الدكتور/ معراج أحمد معراج الندوي*
في المساء التاسع والعشرين من شعبان، كانت أعين مسلمي الهند ترمق نحو السماء، يبرز في وجوههم مدى الشوق الذي يخامر روحهم ويمتزج في قلبهم، يبحثون عن طلوع القمر تحييهم بقدوم ضيف شهر رمضان.
قبل قدوم هذا الشهر المبارك، تستعد الأمهات والجدات لتنظيف البيوت وتنظيف كل ما في الدار من الأدوات المنزلية، ينظفن كل ذلك بدقة وعناية كبيرة، ويتشارك في ذلك الأطفال والرجال والنساء، فلكل دلوه ليدلي به في هذه المهمة المباركة.
تقوم الأمهات بتجهيز أدوات الأطعمة ولوازمها من الدقيق والقمح والأرز، يعني الكل يصر على أن تكون في بيته أيام رمضان أشياء جيدة وجديدة وطيبة، احتراما وتوقيرا لهذا الشهر العظيم.
يهتم الشباب في ترميم المساجد وتنظيفها وتفريشها، وفي تنظيم الدروس الدينية والمحاضرات القرآنية. تضاء المساجد ومآذنها، وتكثر حلقات تلاوة القرآن الكريم، وتمتلئ المساجد بالمصلين.
ويبدأ الأطفال بالتجول في الأحياء فرحين مسرورين بما أنعم الله عليهم من خيرات هذا الشهر المبارك، وهم ينشدون الأناشيد الدينية بلغتهم المحلية، ثم يسرع الجميع لأداة صلاة التراويح من أول ليلة من رمضان.
ومن أجمل مظاهر رمضان في الهند أنك ترى الأطفال الذين يتقاذفون نحو المساجد مثل الجراد المنتشر، وينجذبون إلى صلواتها الخمس والتراويح جماعة، يقوم بعض الأثرياء بتوزيع الهدايا والجوائز للأطفال الذين واظبوا واعتادوا المساجد تشويقا وتحفيزا على أداء الصلوات والعبادات.
تجري المنافسات بين الأطفال في ممارسة الصوم في سن مبكر ويدور حديثهم عن عدد الصيام، “أنا سأصوم غدا إن شاء الله”. والفضل يرجع إلى الأمهات اللواتي لهن اليد الطولى في تربية الأولاد في شأن الصوم، ولا يقتصرن في أداء هذا الواجب الديني، وتظهر هذه القوة النسوية في تدبير أولادها ومنعها من متابعة المسلسلات والأفلام.
يتناسى الجميع ويدفن أشواك المشاجرات والخصومات ويسعون في نسج علاقات جديدة تنشأ من الود والوفاء، إذا جاء رمضان تتبسم الوجوه التي كانت ضامرة من العنف والكراهة، وتشرق الشموس التي كانت كاسفة البال، وتنقشع الغمام عن البدر المنير الذي كان يختفي في عمق القلوب.
مع حلول الشهر المبارك تعم الفرحة على وجوه المسلمين، ويبدأون بتبادل التهاني والتبريكات فيما بينهم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.
يعيش مسلمو الهند مع العادات الجميلة التي رسمها أجدادهم لتعود إلى بلادهم حمائم المحبة والإخاء، حيث تنزل الراحة والفرحة على كل مسلم وهندوسي ومسيحي، لا يمنعهم الحاجب الديني عن الاشتراك في هذا الموسم المريح، يشتركون بما لديهم مع إخوانهم المسلمين مباركين عليهم، فرمضان في الهند هو عبارة عن روعة العادات الغريبة الجميلة.
* الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها, جامعة عالية، كولكاتا – الهند