في ذكرى الرحيل تختلط المشاعر وتتسابق العبرات وتتزاحم الكلمات لتقف في صف البوح الطويل و تسترجع ذكريات ماضيها لتقف عند أعظم المواقف وأشرف اللحظات ، في ذكرى الرحيل يكون الماضي هو ضيف الشرف فهو من يروي الحكاية للجميع بكل أمانة وامتنان، نعتاد في هذه الذكرى أن يكون الحاضر تحسرات وزفرات ألم على من رحلوا عنا..
لكن هذه الذكرى تختلف كثيراً عن أي ذكرى، فصاحبها هو من عاصر الماضي وقرأ الحاضر، هو من أيقظ التاريخ من تابوته ليكتب مجد الأمة الغارق في أعماق بحر الظلمات والتيه..
فكيف بنا يا ترى وأحرفنا تتوارى خجلاً أمام تلك الهالة من الإيمان والحكمة والبهاء؟!
كيف بنا ورحيله كان وجوداً وخلوداً وولادة، كيف بنا وهو من كان رحيله تضحية وعطاء للأمة بأسرها، كيف بنا اليوم ونحن نحكي عن رقي الوجود البشري وسمو الوعي الإيماني، كيف لنا أن نصف الحكمة في أعلى صورها والبصيرة في أرقى تجلياتها، كيف بنا ونحن نحاول وصف من لا وصف له في معجم الكلمات الدنيوية، مخطئون نحن دائما حينما نعتقد أننا سننجح في ذلك..
لكننا – وكالعادة – سندع الأحداث هي من تحكيه لنا، سنقرأه في ملاحم انتصارات المجاهدين البطولية، وسترويه لنا تكبيرات الأجيال الواعية بثقافة القرآن، ستبثه لنا النسائم القرآنية عبر أثير النفوس الواعية المؤمنة، سترسمه لنا أيدي الجرحى المبتورة على رمال الاقتداء والفداء، ستحفره في أعماق التاريخ خطوات الصمود وثبات الأوفياء وولاء الاولياء..
وسيظل جرف سلمان يصرخ في وجه الطغاة مذكرا العالم بأحداث سالت فيها دماء طاهرة على ترابه تضحية وفداء لتحيا النفوس الميتة ويشع نور الحق أبلج، وستظل جبال مران شاهدة وشاهقة تردده رمزاً وترسله تسبيحه لأهل السماء ومنهجية نجاة لأهل الأرض..
هي ليست مجرد ذكرى عابرة تأتي ثم تذهب حاملة معها كل مراسيمها وذكرياتها ..هي طريق حياة ودواء نفوس وولادة حق وانكشاف غمة ليست في الأصل ذكرى، فكيف للشمس التي تشرق كل يوم لتضيء بوهجها العالم أن تكون ذكرى؟! كيف لقرين الذكر الذي كان يخوض أغوار بحره حتى أدرك قعره أن يكون ذكرى؟!
فهو الحسين بن البدر من طهر النفوس من تراكمات الهراء والعبث، من أعاد الروحية إلى جذوة الحركة والعمل والجهاد..
وها هي تلك المنهجية التي وضعها أمامنا أصبحت حجَّة علينا، فحينما هزنا بقوة الحق قائلا “لا عذر للجميع أمام الله” تحركت فينا كل مشاعر الثقة بالله وانطلقنا بقوة معرفة الله لا نخشى أحدا إلا الله “سرنا ونحن نعرف من نحن ومن هم توكلنا على الله وقلوبنا تضج بأمر الولاية وبوعي الهوية الإيمانية .. نجونا من فخاخ الحرب الشيطانية وامتلأت قلوبنا بدروس من وحي عاشوراء” وجع وإصرار ووفاء ومسؤولية ..تعرفنا جيدا على الإرهاب والسلام بمعناه الحقيقي وبدون أي أغلفة مزيفة، فكانت الموالاة والمعاداة هي وقود التحرك، ومن وعي وعمق مسؤولية أهل البيت ترجمنا الوصية ونفينا كل تلفيق للعنصرية وسرنا جميعنا في خط واحد وحناجرنا تهتف بالصرخة في وجه المستكبرين.