الكيان الصهيوني.. اضطراب سياسي مواز للحملة العدوانية العسكرية على غزة معركة “سيف القدس” تقلب الموازين من الداخل المحتلّ حتى غزة
الثورة /
بعد صفقة القرن وما خلفته من ردود فعل، ومحاولة تغيير جوهر الصراع العربي الإسرائيلي حول قضية عنوانها البارز هو اغتصاب أرض وتهجير شعب، عرفت القضية الفلسطينية مؤخرا منعطفا كبيرا نسف صفقة القرن وأعاد فلسطين إلى دائرتها الطبيعية في صراع الحق ضد باطل الاحتلال.
لقد اطمأن الكيان الصهيوني لوعود صفقة القرن، وما حققه من اختراق في بعض الدول العربية، واستكان لدعم غير محدود من الدول التي جعلت لحقوق الإنسان حدودا تقف عند الشعب الفلسطيني، ولحرية الشعوب وحقها في الحياة سقفا لا يشمل حق الشعب الفلسطيني اطمأن الكيان الصهيوني لهذه المتغيرات، وظن أنه نجح في إبعاد القضية الفلسطينية عن جوهر الصراع العربي الإسرائيلي، وعن مركزية فلسطين والقدس في وعي شعوب العالم، فحاول خلال شهر رمضان وما يحمله من رمزية في العالم العربي والإسلامي، أن يحاصر المقدسيين ويمنعهم من الوصول لباحة القدس الشريف، ليترك المجال مشرعا للمتطرفين اليهود كي يحتلوا باحة المسجد تحت حماية جنود الاحتلال. لم يكتف الاحتلال الصهيوني بهذا الأمر، بل وثِق بما حققته في مخيلته شروط صفقة القرن، فتجرأ بالاعتداء على سكان حي الشيخ جراح ومحاولة إفراغهم من منازلهم وإحلال المستوطنين الصهاينة مكانهم.
معركة “سيف القدس”
دكَّت فصائل المقاومة الفلسطينية على مدى ثمانية أيامٍ حصون المُغتصبات الصهيونية، وما كان من العدو إلّا الردُّ بـ “جبنٍ” كما عهدناه عبر قصف المدنيين والعُزَّل، زاعمًا استهداف وتدمير بنوك أهداف للمقاومة في حرب وحشية، يسعى فيها الجيش الصهيوني والمستوى السياسي لتحقيق أي انجاز في ظل الوضع السيئ الذي يمر به كيان الاحتلال سياسيا وعسكريا، تتواصل الاتصالات في الكيان لإيجاد حلول للمعضلات السياسية والاقتصادية التي تتراكم عليه.
وبين معركة “سيف القدس” وانتفاضة فلسطينيي الداخل المحتل، يقف “الإسرائيلي” عاجزًا، لا هو قادرٌ على الرضوخ ولا على الاستمرار، خصوصًا أنَّ جرائمه للمرة الأولى تلقى هذا الاستنكار العالمي الواسع والوقفات الاحتجاجية المُطالبة بإدانة الاحتلال وإيقاف العدوان على غزة.
وتعتبر معركة “سيف القدس هي امتدادٌ لتجربة المقاومة التي ازدادت قدرة على امتلاك أسلحة ذات نوعية ومدىً متطور، بالإضافة إلى الروح القتالية التي استطاعت الانتشار في كلِّ قريةٍ فلسطينيةٍ وفي مكان على أرض فلسطين الجغرافية، وشكلت حاضنة قوية للفعل المقاوم.
وكانت هبَّة الداخل الفلسطيني أتت نصرةً للقدس التي تعدُّ مسألةً محوريةً في الصراع والمساس بها مساسٌ بالمقدسات الفلسطينية، ويعلو مستواه عن مستوى شعبٍ فلسطيني فقط، بل امتدادها رمزي وروحي وثقافي وديني وهذه بعض مصادر القوة التي جعلت هذه الجولة مختلفة وأربكت العدو منذ بدايتها.
صفقة القرن
أخطأ الاحتلال الصهيوني حين اعتبر أن القضية الفلسطينية لم تعد قضية الشعوب، وأن صفقة القرن خلقت واقعا جديدا، ولم يكن ينتظر هذه الهبة المقدسية، وهذا الصمود الذي أبانه المرابطون في الأقصى الشريف. لم يكن الاحتلال الصهيوني يتصور هذه المقاومة الكبيرة من كل فلسطين، حيث بلغت نقاط المواجهة أكثر من 200 نقطة في الأراضي الفلسطينية، أفقدت الاحتلال تفوقه العسكري وجعلته يواجه بؤرا كثيرة من التوتر تفوق قدراته المزعومة. فكل أرض فلسطين اشتعلت وتقاوم الاحتلال.
لم يكن الاحتلال الصهيوني يتصور بأن جرائمه ستعرف هذه الإدانة الكبيرة من شعوب العالم، وهو الذي كان يظن أنه نجح في تحييد الشعوب العربية عن هذا الصراع. كما أنه لم يكن يتصور أن القضية الفلسطينية ستكسب هذا الدعم الكبير من قبل شعوب العالم، وأنها لا زالت حية في ضمير الشعوب بعد صفقة القرن، وهو ما جعله يفقد أعصابه، ويصب جام غضبه على المدنيين في قطاع غزة، دون استثناء لا طفل ولا امرأة ولا شيخ عجوز وهي جرائم غير غريبة على كيان اسمه الاحتلال الصهيوني. فشل هذا الاحتلال في تحييد مركزية القدس الشريف، فركز هجماته على قطاع غزة محاولا إيهام الرأي العام بأن الأمر مرتبط بصواريخ تطلق من غزة، والعالم يعرف جيدا أن الاحتلال الصهيوني يواجه مقاومة صامدة ومتصاعدة في باحة الأقصى، وفي حي الشيخ جراح وفي أحياء عرب 48، وفي المستوطنات المختلطة بين العرب والمستوطنين، وفي الضفة الغربية التي قدمت لحد الآن أكثر من 40 شهيدا وكذلك قطاع غزة الذي قدم هو الآخر أكثر من 200 شهيد ثلثهم من الأطفال وأكثر من 1000 جريح.
اضطراب سياسي صهيوني
مع تواصل الاعتداء على غزة، لليوم الثامن على التوالي في حرب وحشية، يسعى فيها الجيش الصهيوني والمستوى السياسي لتحقيق أي انجاز في ظل الوضع السيئ الذي يمر به كيان الاحتلال سياسيا وعسكريا، تتواصل الاتصالات في الكيان لإيجاد حلول للمعضلات السياسية والاقتصادية التي تتراكم عليه.
فسياسيا، ما زالت المساعي لتشكيل ائتلاف حكومي جديد تترنح، خصوصا بعد انسحاب نفتالي بينت وحزبه من المفاوضات مع يائير لابيد لتشكيل حكومة، ما يضع هذا الأخير في فخ مشل شبه مؤكد مع اقتراب نهاية المهلة الممنوحة له، وعدم إمكانية التمديد في ظل الوضع الحربي، وبالتالي تتزايد الفرص للذهاب إلى انتخابات خامسة، بعد أن أكد لابيد أنه يفضل هذا الخيار على منح الفرصة لنتنياهو لتشكيل الحكومة.
في سياق متصل أيضا قال بنيامين نتنياهو لكتلته الحزبية إن الليكود لن يوصي بأي مرشح لرئاسة الكيان الصهيوني خلفه لرؤوبين ريفلين، وكانت الإذاعة العامة الصهيونية قالت سابقا إن نتنياهو يدرس ترشيح المغني يهورام غاؤون، المعروف بمواقفه اليمينية، للمنصب. ونذكر أن رئاسة الكنيست قد قررت الأسبوع الماضي انتخاب الرئيس القادم، خلفا لريفلين، في 2 يونيو المقبل. حيث يتعين على الراغبين بترشيح أنفسهم للمنصب أن يجمعوا 10 تواقيع أعضاء كنيست، وتقديمها إلى رئاسة الكنيست حتى منتصف ليل 19 مايو.
بالعودة إلى الحكومة، تتواصل كما ذكرنا الاتصالات بين الأحزاب وسط مواقف تبدو متضاربه، فبينما أرسل نفتالي بينت رسالة إلى الليكود مفادها أن “كتلة التغيير لم تمت”. كان هو نفسه قد أدلى سابقا بتصريحات بأن كتلة التغيير انتهت وأصبحت خارج النقاش، وقالت مصادر في “يمينا” إنه إذا لم تتقدم المفاوضات مع الليكود بشكل سريع وجدي، فإنهم لا ينفون إمكانية القيام بخطوات ضد نتنياهو في الكنيست.
نتنياهو أيضا لايتوقف في مساعيه حيث يواصل المشاورات لحشد كتلة تمكنه من تشكيل حكومة برئاسته، في حال فشل يائير لابيد وانتهاء مهلته القانونية، وفي هذا السياق يركز نتنياهو خصوصا على “يمينا” ونفتالي بينت.
وكان يائير لابيد أكد مرارا عدم نيته الاستسلام، وإنه يجب عدم السماح بخلط الوضع الأمني مع السياسي واستغلال هذا الخلط من قبل اليمين للبقاء في الحكم، وأكد على حسابه في تويتر في وقت سابق “، إنه “لو كانت لدينا حكومة لما كانت الاعتبارات الأمنية تختلط بالاعتبارات السياسية. ولما كان أحد سيسمح لمجنون مرخص مثل إيتمار بن غفير بإشعال القدس وبعد ذلك الدولة كلها. ولما تساءل أحد لماذا تنشب النيران دائما عندما يكون الأمر مريحا لرئيس الحكومة”..