أول من أطلق اسم (الجيل الرابع من الحرب) غير المتكافئة، على الحرب الأمريكية الجديدة، هو البروفيسور (ماكس يوراينك)، خلال محاضرته في معهد الأمن القومي الإسرائيلي.. وقد عَرَّفَها بأنها: – حربٌ بالإكراه، يتم فيها إفشال الدولة المستهدفة، وزعزعة استقرارها، ثم فرض واقع جديد يراعي المصالح الأمريكية.
الثورة / صلاح محمد الشامي
لقد وضع (ماكس يوراينك) نقاطاً أساسية للحرب الجديدة “حرب الجيل الرابع”، وهي:
1 – دعم الإرهاب.
2 – خلق قاعدة إرهابية متعددة الجنسيات داخل الدولة المستهدفة.
3 – حرب نفسية متطورة للغاية، بواسطة الإعلام، والتلاعب النفسي.
4 – استخدام كافة وسائل الضغوط العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
5 – استخدام تكتيكات حروب العصابات والتمرد.
• نرى حالياً، ومنذ اندلاع العدوان الأمريكي على اليمن، بمجيئه بأيد سعودية وإماراتية، وبأيدٍ عربية وغير عربية، أن هذا العدوان الأمريكي، الذي نطلق عليه (العدوان الأمريكي السعودي) أو (السعودي الأمريكي)، يسير وفق مقاصد الإدارة الأمريكية، مستخدماً كل النقاط السالفة الذكر، فهو يستخدم أبناء البلد، أو بعضهم ممن يطمح للسلطة بكل سبيل ووسيلة، حتى ولو أدى ذلك إلى سحق شعبه الذي كان يرجو أن يحكمه، ولذلك صار تابعاً لأمريكا وللإدارة الأمريكية، تلعب به كيف تشاء، بينما هي تُمَنّيه بالسلطة، والحماية تحت المظلة الأمريكية.
• ولنفند ذلك نقطة نقطة، هلموا بنا لنتناولها بالتفصيل، وهي كما يلي:
1 – دعم الإرهاب: وهنا لن آتيَ بجديد، فالجميع يعلم علم اليقين ماهو الإرهاب، ثم صناعة من هو، إنه بيادق أمريكا التي تحركها على طول خارطة العالم، العالم الذي هو بالنسبة لأمريكا وللإدارة الأمريكية عبارة عن رقعة شطرنج كبيرة تسرح وتمرح فيها كيف تشاء، ولذلك تجد حاملاتها وبارجاتها وقواتها في كل بحر وخليج، وعند كل ممر ومضيق، وحول كل منطقة تمثل أطماعاً للأمريكي.
– يأتي (دعم الإرهاب) بعدة أوجه، منها الصناعة من الألف إلى الياء، ومنها التمويل والإمداد، ولكن ليس بشكل مباشر، بل عبر أذرعته حول العالم، وخاصة المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج، حتى تُلصَقَ لعنةُ الإرهاب بالأمة العربية والإسلامية، ولما تمثله هذه الدول من أهداف استراتيجية اقتصادية للغول الأمريكي، حتى إذا ما شاءت أمريكا وضع يدها عليها، ألصقت بها تهمة الإرهاب، وقد رأينا هكذا سفسطة عبر الوقح (ترامب).
2 – خلق قاعدة إرهابية غير وطنية (متعددة الجنسيات): يتجلى ذلك بوضوح لكل متابع للأنباء، عبر الفضائيات، ففي كافة أنحاء العالم العربي نجد هؤلاء وراء كل جريمة يتم الإعلان عنها بكل وقاحة وجرأة، لماذا؟ – حتى تُحَيَّدَ أمريكا عن المشهد، فنرى السعودي واليمني والباكستاني والأوروبي والأمريكي من أصل كذا، أو أمريكي محض، مع العلم أن أمريكا تحاول جاهدة تحييد ذوي الجنسيات الأمريكية عن هذا المشهد قدر الإمكان، ومن كل جنسيات العالم، وهي، بنظري خطة قديمة نفذتها قريش لقتل رسول الله صلى اللَّهُ وسلم عليه وعلى آله، إذ أجمعت قريش على أن تجمع من كل قبيلة رجل فيضربون (محمداً) ضربة رجل واحد، فيضيع دمه بين القبائل.
– نعم، أمريكا تستفيد من التاريخ الإنساني، ولكن بصورة لا إنسانية، تقرأ التاريخ، وتضع الخطط، من واقعٍ دراستها للحاضر، ونظرتها للمستقبل.. أمريكا تعمل، وتبتكر، وتقلد في آن واحد.. وهي هنا تأتي بجنسيات مختلفة، تحت إشراف إدارة مختصة تتبع الرئيس الأمريكي نفسه، وتحت إشراف المخابرات الأمريكية، فتنفذ إرهابها داخل الدولة المستهدفة، فإذا ما قبض على أفراد المجموعة الإرهابية، استعصى على الدولة توجيه اللوم لأي دولة، أو تحميلها المسؤولية.
3 – حرب نفسية متطورة للغاية من خلال الإعلام والتلاعب النفسي: تطورت الحرب النفسية على يد أمريكا، لكن بداياتها كانت على يد (جوزيف جوبلز) وزير (البروبجاندا) النازي في عهد (هتلر)، والتي طورها الإعلام (الصهيوني) بالعقول الأمريكية.. لقد تطورت الحرب النفسية مع تطور العلوم ووسائل الاتصال، ومع ظهور دراسات نفسية “سيكولوجية” جديدة، تدرك جيداً كيف تستغل الأهداف النبيلة -ظاهرياً- في تحقيق نتائج مدمرة فعلياً.. ثم ظهرت دراسات (التأثيرات غير الإدراكية) التي تتسلل إليك حتى دون أن تدرك أنك واقع تحت تأثيرها.
– وتطبيقاً على الواقع، في العدوان على اليمن، نرى ونسمع يومياً، كل ناعق وزاعق، يصنف ما يحدث على اليمن من عدوان أنه حرب داخلية، مردداً ما تبثه وسائل الإعلام الصهيوأمريكي الموجه للعالم العربي، وهو ما أكده السيد عبدالملك الحوثي قائد الثورة، في خطابه يوم الخميس الى 25 من مارس العام الحالي 2021، من أن الإدارة الأمريكية ومنظمة الأمم المتحدة، عندما تصل جرائمهم بحق الشعب اليمني إلى حد مأساوي يأتون ليسوِّقوا مصطلح الحرب الداخلية، ثم يدعون الجهات اليمنية إلى التصالح، وكأنهم ليسوا صُنّاع العدوان وصُناع أدواته وأسلحته، وهم أصحاب أهدافه.
– إن السلاح الأقوى في حرب الجيل الرابع هو سلاح الحرب النفسية، من خلال الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، التي تُستخدم فيها كل فنون الشائعات.
4 – استخدام كل وسائل الضغوط العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية: استخدمت أمريكا في العدوان على اليمن كافة الضغوط العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ضد الشعب اليمني، تمثلت بالقصف المتعمد، واستهداف المدنيين والمنشآت الحيوية، وتدمير البُنى التحتية، كما استخدمت الضغوط السياسية بكافة أشكالها وألاعيبها، وكذلك الضغوط الاقتصادية متمثلة في الحصار الخانق، وقصف المطارات والمنافذ البرية والبحرية، وإغلاقها بقوة السلاح، دفعاً لخنق الاقتصاد الوطني، في محاولة لدفع القيادة السياسية للاستسلام والرضوخ، وأخيراً الضغوط الاجتماعية بشتى وسائلها وأساليبها، وبواسطة النقطة السابقة (الحرب النفسية عبر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي) يتم التدمير الممنهج لبنية المجتمع اليمني، عبر خلق الخلافات، وتضييع الحقائق بالمناقشات والمناكشات والحوارات الجوفاء، وإظهار التباينات في الآراء والرؤى والأفكار تجاه كل جزئية تتعلق بالقضية العامة، وهي العدوان الأمريكي السعودي على اليمن، وبواسطة النقطة التالية (حروب العصابات) تصنع أمريكا العصابات داخل المجتمع اليمني، وتمولها، وتوجهها لنشر الشائعات، وتغييب الوعي، وكذلك توجهها لعمل جرائم اغتيالات واختطاف وسرقات، إلى جانب التجسس، لخلخلة الوضع الأمني، ثم التحجج بأن الحكومة والدولة اليمنية هي من يقوم بهذه الممارسات، أو هي من يرعاها، أو يتستر عليها، أو أن الدولة والحكومة تعجز عن توفير الأمن للمجتمع اليمني، بينما دور هذه العصابات هو خلخلة الأمن والاستقرار، وتفكيك الترابط المجتمعي، وهذا من أهداف ووسائل الإدارة الأمريكية لتنفيذ حربها الجديدة، أو ما يُطلق عليه: (الجيل الرابع من الحرب غير المتكافئة).
– من ناحية أخرى، نرى أن الحرب الناعمة – كنوع من الضغوط الإجتماعية – تتخلل المشهد، بتوجيه ودعم أمريكي، وتخطيط صهيوني، الهدف منها صناعة جيل لا يُعنى بما يدور حوله من أحداث، ولا يهتم بما يصيب وطنه وأمته، لأنه أمسى يعيش في عالم آخر، يسرق منه كل اهتماماته، حتى ولو كان مصيره هو نفسه ومصير أسرته متعلقاً بتحركه أو جموده.
5 – استخدام تكتيكات حروب العصابات والتمرد: وقد رأينا استخدام أمريكا في العدوان على اليمن عصابات (بلاك ووتر) و (الجانجويد) وغيرها، علماً بأن غرفة العمليات الأمريكية حولت حتى وحدات الجيش اليمني التابع للدنبوع إلى مجرد عصابات، حتى اختفى مبدأ الأخوة والزمالة بين أفراد الكتيبة الواحدة، وهذا ما تسعى إليه أمريكا، وهو التفكيك ثم التفكيك ثم التفكيك، حتى لمفردة الجندي الواحد، تجعله منفصلاً عن نفسه وعن واقعه وعن وطنه وعن أهله وعن كيانه الشخصي وكيانه الوطني والعملي في مجال عمله الأدائي الآني، باختصار تحول الجندي إلى (روبوت) ينفذ بلا تفكير، ويطيع بلا مناقشة.
• من خلال النقاط السابقة، نرى أن أمريكا استخدمتها كلها على وطننا، في كل بند منها، وكذلك على بقية دول العالم العربي، وبمراحلها المزمنة، تبعاً لظروف كل دولة، مما يؤكد الهدف من الحرب الحالية، وهو بث الفوضى وروح الفُرقة في الدولة المستهدفة تمهيداً لإسقاطها، وهو ما عملت وتعمل عليه الإدارة الأمريكية بمشاركة دولة الكيان الصهيوني وبريطانيا، منذ اندلاع براكين الربيع العربي، الذي حولته الإدارة الأمريكية وتابعيها إلى خريف دائم، لن تعود فيه دول الربيع إلى ما كانت عليه -على الأقل- من استقرار، ولو جزئي، مادامت أطماع أمريكا قائمة، ومادام الوعي الجماهيري لعبة بأيدي عتاولة صناعة الإعلام والشائعات والحرب النفسية وتزييف الحقائق..
ماذا تريد أمريكا من حربها الجديدة ؟
• ترى أمريكا أن نمو العالم العربي قد يخلق قوة أو كياناً قوياً يهدد المصالح الأمريكية على المدى البعيد، لذا فهي تحارب كل الأنظمة العربية في آن واحد، وتستخدم بعض الأنظمة على بعضها الآخر، كما هو حاصل في العدوان على اليمن، إذ استخدمت المملكة السعودية والإمارات وبعض دول الخليج للقضاء على الثورة اليمنية ووأدها في مهدها.
• تعمل أمريكا على هدم الدول العربية، واستخدام المعارضة للعمل على تقسيم الدول إلى دويلات صغيرة متطاحنة، تنشغل بحروب داخلية تستنزف مواردها وتعوق نموها وتدمر شبابها وقوتها.
• أما في اليمن، فإن هدف أمريكا هو هدم النظام، وإنشاء نظام بديل، يكون تابعاً تبعية مُطلقة للإدارة الأمريكية، وللمصالح الأمريكية، وكذلك الحال في سوريا.
ماذا تريد أمريكا؟
• تريد أمريكا من خلال حربها الجديدة (الجيل الرابع من الحرب غير المتكافئة) أن تستحوذ على ثروات ومقدرات العالم العربي، وتريد السيطرة علية سيطرة عسكرية وسياسية واقتصادية، لما يمثله من موقع استراتيجي، ولمخزونه الهائل من الثروة، وتريد قطع الطريق على سواها من الاستيلاء عليه، فهي تخشى -بقوة- ظهور (التنين) الصيني، باعتبار الصين قوة اقتصادية لا يستهان بها، وهي قوة لا تزال صاعدة، ونموها يتعاظم كل يوم، بينما الاقتصاد الأمريكي أصبح عرضة للزوال، فقد غدت تتهدده الأزمات، وينخره الفساد، لأنه لم يُبْنَ على أسس مجتمعية وأخلاقية سليمة، وأقحمته الإدارات الأمريكية المتعاقبة في تدخلاتها العسكرية والسياسية، لخلخلة معظم الأنظمة العالمية بشكل عام.. لذا فهي ترى أن استغلالها للربيع العربي وتدويره لخدمة مصالحها، واستباقاً للدول العربية من أن تتذوق طعم الحرية التي نادى بها شباب 2011، فتقوم أنظمة حرة ونزيهة، ترى أمريكا أنها تهدد مصالحها، لذلك كله استهدفت العالم العربي، وعملت على إسقاط الأنظمة، لتنصيب أنظمة عميلة ومنقادة، وأشعلت حروباً عدوانية -كما هو حاصل في اليمن-، بالإنابة.
• لقد تجلت صورة الحرب الجديدة، أو الجيل الرابع من الحرب الأمريكية، بصورة واضحة، فكل هذه الحروب، وكل هذا العدوان، ولم يدخل في المعادلة جندي أمريكي واحد، ورغم وضوح الحرب أنها أمريكية، عبر صفقات السلاح مع الدول المعتدية فعلياً، وغرف العمليات الأمريكية، ومشاركة طيارين أمريكيين وإسرائيليين وغيرهم، ورغم الأهداف الأمريكية الواضحة لهذا العدوان إلا أن الإدارة الأمريكية تحاول أن تنأى بنفسها، وتبث عبر وسائل إعلامها الأعرابي، ان الحرب غير ذلك، وهذا لأنها حرب أمريكية جديدة، أو هي ما يُطلق عليه الجيل الرابع من الحرب الأمريكية غير المتكافئة.
الحل
الصمود المبني على وعي، والتمسك بمبادئنا وعروبتنا وديننا، والثبات على هويتنا الإيمانية، والالتفاف حول قيادتنا الثورية والسياسية هو ما يضمن لنا عدم الإضمحلال، وها هي الانتصارات تشيد قصور العزة، على أرض راسخة، وتطوير القدرات القتالية، والتكتيكات الدفاعية، ومعرفة أساليب وطرق إدارتهم للحرب، ثم مقاومتها، ودحر وكشف الشائعات، سواءً تلك التي تأخذ صفة الديمومة، أو تلك الشائعات الآنية، التي تطلق ذيولاً للأحداث، ثم الحفاظ على شبابنا من الضياع، وتحصينهم التحصين الثقافي الديني، وتأهيلهم لتحمل المسؤولية، وبث الوعي في أوساط المجتمع.. ولن يسبقونا إلى قلوب شعبنا، فنحن الأقرب والأحرص عليه، والنصر قاب قوسين أو أدنى، وسيثبت الشعب اليمني أن كل مخططاتهم مهما بلغت من الدقة والإحكام، ليست سوى فراشات تحوم حول محرقة، محرقة اسمها اليمن.. اليمن (مقبرة الغزاة).