الدور الريادي للجامع الكبير في صنعاء

أحمد يحيى الديلمي

أحمد يحيى الديلمي

 

 

بالأمس القريب كنا هناك في حرم الجامع الكبير المقدس في صنعاء، أقول المقدس حسب التسمية التي كانت سائدة لدى أهل صنعاء وذكرها القاضي محمد الحجري في كتابه “تاريخ مساجد صنعاء”.
المهم أننا في حرم هذا الجامع المقدس شاهدنا أشياء عظيمة، شاهدنا أشبالا في عمر الزهور على رؤوسهم الشاشات البيضاء والنور يلمع من وجوههم، كلهم يتحدثون بلغة القرآن، ويتباهون بما حفظوه من المعارف الدينية.
المنظر بديع بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، يدحض كل تلك الإشاعات التي روَّج له الأعداء بأن هذه المراكز كانت تدرب الطلاب على الأسلحة وتخرجهم عن الهوية الإيمانية السائدة في اليمن ، فالحضور والأحاديث التي صدرت عن الطلبة وأولياء الأمور أكدت أن ما قيل كان مجرد إشاعات لا وجود لها إلا في أذهان من تحدثوا بها ، وهذا ما أكده لي أحد الحاضرين بالصدفة والذي كان من الطلبة الذين درسوا فيما كان يسمى بالمعاهد العلمية ، قال لي إن كل ما يُقال في قنوات الأعداء وبالذات سهيل التي أزال الله وجودها هو اعتماد على ما كان سائداً في المعاهد العلمية فلقد كانوا يدربوننا على السلاح ويملأون صدورنا بالحقد على الآخرين ويقولون إن كل طلاب المدارس شيوعيون، دماؤهم مباحة وأعراضهم وأموالهم مهدرة ، ولعلهم اعتقدوا أن هذه المراكز تسير على نفس النهج ، وهو اعتقاد خاطئ فنَّده العلامة القدير عبدالفتاح الكبسي أمين الهيئة العلمية للجامع الكبير، حينما قال إن المراكز حاولت أن توفِّق بين المنهج التعليمي السائد المُعد من وزارة التربية والتعليم وبين منهج المراكز الصيفية لكي يخرج الطالب مكتملا حائزا على كل المعارف ، وهكذا قال لي العلامة رجل الأعمال المعروف محمد علي المحفدي الذي ترك التجارة لأولاده واستوطن العلم وأصبح من مشائخ القراءات السبع ، حيث قال إن ما يُدرَّس في هذه الدورات هو نفس المنهج الذي كان يُدرَّس منذ عشرات السنين والذي يعتمد على القرآن والسنة، بحسب المعنى الدارج “قال الله وقال الرسول” ، وهذا هو المعروف عن مدرسة الجامع الكبير التي تخرج منها مئات العلماء الربانيين الزهاد الفضلاء ومنهم من لا يزالون قائمين حتى اليوم على هذه المراكز الصيفية ، وكما قال مفتي الجمهورية فضيلة العلامة شمس الدين شرف الدين: إن الأمل هو أن تحظى هذه الهيئة العلمية الرائدة بالاهتمام من كافة مؤسسات الدولة والمواطنين وأن يتم التعجيل بإنشاء الجامعة العليا للجامع الكبير المقدس بصنعاء بحسب توصية الرئيس الشهيد صالح الصماد التي أحيت فكرة قديمة كان قد أفصح عنها الرئيس الشهيد إبراهيم محمد الحمدي عندما أمر بإنشاء دار العلوم العليا بالجامع الكبير وأسند أمرها إلى العلماء الأجلاء أصحاب الفضيلة أحمد محمد زبارة، محمد محمد المنصور، حمود عباس المؤيد، وآخرين رحمهم الله جميعاً، حيث قرأت التوجيه بنفسي وقضى بأن يكون خريج دار العلوم بالجامع الكبير موازياً لخريج كلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء وأن يُعطى نفس الدرجة الوظيفية، إلا أن خفافيش الظلام سطت على ذلك الأمر وتم إخفاؤه نهائياً في جنح الظلام من قبل نفس القوى التي سيطرت على التربية والتعليم في زمن المعاهد العلمية، ولم تتوقف محاولتها عند إخفاء الأمر فقط، لكنها سعت إلى إلغاء هذا الصرح العلمي المتميز الذي كان منارة من منارات اليمن، وعُرف عنه بأنه يقوم بتعليم المعارف الفقهية السليمة البعيدة عن إثارة الفتن والمشاكل وبحسب القواعد التي اتفق عليها الأجلاء علماء ذلك الزمان الغابر ، الذين اتفقوا على قواعد تعزز المشترك وتتجنب المسائل الخلافية ، وهذا ما عُرف به اليمنيون منذ أقدم العصور، وهذا ما يؤكد عليه منهج التعليم في الجامع الكبير إلى يومنا هذا .
الأهم أن تجد فكرة إنشاء الجامعة طريقها إلى النور لكي يظل هذا الجامع منبر إشعاع ونور يهدي إلى الحق، وينير الطريق لكل من يُريد التعلم باعتبار العلم كما ورد في إشارة فضيلة المفتي هو المخرج وطوق النجاة الذي يجنبنا المزالق ويمنع الكوارث والفتن ، خاصة إذا وجد العلماء الربانيون الخائفون من الله القادرون على ترجمة نهجه القويم كما أراد الله سبحانه وتعالى ، ولو تمت ترجمة فكرة بناء هذه الجامعة فإنها كفيلة بأن تزيل الكثير من الشبهات عن الدين وأن توجد جيلاً مسلحاً بالعلم الصادق البعيد عن الغلو والتطرف الذي يُعيد للإسلام رونقه وبهاءه .
أشكر كل القائمين على التعليم في هذا الصرح العظيم وأرجو أن تستمر هذه الحلقات كي تُنمي المعارف لدى جيل المستقبل وتُخرج جيلاً متفقهاً في الدين، حائزاً على رضا الله سبحانه وتعالى، كما قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وعلى آله وسلم “من أراد الله به خيراً يفقهه في الدين”.. نرجو التوفيق والسداد للقائمين على هذا الصرح، وللجيل المتعلم الفوز والنجاح دائماً والخروج للحياة بمعارف تُنير لهم الطريق وتمنع عنهم الشبهات، إنه على ما يشاء قدير، والله من وراء القصد..

قد يعجبك ايضا