في أربعينية فقيد اليمن والأمة الإسلامية العلامة سهل بن عقيل.. العلامة كامل عبدالخبير عوهج لـ«الثورة »: العلامة ابن عقيل.. كونٌ لا يُحَد وفضلٌ لا يُعَد
برحيل العلامة الجهبذ، والمجاهد الغضنفر، الولي التقي / سهل بن إبراهيم بن عقيل، فقدت الأمة الإسلامية ركناً من أركانها، ودعامة من دعائمها، وترك ثلمة لا تُسَدُّ، في جسد الأمة والدين.. لكن موت مثله ليس خاتمة لحياته، فآثاره العلمية والجهادية لم تزل تملأ وجودنا، وستظل إلى أبد الآبدين قبساً يُستنارُ به في ليل العرب الدامس، لمن شاء أن يتبين طريق الحق ويسير عليه.
اليوم نلتقي بأحد تلامذة الفقيد، والذي لازمه طيلة 50 عاماً وربما أكثر، وهو صهره» أبو أسباط بن عقيل» وأب الشهيدين: سهل بن كامل، وعلوي بن كامل.. فإلى ربوع هذا الحوار الشيق:الثورة /
صلاح الشامي
سيدي العلامة كامل بن العلامة الولي الزاهد عبدالخبير عوهج.. بداية هل يمكنكم إيجاز شيء ما عن شخصية العلامة سهل بن عقيل ؟!!
– الكلام عن قامة وهامة علمية وجهادية كقامة سيدي سهل بن إبراهيم بن عقيل يُعد شيئاً غير يسير، وينبغي لنا أن نكتب عن آثاره كأعماله وأقواله.
عفواً.. قبل الكلام عن أعماله وأقواله، من المعروف أنكم كنتم ممن لازمه في مجالسه، ورافقه في أسفاره، فكيف كان جلوسكم معه، وخاصة في تجلياته الروحية؟!
– جالسته في أوقات تجلّيه وكنت أحرس نفسي من خواطري نظراً لشفافية روحه وسرعة مخاطبته لك رداً على أي خاطر يخطر في وجدانك، لأنه نور محض.
كان في جلساته الخاصة، لا تستطيع أن تنظر إليه من الجلال والجمال من كثرة اتصاله بحضرة الكبير المتعال. وكان يقرأ في اليوم ما يزيد عن سبعة آلاف من سورة الفاتحة، ولذلك كان جلاله يغلب الجمال تارة، وتارة يغلب جماله جلاله، في أوقات الصفاء، فكأنه مرآة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، في إشراقة بشاشتةً ودماثة أخلاق، وحسن معشره.
إذا جلس في الزاوية كان يصغي لكل ما يُقرأ، ويرد على مختلف الأمور بفهم منقطع النظير.. وكان له منهج ومشرب علمي وفكري غير تقليدي، لا تجد له جذراً ولا مرجعية في كتاب أو في قاموس، أي كان علمه (لدُنّي).
هل بالإمكان إعطاء مثال على ذلك؟
– على سبيل المثال، من خواطره التي كان يقولها على ما يُبَثُّ في ا لزاوية من تفاسير، في قوله تعالى: ( ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله). كنا نسمع في تفسير القرطبي (12) وجهاً لتفسير هذه الآية، وفي مجلس من المجالس تفاجأنا بطرحه على الملأ أمام والده، بقول: يا والدي المسألة في منتهى البساطة، عطاؤه تعالى بعضُ كلماته.
ويستشهد بقوله سيدنا (أحمد بن علوان):
وسل ما شئت مسكيناً ذليلاً
يعينك أو يُنبلكَ أو يُقيلُ
ولا تستعظمن سؤالَ شيءٍ
فإن عطاءه جَمُّ جزيلُ
كنت تشاهده خلال أحواله وكأنه يشاهد أرواحاً إذا ما ذكر ولياً من أولياء الله في مشارق الأرض أو مغاربها، في اليمن أو خارج اليمن، فتخاله ينظر إليه ويتحدث معه ويخاطبه ويستمدُّ منه في جلساته، خاصة في أوقات الصفاء.
من المشتهر لسيدي العلامة سهل بن عقيل شجاعته، ومقارعته للطغاة، ومن المؤكد أن كثيراً من المشاهد دارت بحضوركم، فهلا أوردتم مثالاً لذلك ؟
– بالطبع، فشجاعته ليس لها مثيل، فقد كان جريئاً صريحا،ً ذا قوة وشجاعة ونباهة، يستبق الحدث قبل أن يقع، ويرد عليه أو يفنده ويضع الحلول له ولم تَبْدُ حتى بوادِرُه.
ومن شواهد شجاعته ما حدث أمام عيني في مسجد (المظفر) عندما كان يخطب أحد الوهابية ويسب ويذم بعض الرموز من ولاة الأمور العرب ويسفه أحلامه ويشيد بمواقف الأمريكان في ضربهم للعراق وفي تأديبهم لصدام حسين، فقام من وقته مقاطعاً الخطيب، قائلاً له: أنزل يا سفيه، أنزل يا حذاء اليهود والنصارى يا عميل أمريكا. وقاطعه حتى أوقف خطبته، وأقام صلاة الظهر قائلاً بأن الجمعة قد سقطت، وكانت هذه أول مرة تقام صلاة الظهر في جامع المظفر يوم الجمعة، وائتمَّ الناس به، وبعد صلاة الظهر في تلك الجمعة عدنا معه إلى المنزل، وإذا بطقم عسكري يأتي من إدارة الأمن يطالبه بالحضور، وكان مدير أمن محافظة تعز آنذاك (عبدالقادر قحطان) فصحبته إلى إدارة الأمن وفي مكتب (قحطان) سأله هذا الأخير قائلاً: كيف تسب الخطيب وتقاطعه في خطبة الجمعة، وقد أحدثت أمراً جللاً في مسجد المظفر في سابقة لم يحدث لها مثيل، فكيف تسب الخطيب وتقول بأنه عميل للأمريكان وعميل لليهود والنصارى وأنه لا تجوز الصلاة خلفه؟
فرد عليه قائلاً: نعم، وأصرُّ على ذلك.
فقال له (قحطان): قلت بأنه يهودي وأنه عميل.
قال: نعم، وأصر على ذلك.
قال ما حجتك وما دليلك؟
قاله له: الله سبحانه وتعالى يقول: ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم).
وكان يتكلم بكل شجاعة وبكل إباء وبكل شموخ. ولم يستطع (عبدالقادر قحطان) أن يقيم الحجة عليه، وظل سيدي سهل متمسكاً بموقفه بثبات.
وإذا باتصال يأتي من صنعاء، لا أدري ممن، أذن قحطان بعده لسيدي سهل بالعودة.. فرافقه أحد (المطاوعة) وقال له: يا سيدي سهل نحن نحبك، وسنعطيك كل ما تشاء وتريد. أطلب أي شيء تريده؟
قال: لا أريد منكم أي شيء سوى أن تكفّوا عن شيئين اثنين.
قال مستعد لفعل أي شيء تطلبه ولو لمائة طلب..
قال إذاً كفّوا عن شيئين: دين تخربوه، ووطن تبيعوه.
وكان هذا في 1995م بعد وفاة والده.. وما إن طرح عليه هاتين الخصلتين حتى قفل (المطوّع) راجعاً.
من خلال خدمتي لسيدي العلامة في مجال الصحافة، لاحظت كرمه وسخاء نفسه.. ماذا في جعبتكم من مشاهدات في هذا المجال؟
كان سيدي سهل كريماً معطاءً سخياً، ينطبق عليه قول الشاعر:
تراهُ إذا ما جئته متهللاً
كأنك تُعطيه الذي أنت سائله
ولو لم يكن في كفهِ غيرُ روحهِ
لجادَ بها فليتقِ الله سائِلُهْ
فبرغم الظروف التي مرَّ بها لم يَدَّخِر شيئاً في إطعام الفقراء والمساكين ورعاية الأرامل، والأطفال، وما من طفل يدخل إلى مجلسه إلا ويخرج مجبور الخاطر ب(جعالته) وبمبلغ يضعه في يده. وكان يكفل الكثير من الأسر. وكان بيته البيت الذي لا ينطفئ مطبخه ليلاً ولا نهاراً في مدينة تعز إرثاً للكرم من بعد أبيه، ولم ينقطع الإطعام ليلاً ولا نهاراً في هذا البيت الذي في صنعاء، و كما كان سيدي إبراهيم بن عقيل قائماً بهذا الأمر تولاه سيدي سهل وقام به خير قيام، وأدّى المهمة كما كان والده في حياته، وهذا برغم شحة موارده، فما وقع في يده شيء من المال، إلا بادر بصرفه في الحال على من هم حوله.
نذكر أنه حُورِب من قبل أصحاب النفوذ، والمسؤولين والمتنفذين، وكذلك الحزبيين ورجال المال والأعمال المنسوبين لذلك الحزب أو ذلك التجمع أو التنظيم، وخاصة حزب الإصلاح، الذي لا يفتأ يذكرهم إلا بمعايبهم.
من العجيب أن مواقفه الثورية جاءت مبكرة جداً، فالمعروف عنه أنه قام بقيادة أول مظاهرة عقب ثورة سبتمبر ٦٢م، وأنتم ممن رافقه من مطلع شبابه ؟
– لقد رافقته منذ عام 1971م ولم أره إلا ساخطاً على آل سعود، وعلى اليهود.. وكان طوال حياته يصف آل سعود بأنهم أحذية اليهود والنصارى، ويقول لنا دائماً في جميع المجالس أنه ما من مصيبة في العالم الإسلامي إلا ووراءها آل سعود.
المعروف أنه كان داهية في توقد فكره، وردوده وسرعة بديهته..
– كل حياته رحمه الله كانت ذكاءً وفطنةً وسرعة بديهية، واستباقاً للأحداث، وقراءة مسبقة، بل نبوءة، ولا أسميها إلا (نبوءة) فأنا منذ رافقته، كان يملي عليَّ أي مقال أو يمليه على غيري، وكان عندما يملي علينا المقال، ونقرأه لا نجد أيَّ صلة بين المقال وبين الواقع، ولكن ما إن تمر عدة أشهر أو سنة إلاّ ويتجسد الواقع وفق التصور المسبق الذي قد رآه سيدي سهل وكتبه في مقاله، فنعود حينها لقراءة المقال.. فإذا قرأت مقاله بالرجوع إلى حدث آني كان قد ذكره، تدرك عظمة هذا الرجل، كيف أنه استبق الزمن والأحداث، وتحدث في هذا المقال بهذه الرؤية..
حتى أني كنت أطلق على مقالاته (النبوءة السياسية)، وكنت أتمنى في العهد السابق أن يُنشأ مركز دراسات لتحليل مقالات سيدي سهل.
وأذكر أني اجتمعت بأحد الصحفيين، وقلت له: كم أتمنى على وليّ الأمر أن ينشئ مركز دراسات استراتيجية لتحليل أبعاد كتابات ومقالات سيدي سهل، فو الله لاستفاد منها ما يدفع عن الأمة الضرر، ويحقق للبلد الغرض، والخير الوفير، ويجنبها الكثير من الويلات سواءً في الجوانب السياسية والجوانب الاقتصادية أو في جانب الرؤية.
من مواقفه الاستباقية أن الرئيسُ آنذاك قام بتعزية سيدي سهل في وفاة أبيه، فأملى عليَّ سيدي سهل الرد على التعزية، التي نشرت في صحيفة «الشورى» في 13 نوفمبر 1994م، والذي لفت انتباهي في هذا الردّ، أن قال فيه: (إن إعطاء منابر المساجد، ومقاعد التدريس، في المدارس والمعاهد وغيرها لهذه الفئة، إنما هو إشعالٌ لنارِ فتنٍ تأكل الأخضر واليابس، إلا تتنبهوا لمثل هؤلاء تكن فتنةٌ.. في الأرض وفسادٌ كبير).
ولم يُمر على مقاله هذا القوي الملفت فترة من الزمن حتى أصدر الرئيس في تلك الفترة قراره بإلغاء المعاهد العلمية.
ولنتساءل كيف كانت ستكون عليه الأوضاع – عندما تساقطت الأقنعة وتكشفت الحقائق وظهرت المخططات على حقيقتها – لو بقيت تلك المعاهد على حالها ولم يتنبه لها سيدي سهل ويحذر منها، ويجري قضاء الله تعالى بإزالتها.
وذلك من نعم الله تعالى على اليمن واليمنيين أن بادر سيدي سهل في زمن مبكر للتنبه لهذا الخطر الكبير الذي حذر منه، فلو لم يفعل ذلك لكانت اليمن سقطت تحت أقدام الدواعش والفكر الضال من الوهابيين والسلفيين وغيرهم.
ماذا عن النكتة والدعابة في شخصية العلامة سهل بن عقيل؟!
– كل جانب من جوانب هذه الشخصية عالم قائم بذاته، وكنت قد اقترحت عليه وعلى كثير من المترددين عليه أن تُجمع قصصه وحكاياته ونوادره في كتيب، ويسمى:(العَلُّ والنَّهْلُ في نوادر السيد سهل)، لكنه لتواضعه وعدم محبته الشهرة والظهور، وعدم رؤيته لنفسه كان يتحرج من هذا الطرح كلما حاولت طرحه عليه، وقد كلفت – حالياً بعد موته – أحد أحفاده بعمل صفحة في الواتساب لنكت ونوادر السيد سهل، تجمع فيها التسجيلات الصوتية أو الكتابات لتلك النوادر المرسلة إلى هذه الصفحة، كمثل صفحة (وثائقي السيد سهل) ( وأربعينية السيد سهل) وهذه المجموعات التي عملناها لهذا الغرض، وذلك حتى تُجمع نوادره من أحبابه وممن سمع بها وممن عايشه..
ولا أستطيع أن أعطي مثالاً، فلا يحضرني في هذه العجالة شيء منها لكثرتها، فلا أعلم ماذا أختار، فحياته كلها كانت نوادر، في مواقفه وفكاهاته.
إن هذا الرجل متفردٌ، وليس له نسخة مُشابهة، فمنذ عرفته مطلع السبعينيات، لم أرَ مثيلاً له، سوءاً في أخلاقه، أو في بديهته، أوفي سعة علمه، أو في فراسته..
أذكر أنه كان عندما تأتي فتاوى، وأنا قائم على خدمة سيدي إبراهيم بن عقيل، يكتب سيدي سهل الردّ عليها، ويُذِّيلُ الرّدَّ بكتابة (أملاه السيد إبراهيم بن عقيل) فأقرأ الفتوى على سيدي إبراهيم، فيوافق عليها، ولم أره الغى أو انتقد أو عدل على سيدي سهل طوال فترة إقامتي لديه.
سمعت أن سيدي العلامة كان لا يعيد قراءة كتاب، لشدة قابليته للحفظ؟!!
– كان سيدي سهل إذا قرأ كتاباً مرة واحدة، يستظهره ولا يحتاج إلى أن يعود إليه مرة أخرى، كما كانت هذه صفة والده، وما رأيته جلس مع أحد من المسؤولين أو الوجاهات أو العلماء أو الشخصيات الاجتماعية أو رجال الأعمال أو غيرهم، إلاّ كان له قصب السبق والقَدَح المُعَلّى في هذا المجلس، والصدارة في إدارة الحديث وغيره، وكان له بيت من الشعر يستشهد به، فعندما يراني أمتلئ بالإعجاب به، ينظر إلىَّ ويقول:
وفي كل حالٍ لنا قِبلةٌ
نكون بها الصدرَ في المجلسِ
وكان في حلِّه و ترحاله، وضعنهِ وأسفاره، هو صاحب السبق، وهو من يمتلك زمام المبادرة في السيادة على المجلس، وفي السيادة والتفوق على الأقران سواءً في الأشعار أو في العلم أو في علوم السياسة أو التاريخ أو في التنبؤات والتحليلات وقراءة المستقبل أو في التأريخ الذي عايشه وعاصره.
وكان يحفظ الكثير من دواوين الشعر والأدب، كديوان (المتنبي، والبحتري) وغيرهما، وكان كثيراً ما يستشهد ببعض أبيات هؤلاء الشعراء.. حتى يكاد يقول سامعه أنه أخذ الديوان عن صاحبه، والكتاب عن مؤلفه.
ماهي أبرز مواقفه من الوهابية ؟
كان سيدي سهل له ثبات عجيب قوي راسخ لا يميد، وما رأيته يعادي في حياته كما يعادي أعداء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الوهابية والإخوان، وكان يسرد علينا كثيراً من قصص ونوادر ووقائع الوهابيين وكيف تأسس فكرهم، وأن الحركة الوهابية قائمة على تحالف برعاية بريطانيا، بين (مستر همفر) الجاسوس البريطاني في الشرق الأوسط، و(محمد بن سعود، ومحمد عبدالوهاب)، ويحكي لنا قصصاً، ويدلنا على كثير من المراجع التي تُبًصّرُ المستمع وتنور القارئ بخفايا وأصول تكوّن هذا الفكر الضال، الذي يركز في مجمله على ثلاث نقاط كفيلة بأن توصلهم إلى قعر جهنم (الأولى: اعتقادهم في حق الله تعالى التصوير، الثانية: اعتقادهم في حق رسول الله التحقير، والثالثة: سلوكهم مع المؤمنين بالتكفير)..
وهذه هي خلاصة الفكر الوهابي، المِعْوَل الذي وُجِّه لهدم الدين باسم الدين، وبأيدي أبناء المسلمين.
من المعلوم أن سيدي سهل ابتعث للدراسة في الجامعة الأمريكية في لبنان أوائل الستينيات وتقريباً في عام 62-63 م.. وذلك بعد عودته من عدن، وكان هناك لجنة من الأمريكان لابتعاث المتفوقين للدراسة في الجامعة الأمريكية، ألا تعتقد أن ذلك لم يكن من باب المصادفة، بل تخطيط أمريكي للتغلغل المبكر في الوطن العربي؟!
– لقد كان سيدي سهل ضمن مجموعة من أبناء الأمراء والملوك والقادة العرب، وكان ذلك وفق دراسة استقطابية… فهذه المؤسسات، وهذه الدول لا تعمل شيئاً إلا وفق استراتيجيات وخطط مدروسة في اختيارها للكادر الذي هو الوسيلة والغاية… وكان ذلك ليمدوا هؤلاء الطلاب بنظرياتهم وبأفكارهم، عبر تربيتهم وتنشئتهم التنشئة الخاصة حتى يجعلوا منهم الجيل القادم الذي سيحكم العالم العربي وهم عملاء لأمريكا، ولكن من عظيم نعم الله سبحانه وتعالى على سيدي سهل أن درس على أيديهم وعرف مخططاتهم واستراتيجياتهم وأساليبهم، وعاد بكل ذلك ليوجهه في صدورهم، ويهدم كل مخططاتهم ويحاربهم بنفس السلاح الذي أرادوه لتحطيم الأمة الإسلامية والعالم العربي.
ألم تكن له مواقف في الجامعة الأمريكية في لبنان؟!
– أكيد كان له مواقف، ومما حكاه سيدي سهل أنه حفظ القرآن الكريم وختمه في الصلاة في لبنان، وهو يدرس في الجامعة الأمريكية، وكان أول من صلى داخل الكنيسة.
وهــــــذه الــــحادثـــة يحكيهــا سيدي سهل، قائلاً: أثناء دراستنا في الجامعة الأمريكية تم استدعاء جميع الطلاب إلى الكنيسة، ولم أكن أعلم ذلك، ولكني لحقت بهم لأعرف ما يحدث، فجئت وقد تم تعميد الطلاب من قبل الرهبان، وكان أوان صلاة العصر، وكنت على وضوء فقمت بالأذان داخل الكنيسة، وأقمت الصلاة وبدأت أتوجه صوب مكة المكرمة وأصلي…
بعد عودته من لبنان، قبض عليه العسكريون المصريون مرة ثانية في تعز، فما كان الموقف الذي أدى إلى ذلك؟
– في الستينيات، أثناء تواجد المصريين في اليمن، وفي تعز بالذات، وكان مقرهم فوق المستشفى الجمهوري حيث كان الأمن السياسي لاحقاً.
كان يأتي إلى سيدي العلامة زعماءُ الأحزاب (الاشتراكي، الناصري، البعث، وغيرهم) وكل واحد منهم يطلب منه صيغة بيان باسم الحزب الذي يخصه وفق توجهات ذلك الحزب وآيديولوجياته، فكان يعمل لكل حزب بياناً وفق رؤيته وسياسته ومنهجه وآيديولوجيته، وكان زعماء الأحزاب هؤلاء يأخذونها ويصورونها ويوزعونها.. ولا غرابة في عجز زعماء الأحزاب عما يلّم به سيدي سهل من معرفة آيديولوجيات جميع الأحزاب، فهو فرع الدوحة المحمدية، وقرة عين سيدي إبراهيم بن عقيل.
وعندما أمسك به المصريون العسكريون في تعز سألوه هل أنت من كتب هذه البيانات، فيجيب بنعم، فيسألوه وأنت تتبع أي حزب؟! فيرد ولا واحد منها، لأني غير مقتنع بكل هذه الأحزاب. فيخلون سبيله.
من الواضح أن سيدي العلامة قد أثر بكل المحيطين به، فها أنا أرى لك أنت شخصياً شهيدين من أبنائك، وكذلك جرحى، فماذا ترى سيكون التوجه لكل من عرفه وتأثر به؟!
– لقد مَثَّلَ نهجُهُ الثوري والعلمي بوصلة نسير حيث تشير، نحن وأبناؤنا والمحيطون بنا، وما إن تحرك في المسيرة القرآنية حتى انطلقنا معه، بكل ثبات واستبسال وتضحية، غير مكترثين بكل التحديات والأخطار، باذلين التضحيات في سبيل الله، نصرة لليمن وللدين والمستضعفين.. واثقين بمنهجنا وسيرنا على الصراط المستقيم، فهو إمامنا الحق الذي يُهتدى بأقواله وأفعاله ومواقفه وأحواله، يدور مع الحق حيث دار، إمام هدى، ومصدر خير وندى، سمّ العدى وغياث كل بلاد، همه هم الأمة الإسلامية، في أي قطر في العالم.
لابد أن الحديث معكم سيدي الكريم عن هامة شامخة كالسيد العلامة سهل بن عقيل، حديث له شجون، ولكن هذه مجرد مقابلة لصحيفة «الثورة»، وربما كان لي معكم حوار آخر، فبماذا تختمون هذه الإطلالة على هذا الكون العملاق ؟!!
– مهما تحدث المتحدث ووصف الواصف لهذه القامة العملاقة، فلن يستطيع أن يوفيها حقها.. ولقد كنت متهيباً الكتابة عنه، لا أدري ماذا أقول، ولا من أين أبدأ، لأنه عندي فوق كل تعبير ولغة، ولي معه حياة طويلة ومشاهد حياة بكاملها لا يمكن إيجازها في سطور.
ولي في الختام أن اعترف بأنه ولي نعمتي، وأتشرف بأني كنت في خدمته وكنفه وكنف أبيه منذ أن عرفتهما سنة 1971م إلى أن رحل عنا جسده، خمسون عاماً مضت من عمري لا تُمَلُّ بل كانت هي أسعد سنوات عمري، أو من أسعدها.
رحم الله سيدي العلامة سهل بن عقيل ورحم الله والده، وجزاهما الله عن تربيتهما وتعليمهما وعشرتهما خير الجزاء…