أمريكا وجرائم الإبادة

عبدالرحمن الأهنومي

حين لم تجد أمريكا في الميدان العسكري ما يحقق الأهداف التي شنت لتحقيقها العدوان على اليمن في مارس 2015م عبر وكلائها الإقليميين «السعودية الإمارات» وبعد أن فشلت في فرض تلك الأهداف بالقوة النارية الغاشمة ، لجأت إلى تفعيل ورقة الحصار والتجويع ومنعت كل السفن من الوصول إلى ميناء الحديدة وأغلقت كل السبل التي من الممكن إيصال الوقود أو المساعدات أو الأغذية عبرها إلى اليمن ، وفي مقابل إعلان بايدن- عقب توليه الرئاسة الأمريكية – إنهاء الدعم العسكري الذي تقدمه أمريكا كراعية ومشرفة على الحرب العدوانية التي تنفذها السعودية والإمارات ، قام بإغلاق الموانئ البحرية بشكل كلي أمام سفن الوقود والمساعدات الإنسانية والسلع الأساسية ، وفرض حصارا شاملا على موانئ الحديدة الشريان الرئيسي للحياة في اليمن ، متسببا في بلوغ الأزمة الإنسانية الأفظع في اليمن مستويات أسوأ كارثية مما كانت عليه قبل توليه رئاسة البيت الأبيض ، حيث توقفت مقطورات النقل ومحطات الكهرباء والمياه وبعض المستشفيات والمركبات والمصانع والمنشآت الحكومية والقطاع الخاص ، كما ارتفعت أسعار السلع إلى مستويات أعلى ، ما أثر على حياة المدنيين بشكل مباشر وفاقم من الوضع المعيشي للسكان وبات استمراره يهدد بحدوث مجاعة وشيكة حسب تقديرات أممية ومحلية.
القاعدة الأساسية التي تمضي عليها أمريكا في حروبها على العالم ، أنها تذهب إلى المفاوضات بعدما تعجز عن الحسم عسكريا لتحقق بالتفاوضات ما عجزت عن تحقيقه بالحرب العسكرية ، تعيين مبعوث أمريكي خاص باليمن جاء بعد فشل ستة أعوام من الحرب العسكرية على اليمن لمهمة إنجاز ما فشلت فيه الحرب العسكرية بالمفاوضات ، الشروط التي يشهرها المبعوث بدعوى السلام ، الدور الذي يتولاه في المفاوضات التي تجري في العاصمة العمانية مسقط ، المقايضة في رفع الحصار مقابل الاستسلام ، كل ذلك يضع سيلا إضافيا من الأدلة الموازية التي تؤكد القاعدة التي تمضي بها أمريكا في كل حروبها ومفاوضاتها.
منذ بداية «تولي بايدن للرئاسة» قامت الإدارة الأمريكية باجترار كل ما فعلته بالحرب والحصار من مآس وما خلفته من كارثة معيشية لتتاجر بها في سياقها الدعائي بدعوى الحرص على السلام ، ولاستثمارها في سياق الضغوط والفروض والشروط التي تطالب بها ، فمن تعيين المبعوث ليندر كممثل خاص لشؤون اليمن المتزامن مع إعلان بايدن إنهاء الدعم العسكري للتحالف إلى تشديد الحصار بشكل غير مسبوق وقرصنة كل سفن الوقود المتجهة إلى اليمن، كل ذلك يقدم سيلا إضافيا من الأدلة على أن أمريكا هي من تدير الحرب على اليمن وهي من تفرض الحصار عليه، هي من قررت تشديده وفرضت إغلاقا كليا للموانئ لتستخدمه كأوراق تفاوضية، وأن دافعها -من خلال التفاوضات التي أرسلت لها مندوبا خاصا- هو تحقيق ما فشلت فيه بالحرب العسكرية الغاشمة.

أميركا التي بالغت منذ البداية في غطرستها وبجاحتها في كل جولات التفاوض من جنيف 1 حتى الكويت ثم ما بعده ، لم تترك فرصة من أجل التقاط طرف الخيط الذي يمكن أن تقف عنده الحرب على اليمن ،وكانت تطرح مطالبها في شكل فروض «اقبلوا أو اذهبوا وسنفعل»، جاءت اليوم بعد زمن من استعراض العضلات التي برزت على خلفية أوهامها التي كانت قائمة في الميدان ، تنتقل اليوم إلى الخطة”ب” ، وتحاول من خلال الحصار والتجويع والإفقار وعبر المفاوضات تحقيق أهداف العدوان على اليمن ، وتستخدم عناوين السلام لتكون منصة دعائية تغطي بها ما تسعى إلى تحقيقه.
استخدام «أمريكا والسعودية» الحصار والتجويع للسكان كأسلوب من أساليب الحرب والإخضاع وفرض شروط الاستسلام على اليمنيين بدأ منذ بداية الحرب على اليمن في مارس 2015-م ، لكنه وصل إلى حد الإفصاح عنه بعدما تكشفت ستة أعوام من الحرب العسكرية على فشل ذريع في ميادين المواجهة ..

والإفصاح مؤخرا على لساني «المبعوثين الأمريكي والأممي» على شكل الاستسلام المطلوب من اليمنيين مقابل رفع الحصار عن الموانئ البحرية ومطار صنعاء ، وتخفيف القيود أمام وصول سفن الوقود والمساعدات ، وما أخفته المداولات السرية التي تشهدها مسقط ، تكشفه التصريحات المتكررة للمسؤولين السعوديين والأمريكيين وحتى تصريحات المبعوث الأممي والأمريكي الأخيرة.
التحالف العدواني الأمريكي السعودي يضغط اليوم على الوفد الوطني من خلال معاقبة المدنيين وتجويع الملايين من السكان في اليمن ، وقرصنة سفن الوقود والمساعدات في البحر ، وحرمان محطات التوليد والطاقة والمياه والناقلات والمركبات والمصانع والمنشآت والمستشفيات وكل وسائل الحياة من الوقود ، ويشترط مقايضة ما سبق بوقف اليمنيين للعمليات الصاروخية والجوية التي تستهدف القواعد السعودية ردا على القصف المتواصل بالطيران ، هذه المساومة المعيشية مرفوضة وغير مقبولة ، وهو الموقف الذي أكده بكل وضوح قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي وكذا رئيس الوفد الوطني وهو ما يجب على أمريكا والسعودية استيعابه بشكله التفاوضي أو بشكله العسكري والذي سيرغمهم على رفع الحصار إن لم يفعلوا ذلك.
وما كان يجب على المبعوث الأممي والأمم المتحدة هو ألا يسمحوا بالربط بين الحرب التي تشن على اليمن من السعودية برعاية أمريكية وعمليات الرد عليها بقصف القواعد السعودية والمنشآت العسكرية ، وبين الممارسات الإجرامية التي تنتهك القانون الدولي الإنساني وتستهدف تجويع الملايين من السكان اليمنيين من خلال الحصار والتجويع المتعمد ، وقبل ذلك إدانة الحصار والتجويع المجرم دوليا وأمميا وبكل شرائع الأرض والسماء ، لكن الموقف المختل للمبعوث مارتن غريفيث الذي يعمل فقط كساعي البريد بين الرياض ومسقط ، ويتجه لما يحقق لتحالف العدوان أهدافه ترك هامشاً واضحاً للابتزاز والمساومة والمبازرة الأمريكية السعودية على شروط إضافية أو مغانم سياسية تعوض عما فشلت فيه الحرب العسكرية ، وتسد الفراغ الحاصل في المشهد نتيجة استعصاءات الميدان وصمود الجبهات العسكرية في اليمن منذ ستة أعوام.
الحصار كشكل من أشكال الحرب على اليمن هو الأخطر تأثيرا على الحياة ، التضييق على المعائش ، التجويع والإفقار من خلال قطع المرتبات ، علاوة على القصف والتدمير والقتل ، تلك هي مفردات وأوجه الحرب على اليمن التي تقودها أمريكا وتباشرها عبر السعودية ، الهدف النهائي منها هو إرضاخ الشعب اليمني واستسلامه ، تشديد الحصار مؤخرا بشكل غير مسبوق والضغط على حياة الناس، مجيء الأمريكي للتفاوض بنفسه كل ذلك يريد المحتلون منه كسب موقف سياسي مقابل الحياة الإنسانية بعدما فشلوا في الميدان العسكري، هذه المعادلة بشموليتها يجب أن تتغير اليوم ، وستتغير حتما ، والرسالة التي تقولها الحشود التي خرجت في بداية العام السابع ، والعملية العسكرية على منشآت وقواعد السعودية التي دشن بها العام السابع ، الخطاب التاريخي الذي ألقاه قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي وما تضمنه من مواقف ورسائل وتوضيحات ومعادلات ، هي رسائل فاصلة وحاسمة تقول للمحتلين: إن الضغط على حياة الناس سيفجر المزيد من مفاعيل المواجهة ، وأننا لن نقبل بمقايضة تأمين السعودية من تبعات ما تفعل من جرائم في اليمن مقابل تخفيف الحصار عنا ، الطريق إلى السلام والأمان للسعودية ولغيرها هو وقف للحرب بكل أشكالها ، والطريق إلى التفاوض حول ذلك هو رفع الحصار وإطلاق السفن وفتح الأجواء للطيران المدني إلى مطار صنعاء ،ما دون ذلك هو استسلام وإذعان ، وعلينا أن نتحمل فلكل عطاء ثمرة ولكل تضحية ثمن مقابل ، وفي كل غيمة برق ورعد وانتصارنا لابد أن يكون على طول الزمن.

قد يعجبك ايضا