في كثير من محطات التحولات السياسية في البلدان التي لا تزال محكومة بالغرائز تحت أي عنوان كالثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية وتصحيح المسار واستعادة السيادة! كثيراً ما تتحول هذه الأسماء وغيرها إلى عكس مسمياتها والسبب الرئيس هو سيطرة ثقافة الاستبداد على النفوس وفي المقدمة نفوس من يضعون أنفسهم موضع الصدارة من مدعي امتلاك الحقيقة غير مدركين أنهم يوماً ما كانوا من ضحايا الظلم والاستبداد وادعاء امتلاك الحقيقة والسلطة المطلقة !؛
ولأن العناوين والأسباب والمحطات التي تحولت بحكم هذه الثقافة إلى عكس مسمياتها كثيرة ومتشعبة فإني هنا وبمناسبة الذكرى الـ(31) لوحدة 1990-5-22 السياسية التي بينت ما بعدها من الأحداث أنها قد سلبت من نفوس عشاق الوحدة قيمتها وروحها وبُعدها الإنساني !؛
صحيح أن هذه القيمة والبعد والروح لم ولن تُستأصل بشكل نهائي لأنها ستعود إلى موقع الحلم بميلاد جديد عند اكتمال شروطه !، وصحيح أيضاً أن تجربة وحدة 1990 رغم قساوة عبث الحكام بها قد عززت من قيمة الوحدة كحلم لأن حجم التآمر الواضح عليها من أعدائها في الداخل والخارج يكشف لمن يمتلك قدرا من الوعي مدى أهميتها كما يكشف حقيقة أن الوحدة التي تبقى ليست وحدة الحكم والحكام وإنما وحدة الشعوب وهذه المسألة بقدر ما هي بذرة في الوعي الوطني هي كذلك شجرة في واحة الإنسانية؛
نعم لا يمكن أن تبقى وحدة في أي بلد ما لم تسق فيه بذرة الوعي الوطني بماء الإنسانية ونقاء الدين غير القابل للاستغلال السيئ أو الاحتواء المقيت !؛
الوحدة الحقيقية بحاجة لوعي حقيقي جوهره رفض كل أشكال التباهي باستخدام القوة لتحقيق الوحدة أو لحمايتها ، وهذا ما أدركه اليمنيون باكراً حين كانوا متمسكين عملياً ببعض خصائص الحكمة التي عرفوا بها ، حيث كانوا عقب كل فتنة حرب بين الشمال والجنوب سرعان ما يعودون إلى جادة الصواب ليحولوا تحدي الحروب والفتن التي تمولها السعودية المعروفة لدى أغلب اليمنيين بأنها (العدو التاريخي ) طبعاً باستغلال نقاط الضعف لدى ضعاف النفوس عبيد المال، واستعمال أدواتها من موظفي اللجنة المعروفة بالخاصة من كبار المسؤولين والمشايخ عديمي الضمير الذين وظفتهم لإعاقة التنمية والحد من انتشار الوعي والمعرفة في مناطق قبائلهم ونفوذهم تارة باستخدام الدين وتارة باستخدام العنصرية والمناطقية وبأساليب مختلفة ؛
لقد بينت الأحداث الممهدة لوحدة 1990 وما تلاها أن وظيفة السلطة تركز في الاتجاه بها نحو الاندماج القاتل بهدف تحويل الحُلم إلى كابوس! وذلك ببساطة لأن ما يسكن معظم حكام العرب هو هَمُّ الوصول إلى السلطة والبقاء فيها مهما كان حجم التضحيات والأثمان، وبعضهم يتشبث بالسلطة ووطنه تحت الاحتلال بل وينسق أمنياً مع المحتل ضد أحرار هذا الوطن !؛
بهذا المعنى أجدني وأنا شمالي الميلاد يماني الهوى والهُوية والانتماء أقول بأن حرب 1994 التي شنتها السلطة التي أسميت سلطة دولة الوحدة على إخوتنا أبناء الجنوب تحت عنوان : (تعميد الوحدة بالدم) كانت حرب قذرة بكل المقاييس ومحرمة بكل اللغات والمعاني الدينية والقانونية والأخلاقية ، لأن الوحدة الحقيقية لا تًعمَّد بالدم وإنما بالحُب والإخلاص وعدم السماح لأي كان باستخدام القوة وتوظيفها إلا باتفاق الجميع ومن أجل تحقيق العدالة والمساواة ومحاربة الفساد والمفسدين والتخلص من أشكال الظلم والاستبداد ، وبالحب وحده يمكن لليمنيين استعادة وحدتهم وقوتهم ، فالوحدة شراكة وأي نوع من الشراكة لا يمكن أن تبقى إلا بين شركاء يحترمونها ويحبونها ويحافظون عليها ويستفيدون منها!.
فهل يستطيع اليمنيون تجاوز محنتهم وتحديث وعيهم على ضوء ما عانوه ومازالوا وإعادة صياغة حُلم الوحدة بشكل أفضل، هذا ما يتمناه كل يمني حر يحب وطنه ودينه!.
قل هو الحب أمضى من السيف
والتمس للقلوب المزيد
لا تدَّعِ أو تساوم
هو الحب درب الله
مفتاح كل الدروب
فاشحذ خطاك
لا تبالي بطاغية أو ظلوم.