رئيس الهيئة العامة للزكاة : المشروع يأتي ضمن صرف الزكاة في مصارفها الحقيقية
تفريج الكرب وعتق الرقاب.. مشروع” الغارمون” يطلق 250 معسراً من السجون
أبو نشطان: حرصنا على إخراج الغالبية إن لم يكن كافة من تنطبق عليهم المعايير الشرعية في عموم السجون
شرف الدين: على المكلفين أن يساهموا لتكون لهم بصمة خير في هذا المجال
زايد: يتضمن المشروع عدة برامج ((إفراج، وإطلاق، وتفريج، والمساعدات العاجلة للغارمين))
بينما أطبقت جدران السجون عليهم بظلامها، كانوا قد استسلموا لمصيرهم بعد محاولاتهم الدفاع عن أنفسهم بشتى الوسائل.. نزلاء إصلاحيات ومعسرون يعيشون سجونا نفسية بضمانات لا تسمن ولا تغني من جوع.. شباب وشيوخ ينتظرون مآلات القدر ولا يجدون مخرجاً من البقاء خلف القضبان سوى دفع ما عليهم من أموال للغير ، أو معجزة تغيّر واقعهم.. هذه حكاية فئة من المجتمع ظلت منسية لعقود من الزمن بين جدران السجون.. إنها حكاية الغارمين.
الثورة / عبد القادر عثمان
هشام (22 سنة)- من مديرية خولان بمحافظة صنعاء- يتخذ من سيارة أجرة مصدرا وحيدا لإعالة أسرته الفقيرة المكونة من سبعة أفراد.. كان في التاسعة عشرة من عمره عندما اعترضت طريقه امرأة مُسنَّة بينما كان يقود سيارته في أحد شوارع صنعاء ليصطدم بها، فتصاب بكسور في رجلها ليقوم بإسعافها إلى أقرب مستشفى..
يقول هشام لـ “الثورة”: لم أكن أملك ما أسد به رمق أسرتي فضلا عن دفع تكاليف المستشفى، لكن أهلها هرعوا مسرعين نحو المشفى ووقفوا على مداواتها، أما أنا فألقي بي في السجن لأخرج بعد ذلك بضمانة تجارية، على أن أدفع كافة نفقات فترة العلاج، وحين عجزت عن ذلك أعادوني إلى لسجن الذي فقدت فيه الأمل في الخروج ثانية.
مرحلة خامسة
كان هشام واحدا من بين 250 معسراً استهدفهم مشروع الغارمين للهيئة العامة للزكاة في مرحلته الخامسة، بمبلغ مليار ريال، من أجل العودة إلى الحياة.
يضيف هشام “حينما قبلت هيئة الزكاة طلب دفع الغرامة عني لم أصدّق ولا زلت حتى اللحظة غير مدركٍ للأمر، وأعجز عن التعبير عن شعوري وأنا أغادر السجن إلى الحرية.. الحرية التي أضع معها رأسي على الوسادة ولا أفكّر في الدَّين الذي عليّ مرة أخرى”.
هشام غارم من بين آلاف اليمنيين الذين تعج بهم السجون لعجزهم عن دفع الديون التي عليهم لسبب أو لآخر، وهو إلى جانب ذلك شريك في الهموم لآلاف المواطنين الذين تخنق حياتهم الديون لكنهم لم يصلوا بعد إلى المحاكم والسجون.
انقطاع السبل
منذ نحو 25 سنة باع عبد الله الطوقي (60 سنة)- وهو أب لثمان فتيات- قطعة أرض لأحد المواطنين، قبل أن يسلبها الفار علي محسن الأحمر من المشتري كغيرها من أراضي المستضعفين التي تسلطت عليها قيادات النظام السابق بحماية أجهزة الدولة.
يقول الطوقي “رفع المشتري دعوي قضائية واستحكم عليّ، وألزمتني المحكمة بتعويضه مبلغاً قدره 12 مليون ريال”، ويضيف بصوت شاحب ممزوج بالنحيب “ظللنا في المحاكم عشرين سنة وقبل عامين ونصف أودعت في السجن بينما لم يكن هناك من يعيل أسرتي ما اضطر بناتي للعمل في الخياطة ليتمكنّ من توفير متطلبات واحتياجات البيت”.
ويستطرد “اليوم وأنا أرى هيئة الزكاة تنقذني من غياهب السجن وتعيدني إلى أسرتي بعد انقطاع السبل لا يسعني الكلام لأعبر عن شعوري بعظمة هذا المشروع الذي هو من عظمة المسيرة القرآنية وقيادتها، فلكل من ساهم في إخراجي وغيري من الغارمين الشكر الجزيل”.
عملا بنص القرآن
ويرى مفتي الديار اليمنية القاضي العلاَّمة شمس الدين شرف الدين أن مشروع الغارمين خطوة مهمة وجديرة بالاهتمام، لأنه لم يكن يحدث مثل هذا في السابق، وإن كان ثمة محاولات سابقة من قبل بعض التجار لإخراج سجين غارم أو اثنين، وهذا يحتاج إلى فترات طويلة من المعاملات وجمع التبرعات، لكننا اليوم نشهد نقلة نوعية في هذا المجال وهناك إخراج لعشرات ومئات الغارمين والدولة هي من تقوم بتسديد ما عليهم من غرامات وديون وديات”.
ويؤكد شرف الدين (( المشروع يأتي عملا بنص القرآن الكريم واقتداء بسنة النبي الأكرم – صلى الله عليه وعلى آله وسلم”، مردفاً “هذه خطوة مهمة، وبإذن الله سنشهد في المستقبل خطوات أكثر من ذلك، في أكثر من مجال وفي أكثر من ميدان”.
من جانبه يقول الشيخ شمسان أبو نشطان- رئيس الهيئة العامة للزكاة، “المشروع يأتي ضمن مشاريع صرف الزكاة في مصارفها الحقيقية وحرصا وتأكيدا من القيادة في هيئة الزكاة وقيادة الثورة ممثلة بسماحة السيد المجاهد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي- حفظه الله- وفخامة المشير الركن مهدي المشاط على إيصال الخير وتقديم المساعدات والعون للغارمين والمعسرين ومن جار عليهم الزمن في عموم السجون وهذا هو أقل القليل”.
ويستطرد أبو نشطان “هنا نتذكر عظمة ورحمة الإسلام الذي جاء لينتشل مثل هؤلاء الذين جار عليهم الزمن وعانوا المعاناة الشديدة وهم في غياهب السجون”، مؤكدا أن الهيئة حرصت في عموم السجون على إخراج الغالبية إن لم يكن كافة من تنطبق عليهم المعايير الشرعية، بينما يتبقى من لم تنطبق عليهم المعايير الشرعية”.
شروط ومعايير
في حديثه عن المعايير يقول القاضي حفظ الله علي زايد- رئيس لجنة الغارمين في الهيئة العامة للزكاة: (( المعيار الكبير والأساسي في المشروع يتمثل في مفهوم الغارم الحقيقي، فالغارم هو كل من يحتاج من المسلمين إلى معونة لتحمل دين عجز عن سداده لمنفعة مشروعة، خاصة أو عامة”.
ويشير إلى أن ((الغارم ليس هو من جار عليه الزمن فألقي به في السجن فحسب، بل يندرج تحت هذا المعيار أربعة أنواع من البرامج التي تعمل الهيئة على تنفيذها وتتمثل في: إفراج، وإطلاق، وتفريج، والمساعدات العاجلة للغارمين)).
ويبين زايد ذلك بالقول “يستهدف ((برنامج إفراج)) السجناء في السجون الاحتياطية والمركزية على ذمة قضايا جنائية، هذه القضايا تخضع للدراسة وإذا انطبقت- عليها القضايا- الشروط الشرعية قمنا بمساعدة هؤلاء الغارمين، أما إذا لم تنطبق عليها الشروط فنعتذر عن مساعدتهم، وهناك طلبات كثيرة تم الاعتذار لأصحابها نتيجة عدم مطابقتها للشروط والمعايير اللازمة، كقضايا القتل عمداً وعدواناً مع سبق الإصرار والترصد أو بتجبر وتكبر أو جريمة القتل بطريقة بشعة وما إلى ذلك، وهناك من انطبقت عليه المعايير فتم قبول طلبه كقضايا القتل خطأ أو دفاعا عن النفس أو الشرف أو العرض أو الكرامة”.
عراقيل خارجية
وفي السياق، يقول اللواء عبد الله الهادي- رئيس مصلحة التأهيل والإصلاح “لا تزال الإصلاحيات المركزية تضم مئات النزلاء الذين عجزوا عن دفع مبالغ مالية كبيرة، وهناك عدد من السجناء لا زالت قضاياهم رهن المحاكمة”، لافتاً إلى وجود مؤشرات كبيرة على أنه سيتم إصدار أحكام تلزمهم بدفع ديات أو أموال خاصة”.
ويتوجه الهادي بالحديث إلى القضاء بضرورة التسريع في الإجراءات لأن هناك نزلاء مضى على دخولهم السجن سنوات طويلة”.
ثلاثة برامج
أما ((برنامج إطلاق)) “فيستهدف أولئك المحتجزين على ذمة قضايا تنفيذية مدنية وأغلب هؤلاء المعسرين تتم مساعدتهم، لأن الشروط الشرعية تنطبق عليهم، ولأن المديونية التي لزمتهم غالبا ما تكون في منافع مشروعة كدين وإيجار ونفقات وغيرها”، بحسب ما أضاف القاضي زايد الذي واصل حديثه فقال: “البرنامج الثالث هو ((برنامج تفريج))، ويستهدف المديونين الذين لم يصلوا إلى المحاكم أو النيابات، بينما يتمثل ((برنامج المساعدات العاجلة للغارمين)) في تقديم المساعدات لمن لزمتهم الديون نتيجة أمراض وتكاليف مستشفيات وكل هذه الطلبات تقبل”.
ولفت زايد إلى أن “جميع الطلبات تخضع للدراسة لإبداء الرأي الشرعي حولها، فإذا طابقت المعايير الشرعية تم قبولها وإذا لم تطابقها يتم الاعتذار لأصحابها”.
عودة الأمل
يحيى القرماني (48 سنة) من أبناء مديرية بني مطر بمحافظة صنعاء، أب لخمسة أبناء، كان شريكا لتاجر متنفّذ- على حد قوله- قبل أن يتقاسما رأس المال.
يقول القرماني: “بعد أن ذهب كل واحد منا في سبيله، ادعى الشريك عليّ بثمانين مليون ريال، وبعد التقاضي والاستئناف ألزمتني المحكمة بدفع 11 مليون ريال، في الوقت الذي أعجز فيه عن سداد المبلغ بعد خسارة كل شيء”.
ويضيف “عند دخولي السجن انقطع أملي في الخروج منه ثانية، لأني وجدت نفسي وحيداً، غير أن مشروع الغارمين لهيئة الزكاة وسماعي عن خروج عدد من السجناء أمثالي أعاد لي الأمل وشعرت بأن بإمكاني لقاء أسرتي مجدداً، والحمد الله الذي أخرجني من السجن بعد أن جار عليّ الزمن”.
تفريج كربات
استطاع مصرف الغارمين أن يفرِّج كربات الكثير من المعسرين بعد انقطاع أملهم فيالنجاة من أنياب ظروف قاهرة، كل ذلك يعود فضله-بعد الله سبحانه وتعالى- إلى الهيئة العامة للزكاة والمتفاعلين من المكلّفين وأصحاب رؤوس الأموال الذين يخرجون زكاة أموالهم التي فرضها الله لثمانية مصارف.
يتوجه العلامة شمس الدين إلى المكلفين فيقول “عليهم أن يساهموا لتكون لهم بصمة أثر وبصمة خير في هذا المجال وفي غيره من المجالات، وأن يسارعوا لإعطاء زكاتهم إلى هيئة الزكاة التي هي الممثل للدولة والممثل لولي الأمر، حيث قال الله تعالى (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) فالمقصود أن على التجار والمكلفين وجوباً أن يتحركوا مسرعين ويبادروا بتسليم زكوات أموالهم إلى الدولة التي هي المعني الأول بجمع الزكوات بنص القرآن الكريم ويروا أثرها في الواقع الملموس والمعاش وهذه واحدة منها”.
التزام مطلق
ويضيف مفتي الديار اليمنية “إدخال السرور على الضعفاء والمساكين والفقراء من أقرب القربات إلى الله سبحانه وتعالى، وبالتالي عليهم ألا يغفلوا أن الزكاة ركن من أركان الإسلام ويجب أداؤها إلى ولي الأمر الذي يقوم بصرفها في المصارف التي شرعها الله”، مؤكدا “نحن لم نلمس من هيئة الزكاة إلا الالتزام المطلق بما شرعه الله سبحانه وتعالى في هذا المجال، حيث شهدنا الكثير من مشاريع هيئة الزكاة في كثير من المجالات، سواء في إعالة أسر الشهداء وإعالة اليتامى وتوفير كسوة العيد لأولاد الشهداء وأولاد المجاهدين والغارمين وابن السبيل وإيجاد فرص عمل لكثير من أبناء المجتمع، وكلها تصب في ما أمر به الله سبحانه وتعالى”.
إلى ذلك يشير اللواء الهادي إلى ما تقدمه الهيئة العامة للزكاة من مشاريع للإصلاحيات المركزية ومنها العيدية وبعض الاحتياجات، ومنها توفير مكيفات لإصلاحية محافظة الحديدة وغيرها، وقال “هذه واحدة من ثمار ثورة الـ 21 من سبتمبر، والتي ما جاء هذا العمل إلا من بعدها”.
لقد عملت الهيئة العامة للزكاة بحرص على إخراج الغارمين قبل يومين من عيد الأضحى المبارك، لتكتمل فرحة أهاليهم ويغدو العيد عيدين، عيد الأضحى وما يترافق معه من سرور، وعيد العودة إلى الحياة.