ما إن يدق ناقوس المدرسة، معلنًا عن بدء عام دراسي جديد، نرى غالبية الأطفال يصابون بنوبات من القلق والتوتر، ينتابهم خوفٌ شديدٌ لا يكاد يتزحزح، تغزوهم كوابيس مفزعة تتشكل في عقولهم الصغيرة مخلفةً بذلك مشاكل لدى الطفل كإعاقة نموه النفسي، وشلل في مسايرة حياته الاجتماعية، بما في ذلك رفضه للعالم الخارجي وانجراره نحو مرافىء العزلة والتوحد.
ولأننا كبار لم نعد نفقه عن مناخ الصغر وكينونته، نرى أن هذه التصورات وهمية وخيالية لا صحة لها، بينما لو أمعنا الرؤية ودققنا أكثر لوجدنا أنها مشكلة حقيقية يعاني منها غالبية الأطفال، خاصة ذوي الصفوف الابتدائية الذين لا يزالون يجهلون ماهية العالم الخارجي وضوضاءه.
تبدأ حالة القلق لدى الطفل مذ سماعه نبأ العودة إلى المدرسة، وكأن يسمع عن استفاقة شبح مرعب غط في سباته لشهور وحان الوقت لأن يصحو.
من هنا كان لا بد منا أن نبحث عن الأسباب، من أجل أن نلقى لتلك الاضطرابات والانفعالات إجابة واضحة من خلال التدقيق والبحث الجاد عن عوامل نشوب هذه المخاطر وتفاقم تلك المعتقدات التي بدورها تزعزع أمان الطفل وهوادته، وتسلبه حقه في الرؤية والتطلع إلى آفاق الكون والإبحار في سعته الواسعة بشغف ودهشة.
إن من يتعمق في دراسة هذه الظواهر المصاحبة للأطفال يجد أن مناخ الأسرة يعتبر من أكبر العوامل المؤثرة في حياة الطفل وكيف ستؤثر سلبًا أم إيجابا على شخصيته في مراحل حياته القادمة؟، إذ يعتقد بعض العلماء المختصين بالتربية أن سبب خوف الطفل من المدرسة، ليس من المدرسة ذاتها وإنما بسبب علاقته غير الجيدة مع أسرته وما يعانيه داخل منزله، وقد أظهرت نتائج البحوث أن للمناخ الأسري المبني على الخلافات المستمرة ونبذهم للأبناء وافتقارهم للتفاهم والمحبة دورا فعالا في تشتيت الطفل وشعوره بالإحباط وعدم ثقته بنفسه، وأكدت أيضا أن إغداق الطفل بالكثير من الاهتمام والحماية والحب يولد في داخله العجز والاعتمادية، وأعني بذلك على وجه الخصوص الأم التي تُشعر طفلها وكأن في الخارج ذئابا متوحشة فتزيده بذلك خوفًا من البيئة الخارجية وعدم الرغبة في الاختلاط بالغير دون علمها بالنتيجة، وهذا بدوره يزيد ضعف الشخصية عند الطفل والاعتماد على والديه بكل شيء بينما هو يظل متسمرا في مكانه أمام ما يحدث في هذه العوالم لا يسعه إلا التنفيذ والتحديق والمزيد من الخوف.
مثل هذه الظواهر ينبغي أن تُحل بطرق مدروسة مجربة هدفها وضع حد نهائي لهذه المخاوف واجتيازها بأسرع وقت ممكن؛ كي لا تتجذر أكثر وتنمو في أوساط مجتمعاتنا، خاصة المجتمعات الريفية التي لم تحظ بالتعليم الكافي، والتي لا تزال تجهل مدى خطورة هذه الظواهر لاحقًا.. وإليكم بعض الإرشادات والتي سأتوجه بها إلى الآباء والأمهات وكل أرباب الأسر:-
١/ تفهم هذه الظاهرة لدى الطفل بالشكل الصحيح والمبادرة بالبحث عن علاجها والحد منها.
٢/عدم مقارنة طفلك بطفل آخر خاصة من مستواه الدراسي إن كان متدنياً وصديقه تفوَّق عليه، فهذا يسلب الطفل كرامته ويغرس في داخله عدم الثقة بالنفس وأنه لا يفيد لشيء، لذا فالأجدر بك أن تسأل نفسك عن سبب تدني مستوى طفلك وسترى أنك أول الأسباب في ذلك.
٣/ عدم تشجيع الطفل بالقدر الكافي ولومه الدائم إن حصل وفشل في تحصيله العلمي، فهذه المرحلة تحتاج لتصفيق وتشجيع لا عبارات الفشل واللوم المستمر من أنت حتى تمنع غيرك بالفشل؟
٤/ تهديد الطفل بمعلمه حتى وإن عاد إلى منزله، وأيضا تخويفه من الأشياء التي تفزعه وبهذا تكون الأم أو الأب قد قضيا على حق طفلهما في التعليم، سالبين من نفسه حق السلطة في التربية.
٥/عدم إغداق الطفل الحماية الزائدة، حتى لا يشعر بالعجز، وأيضا توفير الجو المناسب للطفل حتى تنمو نفسيته بطريقة سليمة.
٦/الرعاية الصحية للطفل وعدم القسوة وتحميله ما لا طاقة له به وخاصة في الأسر الفقيرة التي تعاني من ضنك المعيشة حيث يكون الطفل هو الضحية.
7- من المهم أن يدرك الوالدان أن النجاح أمر نسبي، وعليهما أن يكتشفا ملامح الإبداع والاهتمام عند أبنائهما، فيقومان باستثمار قدراتهم وتطويرها – تحفيزاً وتشجيعاً ورفداً بما يجعلهم مميزين-.
8- كما أن للأوضاع السياسية والاحتراب الذي وجدنا أنفسنا في معتركه، قد ألقى بظلاله على المنظومة التعليمية والتربوية، فانعكس ذلك على الأطفال بصورة قلق واضطراب وتوجس، ولولا خشية التطويل لذكرناه بالتفصيل.»
ويبقى التعليم هو الدرب الزاخر بالنور، جسر عبور مفروشا بالتحضر والتقدم، فمن أراد النور والبصيرة فليكن دربه نحو العلم والتَّعلم .