نائب مدير عام الهيئة العليا للأدوية: صناعة الأدوية تخضع لرقابة صارمة لأنه يمس بحياة الإنسان

(الحق قيمة ترتبط بالعدل بين البشر لو تراجعت تلك القيمة في ملابسات كثيرة يجب ألا تتراجع أبداٍ في ما يتعلق بالعدل بين البشر ومن ذلك الحق بالعلاج فكيف نحرم إنساناٍ من الأمل في الشفاء من مرض ضار كالسرطان…¿)
هذه الجملة المعبرة عن أساس الحقوق هي مقدمة حكم أحد القضاة الهنود في قضية حق شركة سويسرية بالاحتكار لعلاج السرطان مرفوعة ضد شركة هندية أعادت إنتاج الدواء دون الرجوع للشركة المخترعة..
ففي اليوم الأول من شهر إبريل الماضي سطر القضاء الهندي انتصاراٍ للإنسانية وبالأخص الفقراء منهم برفض المحكمة العليا بالهند دعوى شركة سويسرية للأدوية بالاحتفاظ ببراءة الاختراع لعقارها لمرض سرطان الدم فمنح حق الأمل في الشفاء للمرضى الفقراء من سطو الجشع للمخترعين.
ولمعرفة الأضرار التي يمكن أن تترتب عليه حياة الإنسان بسبب الاحتكار والرقابة على الأدوية الجنيسة (البديلة) ومدى فعاليتها وغيرها كان لنا هذه اللقاءات:

– في البدء يقول الدكتور محمد عبدالإله المصباحي – نائب مدير عام الهيئة العليا للأدوية: إن إنتاج أو صناعة الدواء هي من الصناعات الكيميائية الصعبة التي يقوم بها متخصصون من الصيادلة والكيميائيين ولها دساتير تنظم ذلك تسمى دساتير الأدوية مثل دستور الأدوية البريطاني والأمريكي والأوروبي .. وأن أي دواء يتكون من مواد فعالة ومواد مساعدة تساعد في عملية الذوبان والخلط والتماسك .. وتخلط هذه المواد بنسب محددة وخطوات واضحة ويتخللها مراقبة أثناء التصنيع ولكل مستحضر صيدلاني صيغة خاصة به مشيراٍ إلى أنه لا يمكن السماح بتداول الصنف إلا بعد تحليله من قبل المختبر الخاص بالشركة المنتجة والجهة الرقابية إذا كان سيتم طرحه في السوق لأول مرة مؤكداٍ بأن صناعة الأدوية تخضع لرقابة صارمة في كل أنحاء العالم لأنه يمس بحياة الإنسان وهذا الأمر يعمل به في اليمن.
وعن الدواء الجنيس وفعاليته أوضح نائب مدير عام الهيئة العلية للأدوية أنه عبارة عن نسخة بديلة للدواء الأصلي (المخترع لأول مرة) وله نفس التركيبة والفعالية وشكل ومواصفات الدواء الأصلي مشيراٍ إلى أنه في الدول الموقعة على اتفاقية منظمة التجارة العالمية وحماية حقوق الملكية لايمكن تصنيع أي دواء جنيس إلا بعد مرور 20 سنة من تداول الدواء الأصلي وبعد مرور هذه الفترة يصير الدواء الأصلي غير محمُ ويمكن لأي شركة تصنيعه بشرط أن يكون له اسم تجاري خاص به.
وحول كيفية منح رخص ترويج الدواء يقول الدكتور المصباحي: هناك إدارة في الهيئة هي المسئولة عن منح تراخيص لمن يعملون في هذا المجال وأهم شرط هو أن يكون لديه مؤهل كأن يكون صيدلانياٍ أو طبيباٍ والشركة التي يعمل فيها بالتأكيد تقوم بتدريبه لإكسابه المهارات اللازمة.. مضيفاٍ ولا يتم السماح باستيراد ودخول أي دواء رسمي إلا بعد تسجيله لدى الهيئة واستيفاء الوثائق الفنية اللازمة وتحليله في مختبر الرقابة الدوائية التابع للهيئة والرقابة على نقله وتخزينه وفق الشروط الفنية ولدينا في المنافذ الجمركية مندوبون يقومون بمطابقة الشحنة الواصلة مع الوثائق المعتمدة من الهيئة التي تبين فيها الأصناف الواصلة وبلد المنشأ وشكل وتركيز المستحضر وبقية البيانات الضرورية.
ويقول إنه وإذا ما كانت قد وصلت في حاوية مبردة لأن هذا من ضمن الشروط كون الدواء يتأثر بظروف النقل والتخزين إذا تمت بطريقة غير سليمة.
وبخصوص نسبة الأدوية الجنيسة في أسواقنا أشار الدكتور المصباحي أن هذه النسبة تختلف من بلد لآخر وفي بلادنا تصل إلى 80% من إجمالي الأدوية المصرح لها لأن الصنف الذي تنتهي فترة الحماية له يمكن لأي شركة أن تنتجه..
وفي ما يتعلق بأهم أنواع الأدوية المحتكرة أوضح نائب مدير عام الهيئة العليا للأدوية أن الأدوية المحتكرة هي التي تنتجها شركة واحدة وتفرض سعرها على جميع المستهلكين وهي ما تزال تنتج هذا الصنف في فترة قيود الملكية الفكرية.
مشيراٍ إلى أنه تم الإعلان عن قبول بلادنا في منظمة التجارة العالمية هذا الشهر ويحتاج لفترة طويلة حتى تستكمل الإجراءات لوضع منظومة القوانين واللوائح المتماشية مع متطلبات المنظمة ومنها قانون الحماية الفكرية وبراءة الاختراع لذا لا يوجد عندنا قائمة بالأصناف المحتكرة.
ومن جانب آخر يقول الدكتور صيدلي وسام زكريا: إن الأدوية الجنيسة تباع عادة بأسعار منخفضة جداٍ لأن من يصنعها ويسوقها لا يتطلب موارد مالية ضخمة أو تطوير باهظ الثمن أو محاولات معملية مطولة وحملات تسويق كبرى.. إضافة إلى ارتفاع التنافس بين المصنعين على إنتاج تلك الأدوية التي تكون عادة قد انتهت مدة حمايتها ببراءة الاختراع..
وأشار الصيدلاني الدكتور وسام إلى أن من شأن استعمال الأدوية الجنيسة (المصنعة من غير المخترع) أن تخفف من الأعباء المالية التي يتكبدها المريض في مختلف الحالات المرضية خاصة المزمنة منها بالنظر إلى أن أسعارها دون أسعار الأدوية للشركة المخترعة بما لا يقل عن 30% وتتفاوت في أحيان كثيرة بين 50-80% من القيمة وهو ما ينعكس إيجابياٍ على ميزانية الأسرة أو المريض من ناحية ويساهم في التحكم في النفقات الصحية الوطنية من ناحية أخرى إذا ما كانت الدولة هي الملتزمة بتوفيرها مثل التزام الدولة في بلادنا بتوفير أدوية السرطان ..
وحول احتكار الأدوية المتصلة بأمراض خطيرة لأي حكم يقضي بعدم الاحتكار .. أكد الدكتور وسام زكريا تأييده للحكم القضائي لأن الطب مهنة سامية يجب أن تترفع عن المادة موضحاٍ أن المحتكر عندما يقوم بتحديد السعر ويكون هو الوحيد فإنه يضع الثمن الذي يناسبه ذي الأرباح العالية وبذلك لا يقدر الآخرون من لا يملكون المال لشرائه وهناك الكثير من الأشخاص يتوفون نتيجة إصابتهم بأمراض ولا يقدرون دفع نفقة الاستشفاء أو العلاج كما أن تحرير الأدوية يخلق منافسة في السوق بين الشركات المعيدة لتصنيع الدواء مما ينتج انخفاض للسعر نتيجة عدم تحمل الشركات المعيدة له نفقات الأبحاث وغيره .. ومن أمثلة ذلك سعر دواء سرطان الدم حيث نجد أن سعره حوالي 2500 دولار لشريط به 30 حبة حجم 400 ملجم من الشركة الأم فيما ينتج من شركات أخرى ليصل للمستهلك بسعر أقل من 200 دولار للتكلفة الشهرية .. ويتوقع بعد قرار المحكمة العليا الهندية الصادر مؤخراٍ في الهند أن تنخفض الأسعار للشركة المخترعة وللشركة الهندية أيضاٍ وهذا الحكم سيتيح لشركات أخرى إنتاجه أيضاٍ مما يعني أن أسعاره ستواصل الهبوط أكثر سواء للشركة الأم أو غيرها..
وكسر الاحتكار يعمل على توفير الملايين من الدولارات كما يؤكد الدكتور وسام مشيراٍ إلى أنه في بلادنا التي يزيد بها سنوياٍ ست آلاف حالة سرطان (على سبيل المثال) تستطيع الحكومة عن طريق اختيار الأدوية الجنيسة بعد التأكد منها من توفير مبالغ كبيرة يمكن استغلالها بعلاج حالات أكثر أو توفير أجهزة ومتطلبات أخرى لمواجه هذا المرض الذي يهدد حياة الإنسان .. وتشير تقديرات وردت في تقرير لمنظمة الصحة العالمية لعام 2011م إلى أنه يمكن للبلدان توفير نحو 60% من نفقاتها الصيدلانية بالتحول من الأدوية الأصلية إلى المنتجات الجنيسة.

قد يعجبك ايضا