هل تطَّبق اليمن التجربة اليابانية للنهضة بعد الحرب ؟

عبدالرحمن علي الزبيب

 

الحرب في اليمن على وشك التوقف والجميع يتساءل ماذا بعد الحرب ؟
هل ستتم إعادة الإعمار لضمان سلام مستدام وتبدأ نهضة سريعة لاستعادة اليمن أنفاسها الذي خنقها دخان بارود الحرب والدمار؟ أم أن توقف إطلاق النار في اليمن ليس سوى استراحة محاربين للعودة لحرب أكثر دماراً؟؟
الانخراط السريع في نهضة اقتصادية وإعادة إعمار واسع وشامل سيؤسس لمسار متقدم لسلام مستدام وإيقاف نهائي للحرب في اليمن ..
التجربة اليابانية أكثر التجارب التي بالإمكان الاقتداء بها للنهوض السريع فهناك تشابه كبير بين الشعب اليمني والشعب الياباني كما أن الدمار الذي تسببت به الحرب لا يقل عن دمار اليابان بالقنابل النووية، فجميع مناطق ومحافظات اليمن مدمرة ومعظم البنية التحتية في اليمن دمرتها الحرب ..
المطلوب نهضة عاجلة وإعادة إعمار سريع في اليمن للخروج من عنق زجاجة الحرب وتحويل طاقات الشعب اليمني وإمكانياته وقدراته من الحرب إلى ميدان البناء والإعمار …
في اليابان بعد انفجار القنبلتين النوويتين في أكبر مدنها هيروشيما وناجازاكي والدمار الكبير الذي نتج عنهما، لم يقف الشعب الياباني عاجزاً من هول الواقعة ولم يغادر أرضه كلاجئ بل استمر اليابانيون بالتمسك بأرضهم كما تتمسك الأشجار بجذورها في أرضها وهذا شبيه بالشعب اليمني الذي لم يغادر أرضه كلاجئ بل استمر اليمنيون متمسكين بأرضهم رغم المعاناة والوجع والألم …
التجربة اليابانية التي ارتكزت أساساتها على تطوير وتحديث التعليم وتعزيز التسامح المجتمعي وإعادة توزيع الثروة لتعم جميع شعب اليابان والتركيز على القطاعات الصناعية والتقنية ذات الجدوى الاقتصادية وتشغيل كافة القوى القادرة على العمل وتمكينهم من العلوم والمعارف والمهارات اللازمة لإنتاج ذي جودة عالية وبتكلفة اقل وتقنية أفضل.
لم تبدأ اليابان من الصفر بل استوردت العلوم والتقنية من كل دول العالم وبدأت بتطويرها ففاقت الدول التي تم استيرادها منها مع تعزيز الانتماء الوطني لا يعني الاستفادة من تجارب العالم الانسلاخ من القومية الوطنية، ورغم وجود قواعد عسكرية أجنبية في اليابان لكن الشعب الياباني استمر في التمسك بوطنه وبقوميته العريقة …
الشعب اليمني كذلك بتمسك بوطنه وقوميته الوطنية ولم ولن ينسلخ عن قوميته الوطنية باعتبار الوطن هو الجامع للجميع مهما تلاطمت به أمواج المعاناة وووجع الألم..
اليابان أسس مؤسسات دولة صارمة وقوية ومنضبطة تحكمها سيادة القانون الذي يضبط إيقاعها وافسح المجال للقطاع الخاص ليقوم بدور وطني مبني على الشراكة الوطنية الشاملة لعموم الشعب وعدم تفرد أي شخص أو فئة بمقدرات الوطن فنهضت اليابان على يد أبنائها الأحرار …
وبحسب ما أورده موقع اليابان بالعربي، nippon في دراسة منشورة بعنوان “معجزة اليابان.. كيف نهض العملاق الياباني بعد دمار الحرب العالمية الثانية؟” فإن الدراسة أوضحت أن عامل النمو الأساسي المشترك في اقتصادي ما قبل وما بعد الحرب العالمية الثانية في ’’تخلف‘‘ الاقتصاد الياباني مقارنة بالاقتصادات الصناعية المتقدمة في العالم، ونظرا لأنه قادم من الخلف، تمكن من الإفادة بشكل كبير من التكنولوجيا المستوردة من دول أكثر تقدما، و’’التكنولوجيا‘‘ هنا لا تشمل المعرفة التقنية المتصلة مباشرة بالتصنيع فحسب، وإنما النظم الاجتماعية والاقتصادية والمؤسسات، فقد شدد الباحث ألكسندر غريشينكرون على الاختلاف الأساسي في عملية التنمية للاقتصادات المتطورة والنامية في أعماله الكلاسيكية المتعلقة بـ’’تخلف‘‘ الاقتصادات، وقد تم دمج نظرياته منذ ذلك الحين في نماذج رسمية للنمو الاقتصادي، وعكس التباين الواسع في دخل الفرد بين اليابان والغرب الصناعي فجوة بين التكنولوجيا التي تدعم الاقتصاد الياباني والتكنولوجيا المتقدمة في العالم، وبالنسبة لليابان، هو مؤشر على قدرة كامنة كبيرة للنمو السريع من خلال تبني تلك التقنيات المتقدمة.
وينطبق هذا التحليل على اقتصاد اليابان في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية تماما كما كان عليه الوضع ما قبل الحرب، فتاريخ الاقتصاد الياباني الحديث يزخر منذ نهاية القرن التاسع عشر فصاعدا بالأمثلة على استيراد التكنولوجيا الغربية بمعناها الأوسع، بما في ذلك تبني نظم ومؤسسات غربية.
إذا كانت الفجوة المعرفية مع الغرب إحدى خصائص الاقتصاد الياباني المتواصلة قبل وبعد الحرب العالمية الثانية، فلماذا تسارعت عملية اللحاق بركب الغرب بشكل كبير في فترة ما بعد الحرب؟ وقد أجاب على هذا السؤال كل من فوميؤ هاياشي وإدوارد برسكوت في بحثهما الذي يحمل عنوان: ’’ التأثير المثبط للمؤسسات الزراعية على اقتصاد اليابان ما قبل الحرب‘‘
وبحسب هاياشي وبرسكوت، فإن العامل الرئيسي كان التسارع في عملية إعادة تخصيص الموارد، ولا سيما القوة العاملة، من القطاع الزراعي ذي الإنتاجية المنخفضة نسبيا إلى القطاع الآخر الذي يحظى بإنتاجية أعلى ودخل إجمالي أكبر للفرد.

من المؤكد أن توزيع الموارد بين القطاعات المختلفة وإزالة جميع العوائق أمام إعادة التوزيع هي عناصر مهمة في فهمنا للنمو الاقتصادي على المدى الطويل، وقد قدم كل من هاياشي وبرسكوت مساهمة قيّمة فيما يتعلق بفهمنا للـ’’معجزة‘‘ اليابانية في فترة ما بعد الحرب من خلال رسم علاقة ارتباط كمّية بين سرعة إعادة التوزيع من القطاع الزراعي وسرعة النمو الاقتصادي لليابان، ولكن الخلاصات النوعية التي توصلا إليها فيما يتعلق بطبيعة العوائق إلى إعادة التوزيع قبل الحرب لا تزال مثار جدل.
وفي الأخير:
نؤكد على أهمية مسارعة اليمن للدخول في نهضة اقتصادية شاملة وإعادة إعمار ما دمرته الحرب في جميع المحافظات وبشكل متسارع عقب اللحظات الأولى لتوقف الحرب ووقف إطلاق النار في اليمن لضمان سلام مستدام .. توقف الحرب في اليمن اصبح وشيكا جداً … والسؤال الكبير ماذا بعد ؟؟
بإمكان اليمن تطبيق التجربة اليابانية مع تطويرها وفقا لوضع وقدرات وإمكانيات اليمن، فاليمن لديها إمكانيات أكبر وعمق إقليمي أوسع من اليابان، فاليابان كانت تفتقد للأراضي الزراعية وتحولت القوى العاملة نحو الصناعة، لكن ليمن لديها الأراضي الزراعية الشاسعة وموقع اليمن استراتيجي أكثر من موقع اليابان وتنوع الطقس والمناخ والإمكانيات الوطنية من الثروات الوطنية الواعدة من ثروة سمكية ونفطية وغازية ومعادن وغيرها … كل هذه القدرات تؤسس لنهضة يمنية عملاقة والاستفادة من التجربة اليابانية، كون التجربة اليابانية أفضل التجارب التي بالإمكان تطبيقها في اليمن وسيتحول اليمن إلى منار ساطع ونافع لأبنائه وللإقليم والمنطقة بشكل كامل ويستلزم تكاتف جهود الجميع داخليا وخارجيا لضمان إنضاج تجربة يمنية إيجابية للإعمار والنهضة أسوة بتجربة الشعب الياباني العملاق التي تكاتف الجميع لإنجاحها حتى نجحت واليمن كذلك ستنجح ..
* باحث ومستشار قانوني – اليمن

قد يعجبك ايضا