العلامة/ عدنان الجنيد
* بدأ الفكر الوهابي الدخول إلى اليمن في بداية السبعينيات خاصة بعد حكم المشير عبدالله السلال وبالتحديد أيام حكم القاضي عبدالرحمن الإرياني هنا بدأت السعودية بالتدخل وبدأت بإنشاء المعاهد الدينية بالذات في تعز ،حيث جعلوا جزءا من مدرسة الثورة الثانوية – في مدينة تعز – معهداً دينياً وجمعوا الإخوان للعمل فيه وكانت تحصل صراعات بين طلاب المعهد وطلاب مدرسة الثورة ، وكان طلاب المعهد يتهمون طلاب المدرسة الثانوية بأنهم يقطعون المصاحف ويدوسونها بأقدامهم وهذه عادة الوهابية في اتهامهم كل من خالفهم ، وكان لطلاب المعهد مبالغ مالية وتغذية شهرية من وزارة المعارف السعودية واستمرت هذه المعاهد بشكل قليل جداً حتى أيام الحمدي ولم يحصل لها الانتشار الكبير في جميع مناطق الجمهورية إلا في عهد علي عبدلله صالح، فبعد اغتيال الشهيد الحمدي وصعود علي عبدالله صالح سدة الحكم استباحت السعودية البلاد وعاثت بفكرها الوهابي الفساد الذي صدرته إلى الشعب اليمني ، وتدخلت في جميع شؤون البلاد فلا صغيرة ولا كبيرة إلا ولها يد فيها بل كانت لها الوصاية الكاملة على البلاد ..
وبعد حرب 79م وظهور الجبهة الوطنية وتوسعها في المناطق الوسطى تم إنشاء هيئة عامة للمعاهد العلمية توازي وزارة التربية والتعليم ووضعت ميزانية مالية ضخمة لها وتم تحزيم حدود مناطق الشمال المحاذية للجنوب بالمعاهد الدينية حماية لسلطة صنعاء من الغزو الشيوعي حسب تعبيرهم ويمكن أن نلخص خطواتهم لاستهداف الهوية اليمنية بالآتي :
إنشاء المعاهد الدينية ( الوهابية ) في جميع مناطق اليمن:
تم إنشاء أغلب المعاهد الدينية في اليمن في الثمانينيات وأول معهد تم إنشاؤه في مدينة تعز هو معهد تحفيظ القرآن، وكانوا يبنون المعاهد في الأماكن التي يتواجد فيها إما مشائخ أو علماء أو مدارس أو أربطة دينية أو مساجد تاريخية تابعة لكل من الزيدية والصوفية والشافعية.
فمثلاً في مدينة صعدة التي فيها ضريح ومسجد الإمام الهادي -ع – ومدارسه العلمية أسس الوهابية دار الحديث في دماج في منطقة قريبة من مدينة صعدة ،وفي محافظة تعز بنوا معاهد في مناطق ذي البرح معهد القادسية ومعهد البرداد في برداد وكلاهما في مديرية صبر الموادم ومعهد حراء في جرجور تحت المسراخ ومعهد بئيس في حصبان وكلاهما في مديرية المسراخ إلى غيرها من المعاهد..
وقد استهدفوا هذه المناطق لقربها من مسجد وضريح إمام الصوفية أحمد بن علوان _ قدس الله سره _ كذلك لأن هذه المناطق فيها علماء صوفية وشافعية وتقام فيها حوليات الأولياء واستهدفوا كذلك مدينة الجند التي فيها مسجد معاذ بن جبل استهدفوها وبنوا بجانب المسجد معهداً سموه معهد الجند سنة 1981م وذلك من أجل القضاء على حلقات الذكر والعلم التي كانت تقام في المسجد وكذلك كي يحولوا بين الزائرين وبين المسجد وكي لا تقام فيه مناسبة جمعة رجب وقد حدثت صراعات كثيرة بينهم وبين الصوفية الشافعية.
– محافظة إب :
كانت مدينة العدين معقلا للصوفية والشافعية وفيها آثار تاريخية وقباب قديمة استهدفها الوهابيون ببناء الكثير من المعاهد الوهابية واختاروا المناطق التي فيها زوايا الصوفية، ومن هذه المعاهد التي بنوها هناك معهد السارة في منطقة الإيوان بني على ناحية مذيخرة، ومعهد ذي النورين ومعهد الجرف وكلاهما في الجعاشن وهدفهم من إنشائها محاربة الصوفية والزوايا التي كانت منتشرة هناك لبني الأهدل وبيت علوي وسادة الجعدي وسادة بني المغاربة.
واستهدفوا – أيضاً – مدينة العلم والعلماء جبلة التي كانت قبلة لعلماء الزيدية والشافعية استهدفوها ببعض المعاهد منها معهد في الربادي – جبلة ومعهد بن عقيل وغيرها، وذلك من أجل إثارة الفتنة والقضاء على المذهبية – على حد زعمهم – وكذلك ليحولوا بين الزائرين وبين مقام السيدة أروى ومسجدها التاريخي.
واستهدفوا – أيضاً – مديرية ذي السفال التي كانت في فترة من الزمن حاضرة الفقهاء والعلماء كما في كتاب السلوك للجندي استهدفوها وما جاورها من المناطق بمعاهد كثيرة أهمها :
– معهد عمر بن عبدالعزيز في القاعدة ، مديرية ذي السفال.
– معهد خالد بن الوليد – السياني.
– معهد عمار بن ياسر – السياني وغيرها من المعاهد.
وهكذا استهدفوا جميع مديريات محافظة إب بالمعاهد التي لو ذكرناها لطال بنا المقام .
محافظة ريمة:
إن الخلفية الثقافية للمجتمع في ريمة قبل الثمانينات كانت ثقافة صوفية وفيها أضرحة وقباب الأولياء والصالحين ولهذا تم استهدافها ببناء المدارس والمعاهد الوهابية، ومن أهمها :
– معهد دار القرآن في عزلة مسور مديرية مزهر، وهو أبرز المعاهد في ريمة.
– معهد محفل عزلة محفل مديرية كسمة سابقاً، ثم تم ضم عزلة محفل إلى مديرية مزهر بعد اعتماد ريمة محافظة.
– معهد عبدالله بن مسعود في عزلة بني منصور مديرية كسمة .
– معهد الفاتحين في عزلة بني أحمد مديرية لجعفرية .
– معهد الصديق – الرباط – مديرية الجبين وغيرها من المعاهد وهي كثيرة .
وهناك معاهد كثيرة في بقية المحافظات، ولولا خشية الإطالة لذكرناها وما ذكرناه عبارة عن نماذج فقط .
منهجية المعاهد العلمية وأنشطتها:
هذه المعاهد كانت تتبع ما يسمى بالهيئة العامة للمعاهد، حيث كانت لها ميزانيات خاصة، ومنهجها في المرحلة الاولى منهج وهابي سعودي ولا يتبع وزارة التربية والتعليم ثم بعد أن استولوا على وزارة التربية والتعليم أصبحت معظم المدارس الحكومية تحت نظرهم وقد أعدوا منهجا وهابيا للطلاب في كافة المستويات التعليمية.
وكانت منهجيتها مشبعة بفكر ابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب فالتوحيد الذي يدرسونه يقسمونه إلى عدة أقسام ويؤدي هذا التقسيم إلى تكفير غيرهم من المذاهب الذين يعدون – بحسب منهجهم الوهابي – موحدين توحيد ربوبية فقط وليس توحيد ألوهية فهم متساوون مع المشركين في توحيد الربوبية لاعتقادهم بأن الله هو الرازق والخالق و…. إلخ.
لكنهم غير موحدين توحيد إلوهية فهم مثل المشركين لأن المشركين اتخذوا مع الله آلهة أخرى وكذلك الصوفية والشافعية اتهموهم بأنهم اتخذوا الأولياء آلهة من دون الله وأنهم قبوريون ووثنيون كما أنهم اتهموا الزيدية بأنهم روافض ومجوس.
وهكذا أصبح غيرهم في نظرهم مشركين يجب محاربتهم وتحل دماؤهم، لهذا كان طلاب هذه المراكز يخرجون بين كل فترة وأخرى لتحريض الناس في القرى والمدن حتى غيروا عقول الكثيرين منهم وكانت هناك نتائج سيئة وكارثية كما ستعلمها في الآثار والنتائج وكانت أيضاً – هذه المراكز- تخرّج المقاتلين وتصدرهم إلى أفغانستان، حيث كان من أنشطتهم التدريبات الرياضية والعسكريةً وإذا سئلوا عن ذلك أجابوا : ” المؤمن القوي خير وأحب الى الله من المؤمن الضعيف “وكانت تلك المراكز تقوم بتخريج دعاة يوزعون لاستهداف المجتمع عبر حلقات في المساجد أو في المجالس أو في خطب الجمعة .
الجامعات :
قاموا بإنشاء الجامعات ذات الطابع الوهابي تحت مسميات سواء ذات التسميات الدينية كجامعة الإيمان وجامعة القرآن الكريم أو الجامعات الخاصة التي يتم استغلالها بشكل كبير في تجنيد الشباب لخدمة هذا الفكر .
إنشاء الجمعيات الخيرية :
حيث أنشأوا الكثير من الجمعيات ومن أشهرها جمعية الحكمة اليمانية وجمعية الإحسان، وكان لهذه الجمعيات الدور الأكبر في تفريخ المراكز الوهابية وتوسع انتشارها في مناطق مختلفة من البلاد.
إضافة إلى أنها تقوم ببناء الكثير من المساجد والمكتبات ودور تحفيظ القران وأكثر هذه المراكز تم إنشاؤها في التسعينات منها على سبيل المثال في تعز:
– مركز المنار للعلوم الشرعية .
– مركز تعز للعلوم الشرعية .
– مركز الشافعي الشرعي، وسموه بهذا الاسم كي يستهدفوا قلوب الشوافع عبر تدريس بعض فقه الشافعي مع أنهم يكفِّرون الشافعي نفسه .
– مركز دار القرآن .
– مركز التقوى النسائي .
وغيرها من المراكز التي تشرف عليها وتقوم بتمويلها الجمعيات الخيرية خاصة جمعية الإحسان الخيرية أو جمعية الحكمة اليمانية وغيرهما.
ولهذه الجمعيات تمويلات هائلة تأتيها من السعودية ومن الخليج ومن أماكن خارجية لا تُعلم مصادرها .
المساجد :
تم بناء الآلاف من المساجد عبر وكلاء سعوديين في اليمن وعبر جمعيات وعبر تجار يمنيين من الذين عادوا من السعودية، وكانت هذه المساجد خارجة عن نظر وزارة الأوقاف هذا في البداية وبعدها تمكنوا من الاستيلاء على وزارة الأوقاف حتى صارت معظم المساجد تحت نظرهم، لذلك فإن المؤامرة الكبرى على الهوية اليمنية الايمانية بدأت تنطلق من هذه المعاهد والمساجد وبطريقة متقنة وتعبئة مدروسة وبنشاط كبير لدرجة أنه كان يخيل للمستمع أنه في مساجد نجد والرياض وليس في مساجد يمن الإيمان.
حيث استطاع الوهابيون أن يضربوا الهوية اليمنية بكافة شرائحها ومكوناتها، مستغلين بذلك عاطفة الشعب اليمني كونه يتأثر برجال الدين ولهذا بثوا سمومهم ودجنوا المجتمع اليمني بثقافات مغلوطة منحرفة وشحنوهم بالطائفية والفتن المذهبية والمناطقية فقد كانوا يكفرون مخالفيهم من على المنابر ويقولون إن الشيعة مجوس وإنهم أخطر من إسرائيل، هذا في التسعينات أما ما بعد التسعينات فقد كانوا يخطبون في منابرهم ويقولون إن الحوثيين أخطر من اليهود ويؤكدون ذلك بأيمانهم الكاذبة وأما تحذيرهم الناس من الصوفية فحدِّث ولا حرج فقد حرَّضوا الناس على تكفير الصوفية ووصفوهم بأنهم قبوريون يعبدون الأولياء وأن الموالد وإقامة المناسبات الدينية من البدع المنكرة والشركيات ثم شنوا حملاتهم التشويهية على عدة مناسبات دينية مثل ذكرى يوم الغدير وقالوا إنها مناسبة شيعية يختلط فيها الرجال مع النساء وكل رجل يأخذ امرأة الآخر، وهكذا ظلوا عقودا من الزمن يشحنون قلوب الناس بالعداوة والبغضاء ضد غيرهم من إخوانهم من الصوفية والشافعية والزيدية حتى وصلوا بالناس إلى حمل السلاح بل وإلى أن يصبح اتباعهم أعوانا للغزاة المعتدين على بلد الإيمان .