أبو الباقر اليوسفي
من أين أبدأ لا يوافي مقامَك كلام ولا مقال، ففي ذكراك سيدي يعجز تعبيري وكلامي، فلا أدري ماذا أكتب، فمهما كتبت فإني لن أوفي، حتى إن فكري ولساني وكلامي وحروفي تخجلُ وتنحني أمام عظمتك التي جسّدت فيها معنى الإنسانية، وجسّدت فيها معانيَ الرجولة التي تجلّت فيها أسمى آياتها العظيمة، فالحديثُ عنك هو حديث عن السمو في أمثلته العليا، بل هو حديثٌ عن القرآنِ التي تتجلّى بصائرُه وبيناتُه من خلالهِ، وهو حديث عن التضحيةِ والفداء في سبيل الله؛ من أجلِ دينهِ ونصرة للمستضعفين، إنه باختصار حديثٌ عن العظماء الذين قلّ أن يجود بهم الزمان.
انتقلت بكلِّ من ينتمي إلى مشروعك من وضعية سيئة إلى واقع مميز مستبصر واعٍ، تكلّمت وصرخت بصرختك المدوية في زمن قد استفحل فيه كُـلُّ قوى الاستكبار، من كان يجرؤ أن يتكلّم وأمريكا ترتكب أبشعَ الجرائم في العراق وأفغانستان؟!، صرخت وقلت اصرخوا ستجدون من يصرخُ معكم في مرحلةٍ كانت الأمةُ مكبلةً بالهزيمة النفسية، وستحكم الخنوع والاستسلام؛ نتيجةَ التضليل الإعلامي والنشاط التعليمي والتثقيفي، فكانت نقلةً بواقع الأمة وموقفاً.
صنعت أمةً من خلالِ القرآن الكريم، أمةً عزيزةً كريمةً مؤمنةً منشدةً إلى دينها وهُويتها الإِيْمَانية وعرفتها من هي ومن هو عدوها، ووضحت لها المخاطرَ وقدّمت لها الحلولَ، وما يجب أن تكون عليه في مواجهة التحديات والأخطار.
فكنت بحقٍّ أنت باعث الجيل من بين ركام الذل والخنوع والجمود والتيه والضياع، إلى جيلٍ شامخٍ يعشق الجهادَ والاستشهادَ والاستعدادَ للتضحية لا يقبل الاستسلام ولا يرضى الذلَّ والخنوع والهوان، ثابت صامد على خطاك فاستمر نهج حياتك، بنيانك موجود في وجدانِ الشعب اليمني بإحياء روح المسؤولية وَالروح الجهادية، حيث استطاع الصمودَ والثباتَ والتصدي لأعتى عدوان تاريخي تكالبت فيه كُـلُّ قوى العهر والطغيان.
كشفت زيفَهم ومكرَهم وأنهم على الباطل وتبيّن من خلال الأحداث والشواهد أن هذا المشروعَ هو حقٌّ، وأنه الذي فيه الخير للأمة وأن الأمةَ بحاجة إليه، أرادوا طمسَ ذكرك فرحلت إلى وجدان هذا الشعب، قتلوك فأحيوك، فأنت موجود في أفكارنا، فأينما تولي وجهك ترى حسينيين أُباة الضيم أبطالاً شجعاناً لم يتراجع الواحدُ منهم قيدَ أنملة، ثابتين ثبات الجبال الرواسي لا يخافون في الله لومةَ لائم.
إذاً فالشهيدُ القائد هنا لا زال موجوداً، والسؤال الذي يطرح نفسه أين هم؟ أين مشروعك ونهجك؟ وأين مشاريعهم وأحلامهم وكيدهم ومكرهم؟.
وانطلق الشهيدُ القائد -رضوانُ اللهِ عليه- في هذا المشروع القرآني النهضوي الاستقلالي المتحرّر لمواجهةِ هذه الأخطار التي طغت، ومنذُ ذلك اليوم من أول لحظة تحَرّك بها في هذا المشروع ضمن هذه القضية العادلة وإلى حين استشهاده، ومنذ استشهاده وإلى اليوم على مدى ستة عشر عاماً، كُـلّ الأحداث كُـلّ المتغيرات كُـلّ المواقف تمثّل شواهدَ ودلائل على ضرورة هذا التحَرّك وعلى ضرورة هذا الموقف، وأنه لا مناص لنا لا خيار لنا كشعوب في مواجهة هذا الخطر، إلا التحمّل للمسؤولية لا الاستسلام، ولا يمكن أن يقيَنا أيَّ شر ولا أن يدفع عنا أيَّ خطر، بل يسهل على الأعداء قتلنا وإبادتنا وإهانتنا وإذلالنا واستعبادنا وقهرنا واحتلال بلداننا بدون كلفة ونهب ثرواتنا بدون أيِّ متاعب، ولا خيار العمالة خياراً صحيحاً؛ لأنه يتناقض مع هُويتنا مع مبادئنا مع قيمنا مع كرامتنا الإنسانية.
الحديثُ يطولُ ويطولُ عن الشهيد القائد وعن مشرعهِ العظيم، وختاماً نقول: نم قريرَ العين، يا سِبطَ النُّور فقد بنيت أمةً قويةً عزيزةً شامخةً أحييتها بدمائك الطاهرة الزكية وبثقافة الجهاد والاستشهاد، وستبقى رمزاً وقائداً للشعب اليمني في مواجهة العدوان جيلاً بعد جيل، فجزاك الله عنّا خيرَ الجزاء يا سيدي، السلام عليك يومَ سارعت إلى رفعِ الصرخة في وجه المستكبرين، السلامُ عليك يوم وقفت شامخاً في وجه الطغاة والمجرمين لم تتزلزل ولم تركع، وهل مثلك يركع إلا لله، وهل مثلك يخشى إلا من الله، والسلام عليكَ حين ولدت، وحين استشهدت، ويوم يقوم الأشهادُ.