اللبنانيون يُحيون ذكرى انفجار مرفأ بيروت بمظاهرات وصدامات تحقيق العدالة بإنهاء الاستلاب السياسي لا بالتشظي والانقسامات
الثورة / المحرر السياسي
خرجت مظاهرات عديدة ,أمس الأربعاء, في بيروت ومدن لبنانية أخرى في ذكرى مرور عام على انفجار مرفأ بيروت ، الذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص ودمّر أحياءً كاملة في العاصمة اللبنانية بيروت ، ويطالب المتظاهرون بالعدالة ومحاسبة المتورطين والمتسببين في الانفجار.
وزامنت المظاهرات عقد مؤتمر دولي عبر تقنية الفيديو دعت إليه فرنسا عدداً من الدول المانحة وبرعاية الأمم المتحدة، وهو المؤتمر الثالث منذ الانفجار الذي يطرح دعم حاجات اللبنانيين، وخلال المؤتمر تعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمساعدات للشعب اللبناني بقيمة 100 مليون يورو.
واندلعت مواجهات قرب مقر مجلس النواب في وسط بيروت بين القوى الأمنية اللبنانية وعشرات المحتجين الغاضبين على هامش تظاهرات وحاول عشرات الشبان اجتياز الحواجز الأمنية المؤدية إلى البرلمان من جهات عدة، وفق ما أفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية. ويتزامن مرور الذكرى الأولى لانفجار المرفأ في الرابع من أغسطس/ آب 2020، مع اشتداد الأزمة السياسية والمعيشية في لبنان ، أزمة تهدد اللبنانيين بتردي أوضاعهم المعيشية وما كان حدوثها بفعل انفجار مرفأ بيروت فقط ، بل حصيلة للتدخلات الأمريكية والسعودية والأوروبية في الأوضاع اللبنانية السياسية والاقتصادية ، جعلت لبنان يعيش فراغا حكوميا وأزمة إدارة علاوة على أزمات معقدة ومتشابكة أمنية وسياسية واقتصادية وأهلية.
المطالبة بالعدالة ومحاسبة المتورطين بالصدامات والانفعالات الغاضبة والهيجان المدفوع من خارج لبنان وفي ظل وضع سياسي واقتصادي وأهلي قاس وانقسامات متعددة لا تصب في خدمة العدالة ولا تحقق عدلا لأي لبناني كان ، إنما تزيد الطين بلة وتضيف إلى غياب العدالة انعدام الأمان وانهيار سبل المعائش ، وما يحتاجه اللبنانيون اليوم هو التوحد في مواجهة التغوّل الأمريكي والسعودي والتصدي لحالة الاستلاب السياسي وارتهان القرار ، فما من عدل سيتحقق في ظل أمريكا والسعودية ، أما الفساد والقضاء عليه تعتبر الإدارة الأمريكية والنظام السعودي أكبر دولتين فاسدتين في الدنيا كلها ، وأول خطوات التصحيح في لبنان وغيرها ستكون بالقضاء على تداخلاتهما والتحرر من هيمنتهما كذلك.
الانهيار الحاصل في لبنان لم يتسبب به انفجار مرفأ بيروت ولا تفشي فيروس كورونا ، وإن كان الانفجار عمَّق كارثية الأوضاع بشكل أكبر ، لكن الانهيار يعيشه لبنان منذ صيف 2019، حينما استقال الحريري من منصبه كرئيس للحكومة ، وإثر ذلك عصفت الأزمات السياسية والاقتصادية بالأوضاع في لبنان الشقيق ، حتى بات البنك الدولي يصنّف الأوضاع المعيشية في لبنان بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر ، ويشير إلى أكثر من نصف اللبنانيين ربما يصبحون تحت خط الفقر، فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المائة من قيمتها أمام الدولار، فيما ارتفعت أسعار مواد أساسية بأكثر من 700 في المائة ، الأوضاع الأمنية والأهلية تشهد نزوعا نحو مزيد من الفوضى ، وكل ذلك لا مصلحة للبنان ولا للبنانيين بمختلف طوائفهم فيه ، بل هو مصلحة أمريكية وسعودية وصهيونية.
ورغم التحريض الذي مُورِس على حكومة حسان دياب من قبل الأطراف السياسية المدعومة من آل سعود وأمريكا ومن أطراف أوروبية أخرى، وصولا إلى انفجار المرفأ في 4 أغسطس العام الماضي ودفع حكومة دياب إلى الاستقالة ، إلا أن الأطراف نفسها التي حرضت على حكومة دياب امتنعت عن تشكيل حكومة بديلة يرأسها أحد زعمائها وهو سعيد الحريري ، وحال هذه الأطراف السياسية مع اللبنانيين كما يقال في المثل “لا رحموا الناس ، ولا خلوا رحمة الله تنزل”.
لبنان بحاجة إلى حلول جذرية لا إلى مساعدات أو مؤتمرات مانحين، ولا حل للبنانيين إلا باتفاقات سياسية وطنية تبعد لبنان عن التدخلات السعودية والأمريكية والارتهان السياسي، وتنجز حلولا جذرية معها ستحسم مسائل كثيرة تتعلق بعناوين الفساد السياسي والإداري التي تُرفع في الأوساط ويستخدمها أعداء لبنان في سياق تحريضي وتحشيدي، إذ أن التصحيح الإداري والمالي والحد من الفساد لا يمكن في أي بلد إلا بالاستقلال السياسي وبإرادة لبنانية مستقلة عن التدخلات الأمريكية والسعودية.
ومنذ انفجار المرفأ، يدّعي المجتمع الدولي إيصال مساعدات إنسانية إلى اللبنانيين ، لكن المساعدات في الحقيقة هي أموال مسيّسة ومدنسة ، لن تشبع جائعا ولن توفر علبة دواء لمريض بل ستزيد لبنان اشتعالا وانقساما وتهييجا, فهي وإن قدمت تحت عناوين إنسانية فإنها تستخدم لمزيد من التفكيك والانهيارات والاستقطابات الحادة التي تقسم لبنان وتحدث شروخا في المجتمع.