الحلقة الثانية والأخيرة

ملخص ما نشر في عدد الأسبوع الماضي

وصل تعميم من مباحث العاصمة صنعاء إلى مركز شرطة بيت بوس بمحافظة صنعاء عن اختفاء شخص أسمه بدر من العاصمة منذ أربعة أيام فقاموا في المركز وبقيادة الرائد عبدالحميد المقدشي مدير المركز ومعه نائبه النقيب البخيتي والمساعد زياد المقدشي وآخرون بعملية البحث والتحري استجابة للتعميم حتى عثروا وفي نفس الليلة على جثة شخص مدفونة بداخل أرضية جوار حديقة 30 نوفمبر بمنطقة بيت بوس .. وعند استنطاق حارس الأرضية والذي كان يدعى (مضيف) وعمره 17 عاماٍ عن الجثة والواقعة وملابساتها تبين أن الجثة لذات الشخص المعمم به والمفقود من الأمانة المدعو بدر وأن الجريمة حدثت قبل أربعة أيام والفاعل “الجاني” هو شخص يدعى زاهي ومعه أشخاص آخرون اشتركوا إلى جانبه في دفن الجثة وإخفاء أداة الجريمة التي كانت عبارة عن مسدس تابع للقتيل نفسه وكذا إخفاء أشياء أخرى تخص المجني عليه وهي دراجة نارية وسلاح آلي وتلفون سيار إضافة إلى التستر على الجريمة وقد تمت متابعة هؤلاء المتهم الأساسي والشركاء معه من قبل مدير المركز وفريقه الذي تشكل بقيادته حتى تمكنوا في ذات الليلة من ضبط شخصين من شركاء القاتل وهما المدعو مساعد والمدعو مساند كما تمكنوا من معرفة مكان تواجد المتهم الجاني والذي كان قد لاذ بالفرار من صنعاء إلى إحدى المناطق بمحافظة البيضاء وأصروا بمركز شرطة بيت بوس على متابعته وضبطه وإحضاره من حيث هو في الليلة نفسها وكانت هي المعجزة التي لم تخطر على بال.. وإليكم بقية الأحداث والحلقة الثانية والأخيرة.
المنطقة التي لاذ بالفرار إليها واختفى بها الجاني المدعو زاهي هي رداع بمحافظة البيضاء ومعرفة رجال مركز بيت بوس بأنه هرب إليها ويتواجد فيها كانت عندما ساروا بعد اعتراف الحارس لهم إلى منزل المتهم في منطقة بير عبيد للبحث والسؤال عنه فلم يجدوه هناك وقيل لهم أنه هارب ومختف منذ ثلاثة أيام ولا أحد يعرف أين هو فاضطروا بعد سماع هذا الكلام إلى أخذ أحد إخوانه واحتجازه بالمركز وفتح محضر استنطاق مع الأخ هذا على سبيل الضغط فأعترف الأخ أثناء ذلك بمكان هروب أخيه وتواجده مفيداٍ: أن أخاه المتهم يتواجد بمنطقة رداع لدى أحد الأصدقاء “الأصحاب” وذكر لهم المكان.
ولم يتريث مدير المركز ومن معه عقب معرفتهم مكان المتهم الهارب ولكنهم سارعوا إلى التواصل والتنسيق مع إدارة أمن محافظة البيضاء ومباحث منطقة رداع عن طريق مدير أمن محافظة صنعاء العميد يحيى حميد والعمليات بأمن المحافظة من أجل التعاون من باب تكامل العمل الأمني لضبط المتهم المدعو زاهي من قبل أمن ومباحث رداع وتسليمه لمندوب مركز شرطة بيت بوس بصنعاء الذي سوف يتم تكليفه للسفر إليهم لإحضاره بنفس الليلة.. في الوقت الذي تم تكليف أحد عناصر المركز فور هذا التنسيق والتواصل للسفر إلى رداع بسيارته الخاصة .. فسافر العنصر المكلف بلا تأخير وعلى السيارة التابعة له باتجاه رداع مع أن الوقت كان بعد منتصف الليل والطريق من صنعاء وعبر محافظة ذمار كخط طويل إلى رداع أشبه بغير آمن وبعد كمغامرة أو مجازفة لا يستهان بها لا سيما في مثل هذه الأيام التي أوضاع البلاد خلالها منفلتة وليست مستقرة والسفر على أي خط طويل أثناء الليل بمثابة المخاطرة الحقيقية بل ويتضاعف الخطر هنا كون السفر لضبط وإحضار متهم “قاتل” وليس لمجرد غرض اعتيادي.. وذلك ما كان معلوماٍ لدى مدير المركز وفريقه وكذلك العنصر المكلف غير أن هذا ورفاقه بالمركز كانوا من النوع الذين لا يبالون بأي خطر أمام أداء الواجب وتحملهم الشعور بالمسؤولية تجاه أية قضية من القضايا وبالأخص إن كانت أمنية وجنائية حيث لا تساهل ولا تأجيل.. وذلك ما تجسد في الواقع وانطبق عليهم كترجمة حية في الواقعة التي هم بصددها… ولقد أْثبت مندوب المركز المكلف جدارته ودلل على شجاعته ونجاحه في المهمة حينما عاد بعد ذلك وبالتحديد لحظة بزوغ شمس صباح اليوم التالي “السبت” من رداع إلى مركز بيت بوس بصنعاء ومعه المتهم “الجاني” المطلوب مقبوضاٍ عليه بعد أن تم البحث عنه وضبطه من قبل شرطة ومباحث رداع وتسليمه له بحسب ما هو مطلوب.. ليباشر رجال التحقيق بالمركز حال إيصاله فتح محضر الاستنطاق معه وتستكمل عملية جمع الاستدلالات والاعترافات وبما يكشف الحقائق كاملة للجريمة وملابساتها ومن البداية إلى النهاية.
ما لفت أنظار فريق المركز عند فتح المحضر مع الجاني وإمعانهم فيه هو أنه لم يكن سوى شاب صغير أو مجرد فتى ونحيف البنية ولم يكن بالحجم أو الطول والعرض الذي يجعل منه متكافئاٍ مع المجني عليه بحيث يمكن تصديق أنه تغلب عليه وتمكن منه بسهولة بل وقتله بسلاحه أي بسلاح المجني عليه نفسه وهو المسدس .. يضاف إلى ذلك فارق العمر بينهما والذي يقدر بعشر سنوات كون القتيل عمره أكثر من 27 عاماٍ بينما الفتى المتهم عمره 17 عاماٍ كما أن المجني عليه طويل وعريض وبنيته ضعف الفتى وكذلك كان القتيل مسلحاٍ بالآلي والمسدس والجاني الفتى لم يكن معه شيء وهذا ما جعل شرطة المركز يستغربون أثنائها ويضعون أكثر من علامة استفهام حول الفتى بل ودفعهم للتفكير بأن الفتى ربما لم يكن لوحده خلال التنفيذ وإنما كان معه أشخاص شركاء قام وإياهم بارتكاب الجريمة.. ولكن بعد فتح المحضر معه واستنطاقه أتضح غير ذلك وأنه ارتكب الجريمة أو من قام بإطلاق النار على المجني عليه وقتله منفرداٍ وليس بجانبه أحد باستثناء المشاركين معه في دفن الجثة والتخلص من أداة الجريمة وما كان بحوزة القتيل وهم الحارس والمتهمان الآخران المدعوان مساند ومساعد واللذان تمت متابعتهما والقبض عليهما وإيصالهما للمركز بنفس الليلة مع ضبط المسدس “أداة الجريمة” والأشياء الأخرى قبل إحضار المتهم زاهي من رداع.
ولقد اعترف الفتى المتهم المدعو زاهي بالجريمة في المحضر الذي أجري معه ولم ينكر شيئاٍ وحكى تفاصيل الواقعة والأحداث ولم يحاول التهرب أو المراوغة كما هي عادة بعض المتهمين في القضايا المماثلة وكان مما ورد في اعترافه وعلى لسانه مع مراعاة التحفظ فيما يتعلق بالجانب الأخلاقي والاجتماعي والإنساني من قبل الكاتب بأن قال: في مساء الواقعة قمت أنا وحارس الأرضية المدعو (مضيف) بالاتصال بالشاب المدعو بدر المجني عليه طالبين مجيئه إلينا للجلوس والسمر معنا بكوخ الحارس في الأرضية وهو المكان الذي سبق وأن التقينا فيه وسمرنا من قبل لأكثر من ليلة وكان يعرف المكان.. فحضر إلينا على إثر الاتصال وكان حضوره الساعة العاشرة مساءٍ أتى إلينا راكباٍ على دارجته النارية ومسلحا بسلاحه الآلي وسلاحه المسدس والذي كنت أعرف أنه دائما يحمله بحوزته ولا يتركه.. وبعد وصوله أردت أن أختلي به لأني كنت مشتاقا إليه وهو كذلك فطلبت من صاحبنا الحارس أن يذهب لإحضار لنا طعام عشاء من أي مطعم في سوق بيت بوس وكنت أعلم أن المشوار الذي سوف يذهب إليه الحارس سيكون طويلاٍ وسيستغرق وقتاٍ ليس بالقليل وذلك ما كنت أبتغيه لأنه سيتيح الفرصة لكي نختلي أنا والشاب وننفرد ببعضنا لوحدنا وينال كل منا رغبته من الآخر ولم تكن هذه المرة الأولى.. ثم عاد صديقنا الحارس بطعام العشاء وتناولنا الطعام الثلاثة وبعد ذلك جلسنا لتبادل الحديث “حديث السمر” مع بعضنا.. وحينها قام الحارس وتركنا خارجاٍ من غرفة الكوخ العليا التي كنا فيها لأن الكوخ من طابقين لشأن يخصه أو لإحضار شيء من الخارج بالأرضية.. وفي هذه الأثناء تناولت المسدس التابع للشاب المجني عليه والذي كان موضوعاٍ على الأرض بجواري وقد تركه الشاب على الأرض مع السلاح الآلي عند حضوره في البداية ورحت أقلب هذا المسدس في يدي كأني أتفرج عليه وهدفي من ذلك هو أن أتأكد بأنه مليء بالذخيرة لأنني عقدت العزم على تنفيذ ما نويته وقررته من قبل في ذات الحين وهو إطلاق النار على الشاب وقتله وذلك لسبب ما يعشعش في داخلي نحو الشاب منذ فترة وهذا السبب يتعلق بالجانب اللاأخلاقي ويمس العرض والسمعة… وقمت خلال ذلك بفك مقص الأمان للمسدس “تعميره” ثم سارعت بتصويبه نحو الشاب وضغطت على الزناد قبل عودة الحارس من الخارج فانطلقت رصاصة من المسدس أصابت الشاب “المجني عليه” في مقتل وكان ذلك هو المطلوب حيث شاهدت الشاب على إثر الطلقة مال بجسمه على الأرض ساكن الحركة وينزف الدماء .. وعاد الحارس عند سماعه لصوت الطلقة النارية ورآني وهو في الباب والمسدس مازال بيدي ورأى الشاب المجني عليه جاثيا في مكانه.. ولبث واقفا على الباب قبل دخوله الكوخ للحظات أو لبضع دقائق كأنه صدم بالمنظر ثم دخل إلي وقال: ماذا فعلت..¿ ومكثت أنا وإياه بعدها مرتبكين وعاجزين عن التفكير والتحرك لفعل أي شيء لأكثر من ساعة ونصف الساعة ثم قمنا بحمل الجثة ونقلها من الكوخ إلى أمام غرفة أخرى داخل الأرضية مقابلة لكوخ الحراسة وتركناها هناك على باب الغرفة وغطيناها بقطعة موكيت ثم عدنا إلى الكوخ وقمنا بمسح الدماء لطمس آثار الجريمة نهائياٍ بالمكان.. وبعد ذلك اتفقت أنا والحارس على أن نترك كل شيء على حاله ويذهب كل منا للمبيت بقية الليلة في منزله ونعود للالتقاء في الصباح لنرى ماذا نفعل وكيف نتصرف بالجثة وبالأشياء التي تخص القتيل وهي الدراجة النارية والآلي والتلفون والمسدس “أداة الجريمة” .. وقلت له : لا تخف بإمكاننا أن نستعين ببعض أصدقائنا الشباب المقربين منا والذين هم موضع ثقة وسيبادرون لمساعدتنا ولن يتأخروا في التصرف معنا لإخفاء كل ذلك.
ثم ذهب كل منا لمنزله والتقينا في الصباح وعند التقائنا قمت أنا والحارس بالتواصل مع بعض الأصدقاء الشباب وطلبنا منهم الحضور إلينا لأمر مهم وخطير فاستجاب لنا اثنان منهم وهم الشباب المدعوان مساند ومساعد واللذان وصلا إلينا وطلبنا منهما مساعدتنا في دفن الجثة والتصرف بإخفاء الأشياء الخاصة بالقتيل وأداة الجريمة .. فوافق أحدهما على الطلب ورفض الأخر قائلاٍ: إنه لن يشارك في دفن الجثة وأن هذه جريمة قتل ولن يتورط فيها ولكنه سوف يلتزم بالصمت وسيكتم السر ولن يكلم أحداٍ .. ثم قمنا نحن الثلاثة “الحارس وأنا وأحد الشخصين الذي وافق” بحفر حفرة بداخل الأرضية ونقل الجثة اليها ودفنها فيها… وبعد الانتهاء من الدفن اتفقنا بأن تبقى الجثة مدفونة ومخفية في الحفرة على الأقل مدة عشرة أيام حتى تتحلل وتتعفن وتختفي ملامحها.. وبعد هذه المدة يتم الإبلاغ عنها من قبل مجهول فيصعب التعرف عليها عند إخراجها من الحفرة من قبل الشرطة .. كما اتفقنا أيضا على أن يتولى كل منا دور إخفاء شيء من متعلقات الجريمة.. وذلك بأن أقوم أنا بإخفاء أداة الجريمة الذي هو المسدس والحارس يتولى دور إخفاء الآلي والذي هو نوع جفري التابع للقتيل بينما يتولى ثالثنا مهمة إخفاء الدراجة النارية.. وقد ذهبت أنا وأخفيت المسدس بداخل حفرة بأرضية في منطقة بير عبيد وبعد ذلك أخرجته من الحفرة سرت لإخفائه بسطح منزل صديقنا الرابع الذي رفض مشاركتنا في دفن الجثة بينما أخذ الحارس الآلي وراح لدفنه في أرضية بمنطقة بير عبيد في حين قام شريكنا الثالث بأخذ الدراجة النارية وذهب فرماها في شارع خولان.. وهكذا كانت الواقعة.. ونسأل الله السلامة لنا جميعاٍ في الدنيا والآخرة.

قد يعجبك ايضا