المحافظات المحتلة.. أزمات وارتفاعات سعرية ونهب المرتزقة للموارد يضاعف معاناة المواطنين

 

الاختلالات الأمنية واستفحال الصراعات المسلحة والمواجهة بشكل يومي قوضت سكينة المجتمع
أزمة الغلاء المعيشي طالت رغيف الخبز والمياه الصالحة للشرب وأحالت حياة الأسر إلى جحيم
عدن تغرق في الظلام وتموت تحت فوضى صراعات المرتزقة ومعاناة معيشية غير مسبوقة

انفلات أمني طال سكينة الأسر في منازلها، وأطفالها، وانقطاع متواصل للتيار الكهربائي، وتوقف لمشاريع المياه ونقص الدواء والغذاء والوقود، وغلاء فاحش لم يعد شائعا في المحروقات بل طال السلع الأساسية وأهمها رغيف الخبز عمود الحياة في كل أسرة، وبطالة وشلل حياتي تام مع توقف رواتب موظفي المؤسسات والجهات الرسمية الإيرادية لأشهر، وتهديد متواصل للبيئة البحرية بتلوث عوادم السفن المتهالكة التابعة لتجار مقربين من هادي، لتتزايد أزمة انعدام الأسماك جراء التلوث، فضلا عن موتها في المياه.. فما الذي يجري في المناطق المحتلة؟ ولماذا تتلاحق الأزمات وتتسع لتشمل كل نواحي الحياة؟ ومن أين بدأت؟ وما أسبابها؟ وأين غدت الأوضاع اليوم..؟ وما المستقبل المنشود بعد استحكام حلقات الأزمات بسكان مناطق الاحتلال السعودي الإماراتي..؟ في هذه المادة سنجيب عن الأسئلة السابقة..
إلى التفاصيل:

الثورة / إدارة التحقيقات

لا نتحدث عن الانفلات الأمني، من منظور الصراع المسلح بين مرتزقة التحالف، من أتباع الحكومة المنفية في الرياض، وأطراف المكونات الجنوبية المسلحة وأحزمتها الأمنية وقوات الانتقالي المدعوم إماراتيا، بل نتحدث من منظور انتشار الجريمة وخروج الأوضاع والأزمات عن نسقها الطبيعي حيث لاحظنا عبر السنوات الماضية كيف جرت الاغتيالات لرموز المجتمع من قيادات وطنية ورموز دينية وحتى مواطنين عاديين من أصحاب الأعمال البسيطة والمحال التجارية، وغيرها من الجرائم والاختلالات الأمنية التي تشهدها المناطق التي يدعي التحالف أنه حررها لمرتزقته كي ينعمون بحياة أفضل وهي في واقع الأمر أراض احتلها التحالف السعودي الإماراتي ومن ورائها أمريكا وإسرائيل وبريطانيا، ونهب مواردها ومنابع نفطها وأشعل الأزمات والفتن بين أبنائها، الذي منهم من يؤيد التحالف لمصالح شخصية دنيئة، ومنهم خدع على مضض ولم يعد بيديه عمل شيء، لكن سوادهم الأعظم يعض على أنامل الندم لتفريطه في السيادة وانسياقه وراء شعارات التحالف الزائفة بتحريرهم من اليمنيين أنفسهم، بعد أن مثلت أمامهم الحقائق المرة والقاسية، فرض أمر واقع لمحتل خارجي بأدوات محلية ينصب نقاط تفتيش في كل مكان ليس لتأمين الناس بل لتعذيبهم وسلبهم أمنهم، وفوق هذا حكومة تدير البلاد من فنادق الرياض مدعية بكل وقاحة أن الأمور تحت السيطرة، وتجدد وعودها مع كل كارثة وأزمة جديدة بإصلاحات اقتصادية ومعيشية وووو وغيرها، بينما هي عاجزة عن العودة إلى الأراضي اليمنية المحتلة.
انهيار الريال ومتوالياته
لم يرتبط المواطن “علي ياسين” من أبناء أبين براتب فينقطع عليه لأشهر وربما عاما وعامين كما هو حال آلاف الموظفين مع مؤسسات وأجهزة الدولة، فهو يشتغل في تجارة القات بين أبين ولحج وعدن وعايش وأسرته في عدن، لكن الضربة التي قصمت ظهره ومثله آلاف اليمنيين الذين ينخرطون في مثل هذه الأعمال التجارية البسيطة، هو انهيار قيمة الريال خصوصا ولديهم مدخرات فانهارت قيمتها وأصبحت لا تصل إلى نصف قيمتها، وليس علي ياسين أغلب مواطني المناطق المحتلة هم الأكثر ضررا من انهيار قيمة الريال إلى مستوى غير مسبوق من الانهيار أمام العملات الأجنبية، قرابة 1040 ريالا للدولار الواحد، فمحمد عشلان – من أبناء عتمة يعمل في تجارة القات في أبين، لكن الأكثر إشكالا أن أسرته في عتمة، ومثله الآلاف من أبناء المناطق الحرة التي هزم التحالف ومرتزقته على مشارفها، ليست أسرهم معهم، فخضعوا لمقصلة انهيار الريال وبلغ بشركات الصرافة التابعة لعتاولة الفساد في مناطق تواجد الاحتلال السعودي الإماراتي، أن تأخذ منهم 50 % كعمولة تحويل على كل حوالة، وفي كل فترة يصعد السعر حتى وصل بها الأمر إلى فرض 74 % على كل حوالة، ما يعني أن يحول بـ100 ألف ريال لا تصل منها عند أسرته سوى 26 ألف ريال، بحجة أن صنعاء هي من تأخذ الفارق، وهو عذر أقبح من ذنب وفضيحة تحيل كل متابع وشريف إلى البحث في أسباب هبوط القيمة النقدية للعملة الوطنية في المناطق المحتلة، مقابل استقرار قيمتها في صنعاء ومناطقها الحرة..
وفي سياق الإيضاح عن سبب تدهور الريال أكد مراقبو الاقتصاد أن تبديد المنح والودائع الخارجية التي كانت في بنك مركزي عدن وعجز حكومة المرتزقة عن توريد الإيرادات إلى خزينة الدولة، وتعمدها الإيداع في بنوك وأرصدة خارجية والسحب المتواصل على المكشوف وإيقاف الصادرات ورفض مركزي مارب الإيداع في مركزي عدن، وإغراق السوق بالعملة المطبوعة وغير القانونية والمزيفة، وفي نفس الوقت ضخ كتل نقدية دولارية للسوق وبيع العملة الصعبة للتجار بالسعر التفضيلي المزعوم لشراء السلع الأساسية بينما هي تذهب للمضاربة في السوق السوداء وفق أرباح طائلة وغيرها من مظاهر الفساد المالي والإداري هي سبب انهيار قيمة الريال وفق منحدر السقوط الحر إلى هاوية تاريخية غير مسبوقة.
الأكثر قسوة على معايش الناس الموصولة بقيمة الريال اليمني، أن هذا الانهيار فتح الباب لمتواليات كارثية من الأزمات، فارتفعت أسعار السلع الأساسية الى سقوف غير مسبوقة وانعدمت بعض السلع الأساسية بسبب عدم استيرادها من الخارج بعد ضخ كتل نقدية دولارية هائلة للتجار الذين ذهبوا للمضاربة بها محليا أو ذهبوا للاستثمار في الخارج، فطالت الأزمات الخانقة كل مناحي الحياة..
الموت جوعا
لم يعد سالم – من مواطني عدن الأصليين المتحدر من إحدى قرى ريف تعز – يخشى على حياته وعلى حياة أسرته، وأطفاله من الرصاصات الغادرة التي تنتشر في أرجاء المدنية والطرقات ونقاط التفتيش والأحزمة الأمنية، بل صار يعيش تفاصيل الموت خوفا من يموت وأطفاله جوعا، بعد أن أصبح الحصول على رغيف الخبز يتطلب مزيدا من النقود وطوابير وزحام غير مسبوق، فالمخابز معظمها إما مغلق احتجاجا على غلاء الوقود، أو مستغل لظروف الأزمة رافعا سعر الحبة الخبز (العيش) أو الروتي إلى فوق 70 ريالا، أما في بعض المناطق الساحلية الطرفية لأبين وعدن فقد انعدم العيش فيها وبلغ سعر الحبة الخبز الموفى المعروف بالدبل أو (الملوح) بـ800 ريال. ووصل الكيس الدقيق إلى قرابة 30 الف ريال، بحجة الفارق بين النقود القديمة والجديدة وهو عذر يكشف الكارثة التاريخية التي أراد التحالف ومرتزقته إيصال المناطق المحتلة إليها عبر طباعة كتلة نقدية تتجاوز عشرات المليارات من الفئات غير القانونية والتي طبعت بشكلها الصغير.
وكما أن عذر الفارق بين العملة القديمة والجديدة مبرر واه لاستلاب مدخرات المواطنين عبر جنون الأسعار التي شملت اختلالاتها كافة المواد الغذائية بما في ذلك قنينة الماء التي أصبحت قيمتها بقرابة 300 ريال، وارتفعت الأسعار في الزيوت والصلصة والخضروات والفواكه بنسبة تجاوزت 200 %، وفق مواطنين من سكان وزوار المناطق المحتلة.
أزمة المحروقات
من المفارقات العجيبة والغريبة في الحديث عن أزمة المحروقات التي تشهدها المناطق المحتلة، هو أن المناطق الحرة خاضعة لحصار كبير وظالم على كل الواردات غير الحياة ومستمرة والأسعار في المستوى الذي يسمح للناس بالحياة الكريمة وفي حدود البقاء والمقاومة لأقوى تحالف في تاريخ الحروب تسليحا وأموالا وإعلاما ودعاية دولية، لكن المناطق المحتلة في وضع لا يسمح للمواطن بحدود الحياة الآمن فأزمة المحروقات أوصلت سعر الدبة /سعة 20 لتر إلى قرابة 15 الف ريال في مناطق نفطها مستمر الإنتاج والتصدير ولكنه أصبح تحت إدارة التحالف والشركات التابعة لأمريكا وبريطانيا وفرنسا، والأغرب أن تقارير كشفت حركة صادرات نفطية كبيرة وفي وضح النهار تذهب إلى السعودية والإمارات مباشرة، وبصمت مطبق كبير عليها، ذلك لأن ما يعود للمناطق المحتلة من تلك الصادرات النفطية هو منح بسيطة لا تتجاوز 1% مما نهبه المحتل، وتصل هذه المنح إلى تلك المناطق بتغطيات إعلامية عربية وعالمية كمساعدات إنسانية عاجلة قدمها التحالف لليمن.. هذه الأزمة غير المبررة في مناطق تعتبر محررة من قيود الحصار والقصف المباشر.. أفرزت حلقات أخرى من الأزمات.. أزمة المحروقات رفعت أسعار المواصلات وتسببت في شلل الحياة اليومية للطلاب والعمال والموظفين.
أزمة الكهرباء
إن الأزمة التي دخلت الدرجة الثانية بعد انهيار العملة هي الكهرباء من حيث التأثير على كل حياة الناس، حيث انهارت مقومات تلك المناطق من الكهرباء، وتهالكت محطات التوليد التي كانت قائمة، إما بذريعة انعدام الوقود أو الفراغ الوظيفي الذي ضرب معظم مؤسسات الدولة وأجهزتها الخدمية، بسبب غياب الرواتب وانهيار القدرات الفنية والتجهيزية لتلك المحطات وبسبب نهب مخصصاتها المالية الكفيل بسد نفقاتها التشغيلية.
لقد خلقت أزمة الكهرباء في المناطق المحتلة خصوصا السواحلية منها والصحراوية، التي تُعدّ الأكثر احتياجاً للكهرباء، نظراً لموجة الحر في صيف قائظ، حيث وصل عدد ساعات انقطاع التيار الكهربائي إلى أكثر من الـ20 ساعة يوميا في مدن: عدن ولحج وأبين، وتوقفت الخدمة تماما في ردفان وكثير من أرياف المناطق المحتلة.
وتعاني عدن – التي تُعدّ أول مدينة دخلتها الكهرباء على مستوى اليمن والخليج، حيث أنشئت أول محطة بخارية في المدينة عام 1926، بطاقة توليدية بلغت حينها 3 ميجاوات – من عجز في التيار الكهربائي بأكثر من 70 %، وهو ما ينعكس بطبيعة الحال في حياة المواطنين على شكل معاناة معيشية، جراء تعطل الخدمات المرتبطة بالكهرباء، كالمياه والمخابز والمعامل، كما انعكست بشكل واضح على مختلف الجوانب الإنتاجية بل شلتها شللا تاما لتبقي مواطني المناطق المحتلة تحت رحمة تحالف العدوان.
أزمة الدولار الجمركي
دول تحالف العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي لم تكتف بما تعيشه المناطق المحتلة من أزمات فظيعة وكارثية بل تسعى لتقويض مظاهر الحياة بكل تفاصيلها ومعانيها في محاولة أخيرة ومفضوحة ترمي إلى تحقيق هدف من الامتداد إلى المناطق الحرة التي فشل العدوان على مشارفها رغم القصف والتدمير والحصار، حيث أقرت حكومة هادي من الرياض رفع سعر الدولار الجمركي من 250 ريالا إلى 500 ريال، بنسبة 100 %، لكن كما يبدو من الواضح المبكر أن القرار الذي كان يستهدف الاستقرار التمويني في المناطق الحرة سينقلب ضد من أصدره، حيث أعلنت الغرف التجارية اليمنية في كافة المحافظات رفضها التام والمطلق للقرار كونه مخالف للدستور والقوانين كافة بما في فيها تلك الحاكمة للعلاقة بين مؤسسات الدولة الرسمية والقطاع الخاص، فيما اعتبره خبراءا جزء من الحرب الاقتصادية على الشعب اليمني كافة.
ثورة جياع وشيكة
أخيراً.. تلك حلقات الأزمات اليومية التي استحكمت حول أعناق فئات مواطني المناطق المحتلة الذين يتحملون المعاناة، تحت مغالاطات كبيرة عالمية ومحلية من مرتزقة العدوان وبشكل فج، لكن هذه المغالطات لن تستمر طويلا بعد انكشافاتها وعلى ملأ من الشعب المُغالط والصامد في تلك المناطق، فاستحكام حلقات تلك الأزمات كفيل بأن يتحول إلى ثورة جياع وقد صارت وشيكة.. وما يعتبره بعض المرتزقة الذين يمثلون انهم صحوا من مظاهر دولة مكونة من أطراف تتصارع على فتات الموارد، وتسير وفق أجندات خارجية متناقضة، فشلا للتحالف السعودي الإماراتي في ترجمة شعاراته المرفوعة في واجهة الحرب والحصار إلى تقديم نموذج لحياة أفضل في المناطق المحتلة، يعد ذلك الفشل في نظر التحالف ذاته نجاحا منقطع النظير، وترجمة دقيقة لأهداف الحرب العسكرية المفتوحة منذ سبع سنوات، فهذا هو مشروعه في اليمن.

قد يعجبك ايضا