الشهادة والشهداء

عباس السيد

 

الشهادة هي أعلى وسام سماوي يمنحه الله سبحانه وتعالى لعباده ، ولأنها كذلك فقد وضع لها الإسلام شروطا وأركانا محددة لنيلها ، ولم يتركها لاجتهادات هذا وذاك من ذوي المصالح الخاصة والأهواء الدنيوية ، ويمكن لأي منا أن يطابقها على أي معركة ويبحث عنها لدى كل فريق ، وسيعرف بسهولة من هو الشهيد ومن هو القتيل ، لمن الجنة ولمن النار.
الحرب التي نخوضها منذ ستة أعوام ، ليست حرباً أهلية بين يمنيين كما تصورها ماكنة إعلام تحالف العدوان المضللة .. لقد كشفت الأحداث والسنوات الأهداف الحقيقية للحرب العدوانية المفروضة على اليمن ، وكشفت بجلاء أطرافها الحقيقيين . فالأهداف باتت واضحة ومعلنة ، وهي تفكيك اليمن ، والسيطرة على أرضه وبحره وجزره ، ونهب موارده وخيراته .. ومن خلال هذا العدوان والحصار، يسعون أيضاً إلى إخضاع اليمنيين للوصاية الخارجية وسلبهم قرارهم وعزلهم عن قضايا أمتهم، خدمة للمشروعات الصهيونية والاستعمارية .
هذه الأهداف والأطماع تجري محاولات لفرضها وتحقيقها على أرض الواقع، وليست مجرد تأويلات سياسية ، أو توقعات بتأثير من «نظرية المؤامرة» . كما أن هذه الأهداف لا تعكس حربا أهلية أو صراعا بين يمنيين يدينون بالإسلام .
وحين نواجه هذه الأهداف ونقتل ، فإننا نموت دفاعا عن ديننا وأنفسنا ومالنا وعرضنا ، وبذلك تتحقق معظم أركان وشروط الحصول على الوسام السماوي الأعلى ، وهي الشهادة .
ومن أركان الشهادة الأخرى ، الوعي بها ، من تمني الموت ، إلى عدم القيام بأي سلوك يؤثر في قدسية الشهادة وطهارتها خلال المعركة كـ «الغل». وهنا أتذكر مشهدا يجسد وعي أفراد الجيش واللجان الشعبية بأركان الشهادة ، وإقبالهم عليها ، وقد كان لي شرف زيارة إحدى الجبهات مع زملاء إعلاميين آخرين .
كان الوقت عصرا حين مررنا بمجموعة من أفراد الجيش واللجان الذين قدموا لنا ما تيسر من طعامهم .. افترشنا الأرض وهم حولنا يراقبون ويضيفون .. وفي الجوار كان تل من الأغذية والحلويات المعلبة الفاخرة مكوم بشكل غير مرتب، يتناثر بعضها حول عجلات الطقم وكأنها علب فارغة .. وكنا نستغرب ! كيف لا يقدمون لنا بعضا من هذه العلب وهي تكفيهم لعام كامل ؟. وعرفنا منهم أن تلك الأغذية غنيمة ، وقد كانت للمرتزقة الذين كانوا يسيطرون على نفس الموقع قبل فرارهم منه ، وهم حريصون على عدم تناول أي شيء من تلك الغنيمة أو التصرف بها .
حرص تلك المجموعة من عناصر الجيش واللجان الشعبية بعدم التصرف أو الاستفادة من تلك المواد التي اغتنموها ، لا يعود إلى التزام بأوامر عسكرية ، بل ناتج عن وعي تام بأركان الشهادة وشروطها ، وعن عزمهم جميعا على نيلها ، ولذلك هم حريصون على عدم القيام بشيء ينال من قدسية الشهادة التي يتمنونها .
مسارنا واضح ، ليس فيه التباس ، لدينا القضية والمظلومية والحجة ، ولا نحتاج لفتاوى مشائخ البلاط ، الذين يسيئون للإسلام ومقدساته ويسخرون فتاويهم لخدمة المشروع الصهيوني الغربي .
أعداؤنا واضحون ، وعلى رأسهم الولايات المتحدة وبريطانيا والكيان الإسرائيلي ، ومن يقتل وهو يحارب في صفهم من اليمنيين والعربان الذين يدّعون الإسلام حكمهم « كمن خرج مقاتلا مع الكافر أو مع الصبي والمجنون ».
ونحن عندما نحيي الذكرى السنوية للشهيد ، يحق لنا أن نفخر بشهدائنا ، أن نتذكر تضحياتهم ، ونعاهدهم بالسير على خطاهم ، والوفاء لعهدهم وأهدافهم ، باستمرار الدفاع عن اليمن واليمنيين وعن قضايا أمتنا العربية والإسلامية .

قد يعجبك ايضا