لماذا اختار الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الوفد اليمني ليستقبله في أول نشاط سياسي له

الثورة / إبراهيم الوادعي

اللقاء الأول أو الزيارة الخارجية الأولى لأي رئيس دولة أو رئيس وزرائها يعد ذا دلالات سياسية معينة ، ويتم الإقدام على هذه الخطوة بدقة كونها تتجاوز أجندة اللقاء إلى إعطاء رسائل سياسية عن توجه الحكومة الجديدة في أي بلد أو إيصال رسائل سياسية في ظل وضع مضطرب ، وهو ما حمله استقبال الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي للوفد اليمني برئاسة محمد عبدالسلام كأول عمل سياسي يقوم به رئيسي في مستهل ولايته الرئاسية .
اللقاءات الأولى للمسؤول الأول أو الثاني المنتخب حديثا في أي دولة عادة ما تتجه نحو الحلفاء على قدم المساواة ، وفي هذا ، السياق جاء اختيار العمل السياسي الأول للرئيس الإيراني الجديد .
ايران تراقب الوضع بدقة ، وهي ترصد اكثر خفايا المأزق الذي باتت تعيشه السعودية والولايات المتحدة مع فشل العدوان على اليمن ، ولهاث مبعوثها لوقف اطلاق النار ورفض صنعاء ذلك إلا بشروط تحفظ الكرامة والسيادة ووحدة الأراضي اليمنية .
سعت السعودية ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية و” إسرائيل ” إلى إخضاع اليمن واستعادته سريعا عقب فرار عملائها في ثورة شعبية ، عبر توجيه ضربة عسكرية وتدمير هائل لا سابق له يجعل المجتمع اليمني حساسا تجاه أي فعل أو فكر ثوري – 6 أشهر فصلت بين الثورة وموعد بدء العدوان – وخلال السنة الأولى استهدفت نحو 200 الف غارة البنية التحتية بشكل كامل ، وعلى مدى سنوات الحرب العدوانية ، ارتكبت عمليات القتل بشكل ممنهج وغير مسبوق من قبل التحالف بقيادة السعودية ، واستهدفت الأسواق والأحياء والمساجد والطرقات و أوقعت ما يقرب من 50 الف شهيد وجريح مدني و ألحقت دمارا بما يزيد عن 400 الف منزل مدني ، وعلى وقع تلك الجرائم ، عملت دول العدوان على دفع المنطقة نحو التطبيع مع الكيان الإسرائيلي وإنهاء عزلته في المنطقة بشكل علني .
وفي هذا السياق ، فإن فشل أهداف الحرب العدوانية ، واقتراب اليمن من إحراز نصر كبير ، لن يقتصر تأثيره على الجغرافيا اليمنية بل سيلقي بأثره إقليميا ودوليا . فالولايات المتحدة في المنطقة ستكون في موقع أضعف في الشرق الأوسط عشية انطلاق الحرب العدوانية على اليمن مساء الـ 26 من مارس 2015م ، والأمر ينسحب على تحالفها الواضح وفي المقدمة السعودية والدول الأخرى التي ظلت تصور نفسها اقطابا في المنطقة وتسمي نفسها دول اعتدال بما في ذلك مصر التي تراجع دورها بصورة كبيرة لصالح أبوظبي والرياض ، وباستثناء إمساكها بملف التفاوض بين المقاومة الفلسطينية و” إسرائيل ” يكاد حضورها الإقليمي المستقل عن الرغبة الأمريكية أو الخليجية في قضايا المنطقة خافتا للغاية .
ورغم استمرار الحصار والعدوان على اليمن فإن صنعاء أظهرت مؤشرات قوية في طريق التحول إلى قوة إقليمية يعتمد عليها ضمن محور المقاومة الذي تعد إيران دعامته الأساسية.
دوائر الدراسات الصهيونية ترى كذلك بأن الحرب على ايران ستكون اصعب بكثير في ظل اصطفاف اليمن إلى جانب محور المقاومة ، وتحوله إلى لاعب أساسي في هذا المحور الواقف بوجه المحور الأمريكي ، مناهضا للتطبيع ، ومحركا نشطا للأنشطة العدائية للكيان الصهيوني ، ولديه الجرأة على القيام بأمور تحجم عنها حتى اللحظة قوى مقاومة أخرى .
ومع كشفه عن امتلاك طائرة مسيرة ” وعيد ” بمدى يفوق 2500 كيلو متر لها القدرة على الوصول إلى أهداف إسرائيلية تحول اليمن ورغم الحرب المفروضة عليه إلى هاجس لدى القيادتين السياسية والعسكرية داخل الكيان الصهيوني ، وخلال عملية سيف القدس نصب الجيش الصهيوني بطاريات باتريوت في ميناء إيلات تخوفا من قصف يمني ، عقب كلمة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي بأن صنعاء تراقب الوضع وتنسق مع قيادة المقاومة الفلسطينية المشتركة ، وتداولت وسائل إعلام لاحقا بأن الفصائل الفلسطينية تلقت طلبا يمنيا بتحديد أهداف إسرائيلية ترغب في أن يتم قصفها ، وكان الرد الفلسطيني بانه لا حاجة لذلك في الوقت الحاضر آنذاك وعند الحاجة سيقدم الطلب.
وبالنظر إلى الأجواء الإقليمية للقاء الأول للرئيس الإيراني الجديد مع الوفد اليمني فإنه أتى في ظل محاولة جديدة لفتح نافذة للحرب مع ايران على خلفية حوادث غامضة طالت السفينة الصهيونية في بحر عمان ومقتل بريطاني وروماني على متنها نتيجة ضرب طيران مسير ، ومحاولة اختطاف مجهولة لم يتبين حتى اللحظة من يقف وراءها للناقلة “اسفيل برنس” بالقرب من مضيق هرمز .
واشنطن التي ترغب في التخفف من أعباء ملفات عالمية عدة في عدد من النقاط الساخنة حول العالم ، للتفرغ لمواجهة الصين بما في ذلك احتمالية أي مواجهة عسكرية معها قد تندلع في بحر الصين أو المحيط الهندي وباب المندب ، لا ترغب في الدخول في مواجهة مع ايران في الوقت الحالي ، لكن في المقابل لا يمكنها ترك المنطقة على غاربها لإيران دون اتفاق كما يصرح بذلك ساستها علنا ، وكلا الأمرين يرعب قادة الكيان الصهيوني ويجهدون لمنع تخفيض وجود القوات الأمريكية ، أو وصول مفاوضات فيينا إلى تسمية سياسية ورفع العقوبات الأمريكية المفروضة على ايران .
الضغط الأمريكي باتجاه فرض وقف لإطلاق النار يحول دون تحرير مدينة مأرب الحيوية ، والضغط كذلك باتجاه توسيع مفاوضات فيينا لتشمل سياسات ايران في المنطقة وبرامجها العسكرية الصاروخية ، وقصر الوقت بين زيارات مبعوثها تيم ليندركينغ إلى المنطقة وتقديمه أطروحات جديدة في كل مرة يرغب في أن تفضي إلى فرض وقف لإطلاق النار يشير إلى أن واشنطن عوضا عن كونها مستعجلة للانسحاب من المنطقة ولو إلى حين تسوية المواجهة مع الصين ، فإنها تتعامل مع ملفين مستقلين اليمن وايران ، ولو كان احدهما تابعا للآخر كما تحاول ” إسرائيل ” ومن ورائها عملاؤها الخليجيون أن يصوروا ذلك ، لكان الأمر يقتصر على التعامل مع ايران دون تعيين مبعوث خاص إلى اليمن وجولات تفاوض غير مباشرة مع صنعاء برعاية الوسيط العماني .
صنعاء فطنة إلى اللعبة الأمريكية سواء لجهة منع وصول اليمن في مواجهة العدوان إلى نقطة فاصلة بتحرير منطقة مارب الغنية بالطاقة ، وإسقاط آخر معاقل التحالف السعودي الأمريكي الإسرائيلي الإماراتي في شمال شرق اليمن ، وهي لن تكون بموقف الحياد في أي مواجهة مع أي طرف في محور المقاومة ، إيمانا منها بأن أمريكا ترغب في معركة مجزأة ولا تحترم سلاما قد تبرمه مع أي طرف من الأطراف .
خلال السنوات الماضية وفي الشأن الإقليمي كان صوت السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي عاليا في اتجاه اعتماد سياسة واحدية الميادين بوجه التحالف الأمريكي الذي يقاتل في سوريا واليمن ولبنان ومناطق أخرى ، وعدم الاكتفاء باقتصار الردود على الميدان الذي وجهت إليه الضربة ، بل على الأمريكيين والإسرائيليين أن يتوقعوا أن تأتيهم الضربة من أي بلد منخرط لمحور المقاومة أو تواجد فاعل فيه .
وبحسب مراقبين فإن الصوت اليمني بات أكثر قلقا للأمريكيين من بين اطراف محور المقاومة، ويسبق الموقف اليمني ايران نفسها القطب المركزي للمحور .
بما يمكن أن يوصف به اللقاء فقد كان لقاء الحلفاء الأوفياء والأقوياء والشجعان في الميدان ، وبغض النظر عما دار فيه ،فإن صورة اللقاء قد أنجزت الرسائل المطلوبة إلى واشنطن وتل أبيب والرياض وأبوظبي بأن الحرب إذا ما أشعلتم فتيلها ستكون شاملة ولن تبقى محصورة بمضيق هرمز بل ستمتد إلى البحار المحيطة بالجزيرة العربية وأينما وصلت يد محور المقاومة .
ويمنيا أكدت تصريحات الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي بأن القيادة الإيرانية القادمة اكثر صلابة واقتناعا بأهمية وحتمية التحالف مع اليمن البلد الصاعد بقوة إلى المحيط الإقليمي ، ومن مصلحة ايران تعزيز أواصر التحالف والتعاون مع قيادته وشعبه ، للوصول إلى شرق أوسط جديد متحرر من الهيمنة الأمريكية ، ونهاية مأساة تسببت بالكثير من الآلام لشعوب المنطقة والإسلام مع ” زرع ” إسرائيل ” والوهابية .
مشهد حضور ممثلي اطراف محور المقاومة الجامع وفي الصفوف الأولى في حفل أداء الرئيس إبراهيم رئيسي القسم الدستوري رئيسا لإيران وتأكيده على أن إيران لن تغل يدها عن دعم كل شعب مظلوم يوحي بأن ايران تستند إلى حلفاء أقوياء ، سيكون من الصعب تخيل الحرب الشاملة اذا ما اشتعلت في المنطقة أو تصور أبعادها وأين ستقف .

قد يعجبك ايضا