تقول حقائق التاريخ التي تروي فصول ووقائع الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن أنه وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وضع الجنرال الإنكليزي جاكوب خطة لتشكيل قوات يمنية محلية، لتخفيف العبء على القوات البريطانية في جنوب اليمن في مواجهة الدولة الوليدة في الشمال بعد انسحاب الأتراك منها، وقد راهن جاكوب على عدم ظهور نزعة قوية للقومية اليمنية تؤدي لتعصب الجنوبيين مع الشماليين أو العكس.. أسّس جاكوب أول فرقة عسكرية من اليمنيين في الجنوب عام 1918، وعند قيام دولة الإمام يحيى في الشمال باستعادة مناطق الساحل الغربي التي سيطرت عليها بريطانيا أثناء الحرب العالمية الأولى ثمّ سلمتها لحليفها مصطفى الإدريسي المعادي للإمام يحيى حاول الإنكليز مواجهة توسّع إمام الشمال بقوات يمنية تمركزت في جزيرتي ميون (باب المندب) وكمران في البحر الأحمر، إلاّ أنّ تلك القوات رفضت قتال اليمنيين المناهضين لبريطانيا وقامت بقتل قائدها في ميون (الجنرال لورانس) والفرار إلى منطقة الشيخ سعيد الواقعة تحت سيطرة قوات الإمام يحيى، ما أدى إلى تسريح ما تبقّى من هذه القوات عام 1925م، لتشكيلها خطراً على الإنكليز بدلاً عن كونها أداة لهم، وسقطت بذلك نظرية جاكوب عن ضعف النزعة القومية اليمنية التي راهن عليها..
ولأن حاجة الإنكليز لوجود قوات محلية تتحمّل أعباء الأمن وإخضاع التمرّدات القبلية ومواجهة المناوشات على حدود الشطرين (وفق الاتفاقية التركية البريطانية لترسيم الحدود في 1914م)، فقد قامت بريطانيا بإنشاء قوات جديدة ابتداءً من عام 1928، لكنها أخذت بعين الاعتبار تجربتها الأولى، وأسست قوى عسكرية عدة منفصلة عن بعضها (جيش عدن أو “جيش الليوي”، الحرس الحكومي، الحرس القبلي، جيش البادية الحضرمية، الجيش اللحجي، جيش المكلا النظامي، الجندرمة القعيطية والكثيرية)، وذلك لتتمكّن من توظيف كل قوة ضد الأخرى، وفي الوقت نفسه اختارت المجنّدين على أساس مناطقي (فصيل العوالق والعواذل، فصيل يافع وعزان، فصيل الحسني والميسري) بحيث يمكن لجيوش كل قبيلة إخضاع الأخرى من دون أن تثنيها عن ذلك عوامل القرابة والولاءات القبلية، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن تشكّل هذه القوات المقسّمة تكتلاً عسكرياً كبيراً يمثّل خطراً على الإنكليز لاحقا.. الخلاصة أن ما
ما يجري الآن في المحافظات المحتلة من قبل الإمارات والسعودية هو استنساخ لخطة الجنرال جاكوب البريطانية ، وإن كان بظهور ودعم بارز للأمريكي بوجوه ولحى أعرابية ولافتات ترفع شعار الحرية وأعلام مكتوب عليها “لا اله الا الله محمد رسول الله”.. لكن وراءها استعباد وذل ومهانة وغزو واحتلال وسيطرة ونهب للثروات والمقدرات الوطنية..
بعيد يا شيطان بعيد..هنا بلد الإيمان ولحكمة..
موقنون بالنصر المبين الذي نراه بلا شك يلوح في الأفق .