العملة المزورة وأثرها على الاقتصاد الوطني

د. يحيى علي السقاف

 

إن ابرز مسببات تدهور سعر صرف الريال اليمني الفشل في السياسات المالية والنقدية لحكومة المرتزقة وعدم قيام فرع البنك المركزي في عدن بمهامه في مجال تحديد سعر الصرف وترك أمر تحديده لصالح السوق غير النظامية مع ضعف في التنسيق مع البنوك التجارية والإسلامية ونهب العدوان ومرتزقته ثروات البلاد السيادية من النفط والغاز والذي تقدر بأكثر من 15 مليار دولار والتي تكفي نصف قيمتها لصرف مرتبات الموظفين لمدة 15 سنة، وأيضا توريد الموارد المحلية والمركزية الى بنوك خارجية وصرف مرتبات المسؤولين والعسكريين في حكومة المرتزقة بالعملة الأجنبية واستمرار طباعة العملة دون غطاء قانوني وتزايد الفجوة بين العرض والطلب أمام العملات الأجنبية في السوق بسبب زيادة الطلب على العملة الناتجة عن زيادة الطلب على السلع المستوردة لأسباب من أهمها ضعف الإنتاج المحلي والمضاربة في العملة .
وطباعة العدوان للعملة المزيفة هو امتداد لسلسلة عمليات سابقة، ومنذ ذلك الحين وحكومة الارتزاق والفساد منهمكة في تنفيذ أوامر السفير الأمريكي حيث قاموا بطباعة العملة غير القانونية على عدة مراحل، فقد بلغ حجم العقود المعلنة حتى نهاية 2018م تريليوناً و720 ملياراً وقد وصلت جميع المبالغ الى بنك عدن على دفعات متفرقة وأيضا أبرموا عقوداً غير معلنة لطبع مبالغ كبيرة منها 600 مليار في عام 2019م و400 مليار في عام 2020م وكذلك تريليوني ريال من فئة 5000ريال ولا يزال المرتزقة يخططون لضخ هذه المبالغ إلى السوق.
وقد جاء إعلان البنك المركزي بصنعاء منع التداول بتلك العملة في الوقت المناسب، حيث لجأ العدوان ومرتزقته مؤخرا إلى تزوير فئة الـ1000 ريال بشكل يشبه العملة الوطنية المتداولة وبكميات هائلة تصل في دفعتها الأولى إلى 400 مليار ريال وكتبوا عليها نفس تاريخ العملة الوطنية 1438هـ – 2017م، مرتكبين بذلك جريمة جسيمة وفضيحة مدوية تضاف إلى جرائمهم وفضائحهم التي لا تحصى ولا تعد لغرض فرض تداولها في المناطق الحرة نظرا لفشلهم في فرض العملة المزورة التي كانت مختلفة من حيث الشكل عن العملة السابقة وتم منع تداولها وأيضا نظرا لصعوبة التمييز بينها وبين العملة القديمة والتي قام البنك المركزي بصنعاء مؤخرا بكشف هذا المخطط وإصدار قرار بعدم تداولها ووضح أهم الفروق بين العملة الوطنية والمزيفة.
وفي مواجهة ذلك اتخذت حكومة الإنقاذ الوطني عدة إجراءات لحماية الاقتصاد الوطني من هذه المؤامرة، حيث أصدر البنك المركزي اليمني المركز الرئيسي بصنعاء آلية التصدي لمنع دخول الأوراق المزيفة الى المناطق الحرة التي يحكمها المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ، وأعلن عنها في البيان الصادر بتاريخ 22 /6 /2021م حيث أكد أن ورقة العملة المتداولة حاليا في مناطق حكومة الإنقاذ الوطني من فئة 1000ريال التي تم إصدارها في عام 1438هـ-2017م هي التي يبدأ رقمها التسلسلي بحرف (أ)، وان أي عملة مشابهة من فئة 1000ريال مدوَّن عليها نفس التاريخ ورقمها التسلسلي يبدأ بحرف آخر غير الحرف (أ) تعتبر عملة مزورة ويمنع التعامل بها أو حيازتها أو نقلها ووضح مثالا على ذلك بورقة العملة المزورة من فئة 1000ريال ويبدأ رقمها التسلسلي بالحرف (د) وتاريخ 2017م وأيضا صدر تعميم من البنك المركزي بصنعاء بتاريخ 27 /6 /2021م ينص على منع أي مواطن يأتي من المناطق المحتلة وتكون بحوزته مبالغ نقدية كبيرة من النقود المزيفة وحدد سقفا لكل مواطن في حدود مبلغ مائة الف ريال فقط وحذر من تداول تلك العملة وانه سيتعرض للعقوبات وفقا للقانون وحدد نسبة 5 % مكافأة لكل من يبلغ عن مكان وجود العملة المزورة وإبلاغ عمليات البنك المركزي بذلك.
كما صدر تعميم نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية- وزير المالية بتاريخ 23 /6 /2021م بشأن منع تداول العملة المزورة والموجه الى جميع قيادات ومؤسسات الدولة المركزية والمحلية، حيث أكد على منع وحظر التعامل بالعملة المزورة التي أكد عليها البنك المركزي في بيانه السابق وان كل من استلم مبلغاً أو ثبت ترويجه لأي مبلغ من هذه العملات المزورة ستتم مباشرة إحالته إلى النيابة وتطبيق قانون العقوبات النافذ بحقه بتهمة الإضرار بالاقتصاد الوطني وأهاب بالجميع الالتزام وإبلاغ عمليات الوزارة والبنك المركزي عن أي كيانات تجارية أو غيرها تحوز أو تروِّج لهذه العملة.
واستمرار حكومة المرتزقة في طباعة المزيد من العملة غير القانونية ليس لهدف الاحتياج لتغطية نفقات ضرورية أو تسديد مرتبات الموظفين التي التزم بها الفار هادي عندما نقل وظائف البنك المركزي الى فرع عدن أو لمواجهة سداد الدين العام الداخلي أو الخارجي، ولكن الطباعة بهدف تدمير العملة وانهيار الاقتصاد الوطني الذي كان يعاني أصلا من اختلالات سابقة، وعلى إثر ذلك فقد أقدم مرتزقة العدوان في الأيام القليلة الماضية على طباعة كميات كبيرة من العملة الوطنية دون غطاء قانوني ومخالفة لقوانين الإصدار النقدي للبنك المركزي وجميع القوانين واللوائح المحلية والدولية، حيث وصلت بواخر روسية تحمل أكثر من اثنتي عشرة حاوية إلى عدن وثمان حاويات إلى المكلا .
كل ذلك له مخاطر كبيرة على الاقتصاد الوطني منها التضخم في السلع والخدمات في الأسواق وارتفاع مدخلات الإنتاج التي لها دور في عملية الإنتاج الصناعي وزيادة سعر المنتج الصناعي، وينعكس ذلك في خسارة الأفراد لأكثر من ثلثي دخولهم وبالتالي انخفاظ قيمة العملة الوطنية واستمرار العجز في ميزان المدفوعات والحساب الجاري، ومن خلال استمرار طباعة العملة وتداولها في المناطق المحتلة، فإن تأثير ذلك على الوضع الاقتصادي في صنعاء، إذا ما تم الالتزام بعدم تداول العملة المزورة وفق قرار البنك المركزي بصنعاء سيكون ضعيفاً جدا ولن يحدث تضخم على السلع والخدمات في الأسواق، وإن وجد التضخم بنسبة صغيرة فيرجع السبب الى الحصار الاقتصادي والقيود على الصادرات والواردات وارتفاع سعر المشتقات النفطية نتيجة احتجاز السفن ومنعها من الدخول الى ميناء الحديدة، وكل ذلك نتيجة اتخاذ حكومة الإنقاذ سياسات مالية ونقدية ناجحة من ضمنها منع التداول بالعملة الجديدة غير القانونية .
أما في المناطق التي ترزح تحت الاحتلال والتي يتم التداول بها بالعملة المزورة ونتيجة للفشل الذريع في السياسات النقدية التي يقوم بها فرع البنك المركزي في عدن، فقد تأثرت تلك المناطق وتضررت كثيرا وبلغ فيها التضخم في السلع والخدمات مبلغا كبيرا حيث يعاني المواطنون فيها من تضخم كبير في الأسعار للسلع والخدمات في الأسواق من ناحية وانقطاع المرتبات من ناحية أخرى، وانخفض نصيب دخل الفرد الى 80 %، وكل ذلك نتيجة الاحتلال الغاشم ونهب الأموال والثروات وانعدام الأمن وتدهور كبير في جانب الخدمات والجانب الصحي وهو ما جعل الموطنين في المناطق المحتلة يخرجون في مظاهرات بشكل يومي للتنديد والمطالبة بإنهاء العدوان نظرا للأوضاع الاقتصادية الكارثية التي وصلوا اليها والتضخم الكبير في أسعار المواد الأساسية .
ومن هذا المنطلق يجب على المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ الوطني إضافة إلى الإجراءات السابقة التي قاموا بها لحماية العملة الوطنية من الانهيار، اتخاذ بعض الإجراءات الضرورية للحفاظ على استقرار سعر صرف العملة الوطنية ومواجهة التحديات التي تُحاك من قبل الأعداء في الجانب الاقتصادي والاهتمام برفع الطاقة القصوى للإنتاج المحلي في الجانبين الزراعي والصناعي وتشجيع الاستثمار واستكمال الإجراءات التنفيذية للإنعاش الاقتصادي التي بدأت في يناير من العام 2020م وتقديم الدعم المادي الميسَّر وبحسب الإمكانيات المادية المتوفرة لدعم المشاريع الصغيرة والأصغر والاتجاه نحو الاكتفاء الذاتي الذي دعا إليه السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله- في محاضراته الرمضانية والاستغناء عن المنتج الخارجي الذي يتم استيراده بالعملة الأجنبية وكذلك وضع قيود على الواردات للمواد الكمالية بزيادة رفع الجمارك والضرائب عليها .
ويجب أيضا على السلطة النقدية استكمال مشروع الريال الالكتروني وانتهاج سياسات توسعية وتطويرية لأدوات الدفع لتأسيس مصارف إسلامية جديدة على شكل شركات مساهمة، لأنها تتناسب مع قيم المجتمع اليمني والعمل على إنشاء شركة صرافة وطنية قابضة بالاشتراك والمساهمة مع القطاع الخاص بنسبة 49% تكون من مهامها، واختصاصاتها السيطرة على جميع الشركات والشبكات المصرفية وفق معايير وإجراءات قانونية ومهنية وتفعيل قطاع الرقابة المصرفية في البنك المركزي وفق خطة استراتيجية تنفيذية ومصفوفة عمل، وكذلك على الجهات المختصة إنشاء صناديق استثمارية مشتركة ودعوة أفراد المجتمع للاكتتاب فيها وتأسيس بنوك وطنية تعمل على دعم المنتج المحلي في الجانبين الزراعي والصناعي لزيادة الطاقة القصوى من الإنتاج المحلي، وتوفير وسائل دفع جديدة كالمصارف المتحركة وأجهزة الإيداع الآلي، حتى تتم السيطرة على الكتلة النقدية المتداولة خارج الجهاز المصرفي، لأنها تمتلك فوائض نقدية كبيرة في خزانتها وخزائن البنك المركزي والكثير من الإجراءات التي لا يكفي هذا المقال لذكرها.
* وكيل وزارة المالية

قد يعجبك ايضا