يُعَرَّفُ الحج لغةً بأنه القصدُ وفي الاصطلاح يعرَّف عند المسلمين بأنه التوجه إلى مكة المكرمة لأداء المناسك المعروفة : إحرام ، طواف ، سعي وغيرها؛
وللحج أصلٌ في تأريخ ما قبل الإسلام لا يبتعد كثيراً من حيث الشكل عن الحج في الإسلام المبين في الآيتين (27، 28) من سورة الحج (*وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ) ، والمتأمل في الآية (28) يلاحظ أن المنفعة العامة المتوخاة من الحج قد وردت في المقدمة ثم جاء ذكر اسم الله ، وهذه إشارة إلى أن لفقه المعاملات في الإسلام الدرجة الأعلى لاعتمادها على العلم والعدالة التي لا يفرق فيها بين الناس بسبب العرق أو الدين أو النسب أو أي سبب آخر (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) (58) سورة النساء ، وكلمة الناس هنا واضحة الدلالة بأن المقصود جميع الناس لما تقتضيه العدالة.
وكان الحجاج قبل الإسلام يطوفون حول الكعبة عراة ، ولهم أسواق عديدة بالقرب من مكة التي كانت مركزاً دينيا واقتصادياً وكانت أشبه بالأسواق الحرة اليوم يتنافسون فيها على بيع بضائعهم ومنتجاتهم المادية والأدبية التي منها الاستماع لآخر ما جادت به قرائح الشعراء باعتبار الشعر كما قيل ديوان العرب ، وكانوا يجلبون تماثيل آلهتهم المتعددة ويروجون لها في هذه الأسواق ، وقد اشتهر أن المعلقات السبع التي تعد في التراث الأدبي العربي فخر العرب قد عُلقت على جدران الكعبة كتقليد موروث بناء على ما أقرته جنة تحكيم ، وسواءً كانت هذه الحكاية حقيقة أم أسطورة ، وسواءً كانت مناقشة وتبادل الإنتاج الشعري عن طريق المشافهة أو التدوين فإن ما يطلق عليه بالمعلقات المتداولة من النقاد والمؤرخين تبدوا آخر ما تناقله العرب قبل الإسلام من تراثهم الشعري المزعوم تعليقه ، إلا أن كثيرا من الباحثين يرون أن التدوين على الورق لم يكن موجوداً أصلاً ليتم تعليق ما يسمى بالمعلقات ، واستدلوا على ذلك بأن القرآن على مكانته بقي في إطار التداول الشفهي المتفرق إلى أن بُدئ بجمع ونسخ المصاحف في آخر سنة 24، وأوائل 25للهجرة ، ولا يوجد تاريخ متفق عليه بين المؤرخين حول تاريخ إنجاز المصحف الموحّد المتداول بالتواتر إلا أن أغلب الآراء المتاحة تذهب إلى أن ذلك تم في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه ، والشاهد هنا أن تدوين ما يسمى بالمعلقات بحاجة إلى تدقيق وتمحيص ، وأن التبادل الثقافي والديني في أسواق العرب قبل الإسلام مثل عكاظ ومكة وصنعاء وعمان وغيرها كان يتم شفاهة حيث لم يتم البدء بتدوين العلوم والتاريخ إلا في القرن الثاني الهجري فلا وجود لوثائق مكتوبة تحسم الخلاف.
أما الحج في الإسلام فتبدأ طقوسه بلباس الإحرام من المواقيت المحددة لكل بلد وهو لباس موحد أبيض خال من المخيط يستر العورة كما في شروط صحة الصلاة وفي ذلك رمزية لمساواة الناس في وقوفهم أمام الله يوم عرفة بلا تمييز بين غني وفقير أو رئيس ومرؤوس أبيض وأسود ، ولكي لا نغرق في تفاصيل هذا الموضوع الخلافي فنبتعد عن جوهر موضوع وظيفة الحج الأساسية التي حددتها الآية (28) من سورة الحج التي رأى كثير من الفقهاء أنه أقرب إلى مؤتمر سنوي يشارك فيه من استطاع إلى الحج سبيلاً ، باعتبار أن الاستطاعة بتفاصيلها المادية والصحية والاجتماعية أساس هذا الركن والمقصود بذلك أنه وسيلة لالتقاء الحجاج من أنحاء العالم وتبادل الهموم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها ولذا ذكرت المنافع في الآية في المقدمة ليأتي ذكر الله تالياً وهذه إشارة إلى غنى الله عن عباده وحاجتهم إليه وهو ما يبينه سياق الآية.
والمتأمل في قوله تعالى (ليشهدوا منافع لهم) وواقع الحج اليوم يجد أن المنتفع من الحج هي الدول والشركات غير الإسلامية بل والمعادية لها والتي تغرق أسواق مكة والأماكن المقدسة بمنتجاتها لأن الدولة التي تحتل الحرمين الشريفين أصبحت مركزاً للتطبيع مع الصهيونية والتآمر على المسلمين، صحيح أن المسلمين هم أكثر تآمراً على أنفسهم من أعدائهم لكن هذا موضوع آخر يختص به مقالٌ آخر.
لقد أصبح من الواضح أن من يحكم الحرمين يسعى حثيثاً لتعطيل الوظيفة الأساسية للحج والحؤول دون تحقيق منافع الناس ومنع تجمعات الحجاج كي لا يناقشون منافعهم ، وقد وصل الحال إلى التعاقد مع الشركة البريطانية الصهيونية (جي – فور – إس) للمراقبة المباشرة على الحجاج بتقليدهم أساور الكترونية بحجة المحافظة عليهم وإرشادهم ، وتم تقليص عدد الحجاج بذريعة منع انتشار الأوبئة ومنها (وباء كورونا) المثير للجدل ، وفي هذا العام منع المسلمون من الحج بشكل كامل عدا أعداد ضئيلة من المواطنين والمقيمين في السعودية وبما لا يتجاوز ستين ألفاً رغم وجود وسائل حديثة تمكن من منع المصابين بأي وباء.
وبذلك يسعى النظام السعودي لمحاولة شرعنة تحكمه في منح حق أداء هذه الفريضة لمن يشاء ومنعه عمن يشاء حسب هواه السياسي كي لا يصبح بحق مؤتمراً سنوياً للمسلمين يناقشون فيه قضاياهم ويحاولون البحث عن حل لما يعانونه من مشكلات.
أي معنى يخبئه المستحيل
وأيُّ ضَلالٍ يغطي مداركنا والعقول