاليمه التي تجمع ولا تفرق، والتي توحد ولا تبعث على التشظي».
في هذا السياق اتجهت الوجاهات وقيادات المجالس المحلية في المحافظات، حيثما كانت هناك قضايا ثأر لتعمل وفق هذه الموجهات، وقد خلصت الوساطات ومساعي الإصلاح بين الناس إلى حل أكثر من 400 قضية ثأر في محافظة ذمار، و56 في محافظة حجة، منها قضايا استمرت عقوداً من الزمن تأكل الأخضر واليابس بين المتنازعين وتخلق حالة من الخوف وعدم الأمن.
هذا التوجه والذي سبقه عشرات من القضايا التي تم حلها يأتي كنتيجة طبيعية للسير على نحو من المسؤولية في ترجمة موجهات السيد القائد الذي أعطى الأمر اهتماماً مبكراً وكان من شواهده اللقاء الموسع المنعقد في صنعاء بناء على توجيه قائد الثورة، واحتشد فيه المشائخ والحكماء ووجهاء قبائل اليمن، ومن خلاله جرى تدشين مصالحة مجتمعية عامة بين مختلف أبناء القبائل والمكونات الوطنية تعزيزا لمبادئ التصالح والتسامح والتلاحم والأخوة، بما يحقق المصلحة الوطنية وترسيخ قيم التعاون والتعايش والعدالة الاجتماعية والوحدة والاستقلال والأمن والاستقرار.
الثورة / أحمد السعيدي
في العام الأول من العدوان أكد قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي أن تماسك الجبهة الداخلية من أبرز عوامل الصمود والثبات في مواجهة العدوان واعتبر هذه القضية أولوية أشار إليها مرارا في خطاباته للحفاظ على وحدة وتماسك الصف الداخلي، ما يستلزم العمل لحل كافة المشاكل ووجه الجهات الرسمية والقبلية لمعالجة ظاهرة الثأر بعد أن ظلت لسنوات طويلة تنخر في جسد المجتمع: شقت الصف، بثت الخوف، وأهلكت الحرث والنسل.. قانون غائب، دولة مشلولة، وحكم قضائي مؤجل، حتى كان تفعيل مبدأ المصالحة وبإشراف رسمي تشكل على إثره مجلس التلاحم القبلي، ومجلس العرف القبلي، ومجالس الحكماء مدعومة بمبادرات المصالحة الوطنية.. لتتجسد الثمار بلقاءات صلح وتسامح طوت قضايا قتل بداعي الثأر امتد عمر بعضها لعقود تجاوزت ما عرفه العرب عن حرب البسوس وداحس والغبراء، وللعمل على هذا الجانب شارك أعضاء المجلس السياسي الأعلى وعلى راسهم الأستاذ محمد علي الحوثي في حل قضايا الثأر وسار على الدرب قيادة المحافظات والمديريات والمجالس المحلية، وفي العام 2019 عُقد في صنعاء لقاء موسع لمشائخ وحكماء ووجهاء قبائل اليمن، لتدشين البرنامج التنفيذي لوثيقة الشرف القبلية التي تتضمن قواعد الإعلان عن تدشين مصالحة مجتمعية عامة بين مختلف أبناء القبائل والمكونات الوطنية تعزيزا لمبادئ التصالح والتسامح والتلاحم والأخوة بما يحقق المصلحة الوطنية وترسيخ قيم التعاون والتعايش والعدالة الاجتماعية والوحدة والاستقلال والأمن والاستقرار، وتشكيل مجلس يشمل المحافظات، ولجانٍ لمتابعة ترتيب وتفعيل دور القبائل في مختلف المجالات وأهمها مواجهة العدوان، وتشمل القواعد الإعلان عن صلح عام شريف نظيف بين كافة أبناء المحافظات القائمين ضد العدوان، ينام فيه الخائف في دار المخيف وتأجيل الخلافات والنزاعات المستعصية وخاصة الثأرات، وكذا الإعلان عن حلف أخوي تلاحمي قبلي وطني تضامني موحد يلتزم بموجبه الجميع بمبادئ أمن الساحة والدفاع المشترك عن سيادة الوطن، وثمرة ذلك بدأت سريعاً حيث تحقق الكثير من الإنجاز نستعرض بعضاً منه في السطور القادمة.
ذمار في المقدمة
بحسب احصائيات لمركز الدراسات بمحافظة ذمار فالمحافظة تصدرت قائمة المحافظات الأكثر حلاً للنزاعات القبلية والثأرات حيث تجاوز عدد القضايا التي تم حلها 400 قضية قتل في جميع المديريات وحول ذلك تحدث لـ”ألثورة” وكيل المحافظة الشيخ علي عاطف حيث قال:
” السبب الرئيسي هو التزامنا بوثيقة الشرف القبلية التي تم إقرارها عبر السيد عبد الملك الحوثي وحضر توقيعها عدد من مشائخ وحكماء اليمن فالوثيقة كفيلة بإنهاء قضايا الثأر إلى الأبد حيث تنص بنود الوثيقة على تسعة بنود أولها التركيز على مبدأ التكافل الاجتماعي على النهج الرباني المحمدي مبدأ الإيواء والإيثار والإنفاق والجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله ونصرة الحق ودفع الظلم والطغيان وإغاثة الملهوف والمنكوبين والمتضرّرين من العدوان ومن هذه البنود أيضاً إعلان البراءة من مرتكبي العدوان على اليمن والداعمين والمشاركين والمحرضين والمؤيدين له، كما تضم الوثيقة بند العقوبات القانونية ضد المشاركين في العدوان على اليمن والداعمين والمحرضين والمؤيِّدين له وفق ما نصّت عليه أحكامُ الشريعة الإسْــلَامية والمواد 129، 128، 127، 126، 125، من قانون العقوبات رقم (12) لسنة1991م ومن ضمن هذه البنود أيضا العزل الاجتماعي عن الخونةَ والعملاءَ.. وأشارت الوثيقة أيضا إلى مبدأ الغرم القبلي والشعبي بالمال والرجال.. كما تضمنت الوثيقة مسؤولية القبيلة عن أمن واستقرار ساحتها، ومن البنود أيضا الصلح العام وتأجيل الخلافات والنزاعات بين جميع أبناء اليمن ولا ننسى تفعيل دور القبيلة وميثاق الشرف الدائم في السلم والحرب ومفعوليتها في كل ظرف وزمان “.
بقية المحافظات
محافظة حجه هي الأخرى تصدرت المشهد حيث أسهمت جهود واسعة بمحافظة حجة خلال العام الماضي والربع الأول من العام الجاري في حل النزاعات القبلية وقضايا الثأر تجسيداً لرؤية القيادة الثورية في معالجة القضايا المجتمعية والمساهمة في تعزيز التلاحم والاصطفاف لمواجهة العدوان وإفشال مخططاته.
وأثمرت مساعي التوجهات التي قادها محافظ حجة هلال الصوفي بالتعاون مع مشائخ وشخصيات اجتماعية في إنهاء أكثر من 56 نزاع وقضايا قتل بين أطراف قبلية في عدة مناطق، بعضها قضايا معقدة وشائكة منذ سنوات طويلة انتهت بالعفو والتسامح والتنازل ولمّ الشمل حيث ساهمت في انحسار الخلافات وتراجع القطاعات القبلية وأعمال الحرابة إلى حد كبير وبالتالي تعزيز الصمود والتلاحم والسباق للتحشيد ورفد الجبهات والوقوف إلى جانب أبطال الجيش واللجان الشعبية في صد الغزاة والمحتلين وتفويت الفرصة على مشاريع التدمير والوصاية.
واكد المحافظ الصوفي استمرار العمل على تنفيذ توجيهات القيادة الثورية والمجلس السياسي الأعلى من خلال تعزيز المساعي لتأسيس صلح عام وإنهاء قضايا الثأر وحل النزاعات القبلية وتعزيز جبهة مواجهة العدوان وحلحلة القضايا العالقة التي أرهقت المجتمع لعقود مضت، خاصة قضايا القتل والثارات بين أبناء القبائل سواء بين أبناء المحافظة أو بين أبناء المحافظة ومحافظات أخرى مؤكدا ًاستمرار الجهود بتعاون الشخصيات الاجتماعية لمعالجة وحل المزيد من القضايا.. واعتبر المحافظ الصوفي حل القضايا المجتمعية، مسؤولية تقع على عاتق الجميع لحقن دماء أبناء اليمن .. وقال “فخورون أننا الشعب الوحيد الذي ما يزال يتمسك بتقاليد قبلية وأعراف وأسلاف مجتمعية تتوافق مع المنهجية والنص القرآني “.
أنا وابن عمي على الغريب
بدوره تحدث للثورة أيضا الشيخ محمد العصري شيخ منطقة عصر بالعاصمة صنعاء عن الواجب الذي تقتضيه المرحلة حيث قال:
“اليمنيون عبر العصور لا يرغبون في تواجد الغزاة، ويتغلبون على قضاياهم الداخلية ويتلاحمون فيما بينهم ويتوجهون لدحر الغزاة وهذه خطوة إيجابية باتجاه فهم مجريات واقع ما يمر به اليمن والعودة إلى بناء الوطن وتحقيق أمنه واستقراره فمن العيب أن يكون هناك عدوان غاشم يقتل النساء والأطفال داخل بيوتهم وننسى ذلك ونقوم بتصفية ثاراتنا نحن الاخوة أو عيال العم أو أبناء القبيلة الواحدة حيث تربينا على المثل القائل ” أنا عدو ابن عمي وعدو من عاداه ” والعدوان قد عادى جميع اليمنيين أو المثل القائل ” انا واخي على ابن عمي وانا وابن عمي على الغريب” ولذلك العدوان جعلنا نتوحد وننسى خلافاتنا وننطلق للجبهات للانتقام من الغريم الحقيقي الذي ارتكب المجازر ولم يراع حرمة طفل أو امرأة أو عجوز أو مسجد ومن يستغل هذا الظرف الزمني للثأر من غريمه في الداخل فقد ارتكب العيب -والعيب الأسود أيضا- والجميع سيلقي عليه اللوم والعتاب”.
مجلس التلاحم القبلي
اشهار مجلس التلاحم الشعبي القبلي في العام 2013 بمحافظة صعدة جاء كاستجابة طبيعية لحاجة وطنية ملحة فرضه الواقع السياسي اليمني وما نتج عنه من سلبيات خطيرة بسبب المبادرة الخليجية المصممة بأصابع أمريكية والمقدمة بعباءة خليجية لرفع الحرج عن من قبلوا بها كوصفة سحرية لرسم الواقع السياسي اليمني وجعله تحت السيطرة الأمريكية فكان من ويلات تلك المبادرة ضياع السيادة الوطنية والتدخلات الأمريكية والأوربية في الشؤون الداخلية اليمنية وارتفاع وتيرة قتل اليمنيين بطائرات أمريكية موجهة ومن دون طيار ، كما أن من ويلات تلك المبادرة هو تواجد أصناف عديدة من القوات الأمريكية المارنز والقوات الجوية والقطع البحرية على الأراضي والمياه اليمنية ، فضلاً عن تصاعد عمليات الاغتيال السياسي في أجواء من الغموض الشديد على تلك الجرائم ومن يقف وراءها ، ولذا جاء الرد الشعبي الثوري اليمني بإشهار مجلس التلاحم الشعبي القبلي لرفض كل تلك السلبيات والانتصار لليمن، الأرض والإنسان، وقد تم اختيار الشيخ ضيف الله رسام رئيسا للمجلس وأشهرت هيئة أكاديمية للمجلس على رأسهم البرفسور عبدالعزيز الترب.
ابن القبيلة
من جانبه كتب ابن القبيلة الكاتب محمد صالح حاتم عن حتمية الصمود وتوحيد القبائل ضد العدوان:
“تعتبر القبيلة بقوانينها وأعرافها وأسلافها النواة الأساسية للمجتمع، والركيزة الرئيسية التي يقوم عليها بناؤه، وهي الدفاع والحصن الحصين والحامي والحارس الأمين للمجتمع، ومنها القبيلة اليمنية التي كانت ومازالت وستظل السياج المنيع والصخرة الصماء التي تتحطم عليها كل المؤامرات التي تحاك ضد الوطن.
واليوم وفي ظل ما يتعرض له شعبنا اليمني العظيم من عدوان وحرب ظالمة وحصار اقتصادي جائر من قبل تحالف القتل والإرهاب السعوصهيوامريكي، والذي -بفضل الله سبحانه وتعالى- وصمود شعبنا اليمني وتضحيات رجال الرجال من الجيش اليمني ولجانه الشعبية فشلت مخططاتهم وكُشف زيف أهدافهم وقد كانت القبيلة اليمنية عاملاً أساسياً ورئيسياً من عوامل الصمود والثبات من خلال رفد الجبهات بالرجال والمال والسلاح، وكان لها دور كبير في تماسك الجبهة الداخلية.
ويضيف: لذلك كان العدو ومازال يحاول النيل من القبيلة اليمنية عن طريق عملائه ومرتزقته الذين زرعهم في جسد القبيلة وهم من يسمون انفسهم بمشائخ القبائل والذين كانوا يستلمون مرتبات من اللجنة الخاصة السعودية، مقابل عمالاتهم وخيانتهم لوطنهم والعمل على تشويه القبيلة اليمنية والصاق التهم الباطلة والأعمال القبيحة والمذمومة بها مثل التقطعات والنهب في الطرقات والقتل والسرق والاختطافات والثأرات وضرب وتفجير المنشآت والمصالح العامة وإقلاق الأمن والسكينة، واتهام القبيلة بأنها السبب في التخلف والجهل الذي عاشه شعبنا اليمني عقوداً من الزمن، وهو ما نفته القبيلة اليوم وأثبتت عكس ما كان العدو يروج له ويسعى إلى تحقيقه، من خلال وقوفها ضد العدوان وإفشالها لمخططاته طيلة السبعة الأعوام، من خلال تفعيل دور القبيلة وإحياء مواثيقها وأعرافها وأسلافها التي كادت ان تندثر وتنتهي في المجتمع.
وقال: انطلاقا ًمن باب المسؤولية ومواصلة ًلمسيرة الصمود والنضال والحرص على تعزيز تماسك الجبهة الداخلية فقد كان تدشين العمل بوثيقة الشرف القبلي وبنودها التسعة والتي تم التوقيع عليها من قبل مئات الآلاف من أبناء اليمن بكافة شرائحه ومكوناته، خطوة في الاتجاه الصحيح، وبهذه الوثيقة -والتي تعد بمثابة دستور وقانون للقبيلة- يتم العمل به من أجل الحفاظ على وحدة الصف وإرساء مبدأ التكافل والتراحم والتعاون بين أفراد المجتمع، وكذا تأمين للأماكن والساحات العامة والطرقات والزام القبيلة بحمايه حدودها وحدود الجمهورية كاملة واعتبار من يخون الوطن ويتعاون مع العدو الخارجي ويقاتل إلى جانبه منبوذاً وغير مقبول وإباحة دمه وضرورة محاكمته ومصادرة أملاكه، وإعلان صلح عام بين القبائل اليمنية وحل ّما يمكن حله من مشاكل وخلافات بين القبائل وان يتم التفرغ للعدو الخارجي الذي يدمر ويقتل أبناء اليمن منذ أربعة أعوام، فهذه الوثيقة والعمل بها تقطع الطريق أمام العدو والذي يحاول النيل من القبيلة اليمنية من خلال إثارة النعرات والخلافات والثارات القبلية ونشر التقطعات والنهب والسرق في الطرقات بهدف زعزعة الأمن والاستقرار وخلخلة وتفكيك عرى اللحمة الوطنية والجبهة الداخلية.