إليه وهو يتأمل العالم من شرفة إبداعه العظيم.. “عبدالعزيز المقالح”.. فضاء الفكر الرحب.. ووطن الإبداع المدهش

محمد القعود

وتبقى قمر الوطن الأجمل..
تبقى شمسه المشرقة بالمحبة والدفء والفرح..
تبقى ربيع القصيدة المشتعلة بالحياة، والمشتبكة بهموم واقعها ورؤى مستقبلها، والمسافرة إلى تخوم دهشتها.
تبقى وهجنا المسافر إلى الخلود، ونشيد أحلامنا الصاعد من قلوب مثقلة بالحب والخير والسلام.
تبقى طلقتنا الخارقة في وجه الظلام والقنوط والجدب والكآبة، ونخلتنا الباسقة بالشموخ والمثقلة بالشهد لكل الناس.
تبقى بوابة الإبداع العظيم، وفضاء الفكر الرحب، ونهر العطاء المتدفق بكل مدهش ومثير.
تبقى أبجدية الروح الأولى، وكتاب طفولتنا وأحلامنا وبطولاتنا، وهديل أعماقنا، وأغاريد أرواحنا، وترانيم صباحاتنا، وعبق أروقتنا، وشرارة شوقنا إلى الأجمل، وأهاويج مواسمنا إلى كل ربيع يبث بشائر الجمال والخير والمثل والتواشجالإنساني الحميم في روابينا المختنقة بنتانة ودناءة وتفاهة أدعياء الثقافة والإبداع والمنتحلين لصفات بطولية لا وجود لها.
تبقى وشمنا المحفور فوق جدران القلب، وخفقة حبنا الأولى في كتاب العشق.
نحبك ونختلف في تفسير هذا الحب، نحبك ونتفق ونختلف معك في أمور كثيرة، كطبيعة البشر، لكنه اختلاف مسيج بالمودة والتقدير.
نحبك وننشق على أنفسنا، أينا أحق بك، تحبك ونتمادى في هذا الحب الذي يثملنا ويسكرنا ويجعلنا نتساءل: “إلى أين ينتهي بنا حبك؟! إلى أين نمضي بأشواقنا إليك؟!”.
أيها المتجذر في هذه الأرض، وفي أعماقنا، لم نعد نفرق بين وجهك الأبوي الفائض بحنانه وطيبته، وبين غدنا، وبين أحلى وأعظم ما يقترفه القلب من بهجة ومودة وعشق وحنين، وبين ما تتغذى عليه الذاكرة من ملامح وتفاصيل يومية.
كم نحن قساة حين نراك شامخا ترد عن عصافير قصائدنا غربان الفكر، وباعة الضمير، وصبيان الظلام البلداء، ومرتديي أقنعة الصداقة، والمهووسين بجمع الطوابع والمناصب وتقديم تنازلاتهم من أجل حفنة أوهام، ولا نرشقك بكلمة أو وردة وفاء.
وحدك من يشهر النقاء وسيف الانتماء في وجوه ذلك الجفاف والقبح والرداءة والتفاهة والانكسار والخواء المريع، ليحمي براءة الكلمة من دنس الدخلاء والبغضاء وأعداء الحياة ومشوهي الضمير ومزيفي ومروجي الوهم والأراجيف.

وحدك من ينشر غيومه وحنانه ومودته أمام عصافير القصيدة، كي تحلق دونما خوف، وكي تتعلم رسم الدهشة دونما ريبة من غدر سهام الليل أو صقيع الوحشة أو يبوسة المعاني في عيون من يتسولون المد والضوء من حبر أناملك، ويمضون مثخنين بالهوية، حسب ما زرعته نواياهم السيئة التي تعادي كل جميل وعروف.
لا تحتاج إلى مثل هذا الكلام، لأنك محصن بحبنا ضد كل فيروسات الحاقدين والموتورين والمشوهين والعاطلين عن الفرح والعطاء.
يا لوضاعة أولئك الأقزام، حجماً وفكراً وسلوكاً وأخلاقاً وأسلوباً وجبناً وحقداً ومرضاً وخواءً وخداعاً ونفاقاً وارتزاقاً، أولئك الذين اعتادوا تقبيل الأحذية ولم يتجاوزوها، وأدمنوا نتانتها وذلها، لأنهم من طبقة واحدة وطينة واحدة، وهم منها وإليها، و”كل خل لاقي خليله”!!
يا لقبح النماذج المنبعجة، كم هي مطمورة في القبح والرداءة، وكم هي مشوهة في أعماقها وفي بؤسها المتقاطر من عصور سحيقة وغابرة في ميراث هذه البسيطة.
تلك النماذج المهترئة المصابة بلعنة الحياة، ستلاحقها لعنات حقدها المرتدة في فراغها، وستصفعها أكف الحياة وزراع الخير والجمال وناشري ألوية المحبة والإبداع، وستذروها رياح الحقيقة في كل فج عقيم!!
فليوغلوا في غيمهم وغلهم ورمادهم وخوائهم وهراءاتهم، ولتوغل أنت في قلوب محبيك مخفوراً بمودة مكنونة لك في صدور الجميع.
بك تتباهي كتب القرى والمدن..
بك ترفرف أجنحة القصيدة نحو أعاليها الشاهقة..
بك يعبق الشعر، وتتزين الكلمة بمعناها ، والمعاني بسمو معانيها..
بك يبدأ الحب أول عبيره، والنشيد أول استهلاله..
وبك يبدأ الضوء ارتشاف فجره وقهوته الصباحية..
ولك وحدك من تومئ إلى فرسها النبيل في هذا الوقت، الذي صرت أنت وحيده، بعد أن ذهب أحبابك الأوائل إلى رحلتهم الأخيرة، لتبقى أنت خبز أشواقنا، ومنبع محبتنا الذي لا ينضب، و”بركة” أقلامنا، ومجالها الحيوي ومناخها الطيب، نسأل الله العافية لك ولنا ولقلوب محبيك.
إنك كتاب الوطن المفتوح على آفاق متجددة الولادة.
إنك ناي العصور في شفاه الوطن، الذي يسارك بأحلامه وإيقاعات طموحاته وترنيمه مجده، ويمثل من وجد أغانيك التي لا تمجد إلا إياه، ولا تهفو إلا إليه.
إنك كتاب العشق، وينبوع الحب، وربيع الفرح، في عالم أصبح لا يكتب إلا أرقام الهلع، ولا يقيد إلا عبارات الرماد والتذمر والحطام.
ما أنت إلا أنت، متفرد في مزاياك، ومحتشد بك وبحبنا، وبمفردات هذه الأرض الحنونة هذه الأرض التي امتلأت بهوائها.
كل عام وأنت قصيدتنا الأجمل ..
كل عام وأنت “عزيزنا” الأنبل ..
كل عام وأنت ذلك الإنسان الرائع ، الذي يأسرنا بتواضعه الجم ، وبعطائه الغزير دون من ولا شكوى .
كل عام وأنت ذلك الحب الذي أدمنا نكهته وخدره في أوردتنا ، وفي صباحاتنا ، وفي لذيذ القبل الأولى .
كل عام وأنت تلك البسمة التي تضيء للأجيال تطلعاتها نحو إشراقة استثنائية ، في وطن استثنائي .
باقة محبة نضعها بين يديك ..
وكل عام وأنت … ” عبدالعزيز المقالح “

قد يعجبك ايضا