سيرة وتاريخ السيد العلامة بدر الدين الحوثي الأب الروحي لأنصار الله
رحلة عالم رباني كَرّس حياته في توحيد الأمة وتحصينها وضّحى في سبيل عزتها
الثورة / تقرير / عبدالرحمن عبدالله
يصادف يوم أمس، الذكرى الحادية عشرة لوفاة العالم الرباني والأب الروحي لأنصار الله السيد بدر الدين الحوثي، الذي قضى 86 عاما من عمره في الجهاد والبحث والإفتاء والتعليم والتفسير والتصدي للانحرافات التي جاءت مع المد الوهابي واجتاحت اليمن عقب ثورة 26 سبتمبر ، كان السيد العلامة بدر الدين الحوثي من أهم علماء الزيدية ومراجعها في اليمن.
ولد السيد العلامة بدر الدين الحوثي عام 1345 هـ، في مدينة ضحيان التابعة لمحافظة صعدة «شمال اليمن»، عاش في ضحيان ثم انتقل إلى مدينة صعدة، وقتذاك كانت المملكة المتوكلية اليمنية – بقيادة الإمام يحيى حميد الدين، الذي استطاع تحرير اليمن من الاحتلال العثماني- عضوا في عصبة الأمم، عاش السيد العالم بدر الدين الحوثي حياة متواضعة وبسيطة متنقلا بين مناطق عدة في صعدة، نشأ في ظل أسرة علمية تشتهر بالعلم والمعارف والتأليف والتدريس والإفتاء.
في ذلك الحين، كان السيد بدر الدين الحوثي ينشط في تدريس العلوم الزيدية ولم تسجل للراحل حياة سياسية خلال تلك الحقبة، لاحقا – فتحت بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م – الأبواب أمام المد الوهابي بدعم من المملكة السعودية، لمعركة مصيرية أمام السيد بدر الدين الحوثي فاضطر إلى الانخراط في التصدي للتمدد الوهابي، غير أن النظام الذي نشأ في اليمن عقب الثورة قام بملاحقة بدر الدين الحوثي ضمن سلسلة ملاحقات وإعدامات لعلماء الزيدية ومراجعها الفكرية، وعلى خلفية مواقفه المناهضة للظلم والشمولية تعرض لسلسلة مضايقات وملاحقات دفعته إلى مغادرة اليمن إلى نجران ثم إلى الأردن ثم إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية واستدعاه على إثرها علي عبدالله صالح إلى دار الرئاسة في صنعاء، حسب تأكيد السيد بدر الدين رحمه الله في مقابلة صحفية أجراها مع صحيفة الوسط الأسبوعية.
في مؤلفه «التحذير من الفرقة» ، يتحدث السيد العلامة بدر الدين الحوثي عن الفرقة والاختلاف في صفوف الأمة ويعتبرها السبب في ضعف وهوان الأمة وضعفها ، ويؤكد في كتابه – الذي ألفه ضمن سلسلة مؤلفات شهيرة – أن الحل أمام الأمة الإسلامية هو في عودتها إلى القرآن الكريم لكونه منهج حياة شاملاً ، وقد كرس السيد بدر الدين رحمه الله حياته العلمية في تفنيد الشبه والتضليل والتصدي للنفاق وفي تفسير القرآن الكريم ، وله مؤلفات شهيرة منها «التيسير في التفسير»، سبعة مجلدات وهو تفسير شامل للقرآن الكريم طبعت منه عدة طبعات بإشراف ولده العلامة محمد بدر الدين الحوثي ، ولديه «تحرير الأفكار عن تقليد الأشرار»، طبع سنة 1414هـ، وهو في الرد على شبهات الوهابيين، وضمّنه مباحث هامة في الأصول والحديث.
ومن مؤلفاته المطبوعة في كتيبات، «الإيجاز في الرد على فتاوى الحجاز»، يرد فيه على فتاوى أصدرها علماء الوهابية في السعودية، ولديه مؤلف في علم الحديث بعنوان «الزهري أحاديثه وسيرته»، وكذلك «الغارة السريعة في الرد على الطليعة»، وشرح آمالي الإمام أحمد بن عيسى بن زيد بن علي عليهم السلام» (مخطوط) ، وكذلك «طرق تفسير القرآن الكريم» الذي يضع فيه طريقة للتفسير تركز على شمولية القرآن كمنهج للحياة ، ولديه مخطوط «كشف الغمة في مسألة اختلاف الأمة»، و»المجموعة الوافية في الفئة الباغية» (مخطوط) ، و”القاضب الخافض لهامات النواصب» (مخطوط) ، و”التحذير من الفرقة” (طبع) ، وأحاديث مختارة في فضائل أهل البيت عليهم السلام ، إضافة إلى جملة من الرسائل والكتيبات التي طُبع منها الكثير.
في منتصف التسعينيات حاولت السلطات اليمنية اغتيال العلامة السيد بدر الدين الحوثي، إذ تعرض منزله لقصف بقذيفة «أر بي جي» استهدفت غرفة نومه.
يقول الإعلامي حميد رزق: أدرك العلامة بدر الدين الحوثي أن حياته في خطر، وأقنعه المقربون بضرورة خروجه من اليمن، ترك العلامة الحوثي اليمن متجهاً إلى السعودية، ولم يسمح له فهد بن عبد العزيز المكوث فيها أكثر من 10 أيام، فغادر باتجاه الأردن، ثم إلى سوريا وصولاً إلى إيران التي استقر فيها حوالي عام كامل.
وقد جاء استهدافه بعد مشاركته في تأسيس حزب الحق بعد توقيع اتفاقية الوحدة بين الشطرين الجنوبي والشمالي عام 1990م، الذي جمع كوكبة من علماء الزيدية، كان السيد بدر الدين الحوثي يتولى عضو هيئة الحزب العليا ، طرح علماء الزيدية نظرية سياسية للتعامل مع الحياة الحزبية التي تشكلت، ولأن السيد بدر الدين الحوثي كان يركز في كل نشاطه على ضرورة وحدة، الأمة فقد رأى في الوحدة اليمنية بارقة أمل يمكن البناء عليها ، لكنه أمل تبخّر حين شنّ علي عبدالله صالح حرب صيف 1994م، على شريكه في الوحدة الحزب الاشتراكي اليمني بقيادة علي سالم البيض ، وعقب الحرب التي انتصر فيها علي عبدالله صالح، وضع الأخير حزب الحق وعلماء ومراجع الزيدية بالتحالف مع الحزب الاشتراكي وعلى إثر اتهاماته باتت حياة السيد بدر الدين معرضة للخطر وكان تعرض منزله للقصف يعكس قرار السلطة بتصفيته.
رحل السيد – رحمه الله – إلى خارج اليمن ، وقضى أكثر من عام متنقلا بين دول عدة ، ثم عاد واستقر بخولان بن عامر في محافظة صعدة، فقد كان له علاقات بأبناء تلك المناطق، فقد سبق له أن عاش في أوساطهم عالماً مفتياً مربياً مرجعاً يعودون إليه في قضاياهم وفي دينهم وفي حياتهم ، بعد عودته بدأ ولده السيد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي نشاطاته التوعوية والتثقيفية حول خطر أمريكا وضرورة التصدي لها ، وهو الأمر الذي باركه العلامة بدر الدين الحوثي – رحمه الله.
أطلقت السلطة حرباً عسكرية عنيفة على السيد حسين بدر الدين الحوثي في منتصف العام 2004م انتهت باستشهاده ومعه عدد كبير من أنصاره ، وكان السيد العلامة بدر الدين الحوثي – رحمه الله – يعيش تفاصيل الحرب ، وبعد إيقاف الحرب الأولى كان العلامة السيد بدرالدين الحوثي مهتماً بقضية الإفراج عن الأسرى ، وقد تواصل نجل العلامة، يحيى الحوثي – الذي كان متواجداً في صنعاء – مع علي عبد الله صالح، وطلب الأخير قدوم العلامة – رحمه الله – إلى العاصمة صنعاء ، يروي الدكتور عبد الرحيم الحمران – وهو صهر السيد العلامة بدر الدين الحوثي – رحمه الله – ما جرى يومها: “قالوا إنه بمجرد وصول العلامة السيد بدرالدين لصنعاء سيتم إطلاق كل الأسرى ، ذهب إلى هناك ومكث عدة أيام إلا أنهم لم يفعلوا أي شيء”.
حاول علي عبدالله صالح فرض الإقامة الجبرية على العلامة – رحمه الله، لاستخدامه كورقة ضغط على المجاهدين الذين أصبحوا حينها في جبال شمال اليمن ، لاحظ السيد بدر الدين مماطلة صالح فعاد إلى صعدة عودة أغضبت علي عبدالله صالح الذي اعتبرها تمردا على نظامه ، لكن ما قيل حينها أن السيد بدر الدين الحوثي قد تعرض لمحاولة اغتيال في العاصمة فعاد سرا إلى صعدة حتى أفراد أسرته لم يكونوا يعلمون بعودته”، ينقل الحمران.
بعد ذلك، أخذت السلطة بقيادة الصريع علي عبدالله صالح تلاحق السيد بدرالدين الحوثي ، كان كمين “سوق الطلح”، الذي أودى بحياة عدد من المقربين بالعلامة السيد بدر الدين الحوثي ، مقدمة لحرب ثانية ، نفذت القوات العسكرية إنزالاً مظلياً بثلاث مروحيات في منطقة نشور بهدف اختطاف أو اغتيال السيد بدر الدين الحوثي – رحمه الله – من جامع كان يقيم فيه، فتصدى عدد من المجاهدين للإنزال وأفشلوا المخطط ، لتندلع عقب ذلك الحرب الثانية.
امتدت الحرب الثانية بين تاريخي 18 مارس 2005م وحتى 4 أبريل 2005، انتهت الحرب بإعلان السلطة الظالمة بقيادة علي عبدالله صالح بإعلان مكذوب عن “مقتل السيد العلامة بدرالدين الحوثي” ، “كانوا معتقدين أنّ السيد بدرالدين استشهد في الحرب الثانية، لقد وجدوا عمامته وبعض أغراضه، بعدما استهدفوا المسجد الذي عادة ما يتواجد به، فاعتقدوا أنّه استشهد”، يقول الدكتور الحمران..
الأستاذ ضيف الله الشامي – وزير الإعلام في حكومة الإنقاذ، يقول عن الإعلان: “كانت مزاعم غير صحيحة، أرادوا أن يضعفوا نفوس المؤيدين لأنصار الله في كافة اليمن، كانوا يتحدثون عن مقتل قيادات: أحياناً السيد بدرالدين وأحياناً السيد عبدالملك، وحتى عن قيادات أخرى. أرادوا إضعاف نفوس المقاتلين والمتعاطفين… كانت الاتصالات بكافة وسائلها ممنوعة، حتى الزيارات إلى محافظة صعدة كانت ممنوعة بتاتاً، وأي صحيفة أو قناة كانت تحاول أن تتحدث عن أنصارالله كانت تقفل وتغلق وتواجه بتهم التخوين”.
انتهت الحرب الثانية، ولم يكن هناك أي منطقة آمنة، خرج المجاهدون من نشور إلى منطقة الصفراء القريبة من الحدود السعودية، ثم إلى نقعة، وهي منطقة في العمق فيها كهوف وجبال محيطة، تجمع المجاهدون هناك، مع السيد بدرالدين الحوثي ، إلا أن ملاحقات السلطة دفعتهم للخروج نحو مطرة ونقعة لاحقاً.
عام 2006م، وتحديداً بين شهري يونيو وسبتمبر اندلعت الحرب الثالثة التي امتدت لأشهر ثلاثة، بدأت الحرب بالاعتداء على المعتقلين في السجن المركزي بمدينة قحزه في صعدة، ما أدى إلى مقتل ثلاثة معتقلين ، انتقلت المعارك إلى الأسواق ، كانت حرب طاحنة، “لم تستطع السلطة أحراز أي تقدم، وانتهت الجولة بالتفاوض، ثم استمرت الحرب ثالثة ثم رابعة ثم خامسة ثم سادسة ، شاركت في الجولتين الأخيرتين السعودية بالطائرات والمدفعية والصواريخ واستمرت السادسة حتى نهاية العام 2010م ، في كل جولات الحروب كان السيد بدر الدين الحوثي – رحمه الله – بمثابة الأب الروحي والمرجع للمجاهدين.
صباح الخميس 19 من ذي الحجة 1431هـ ، الموافق 25 نوفمبر 2010م رحل السيد العلامة المجاهد بدر الدين الحوثي رحمه الله عن الدنيا ، يقول أحد أبنائه :”نهض (رضوان الله عليه) لأداء صلاة الفجر وتوضأ بالماء وضوءاً تاماً حتى أنه لم يرضَ لولده بأن يُعينه على غسل رجليه، وصلى صلاة الفجر من قيام، وفي تمام الساعة الثامنة والربع من صباح ذلك اليوم صعدت روحُهُ الطاهرة إلى بارئها راضيةً مرضية بعد حياةٍ زاخرةٍ بالجهاد والعطاء، والتفاني في سبيلِ الله ومن أجل المستضعفين، بعد أن اختطَّ للسائرين دربَ المسيرة القرآنية المحمدية، ومثَّلَ النموذجَ الصحيحَ للعالم الرباني، ورَسَمَ المعالمَ البارزةَ للمنهج الإسلامي المحمدي الأصيل، في رحلةٍ طويلةٍ مع القرآن الكريم تَرْجَمَتْ مفاهيمَه الإلهية إلى جهادٍ مستمرٍ وعملٍ مثمر ، فلم تَغمُضْ عيناه حتى رأى ثمرةَ جهاده في سبيل الله” .
قال محمد عبدالسلام – الناطق الرسمي لأنصار الله في تصريحات حينها – “إن زعيمنا الروحي والأب المؤسس والمرجع الأول للطائفة الزيدية توفي صباح اليوم (الخميس) عن 86 عاما بعد طول معاناة من مرض الربو».
ونعى أنصار الله – عبر المكتب الإعلامي للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، في بيان حينها نشرته وسائل إعلام – السيد العلامة بدر الدين الحوثي، واعتبره الأب الروحي ، تعيد “الثورة” نشر نص البيان:
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: «وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً»
ننعي إلى أبناء الشعب اليمني وإلى أبناء أمتنا العربية والإسلامية السيد العالم الكبير فقيه القرآن ربانيُّ آل محمد المجاهد المظلوم بدر الدين بن أمير الدين الحوثي – رحمه الله رحمة الأبرار.
وكانت وفاته صباح يومنا هذا الخميس 19 من ذي الحجة 1431هـ الموافق 25نوفمبر2010م عن عمرٍ ناهز (86) عاماً، عاش باذلاً حياته كلها لله، حياةً حافلة بالعطاء اللامحدود في سبيل إقامة الدين وإيقاظ الهمم وتبصير الناس بمنهج الله المتمثل في كتابه العظيم القرآن الكريم، وأمضى جُلَّ أيامه مع القرآن حليفاً، وقائداً، ومنهاجاً، في علمه، وجهاده، وثقافته، وتربيته، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر.
وقد تميز في حياته – وخلال أدائه العلمي والرسالي والتربوي – بالتزام الطريقة القرآنية الناجحة في بناء النفوس، فتخرج على يديه من يحمل روحية القرآن الجهادية ويحمل الشعور بالمسؤولية تجاه قضايا المسلمين، وسطعت في الأفق نجومُ لامعة إثر تلك التربية، وأمةُ قرآنية مستبصرة دفعها ذلك إلى القيام بالواجب الذي يمليه عليها القرآن والواقع المظلم في هذه المرحلة العصيبة.
وقد كان أكثر علماء عصره معاناةَ وصبراً وتلقى المتاعب ، والاستهداف ، والنفي ، ومحاولات القتل المتعددة ، والمنع من السفر حتى لتلقي العلاج، ذلك أنه كان يعاني طويلا من مرض مزمن (الربو). كان هذا كله لأنه اختار المواقف القرآنية العملية التي يصدع فيها بالحق، لا يخاف في الله لومة لائم، فكان بحق العالم الذي حمل مواصفات العلماء في القرآن (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً )، مجسداَ بذلك روحية أنبياء الله وأوليائه، وورثة كتبه في الاهتمام بأمر عباد الله وملامسة واقعهم المرير؛ فكانت تصدر عنه المؤلفات الهامة إضافة إلى البيانات التي تدعو إلى تبني المواقف المطلوبة تجاه المؤامرات الأمريكية والإسرائيلية وما يتطلبه الصراع بمختلف أنواعه.
وفي سبيل ذلك، ناله ما ناله من المتاعب ، والتشرد في الجبال، ولم يعامل كعالم من علماء الأمة، بل ولا كرجل كبير طاعن في السن مثقلٌ بآلام المرض؛ فتحمل صابراً محتسباً ذلك لوجه الله، حتى توفاه الله على ذلك، تاركاً للأمة الإسلامية القدوة والأسوة والمثل العظيم لمن يمثل دين الله وفق منهج القرآن الكريم.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله وسلم على محمد وآله الطاهرين، إنا لله وإنا إليه راجعون.