جار يتسبب بإغلاق منزل جاره بحثا◌ٍ عن فارق أرضه

ذهبت ـ كعادتهاـ إلى العمل في الصباح الباكر تاركة والدتها البالغة من العمر “80” عاماٍ في المنزل بمفردها.. وحين بدأ وقت الظهيرة ذلك اليوم يلفظ أنفاسه الأخيرة, وأنهت هي أيضاٍ عملها, عادت إلى المنزل, دون أن تعلم أو يعلم أحد بما حدث جوار بيتها.
وحين وصلت إلى الحي القاطنة فيه, تفاجأت بعدم وجود منزلها.. انتقلت بسيارتها للشارع الثاني للبحث عن دارها المفقود فلم تجده بحوزة أحد.. توقفت قليلاٍ وتأكدت من سلامة نظرها وعادت إلى جوار البيت.. فوجدت سورا تم بناؤه خلال ساعات تواجدها في العمل للأرض المقابلة لمنزلها, وأقامت غرفة على مدخل بيتها.
لم تكن تعلم نورية المليكي بأنها ستظل عند أحد أقاربها القاطنين بنفس الحي لمدة أسبوع.. ولم تتوقع بأن السور الجديد سيقيد حرية امرأة “والدتها” بلغت من العمر عتيا, وسيجبرها على المكوث داخل المنزل سبعة أيام.. ولم يخبرها القدر بأنها ستضطر إلى إمداد والدتها بالطعام من سطح منزل جيرانها وإنزاله بواسطة الحبال.

لا تقتصر أضرار تناقض تقارير اللجان المكلفة بالنزول من قبل الهيئة العامة للأراضي وعقارات الدولة إلى الأرض المختلف أو المتنازع عليها, على تعميق النزاع والمشاحنات بين المتخاصمين فحسب, وإنما تحول القضية المدنية إلى جنائية.. إذ إن هذه التقارير التي ترفعها اللجان المكلفة من نفس الجهة تتناقض مع نفسها, فأحدها تكون لصالح طرف والآخر يؤكد ملكية ودعوة ذلك الطرف الآخر.. ليظل الصراع بين المتنازعين طويل المدى بسبب هذه التقارير, التي يرتكب البعض جريمة القتل على إثرها, بالإضافة إلى أنها تفقد ثقة المواطن بالمهندسين اللجان والذين تعتمد عليهم الجهات المختصة في حل النزاع.. ومن هذه القضايا.. سنعرض لكم قضية نورية المليكي كمثل واحد لهذه المشاكل التي تسببت بها التقارير..
تعود قضية المليكي لأكثر من عشرين عاماٍ وتحديداٍ من (1994)م, عندما قام مكتب أراضي وعقارات الدولة آنذاك بتوزيع قطع ومساحات أراضي لبعض موظفي الدولة.. حصلت مشاكل -ولا تزال- بين نورية المليكي وأحد جيرانها الذي قام ببناء سور حول أرضيته الواقعة أمام منزل المليكي الواقع بفج عطان جنوب أمانة العاصمة, وبناء غرفة للحراسة أمام المدخل الوحيد لمنزل المليكي, والذي اشترته من مكتب الهيئة العامة للأراضي والمساحة بالأمانة كمدخل للمنزل وذلك بموجب سند رقم (594124) بتاريخ 12/7/2006م الصادر من مصلحة أراضي وعقارات الدولة “سابقاٍ ” وبحسب قرار لجنة الإثمان بمكتب المصلحة بالأمانة لعام 2006م.
وبحسب الوثائق التي حصلت “الثورة” عليها فإن سبب إغلاق المدخل يعود إلى اعتقاد جار المليكي بأن النقص الذي لحق بأرضه والمحدد بـ “3” لبان من مساحة الأرض البالغة “10” لبان, سببه المدخل.
فبعد مرور أسبوع من بناء السور وغرفة الحراسة نزلت النيابة ورجال الأمن وقاموا بإزالة البناية التي أغلقت مدخل البيت.. ولم يكتف المعتدي بإغلاق مدخل المنزل لمدة أسبوع, وإنما حاول قتلها بإطلاق الرصاص عليها, وجرف سيارتها نوع أودي بالشيول حتى تم تدميرها, بحسب الحكم الصادر عن محكمة جنوب غرب الأمانة.
وأرجعت نورية المليكي سبب القضية إلى تقارير المهندسين المكلفين بالنزول والنظر في القضية, التابعين لمكتب الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني, والذين يعتبرون هذا العمل كبيع وشراء ووسيلة للحصول على المال, حسب تعبيرها.. مشيرة إلى أن تناقض المهندسين في تقاريرهم أكبر دليل على تلاعبهم بالقضايا وهذا ما يساعد على تطور الخلافات والنزاعات بين المتخاصمين بدلاٍ عن حلها والفصل فيها.
وبحسب وثائق هذه القضية فإن هناك اختلافا وتناقضا بين تقارير المهندسين.. إذ إن اللجنة الأولى أكدت في تقريرها المرفوع للهيئة بتاريخ 24/7/2013م وتحت توقيع “مدير إدارة المساحة الميدانية ومدير عام المساحة” على أن المدخل تابع لنورية المليكي, بحسب نزولهم وقياسهم للأرض المختلف حولها.. مبيناٍ أن التقرير الأول النقص الذي لحق بأرض جار المليكي ” قد أخذ منها شارع 12 من شمال الأرض من أجل المصلحة العامة وفقاٍ للتقارير.
لم يمر على التقرير الأول ثلاثة أشهر حتى نقضه تقرير آخر من لجنة أخرى مكلفة من نفس الجهة.. حيث أشار التقرير الثاني المرفوع للهيئة بتاريخ 28/10/2013م وتحت توقيع ” نائبي المدير العام للشئون الفنية ولشؤن الأراضي إلى أن نورية المليكي دخلت في أرض جارها مما أدى إلى نقصها.. الجدير بالذكر أن التقرير الثاني المرفوع لمدير عام مكتب الأراضي والمساحة شدد على ضرورة الرجوع إلى الرفع المساحي حيث إن المهندسين المكلفين مع اللجنة لم يقدموا تقريرا فنيا ميدانيا للقضية.. مما يؤكد لنا أن هناك عملا عشوائيا وتقارير غير واقعية من قبل كبار موظفي الهيئة أو المكتب وبالذات عندما يشير التقارير بالعودة إلى تقارير فنية لم يقم المختصون بإعدادها.
.. وتبقى القضية عالقة, والمشكلة قائمة عند اختلال التقارير وغياب الرقابة على اللجان المكلفة والتأكد من صحة تقاريرها من قبل الجهات التابعين لها.
وحملت المليكي الإدارة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني بالأمانة ما لحق بها من أضرار وخسائر وفقدان سيارتها, كون الشيول الذي جرف السيارة تابعا للإدارة العامة للأراضي, بالإضافة إلى انعدام الرقابة على المهندسين والتأكد من تقاريرهم التي يقومون برفعها والتي تساهم في تمديد وتطويل فترة القضية أمام المحاكم والنيابات.. مناشدة أمين العاصمة عبدالقادر هلال بوضع حد للتلاعب وبيع وشراء المهندسين بقضايا المواطنين واتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم وكذلك النظر في قضيتها وتعويضها.
قضية المليكي ليست إلا مثلا بسيطا للاعتداءات على أملاك الآخرين في ظل تخاذل الجهات المعنية والمختصة تجاه هذه القضايا التي تحدث باستمرار في أمانة العاصمة وغيرها من المدن ذات الزحف العمراني.
في السياق ذاته يقول القاضي رضوان العميسي “ليس المتخاصمين والمختلفين فحسب من يعانون عند تناقض التقارير, وإنما أيضاٍ المحاكم والنيابات وذلك في تطويل إجراءات التقاضي والأخذ والرد في القضية”.. مشيراٍ إلى أن القانون وضع حلاٍ لأي قضية أرض يختلف عليها وتتناقض التقارير حولها, وذلك بترجيح واختيار خبير للنزول إلى مكان القضية من قبل المحكمة في حال أن الأطراف التي رفعت التقارير تم اختيارها من قبل المتخاصمين, وفي حال تناقض تقارير خبراء المحكمة فالأمر يعود إلى القاضي في اتخاذ واعتماد إحدى التقارير مع إلزامية ذكر أسباب الاختيار.
وبحسب القاضي العميسي, فإن التقارير المتناقضة تساعد على تعميق الخلاف بين المتخاصمين, وتساهم بشكل كبير في تحويل النزاع المدني إلى جنائي, عند اعتداء الأطراف على بعضهم لاسيما حين تكون الأرض المتنازع عليها مرتفعة الثمن.
وبين العميسي عقوبة من ثبت عليها الإخلال بعمله من موظفي الدولة خبير يقول “عزله عن عمله كخبير, وإلزامه بدفع مبلغ مالي للخزينة العامة بحسب ما تقدره المحكمة, وكذا تعويض الخصوم عن كل الأضرار التي تسبب بها التقرير, منها التأخر في فصل الدعوى, بالإضافة إلى عقوبة جنائية تقضي بحبسه لمدة قد تصل إلى ثلاث سنوات وذلك لإخلاله بواجباته الوظيفية”.
وشدد العميسي على ضرورة تفعيل مبدأ المحاسبة لكل من ثبت إخلاله بعمله, ومكافأة من ثبت حسن أدائه لواجبه, حتى يكون حافزا له لأن ذلك سيخلق مجالاٍ للتنافس بين العاملين, مما ينتج عملاٍ خالياٍ من الاختلالات والتناقضات.
وعن دور مكتب الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني بأمانة العاصمة في الرقابة والتفتيش والتأكد من صحة تقارير اللجان المكلفة بالترويج الميداني إلى موقع الاختلاف توصلنا بمدير عام مكتب هيئة الأراضي بالأمانة عبدالله الزوبة والذي قال إنه لازال حديث التعيين وذلك من شهر يونيو من العام الماضي.. مشيراٍ إلى أنه لم يحدث أي تناقض في التقارير التي ترفعها اللجان المكلفة منذ تعيينه وفي حال حدوث تناقض في التقارير حول قضية واحدة يقول الزوبة “سنقوم بتحويل أعضاء اللجنة المكلفة والمعدة للتقارير إلى الشؤون القانونية لدى المكتب أو الهيئة مع وقفهم عن العمل”.
وعند إخبارنا للزوبة بالوثائق التي بين يدينا والتي تدل على تناقض التقارير حول قضية معينة وأيضاٍ تاريخ رقعها بعد أن تم تعيينه أجاب “هذه القضية الوحيدة والتي يرجع تاريخ مولدها إلى أكثر من عشرين عاماٍ قد تم إحالة القضية إلى الهيئة العامة للأراضي”.

قد يعجبك ايضا