بريطانيا لعنة التاريخ والجغرافيا : الهدم والتفكيك.. سياسات مستمرة تنتهجها عاصمة وعد (بلفور) لتحقيق أطماعها في اليمن
الثورة / إسكندر المريسي
تعتبر بريطانيا الوجه الآخر للجريمة المركبة في الأرض ضد الإنسانية عموما والشعب اليمني وتقدمه الاجتماعي تحديدا فمنذ أن وطأة أقدامها أرض اليمن عام 1839م واستمرت ما يقارب 129 عاما في جنوب الوطن متخذة من الغزو والاحتلال أدوات لتدمير اليمن وإمكانياتها ومقدراتها في سابقة خطيرة أعادت إلى الأذهان مسمى البريطانيين أنهم ليسوا بالنظر إلى أعمالهم إلاّ كوحوش بشرية وجدت في الأرض تعكس مرحلة ما قبل الإنسانية جراء سياستهم الاستعمارية المتبعة في المنطقة العربية منذ القدم .
فهم من أنشأوا الكيان اللقيط في فلسطين المحتلة وهم من دعموا آل سعود لإنشاء دولتهم التي تعمل في إطار الأجندات الاستعمارية.
بريطانيا الوجه الآخر للجريمة في العالم
فلم يكن الاستقلال في الـ 30 من نوفمبر 1967م بالنسبة للبريطانيين سوى محطة لتقييم هزيمتهم والاستعداد في بناء خطوة جديدة للعودة، وهذا ما يعكس تدخلها السافر في شأن اليمن حالياً خصوصا في ظل الادعاءات التي تُسوق أن لندن أقفلت أبوابها أمام المجرم محمد بن سلمان أو أن حزب العمال قاد مظاهرة بالأخشاب يطالبها بمنع إرسال سلاح لمملكة آل سعود أو ادعائها بأنها بعيدة عن تحالف الشر والعدوان لكي تغفل حقيقة أنها من صنع ذلك التحالف .
فجرائم بريطانيا لا تعد ولا تحصى وأصابعها تقف وراء أبشع الجرائم في العصر الحديث.. ولو عدنا قليلاً إلى الوراء سنجد كيف كانوا يقتلون الهنود إبان غزوهم واحتلالهم للهند وكيف كانوا يبررون ذلك أنهم يساعدون الهند وأنهم ينشرون العلم والنور وكذلك بالنسبة لأعمالهم الإجرامية في مصر اعتبروا قتل المصريين ارقى أنواع الحب المقدس وفق تعاليمهم المقدسة .
ولكي تضفي بريطانيا مشروعية على جرائمها في حق الإنسانية في الأرض فإنها ومنذ تلك الفترة وما زالت تعتبر نفسها صاحبة الحق التاريخي في اليمن وتحديداً جنوبه وظلت تخادع منذ الاستقلال بعد طردها ذليلة من جنوب الوطن للتدخل المستمر في الشأن اليمني لكن بدلا من الاستماع إليها واستقبال مناديبها ينبغي على اليمنيين أن يطالبوا أولئك القرود بتعويضات جراء قتل ما يقارب ثلاث مائة ألف يمني خلال فترة الاحتلال إضافة إلى ربع مليون جريح عوضا عن الذين دُمرت منازلهم وعن المشردين وعن الجرحى والمصابين جراء جرائم بريطانيا في بلاد اليمن التي طالت كل شيء وعكست مدى بشاعتهم وابتعادهم عن الإنسانية وتحلّيهم بأخلاق اللصوص.. ونلاحظ تدخلهم في الشأن اليمني حالياً بهدف بقاء سيطرتهم على طرف الملاحة في البحر الأحمر والبحر العربي من خلال المليشيات التي تعربد في جنوب اليمن وهذا كله يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن مندوبها ليس إلا أداة لتمرير أطماعها وقد عبر “غريفيث” عن ذلك بشكل علني عندما يؤكد أهمية الدور البريطاني في حل الأزمة اليمنية والعدوان وما عبر عنه أيضاً أحد الأبواق المحسوبة على بريطانيا وهو يمني الجنسية عندما قال لصحيفة بريطانية إن أوراق حل الأزمة اليمنية في بريطانيا لأنها خبيرة في شؤون اليمن والمنطقة العربية.
وفي نفس المنوال يؤكد المندوب البريطاني المحسوب على الأمم المتحدة نفس “اللازمة” ويتعاملون معنا وكأننا لا نفهم في السياسة ولا ندرك توجهاتهم تجاه اليمن وأطماعهم القديمة الجديدة في اليمن والمنطقة العربية.
أهمية عدن في السياسة البريطانية
تعد مدينة عدن من أقدم المدن في بلاد العرب وتشكل من ناحية الأهمية الاستراتيجية مركزا مهما في الشرق خصوصا والقوى الاستعمارية وقوى الهيمنة أعطت عدن اهتماما بالغا لأهميتها في ترتيبات نظرية الأمن القومي العربي الشامل استنادا لمقولة هينري كيسينجر بأن لا أمن لمسمى عالم اليوم بدون سيطرة قوى الهيمنة على الأجزاء الجنوبية لمياه البحر الأحمر لأهميتها في الحسابات الدولية .
فهي ليست عين اليمن على العالم فحسب ولكنها روح وقلب ذلك البلد منذ الأزل شكلت عدن حاضر المدن العربية وسيدة البحار والمحيطات لذلك كانت المؤامرة عليها بحجم ومكانة أهميتها حيث أن قوى الاستعمار المتعددة من البرتغال إلى الإنجليز إلى الأمريكيين ثم المعاونين لقوى الهيمنة الجديدة ترنو نحو عدن والجنوب خاصة للأهمية الاستراتيجية للمكان.
وبالتالي فإن وجود اليمن يتقرر من عدن فاليمن عدن بكل ما تعني الكلمة من معنى ودلالة وإلا نكون قد صادرنا وعينا عندما نتكلم عن وحدة بدون العين التي تعاني من كل عيون جواسيس العالم الذين يعبثون في المياه الإقليمية اليمنية شواء كان ذلك على صعيد الغزاة القدامى أو الغزاة الجدد فكلاهما لعنة التاريخ والجغرافيا ضد هذا البلد الصامد والمكافح الذي يعول عليه إنهاء جور الظالمين .
التفكيك وشراء الولاءات
استطاعت بريطانيا منذ الوهلة الأولى لاحتلالها عدن في عام 1839م وضع اليمن ضمن مشاريعها التفكيكية الأولى على مستوى المنطقة العربية، وبدا ذلك واضحاً في تنفيذها أعرق خططها التفكيكية التي استطاعت في المرحلة الأولى منها تكريس فصل اليمن إلى شطرين لتواكب مرحلة جديدة من الأطماع الاستعمارية، وظلت تحكمه عشرات المحميات (مشيخات وإمارات)مستخدمة سياسة فرق تسد لحماية التاج البريطاني، طيلة قرن ونيّف، واستمر الحال على ما هو عليه حتى تحقق رحيلها واستقلال جنوب اليمن في نوفمبر 1967م، والإعلان عن دولة يمنية جديدة، ويرى محللون ومتابعون، أن وثيقة الاستقلال التي وقعها ممثلو الجبهة القومية في جنيف، قد انقاد موقّعوها لما تريده بريطانيا في استقلال دولة الجنوب، ولم يعملوا حساباً لإرادة قوى جنوبية ناضلت من اجل إعادة وحدة التراب اليمني فور الاستقلال، بالإضافة إلى احتوائها على شروط مجحفة بحق الدولة الجنوبية الوليدة، أبرزها التزام حكومة الاستقلال بالإبقاء على مختلف ضباط وأفراد قوات الجيش والشرطة الذين عملوا مع الاستعمار ضمن قوام قوات الدولة الجنوبية.
ويقول مختصون إن «معظم من قادوا الصراعات الدموية بين الجنوبيين منذ الاستقلال هم من القيادات التي تتلمذت في بريطانيا، ويعتبر علي شائع هادي أبرز هؤلاء، والذي كان من أبرز القادة العسكريين في أحداث 13 يناير 1986م، وكذلك الفار هادي، الذي يقود اليوم حربا تفكيكية خطيرة على مستوى اليمن بأسره، هو الآخر تلقى تعليمه العسكري في الستينيات من القرن الماضي في كبرى الكليات العسكرية البريطانية وعلى نفقة الجيش البريطاني».
التدخل السافر ودعم العدوان
ويرى مراقبون: أن الحرب التي تشهدها اليمن منذ ست سنوات، لم تكن بمعزل عن الدور البريطاني، ويستشهدون على ذلك بالعديد من الدلائل، أبرزها الدور الكبير لدولة الإمارات في هذه الحرب، باعتبار أن هذه الدولة تقوم بهذا الدور لأنها مازالت ملزمة بتنفيذ اشتراطات استقلالها عن بريطانيا التي تلزمها بالعمل وتسخير كل إمكاناتها لما قد يتطلبه منها في خدمة التاج البريطاني في المنطقة، بالإضافة إلى الدور الذي ظلت تلعبه بريطانيا في أروقة مجلس الأمن الدولي، واحتفاظها بملف الأزمة اليمنية، منذ اليوم الأول للحرب في اليمن، مبررة ذلك بخبرتها في الشؤون اليمنية، فيما هي في حقيقة الأمر تبحث عن طريق العودة إلى مستعمراتها القديمة، من مدخل الحروب الأهلية، ومنها الحرب في اليمن، التي توحي بأنها لا تخلو من اللمسات البريطانية، ويظهر ذلك من خلال الأطراف الممثلة للحرب، وتوجهاتهم القبلية والمناطقية والعرقية، ناهيك عن تغوّل مزعوم القضية الجنوبية، ووصولها حد منع أبناء المحافظات الشمالية من البقاء أو المرور عبر أراضي الجنوب، وهو ما يؤكد الأهداف البريطانية القديمة في اليمن وليس لغيرها أية مصلحة في ذلك.