من ثقافة البيئة اليمنية

أساطير شعبية تتناقلها الأجيال منذ القدم..

المقالح عبدالكريم

لكل أمة من الأمم ولكل شعب من الشعوب بيئة معينة ذات خصائص ثقافية محددة، تتشكل على مر العصور وفقاً لمعايير عدة مثل المؤثرات والتأثيرات الحاصلة عهداً بعد عهد، إضافة إلى طريقة رد فعل المجتمع لكل ما يحدث معه وله وفيه، الأمر الذي يعمل على مراكمة موروث شعبي يميز هذا المجتمع عن ذاك..!
وعلى كثرة تفاصيل ومفردات الموروث الشعبي في كل بيئة، إلا أن ثمة عنصراً واحداً تشترك فيه أكثر الثقافات البيئية- من غير أن تجتمع عليه- وهو الخرافة الشعبية.. والتي تتعدد وتختلف بتعدد وتفاوت الثقافات.. بل إن الخرافة الشعبية تتعدد وتتفاوت داخل البيئة الواحدة.. حيث أن موضوعاتها متشعبة بتشعب تفاصيل الحياة المعاشة.
ولعل أبسط تعاريف الخرافة الشعبية هو اعتبارها: (اعتقاداً خاطئاً يتداوله الناس فيما بينهم.. وذلك لتفسير ظاهرة معينة تحدث في حياتهم).
والخرافة بشكل عام (هي كل ما ارتبط بعالم الخيال وصار جزءاً من المعتقد البشري لأمة ما أو شعب أو فئة من الناس) حسب الكاتب العراقي/ نزار خضير العبادي في دراسته “الخرافة في الموروث الشعبي اليمني”.. والذي يرى- في دراسته هذه- أنه ليس ثمة حضارة على وجه الأرض تخلو من الخرافة، كونها- كما يضيف العبادي- كانت بمثابة (سبيل البشرية الأول في استكشاف الحقيقة وسبر أغوار الكون، وفك طلاسم المحيط البيئي).
وكما أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية، يزخر المجتمع اليمني بما لا يحصى من الخرافات الشعبية، والتي ما تزال في غالبيتها متداولة، وإن اختلفت أو تباين نمطها أو مناطق توزعها وانتشارها، الأمر الذي يدعو لمحاولة الاقتراب منها وعلى نحو لا يحصرها، فهي أكثر من أن تعد أو تعرض في مقالة أو دراسة، بل ينمذجها في انتقاء مناسب، يأخذ منها ما يمثل اتجاهات ما في موضوعات محددة، نتطرق لها في هذه الإطلالة السريعة.
أركان وزوايا
البيت، حيث يعيش الإنسان، منذ ولادته وحتى وفاته، يحتوي على كثير من الخرافات الشعبية، ربما لاحتوائه في الأصل على كثير من التفاصيل إضافة إلى وقوع جملة من الأحداث والحوادث بين جنباته، وإذا ما شئنا الانتقاء فإننا سنختار فيضاً من غيض، بما يعطي لمحة سريعة عن نمط بعض الخرافات الشعبية التي تدور موضوعاتها حول موطن الإنسان الأول: البيت.
1- عندنا اليوم ضيف:
يعلم سكان البيت دفعة واحدة بخبر سعيد وهو حلول ضيف عزيز عليهم، غالباً بعد انقطاع فترة زمنية طويلة نسبياً عنهم، لكن ما يظل غيبياً عن الجميع هو أمر واحد وهو: اسم الضيف وجنسه: ذكر أو أنثى.
ولا يزف خبر القدوم هذا رسالة أو هاتف أو بلاغ من أحد.. بل هي بشارة يحملها كائن صغير هو: “الطنّاني” أو “الوزّازي” أو “الحُوّامي”، إنها أسماء مختلفة لحشرة واحدة سمينة على غلافي جناحيها دوائر صفراء.
فعلى نحو مفاجئ صباحاً- قرب العاشرة تقريباً- أو قبل الظهيرة تظهر هذه الحشرة الصغيرة وهي تطير، إما في حوش البيت أو متنقلة من غرفة إلى غرفة.. المهم أنها تظهر في مكان عام بحيث يلمحها غالبية من في البيت، لذا فإن أول من يراها سيسارع من فوره إلى الجميع ضاجاً بالبشرى وربما يصرخ ببهجة- طفل في سنته الدراسية الأولى يحتفل بنجاحه المثير- وبكل ما لديه من صوت يدعو البقية للحضور كي يروا هذا الكائن الطائر.
أما بالنسبة لتعدد أسماء هذه الحشرة فيعود إليها، فهناك من يسمعها- أثناء طيرانها- تَطَنّ أو تأز- أقل حدة من أزيز الرصاص- أو تحوم، وثمة اسم آخر لها، تتداوله بعض المناطق في اليمن وهو: الضيف.
وهي حشرة جد مراوغة.. ونادراً ما يستطيع الإنسان إمساكها، لذا وفي حال ظفر بها أحدهم فإنه سيجعل منها لعبة ظريفة لطفله، وذلك عن طريق ربطها بخيط طويل ورفيع- يدخله في شق ضيق بين عنق الحشرة وغطاء جناحيها- بحيث يُمَكّنها من التحويم بينما هي مربوطة بالخيط والذي يمسك الطفل بطرفه.. متابعاً تحليقها في جميع الاتجاهات من غير أن يفقدها..!
ربما ابتكر هذه اللعبة الشهيرة جداً أحد الذين سئموا نزول الضيوف عندهم (ربما بسبب كثرة وفودهم من ناحية.. ومن ناحية أخرى حلولهم الدائم الذي يتطلب كثيراً من التكاليف..!)
2- الضمان المزدوج:
ليس ثمة بشري على كوكب الأرض يريد أن يكون فقيراً، أو أن يجلب الفقر لنفسه ويعيش معه، لكن ثمة ما يمكن أن يقوم به الإنسان فيضمن دخول الفقر في حياته، وذلك في حالتين، الأولى: إن قام بتربية الحمام.. والثانية: تكاثر وتزايد أعداد شباك العناكب في أركان وزوايا منزله..!
(لذا ففي تربية أولادك كفاية، وعلمهم كيف يمحون خيوط العناكب من كل ركن داخل البيت..!)
3- الوجبة الخطيرة جداً:
حادث غريب ومُروّع أن تنفجر بطن أحدهم تجاهك مثل قنبلة موقوتة، وأنت لا تريد أن يحدث هذا معك..!؟ إذن إياك أن تستلقي على ظهرك بعد انتهائك من تناول وجبة دسمة جداً..!
وهذا التحذير يسري على توقيت أكلك، إذ عليك تجنب الأكل- أي تناوله- والظلام محيط بك.. لماذا؟! الإجابة في نص الخرافة القائل: من أكل في الظلام فلن يشبع أبداً لأن الجن شاركوه نصف الأكل لقمة بلقمة..!
على خارطة الحياة اليومية.. يعرف المجتمع اليمني- كغيره من المجتمعات الإنسانية- الكثير من المناسبات الاحتفالية التي تزوره سنوياً مرة واحدة كالأعياد أو أكثر من مرة مثل مناسبات الزواج والخطوبة وولادة طفل…إلخ.
ورغم فتراتها الزمنية المتباعدة أو المتقاربة إلا أنها مناسبات وجدت لنفسها أو وجدت نفسها في قلب الخرافة الشعبية، والتي بطريقة ما غير محددة ولا معروفة ولا مفهومة لنا- في الوقت الحالي- التصقت بأسلوب خاص في جزء معين من مناسبة اجتماعية، بحيث أصبحت ملازمة لها ومذكورة بها، وذلك كله-طبعاً- مع تفاوت نسبي، إذ أن بيئة هنا تعرف خرافة ما، قد لا تعرفها بيئة أخرى.. لكن تجد هذه الأخيرة- كغيرها- لها خرافات خاصة بها.
وعلى خارطة الحياة اليومية نجد عدداً لا بأس به من الخرافات الشعبية ولعل على رأسها خرافات الزواج..!
فلكي تكون أنت صاحب الكلمة الأولى والمتحكم بالطرف الثاني والمسيطر عليه عليك- سواء كنت الزوج أو ولي المرأة- أن تكون:
أكثر من يجمع المكسرات المرافقة لطقوس عقد القران- زبيب ولوز- والتي تسكب على يدي العريس وولي العروس ووالدها أو شقيقها أو آخر من أسرتها- في ختام تأديتهما عهود الزواج.
أول من ينهض بعد اتمام مراسم عقد القران.
لكن ماذا لو لم يحالفك الحظ.. مثلاً حياؤك أو إحراجك حال دون لملمة كمية معتبرة من المكسرات.. أو أَخَرّت نهوضك إكباراً وإجلالاً لحماك أو من ناب عنه..؟! بسيطة.. ثمة إمكانية لاسترداد مقاليد التحكم والسيطرة والفوز بسيادة الكلمة الأولى في عش الزوجية..!
موعدك القريب- طبعاً- ليلة الدخلة- ما إن يدخلوك إلى عروستك المنتظرة لك في غرفة النوم- حسب التقاليد اليمنية- لإتمام طقوس العمر الآتي والمتفرعة لثلاثة أنواع:
القبض على طرفي جبينها بأصبعيك السبابة والإبهام ليدك اليمنى.. حاول قدر الإمكان أن يكون الضغط قوياً نوعاً ما من غير أن يؤلم.
قراءة الفاتحة.
وضع قدمك اليمنى على قدمها اليمنى أو اليسرى أو على كليهما.. غالباً ستجد عروستك جالسة على كرسي.. وهو ما يعطيها فرصة ذهبية لإسدال فستان عرسها الأبيض على قدميها وتغطيتهما جيداً.. لذا ابحث بهدوء ولا تلفت الانتباه.. ولا تضع قدمك إلا وقد حددت الموقع جيدا..! وبغض النظر عن نجاحك أو إخفاقك في بنود الامتحان سابق الذكر.. ركز انتباهك على الآتي.. أي المستقبل.. شهر العسل..!
ثمة تحذير هنا تجاهله ومخالفة محذوره ستكون نتائجه وخيمة العواقب.. لذا لتكون المسائل تمام التمام، عليك أيها العريس الجديد ملازمة البيت في ثاني أيام عرسك- الصباحية- وعدم الخروج للسوق مثلاً حتى وإن كان التسوق هذا على درجة عالية من الأهمية والضرورة القصوى.. لأنك في حال تصاممت عن هذا التحذير سترزق أبداً- أو إلى ما شاء الله- بذرية واحدة الجنس.. أي أن خلفتك ستكون كلها من البنات!.

قد يعجبك ايضا