الشهيد القائد.. سطور من وحي التضحية

إكرام المحاقري

على مشارف بداية الألفية مرت الجغرافية اليمنية بمنعطفات وأحداث كانت هي السبب فيما وصل إليه الشعب اليمني اليوم من قوة وصمود، ووعي وإدراك لخطورة ما يقوم به العدو من حملات عسكرية وثقافية واقتصادية شرسة، بدأت بمحاربة الفكر القرآني وتدنيس نقاوة المذهب الزيدي، إلى تحريك الورقة الطائفية والمناطقية ممزوجة بمكر الثعالب والذين ادعوا الوطنية ومزقوا الشعب وداسوا على كرامته..
فـالوعي اليمني الراهن لم يأت من فراغ، ولم ينزل من السماء كـمعجزة المن والسلوى التي جحد بها بنو إسرائيل بعد أن لمسوها في واقع حياتهم، بل إنها ولدت من رحم التضحية والصمود والثبات للشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، فهو لم يساوم على كشف مضمون القرآن الكريم أمام عتاولة القرن العشرين، ونال بكل جدارة شرف هداية الناس من جديد لنور القرآن الكريم، فـ (لكل قوم هاد)، وما جاء به حسين مران هو الذي رسم للشعب اليمني مسار الثورة والاستقلال والتحرر من أغلال العبودية للطاغوت والأعجال البشرية..
كان النظام إبان حكم “صالح” وتجذر السياسة الصهيونية في مفاصل الدولة قد عرف التوجه الحقيقي لما جاء به الشهيد القائد، فهم ومنذ السبعينيات أي بعد اغتيال الرئيس (إبراهيم الحمدي) قد نفثوا السموم القاتلة في المناهج الثقافية والتربوية والدينية بشكل عام، حتى أصابوا الشعب اليمني بالعمى الثقافي والسياسي والديني ووصل بهم الأمر إلى ترويض الشعب اليمني على التواجد الأمريكي، وفصل التحركات الأمريكية عن العدو الصهيوني، وهكذا كانت سياسة جميع الأنظمة العميلة في الرقعة العربية..
وحين تحرك الشهيد القائد كانت الشعوب حينها مصابة بفيروس الضلال والضياع، لذلك استغل النظام جمود الشعب وتحرك بحرب إعلامية وعسكرية واسعة لوأد المشروع القرآني ومواصلة مشهد يوم السقيفة، ودرب بني أمية، فـاللوبي الصهيوني قد أدرك خطورة المشروع القرآني وتحرك بكل وضوح لمحاربة المشروع تحت مزاعم واهية مثلها مثل مزاعم “الشرعية”؛ ولأن الأحداث تعيد نفسها على مر التاريخ، فـالعدو الذي وجه بشن الحرب على محافظة صعدة آنذاك هو نفسه من تبنى إعلان العدوان على اليمن؛ لكن لكل طاغية طريقته الخاصة، وتبقى أمريكا أم الإرهاب في كلتا الحالتين..
من هدي القرآن الكريم
تفرد الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي بعلم عظيم كان نتيجة لغوصه الواسع في واقع القرآن الكريم، في زمن تركت فيه الأمة الإسلامية كتاب الله خلف ظهرها وأصبح كتابا مهجورا لا أحد يعمل به إلا في بعض الأمور، والتي ليست متعلقة بكرامة الأمة، ولان الإسلام قد حتم على حملة العلم أن يكونوا أهلا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكانت هذه صفة من صفات خير أمة أخرجت للناس، قدَّم الشهيد القائد دروساً قرآنية عظيمة طرحت واقع الأمة الإسلامية في عنوان الصفحة، وطرحت واقع القرآن الكريم في سطورها..
لم يفصل الشهيد القائد الدين عن الدولة، ولا المساجد عن السياسة؛ بل قدَّم دروسا تحت عنوان “الإسلام دين ودولة” وبيَّن من خلالها ضرورة الارتباط بتوجيهات الله تعالى لعباده المؤمنين والعمل بها، خاصة في أمور الدولة والسياسة والتي تعتبر ركيزة لرسم مسار الشعوب..
وبثقافة قرآنية واسعة وضح الشهيد القائد الخطورة القائمة على الأمة الإسلامية من سيطرة العدو على قرارها ومقدراتها، وبيَّن خطورة المرحلة وحقيقة الإرهاب والسلام، وكانت النقطة المحفزة للعقل هي خطر دخول أمريكا اليمن، ونهيه عن كثير من التساؤلات التي لا تأتي بنتيجة، فتلك الحقائق الواسعة ما زالت تواصل مشوار بناء الأمة حتى اللحظة، ليس في اليمن فحسب، ولكن في بلدان واسعة من العالم، وأصبحت المسيرة القرآنية مسيرة عالمية، وباتت الشعوب تنظر إلى حقيقة “من نحن ومن هم”، وهذا ما سيحتم على العدو تغيير لعبته الثقافية بمصطلحات أخرى بعيدة عن الدين الإسلامي الحنيف.
الثأر لأمريكا
حين تعالت أصوات المجاهدين بـ “الموت لأمريكا والموت لإسرائيل” كـخطوة أولية لمواجهة المشروع “الصهيوأمريكي” في المنطقة، وكـتحمل للمسؤولية التي ألقاها الله تعالى على أعتاق المسلمين، وجه الشهيد القائد بتداول شعار الصرخة في المساجد عقب كل صلاة جمعة، كمحطة تربوية للمجتمع اليمني..
حينها تحركت أمريكا ثائرة لنفسها، ومحافظة على بريق ما زرعته من ثقافات تدجينية في المجتمع اليمني، وكان ذلك التحرك من خلال نظام “صالح” الذي كان ورقة بيد الأمريكان ودول الغرب بشكل عام، حينها وبعد زيارة عاجلة من صالح إلى أمريكا دقت ساعة الصفر، وبدأت المعركة لتواصل مشوارها في ست حروب ضارية أحرقت الأخضر واليابس، راح ضحيتها الآلاف من أبناء محافظة صعدة وآخرين من أبناء المحافظات المجاورة كمحافظة “عمران” وتحولت المحافظة إلى أرض محروقة..
أرادت تلك الحروب إخماد فتيل الثورة القرآنية التي تفرعت من شجرة ثورة كربلاء، لكنهم فشلوا رغم قتلهم الشهيد القائد ومجموعة كبيرة من رفقائه، وشكلت تلك الدماء ثورة وعي عارمة جذبت الكثير من الناس للمسيرة والثقافة القرآنية، وكانت نقطة الفصل بين صمود أنصار الله وبين تكالب الأعداء على مشروع العودة إلى الدين.
ويبقي الأثر
رغم ما مرت به المسيرة القرآنية من مؤامرات عاليمة لإخماد صداها القرآني إلا أن الله تعالى دائما يتم نور الحق ويشع هديه في أقطار المعمورة الصغيرة، وكما يقال يولد النصر من رحم التضحيات، ومن تضحيات المستضعفين في الأرض ولدت كرامة اليمن من جديد، فـثورة الإمام الحسين عليه السلام تبقى نبراساً لانتصار الثورات على مر التاريخ، وليسقط تاريخ العملاء الملطخ بالعار..
فحين تمكنت قوى الإجرام من الشهيد القائد ظنوا أنهم بذلك قد تمكنوا من الأخذ بزمام الأمور، لكنهم لم يعوا خطورة ما قاموا به حين تغافلوا عن مستقبل الدم الذي سُفك ظلما من أجل القضية العادلة، ولهذا فقد وصل صدى المسيرة القرآنية إلى العالم وأصبح أسم (أنصار الله) أو (الحوثيين) شبحا يلاحق الطغاة في عقولهم وأوطانهم، خاصة أولئك الذين شاركوا في الحروب الست وكانت لهم بصمة عار في استهداف الشهيد القائد.
فأثر القرآن الكريم الذي حاول طمسه بنو إسرائيل وقريش وبنو أمية والمنافقون على مر العصور بقي وبقيت معه مواقف الصادقين مخلدة في أنصع صفحات في التاريخ، لذلك يكون النصر حليف الدماء والأشلاء وحليف من يقول للظلم لا وكفى، فالشهد القائد ”حسين مران“ ما زال موجودا حتى اللحظة في أوساط الشعب اليمني منهجا ودليلا، وعلم حق، وراية نصر، وقرآن هداية، ومن هنا بات الصمود مشروعا أزليا للشعب اليمني في وجه عتاولة الظلم والاستبداد.
الحرب السابعة
كانت الحروب الست واجهة صراع في المنطقة لتغلغل القوى الأمريكية في اليمن من خلف ستار المصلحة العامة والأمن والأمان، حينها كان نظام صالح قد فنَّد بنود التطبيع مع العدو الصهيوني على أرض الواقع ومن تحت الطاولة التي أعلن صالح من خلفها إحراق محافظة صعدة، ووجه بذلك اختراع جِبل من الكذب والدعايات من أجل إشغال الشعب بكل ما هو مناف للحقيقة.
ورغم ما قام به نظام صالح من جرائم إبادة إلا أن أولئك الفتية قد نالوا جزيل العطايا من الله تعالى فمكنهم ونصرهم حتى أصبحوا بعد حين طرفا سياسيا في الدولة، ورقما صعبا لدى المجمتع الدولي، ولأن أمريكا لا يهمها صلاح الوطن، ولأن العملاء قد نذروا أنفسهم من أجل تمدد المشروع الصهيوني في المنطقة، قررت السياسة الأمريكية شن الحرب السابعة على اليمن لكن تحت مزاعم جديدة كانت تحت عنوان “الشرعية”!!
والعظيم أن هذه الحرب جاءت بعد عملية جراحية ثقافية خضع لها الشعب اليمني بعد ثورة الـ 21 من شهر سبتمبر المجيد، لذلك كان الشعب اليمني متعطشاً لنيل حريته وكرامته مهما كلفه الثمن غاليا، في الوقت الذي استغلت فيه السياسة الأمريكية تواطؤ العملاء وحاكت المؤامرات وشنت الحرب الضروس، إلا أن ثبات وصمود ووعي وتجلد وشموخ وأنفة الشهيد القائد قد تجلت عظيمة في مواقف الشعب اليمني لمواجهة مشروع احتلال اليمن..
ورغم الحصار الخانق والقصف العشوائي، ورغم تكالب العدو والمحايد ومدعي السلام، إلا أن القيادة اليمنية الحكيمة والقرآنية قد انتشلت اليمن من حضيض الهلاك إلى قائمة التصنيع العسكري، والإنتاج المحلي، والاكتفاء الذاتي، وأصبح اليمن رقما صعبا يحسب حسابه في بلدان العالم، كما حسبت أمريكا حساب فتية صعدة آنذاك الذين مرغوا أنف عملائها في تراب الوطن، فتلك الحروب وهذا العدوان لهم ذات الهدف ويمتلكون نفس الهوية “الصهيوأمريكية”، كما امتلك الشعب اليمني في الماض والحاضر الهوية اليمنية الإيمانية الأصيلة.
قضية الدين
لم يحمل الشهيد القائد في يوم من الأيام قضية نفسه والثأر لشخصة، فرغم ما مر به من مضايقات في وظيفته كعضو في مجلس النواب، إلا أنه كان ذلك الرجل الحليم والرشيد، وكانت قضية الدين على رأس قائمة اهتماماته، لذلك كان ينظر إلى توجيهات الله ووعيده بالضغوطات الإلهية، وبذلك لم يخضع لهيمنة نظام صالح ولا لتهديدات البيت الأبيض..
ولذلك كانت الثقافة القرآنية التي دعى إليها الشهيد القائد دستور حياة، وديمقراطية رأي بالنسبة للشعب اليمني، فرغم ما وصل إليه الشعب اليمني إلا أن القضية المركزية للأمة والتي هي (القدس) كانت هي قضيته ووجهته، وهذا هو أساس الدين الإسلامي الذي استوعبه الشهيد القائد ( أمة واحدة ـ وعدو واحد ـ ووجهة واحدة ) وهذا ما يجب أن تعيه الشعوب الحرة في العالم، وليكن القرآن الكريم دستوراً للجميع ( فهو الفصل ليس بالهزل).
خير خلف لخير سلف
لم تقف مسيرة الحياة القرآنية عند حد معين ولم يكن التيه من نصيب الشعب اليمني خاصة بعد التضحيات الجسيمة للشهيد القائد؛ فـلكل قوم هاد ولـكل زمن علم هدئ، لذلك فقد واصل السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي مشوار أخيه الشهيد القائد بكل جدارة وبكل حكمة، ومنذ توليه قيادة المسيرة القرآنية وحتى اللحظة تحققت إنجزات قرآنية عظيمة، بدأت مشوارها في سبيل الصمود والصبر وتفرعت في أهداف ثورة سبتمبرية مجيدة.
وها هو صدى
ها هو المشروع القرآني يصل إلى بلدان العالم وكأن توجيهات الشهيد القائد ودراسته للواقع أصبحت اليوم شاهدا للعيان، فالشهيد القائد لم يتحدث عن هوى نفسه بل كانت معاييره قرآنية بامتياز، لذلك كانت نظرته واسعة الانتشار بشعار البراءة من أعداء الله حين قال ( اصرخوا وستجدون من يصرخ معكم )، وفعلا فقد صرخ الأحرار في أرجاء اليمن وصرخت دول محور المقاومة، وكثير من الأحرار في العالم بـ “الموت لأمريكا والموت لإسرائيل”..
وحقا وصدقا وعدلا ويقينا أن الحق لا يتراجع خطوة واحدة بوجود الصادقين من النبيين وأعلام الهدى ومن عامة خلق الله، لذلك فقد تقهقر المشروع الأمريكي في المنطة، وقد خاب من استعلى بوجود الثقافة القرآنية والحكمة اليمانية والهوية الإيمانية، وبوجود (رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)..
وليذهب كيد الأعداء ومكرهم إلى الزوال والفناء الخاص بأتباع إبليس اللعين، فالجنة لم تكن يوما إلا لعباد الله المتقين، والسلام على من اتبع الهدى، والعاقبة للمتقين.

قد يعجبك ايضا