إياكم والتفريط في المحاضرات الرمضانية للسيد العلم عبدالملك بن بدر الدين الحوثي -يحفظه الله ويرعاه- تأملوها وعوها وقارنوا آيات درس واحد منها مع كتب المفسرين كلها في تفسير تلك الآيات وستجدون الفرق الكبير بين عرض المفسرين وتفسيرهم لتلك الآيات، وبين تناول السيد القائد العلم لها وعرضه لكلماتها، وستكتشفون أن جميع المفسرين تناولوا تفسير تلك الآيات بطريقة جامدة وتقوقعوا جميعا حول اللفظ اللغوي والمعنى البحت له في تفسيرهم وأنهم لم يدركوا أنهم يتعاملون مع آيات فيها النور والهدى والحكمة في أعلى مستوياتها ولذلك لم تستفد الأمة من مؤلفاتهم ولم تؤثر في شعوبها أو تحرك فيهم ساكنا بينما السيد القائد تناول تلك الآيات الكريمة بطريقة مختلفة تماما لم يجتمع عليها كل المفسرين ولن يجتمعوا عليها أبدا، ولا غرابة في ذلك فهو – يحفظه الله ويرعاه – من أهل الذكر ومن أهل القرآن الذين قال الله تعالى فيهم (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) يعرض آياته بطريقة شاملة لجميع الجوانب اللغوية واللفظية والجوهرية والغاية التي ترمي إليها ويكشف ما تخفيه وما ترمي إليه من علم وحكمة وما تحتويه من نور وبيان وما تكتنفه من هدى ويبلورها بحقائق جلية للذين آمنوا تنير دروبهم وتزكي نفوسهم وتحيي قلوبهم وتقوي ارتباطهم بالله وتنمي ثقتهم به – وتجعلهم يستشعرون الارتباط الوثيق بين حياتهم في الدنيا وحياتهم في الآخرة فتتولد دوافع قوية في نفسياتهم تجعلهم ينطلقون نحو الاستقامة لبلوغ التقوى في شهر الصيام وضبط حركتهم بحركة القرآن والوقوف بمواقفه دون أن يلتفتوا إلى أي اعتبارات للآخرين، فالحرص على إرضاء الله سبحانه وتعالى يصبح هدفهم الأساسي والوحيد دون أن يركزوا حتى على الأهداف الثانوية الأخرى التي تتحقق لهم نتيجة لاستقامتهم وهي كثيرة جدا .
كما أن المتأمل لمحاضرات السيد القائد الرمضانية والمتفكر فيها والمتدبر لتفسيره لكلمات القرآن الكريم وآياته يكتشف عظمة هذا الرجل وقوة إيمانه وتقواه وضخامة المسؤولية التي يتحملها ويسعى بكل قوته لتأديتها والتي تعكس حب الخير للأمة وحرصه على هدايتها وصلاحها واستقامتها، وأن نفسيته الطاهرة جعلته يمضي على درب جده المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم بنفس مستوى الروحية والرحمة والعزم والإصرار، وسيكتشف أيضا أن القائد العلم السيد عبدالملك -يحفظه الله ويرعاه- يفسر معظم تلك الكلمات القرآنية بمعان مختلفة عما ذهب في تفسير معانيها جمهور المفسرين قديما وحديثا وبطريقة أكثر بيانا وتوضيحا وأكثر واقعية وأكثر انسجاما وتوافقا مع الحقائق الخفية التي ترمي إليها الآيات والتي تمثل النور والهدى فيها، وعلى سبيل المثال – للاستدلال فقط وللتأكيد – فإن تفسيره لقوله تعالى (ومن دونهما جنتان) فقد أجمع جمهور المفسرين في تفسيرهم لهذه اﻵية أن المقصود بهاتين الجنتين أنهما جنتان أقل درجة في مستوى النعيم والروعة والجمال من الجنتين السابقتين لهما وفسروا (مدهامتان) بقولهم أنهما جنتان مكتظتان بالأشجار ومتزاحمتان بها، واختلفوا في تفسير (العينان النضاختان)، فمنهم من قال أنهما عينان متدفقتان بالماء الساخن، ومنهم من قال أنهما عينان ماؤهما أقل من ماء (عينان تجريان)..
بينما تفسير السيد القائد لتلك الآيات مغاير تماما لما أجمع عليه المفسرون، وأقرب جدا لما ترمي إليه الآيات، فقال أنهما جنتان قريبتان من الجنتين السابقتين ودانيتان منهما – وأنهما (مدهامتان) أي أن أشجارهما دهم، أي شديدة الخضرة والنضارة والجمال والروعة والترتيب المنظم والتنسيق المبدع وأن (فيهما عينان نضاختان) أن كل عين منهما تضخ الماء بشكل نافورة في غاية الإبداع والجمال وبشكل مستمر، وبذلك فتفسير السيد القائد لهذه الآيات يبدو أكثر انسجاما مع سياق الآيات وأقرب واقعية للوصف القرآني وأكثر تطابقا مع واقع اللوحة الجمالية التي ترسمها تلك الآيات وترمي إليها في اتساقها وترابطها.
وهذا طبعا من جانب التفسير اللفظي للقرآن، أما من الجوانب الأخرى وهي الأهم، فلم يتناولها أغلب المفسرين لا من قريب ولا من بعيد، لكن السيد القائد تناولها بطريقة متكاملة ولخصها بقوله: إن الله سبحانه وتعالى قدم هذه الآيات بشكل عروض حقيقية وحصرية لعباده تتوافق مع رغباتهم الإنسانية وتنسجم مع شهواتهم الفطرية ومع المغريات المؤثرة فيهم والتي تمثل السبب الرئيسي في انحرافهم في الدنيا وصراعهم عليها وأن أغنى رجل في العالم لا يمكن أن يحصل بثروته كلها التي جمعها في الدنيا على جنة في الدنيا توازي 1% من جنة أعدها الله لعباده المتقين، كما أنه -يحفظه الله ويرعاه – أشار بأسلوب عجيب ومؤثر جدا إلى أهم ما تخفيه هذه الآيات، وهو أن الإنسان مهما اجتهد في الدنيا وسعى ليتمتع بنعيمها فلن يناله لسببين: أولهما وجود منغصات ومخاطر وعوائق تحول دون تحقيق ذلك في الدنيا، إضافة إلى ضرورة بذل الإنسان الجهد والتعب والرعاية والحماية لمتاع الدنيا، وثانيهما وجود عوامل تعيق الإنسان عن التمتع فيها كالمرض والهرم والموت، أما جنان الآخرة فلا منغصات ولا مخاطر ولا عوائق تمنع الإنسان من التمتع بما أعده الله له ولا تحتاج جنان الآخرة إلى جهد من الإنسان ولا رعاية ولا حماية ولا يخاف عليها أيضا من آفات وغير ذلك، كما أنه لا توجد أيضا عوامل في الجنة تعيق الإنسان عن التمتع بما أعده الله له في الجنة فلا مرض ولا هرم ولا موت يمكن أن يمنع الإنسان أو يحرمه من الاستمتاع بنعيم الجنان أو يبعدها عن ذلك، وهنا يكمن سر عظمة العروض التي يقدمها الله سبحانه وتعالى للخلق، كما أن السيد القائد بيَّن ووضح أيضا أن الله سبحانه وتعالى قدم هذه العروض العظيمة والحصرية وفي المقابل إذا أعرض عنها الإنسان وخسرها بسبب انحرافه بالدنيا فلا يتوقف الأمر على خسارته لتلك العروض من النعيم العظيم والأبدي والخالد فقط وتقتصر النتيجة عند هذا الحد فحسب، بل إن مصيره سيكون حياة جحيم أبدي وعذاب سرمدي في نار جهنم والعياذ بالله، وفي هذا التوضيح قمة الحكمة وذروة النصح وعظمة الإشفاق والرحمة والحرص منه على نجاة الأمة من عذاب جهنم ما يجعل هذه الدروس نورا للمتقين وينبوعا لقلوب الحائرين وغذاء لأرواح المؤمنين.