ربما لا يختلف اثنان على أنه كلما هلت الأجواء الرمضانية وبدأت التحضيرات والاستعدادات لاستقبال شهر رمضان المبارك ، طغى الحديث عن ارتفاع الأسعار على هذه الأجواء الإيمانية ، بطريقة جعلت الأمور تبدو وكأن هناك علاقة بين قدوم الشهر الفضيل وهذا الارتفاع ، وأن هذا الشهر هو المسؤول المباشر عن هذه الظاهرة ( السلوكية ) المقلقة للكثير من الأسر والشرائح الاجتماعية في مجتمعنا . وبدا أن البعد الاستهلاكي بات يستحوذ على اهتمام الناس ويشكل الشغل الشاغل لهم ، وذلك على حساب البعد الديني بطقوسه وعباداته وتجلياته الإيمانية التي تجسد المقصد الشرعي من وراء هذه العبادة ، بما هي دعوة للتراحم والمغفرة وعمل الخير. ولأن لا أحد ينكر الجهود الحكومية الرسمية الرامية إلى مواجهة هذه الظاهرة السلبية عبر اتخاذ سلسلة من القرارات والإجراءات في مقدمتها إعفاء عدد من السلع الأساسية من ضريبة المبيعات . إلا أن هذه الخطوات كثيرا ما كانت تفقد فاعليتها وتأثيرها لجهة خفض الأسعار في ظل غياب مصطلح الخفض من قاموس بعض التجار ، الذي يحاول استغلال الإجراءات الحكومية في زيادة أرباحه ومضاعفتها من خلال الادعاء بأن البضاعة الموجودة لديه تم شراؤها قبل الإعفاء الضريبي . وهنا تصبح الخسارة مزدوجة ، فلا الخزينة استفادت من عوائد ضريبة المبيعات على هذه السلع المعفاة ولا الأسعار انخفضت ، في مقابل مضاعفة أرباح هذا البعض الذي قدم مصلحته الشخصية على المصلحة العامة ولم يراع القصد أو الهدف من الإجراءات الحكومية الرامية إلى التخفيف على المواطنين ، مصراً على ترك الانطباع العام بأن رفع الأسعار اقترن بحلول شهر رمضان .
كذلك فقد لاحظنا ونحن نقف على أعتاب الشهر الفضيل ارتفاعا ملحوظا لمادتي السكر والحبوب بنسبة بلغت 25 % ، رغم تطمينات نقابة تجار المواد الغذائية بعدم رفع الأسعار حتى نهاية شهر رمضان مع الالتزام بتخفيض السعر في حال تراجع الأسعار عالميا ، وأن التجار سيتحملون أعباء الفرق في التكاليف . إلى جانب التأكيد على وجود كميات كافية من مخزون السكر والحبوب تغطي احتياجات المستهلكين، ما يؤشر إلى أن التوجه الحكومي بإعفاء السلع الأساسية من الضريبة ، والذي يتسم بالاستثنائية أو المراعاة لظروف الناس وأوضاعهم وأحوالهم المعيشية الصعبة ، يستدعي من الحكومة اعتماد سياسة استثنائية أيضاً من خلال إحكام قبضتها على السوق عبر تطبيق المادة السابعة من قانون الصناعة والتجارة التي تخولها تحديد أسعار السلع الأساسية وضبطها حماية للمستهلك، وذلك في ظل عدم التزام أو عدم إدراك بعض التجار الغاية من رسالتها الاستثنائية في مثل هذه الظروف في التعاطي مع أسعار السلع في شهر رمضان . وهنا نصبح أمام خطوة حكومية وقائية نوعية تستهدف المحافظة على مصالح المواطنين ومراعاة أحوالهم المعيشية . وبنفس الوقت تفويت الفرصة على البعض الجشع من توظيف الأجواء الرمضانية في سبيل رفع الأسعار ، والتعاطي مع الشهر الفضيل من منطلق مادي بحت من خلال استغلال هذه المناسبة الدينية في غير مراميها الإيمانية ، وتحويلها إلى ظاهرة تسويقية مكلفة تنطوي على إكلاف وأعباء مالية باهظة أرهقت العديد من الأسر المستورة الباحثة عن تأمين وجبة إفطارها اليومية ، تلهث وراء لقمة العيش لتسد جوعها بعد أن حرمت من بهجة شهر رمضان وفرحة قدومه والتمتع بممارسة طقوسه وعباداته والعيش في أجوائه الإيمانية والروحانية تضرعاً وتقرباً إلى الخالق عز وجل.