العلاَّمة/عبدالمجيد الحوثي
الولاية بالمعنى الأعم: هي مركزيّة شيءٍ لغيره من الأشياء بحيث يُنظّم تحرُّكها ويجعلها تُشَكّل منظومةً واحدةً تؤدي دورا تكامُليّا.
الولاية بالمعنى العام:
هي القيادة التي تُنظِّم شؤونَ المجتمع وترعى مصالحه وتوجِّهُه ويدين لها بالتسليم والانقياد.
أما الولاية الشرعية:
فهي القيادة التي تُنَظّم شؤون المجتمع وترعى مصالحه ويدين لها بالتسليم والانقياد وتوجهه التوجيه السليم بحسب المشروع الإلهي والقوانين والأنظمة الربانية.
والولاية بالمعنى الأعم هي قانون كوني أجرى الخالق هذا الكون على أساسه من الذَّرَّة إلى المجرَّة (فكلاهما يتكون من مركز لمجموعة من الأشياء تدور في فلكه وينظم حركتها ويجعلها كتلة ومنظومة متحدة تسمى ذرة أو مجموعة نجمية أو مجرة كونية)، كما أن الولاية بالمعنى العام هي فطرة إنسانية وأمر تتفق عليه البشرية بكل أديانها واتجاهاتها الفكرية والمجتمعية؛ فالكل يؤمن بضرورة وجود قيادة توجِّه المجتمعات الإنسانية ويدور المجتمع في فلكها فكريا وسياسيا وتنظيميا فلا مجتمع بلا قيادة، ولا دولة بلا قيادة، ولا حزب بلا قيادة، ولا قبيلة بلا قيادة، بل وحتى الدُّول تبحث عن قيادة أعلى من خلال التحالفات والتجمعات الدولية.
وإنما الخلاف في هذه الجهة التي يتوجَّه إليها مبدأ الولاية والتولي والمواصفات والمعايير التي تُحدِّد هذه القيادة صاحبة الولاية ويمكن أن يقال: إن هنالك في هذه المسألة (مسألة الولاية الشرعية) ثلاث مدارس أو ثلاثة توجهات:
– المدرسة الخيالية .
– المدرسة المثالية .
– المدرسة الواقعية (الرضوخ للأمر الواقع حتى ولو كان غير سليم).
فالمدرسة الخيالية جعلت من الولاية أمرا يفوق مسألة قيادة الأمة وتوجيهها وتطبيق مشروع الإسلام على الواقع، بل ترى أنها أمر يفوق مقام النبوة والرسالة ويتعلق بولاية تكوينيّة على الكون بأسره ولهذا اشترطت في صاحب هذه الولاية شروطا صعبة لا يمكن تحقُّقُها في كل زمان ومكان مثل النص الإلهي والعصمة وعلم الغيب وغيرها من الشروط التي لم تستطِع ادعاء وجودها فيما بعدَ القرن السادس الهجري، فاضطرت إلى القول بالغيبة وتأجيل مسألة قيادة الأمة وتطبيق مشروع الإسلام إلى حين عودة الغائب، عدا بعض التوجهات الإصلاحية في هذه المدرسة التي رأت أنه لا بد من تطبيق مشروع الإسلام وبناء دولة الحق والعدل في كل زمان ومكان وعدم انتظار الغائب في ذلك.
أما (المدرسة المثالية) فترى أن الولاية هي قيادة الأمة لتحقيق المشروع الإلهي مشروع الإسلام الذي غايتُه إقامةُ الحق والعدل ورعايةُ مصالح الأمة وتوجيهُها التوجيهَ السليم الذي أراده لها الخالق جلَّ شأنه، ولهذا فإنه يجب (حسب رأي المدرسة المثالية) أن يُختار لهذه الولاية من يكون الأحقَّ والأكفأ والأنزه والأقدر والأعلم بالقوانين والأنظمة الإلهية مع الحكمة والسياسة والتدبير وغيرها من الصفات التي ينبغي أن تتحقَّق في مركز القيادة والتوجيه ومن يمتلك الحقَّ في إدارة شؤون الحياة للمجتمع البشري.
بينما (المدرسة الواقعية) لا تشترط في القيادة وموضع الولاية كونَه الأحقَّ أو الاكفأَ أو الأعرفَ أو الأقدرَ ولا غيرها من الصفات التي اشترطتها المدرسة الخياليّة والمدرسة المثالية، بل يكفي عندهم في هذه القيادة صاحبة الولاية أن تمتلك القوة والسيطرة وأن تتمتَّع بمكانةٍ في المجتمع و تحظى بالقبول لدى شرائح المجتمع، و بالأخص الشريحة الأقوى التي تضم أصحاب النفوذ والمكانة والقوة المادية والمعنوية في المجتمع (نظرية أطع الأمير وإن جلد ظهرك وأخذ مالك).
وهذا الاختلاف في النظرة وفي مواصفات القيادة صاحبة الولاية إذا تأمّلْناه وجدناه يرجع إلى الغاية والمُخرَجات التي ينتظر كلُّ فريقٍ تحقيقَها من صاحب هذه الولاية.
فمن يجعل الغاية والنتيجة التي يريد أن تحقِّقَها هذه القيادة صاحبة الولاية هي صورة خياليّة تعيش من خلالها البشرية في عدالة تامة على كل المستويات وتطبق فيها كل الأنظمة والقوانين 100% وتصبح الدنيا خالية من الشر وجنة مصغرة فإنه يميل إلى النظرية الخيالية.
ومن ينتظر من صاحب هذه الولاية أن يقوم بهداية الأمة وتوجيهها التوجيهَ السليمَ وبتحقيق العدل والقسط وتطبيق النظام والقانون وإرساء دعائم الأمن والاستقرار وبناء دولة المؤسسات والكفاءات ومحاربة الفساد المالي والاداري والاستبداد والمحاباة والوساطة والمزاجية بحسب ما تسمح به الطبيعة الإنسانية وقوانين هذه الحياة المبنية على الامتحان والاختبار والبلوى، فإنه يرى أنه لا بد للوصول إلى هذه الغايات وتحقيق هذه المُخرَجات من الاشتراط في القيادة موضع الولاية الشروطَ التي تؤهِّلُها للوصول بالأمة إلى هذه المُخرَجات المرجوَّة بحيث تكون تلك القيادة قادرة على تحقيق تلك الغايات والنتائج ولا شك أن هذه القيادة هي من تمتلك تلك الصفات العالية والواقعية التي اشترطتها هذه المدرسة (المدرسة المثالية) من (التقوى العلم الحكمة السياسة التدبير الكرم الشجاعة … إلخ) فالشروط هي نتيجة طبيعية للغاية والنتيجة المتوقَّعَة من هذه القيادة ذات الولاية العامة على البشرية.
أما إذا كانت الغاية المرجوَّة من تلك القيادة موضع الولاية هي تسيير أمور الناس بالطريقة التي تُرضي شرائحَ من ذلك المجتمع وبالأخص الشرائح الأقوى والأكثر نفوذا ومكانة وقوة ماليّة أو قبليّة أو غيرها فإن المواصفات التي يجب أن تتحلَّى بها هذه القيادة من وجهة نظر (المدرسة الواقعية) ليست بالطبع هي تلك الصفاتِ التي اشترطَتْها المدرسة الخيالية ولا المدرسة المثالية، بل المشترَطُ في القيادة و صاحب الولاية في هذه المدرسة (المدرسة الواقعية) هو أن تكون هذه القيادةُ موضعُ الولاية ذاتَ قوة ونفوذ وسيطرة وقبول ومكانة لدى القوى البرجوازية والارستقراطية ذات النفوذ في المجتمع لا تتعارض مع مصالحهم ولا تضر بنفوذهم وتحقق لهم ما يريدون و تترك لهم الحرية في تكوين امبراطورياتهم المالية والمعنوية والحفاظ على نفوذهم و مكانتهم في المجتمع حتى ولو كان ذلك كله على حساب المستضعفين والطبقات المسحوقة في تلك المجتمعات، بل ولو كان على حساب الحق والعدل والقسط والمساواة وتطبيق الأنظمة والقوانين وبناء دولة المؤسسات والكفاءات وضياع مشروع الإسلام بكل أهدافه وغاياته.
إذاً فالولاية في حدّ ذاتها هي سنُةَّ كونية وفطرة إنسانية، ومنهج ربانيّ و أمر تحتاجه البشرية في كل زمان ومكان.