خليل المعلمي
تميز الشاعر حسن عبدالله الشرفي وهو أحد أعلام القصيدة اليمنية الكبار في القرن العشرين – بغزارة إنتاجه الأدبي مع إجادة واضحة ومقدرة فذة على تطويع اللغة وامتلاكه لمخزون لا ينضب من المفردات ما مكنه من كتابة الشعر بأنواعه “العمودي والحميني والتفعلية”، وبرز في ذلك فارساً لا يُشق له غبار، وكان قد تقلد عدداً من المناصب في السلطة المحلية في محافظة حجة، ومن ثم تفرغ ليكون باحثاً، وأديباً، وقد أثرى المكتبة اليمنية والعربية بالكثير من الإصدارات الثقافية والأدبية وعدد من الدواوين الشعرية المتميزة.
في قرية “الخواقعة” في مديرية الشاهل بمحافظة حجة ولد الشاعر حسن الشرفي، جاء من جبال حجة الشاهقة وطبيعتها الخلابة ومناظرها الساحرة، ومن أوساط الشعب وطبقته الكادحة، من رعي الأغنام والتي كانت مهنته في طفولته وصباه، كتب الشعر في سن مبكرة من عمره، تعلم في كتاب قريته، قرأ للعديد من شعراء العصر الجاهلي والإسلامي، المتنبي والمعري وشعراء العصر الحديث شوقي والبارودي وأبو ماضي والزبيري والمقالح. بحبه للشعر استطاع الشرفي تطويع الكلمة لتخدمه في كتابة الشعر. صدر له العديد من دواوين الشعر والتي وصل عددها إلى ستة عشر ديوانا كتب الشعر الفصيح والحميني وشعر التفعيلة..
يمثل الشاعر حسن الشرفي مدرسة شعرية رفدت القصيدة اليمنية بنتاجٍ زاخر من الكتابات الشعرية الفريدة، ولهذا فلا بد من التأكيد على إعادة طباعة كتبه ودواوينه لتشكل منهلا للقراء والباحثين والمهتمين، لتظل مدرسته مشرعة الأبواب للأجيال الحالية والقادمة، وقد امتلك الشرفي تجربة خاصة امتاز فيها بقول الشعر العمودي والحميني والحر وكان في كل منها فارسا كبيراً، وكات غزارة إنتاجه تمثل إضافة نوعية للقصيدة اليمنية في تجلياتها العظيمة لاسيما في علاقته الفريدة بالصورة والحكمة الشعريتين.
يوصف بأنه شاعر الحب والأغنية، شاعر الوطن، شاعر معركة النفس الطويل، لم يضع نفسه يوما في ضيق الانتماء لمنطقة، فكان شاعر اليمن، وشاعرا باليمن، ولم يتخندق في مذهب إلا مذهب الحب، خصوصا حب اليمن.
قبل عام غادرنا الشاعر حسن الشرفي، وقد كان فارساً يسوس البيان بمهارة استثنائية، صهوته القصيدة وسلاحه الكلمة التي امتشقها في وجه العدوان منذ أول ليلة قصف وغدر حيث كتب فجر السادس والعشرين من مارس 2015 قصيدته الأولى في مواجهة عدوان غادر حقود باسم اليمن الواثق من نصر الله، فقال متحديا وشامخا وواثقا قائلاً:
دكوا الجبال وزلزلوا القيعانا
هيهات أن نستشعر الإذعانا
أنتم بقوتكم ونحن بضعفنا
وغد لمن لم يخذل الميدانا
شرف الرجولة أن تحارب جهرة
لا مثل من جعل الخفا عنوانا.
لقد أسهم الشاعر حسن الشرفي مع جيل من الرواد في بناء الحركة الشعرية الجديدة في البلاد، وصدر له ما يزيد عن عشرين ديواناً شعرياً، هو آخر جيل العمالقة الكبار الذين أخلصوا للقصيدة وأكثرهم انتاجاً شعرياً.. كان يؤكد دائما انتماءه إلى اليمن، وصريحاً في مقابلاته جاذباً في حديثه، وذلك باعتراف المحاورين له في المقابلات، فإنه لا يتخلى عن صراحته وبساطته في الحديث.
حين يأتي ذكر الشاعر حسن عبدالله الشرفي تعود بنا الذاكرة إلى برنامج بريد المستمعين في العقود الأخيرة من القرن الماضي، وقد كان الشاعر الشرفي أحد فرسان هذا البرنامج الذي جذب الكثير من المتابعين والمستمعين في الريف والحضر، في الوقت الذي كان الإعلام الفضائي في حدوده الدنيا من حيث عدد القنوات ومن حيث الانتشار.
كان الشباب في تلك الفترة يستهوي الإذاعات المحلية والعربية والدولية وكان الارسال الإذاعي بمثابة النافدة التي يطل من خلالها إلى العالم سياسيا واقتصاديا وثقافياً واجتماعيا، ومنها إذاعة صنعاء التي كانت تتميز بالبرامج المتنوعة الثقافية والهادفة.
الشاعر الكبير الراحل حسن الشرقي من شعراء اليمن والعرب الكبار في هذا العصر وصاحب تجربة شعرية وإبداعية متميزة وأحد أعلام الأدب والثقافة في اليمن وقد أثرى المكتبة اليمنية بالكثير من الأعمال الإبداعية والشعرية المتميزة والتي حملت ملامح وخصوصية الشاعر الكبير الراحل، ومثلت علامة فارقة في مسيرة ورحلة تطور الشعر اليمني وازدهاره. كان الشاعر الراحل قريباً من أبناء مجتمعه معبراً عن قضاياهم صائغاً ماهراً لكل تطلعاتهم ومترجماً مبهراً لكل أحاسيسهم ومشاعرهم وكانت قصائده هي ترجمان قلوبهم وضمائرهم.
لقد مثل الشاعر الكبير حسن في حياته قمة الصدق والوضوح والتواضع الإنساني في تعامله مع الناس وكان لا يأبي كما يقول زائروه إلا استقبال وتوديع ضيوفه عند باب منزله.
كان موسوعة متنقلة في المعارف والآداب خصوصاً في علم اللغة ومفرداتها واشتقاقاتها اللامتناهية.
ستة وسبعون عاماً مما نعد توفي عنها الشرفي.. لكنها عمر سرمدي سيبقى خالداً في ذاكرة وتاريخ البلاد، يقول عن نفسه: “أنا صديق حميم للقصيدة أعطيتها خمسة عقود من عمري، ولم يشغلنا عنها مال ولا جاه ولا منصب، فقد كانت وما زالت هي المال والجاه والمنصب، ومن دلائل إخلاصي لها أن نوافذي وأبوابي مشرعة لها على الدوام، بل إنني لا أجد ذاتي إلا في حضورها”، وكان يردد دوما “القصيدة تصمت ولا تموت”..
لقد خسر الوسط الثقافي والأدبي هامة سامقة من هامات الشعر وأميراً من أمراء الكلمة، أمامه تحتار الكلمات ويجف مداد الأقلام، وتخاف الصحف فتطوى صحائفها ويعجز اللسان عن التعبير، لقد كانت أعمال وإبداعات الشاعر الشرفي محل أنظار النقاد والباحثين، فقد تغنى العديد من الفنانين بقصائده وأشعاره، وكتب الباحثون عن أعماله وإبداعاته الدراسات ورسائل الماجستير.