حتى قبل عدة سنوات، كانت الزكاة في اليمن أحد أبرز مصادر دخل القائمين عليها في السلطات المحلية والمركزية، وكانت معدلات الفقر والبطالة في تصاعد وأوضاع الغارمين في السجون تزداد مأساوية عاماً بعد آخر في ظل انحراف مسار إيرادات الزكاة عن مصارفها الحقيقية وتحويلها إلى غنيمة يتقاسمها المتخمون بالجاه والمال، فلم تكن أداة فاعلة للتضامن الاجتماعي والتكافل ولم تطهر المزكين كونها تذهب إلى غير مستحقيها.
رشيد الحداد
قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي، يحث على أداء الزكاة في كل خطاب من خطاباته لإدراكه بأهميتها وعظمة دورها، وها هي رهانات قائد الثورة تتحقق على أرض الواقع، فاليوم يقترن الحديث عن الزكاة في اليمن بمستوى الإنجاز، فالزكاة التي أهدرت لسنوات طوال وبددت وكانت غنيمة يتم تقاسمها بين القلة المتخمة بالمال الحرام، أصبحت اليوم أداة فاعلة في الحد من الفقر والبطالة، ووسيلة من وسائل التمكين الاقتصادي للفئات الفقيرة والمعدمة وأسلوب حياة جديد يطهر نفس دافعي الزكاة من البخل وتبدد معاناة الفقراء والمساكين والغارمين، وعلى مدى العامين الماضيين من عمر الهيئة العليا للزكاة في صنعاء، استطاعت الهيئة أن تخفف معاناة عشرات الآلاف من الأسر الفقيرة في مختلف المحافظات، وأن تنهي معاناة المئات من الغارمين والمعسرين في السجون.
خلال عامي 2018ــ 2019م، أنفقت الهيئة العامة للزكاة أكثر من 14 مليار ريال في مصارفها المتعددة، فساعدت الفقراء في صنعاء وإب وصعدة والضالع وذمار وعمران وحجة والحديدة، وأقامت عدداً من المشاريع الخيرية، وأفرجت عن 113سجيناً معسراً في أمانة العاصمة، ودعمت المعاقين والمكفوفين، وساعدت أسر الشهداء والجرحى والأسرى والمفقودين، وأنشأت عدداً من الطرق كونها تندرج في مصرف سبيل الله، وأعانت المئات من الشباب الفقراء على الزواج، وخففت معاناة معدمين بدفع تكاليف العلاج، وأعانت الآلاف من المشردين على مواجهة متطلبات الحياة.
ما سبق على سبيل المثال وليس الحصر، فالآثار الإنسانية والاجتماعية لضبط الزكاة وإنفاقها وفق مصارفها الشرعية في ظل العدوان والحصار تعد نموذجاً ناجحاً كبيراً لهذه الهيئة التي أثبتت للمواطن اليمني أن الزكاة أصبحت اليوم في أيادٍ آمنة ولم تعد مجرد مورد مالي يستخدم في رفع أرصدة قلة من رجالات الدولة الذين سخروا الدولة بإيراداتها وخيراتها لهم، وأحرموا الفقراء والمعدمين والغارمين والمرضى وابن السبيل بركة وخير الزكاة التي تعد ركناً من أركان ديننا الإسلامي الحنيف، فخيرات الزكاة وصلت أقصى الريف اليمني رغم حداثة الهيئة.
عظمة هذا الركن الأساسي من أركان الإسلام تتجلي بوضوح، من حيث الأثر الإيجابي الكبير للزكاة ليس على مستوى اليمن وحسب بل في عدد من الدول التي وجهت إيرادات الزكاة نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فالزكاة اليوم في اليمن ساهمت في تحقيق التوازن بين الفقراء والأغنياء وكان لها دور في الحد من معاناة شرائح واسعة من المجتمع اليمني في ظل العدوان والحصار، فهي تتجه لتحقيق أعلى درجات التكافل الاجتماعي، فهي تحرك الركود الاقتصادي في بعض الأسواق عند توزيعها على الفقراء وتقضي دَين المعسرين، وتساهم في توفير السيولة النقدية في السوق المحلي، وتعيد توزع الدخل بين الفقراء والأغنياء، وإلى جانب دورها في خلق فرص عمل للعاطلين، فإنها تحرك دورة الإنتاج، وتساهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية .
خلال الأشهر القليلة الماضية، كست هيئة الزكاة في صنعاء أكثر من 45 ألف فقير ومُعدِم وأدخلت السرور في نفوسهم في عيد الفطر والأضحى واتسم الكساء بأنه منتج محلي، وأعلنت مشروع كفالة 5000 يتيم، وعندما غابت المنظمات الدولية عن إنقاذ الآلاف من الأسر المتضررة من كارثة السيول كانت الهيئة العامة للزكاة حاضرة في تخفيف معاناة وتأمين الغذاء والدواء لهم، وأثناء فترة تفشي وباء كورونا المستجد بادرت الهيئة إلى مراكز الحجر الصحي لتقدم المأكل والمشرب للمصابين، وبالمثل أغاثت الآلاف من اليمنيين في المنافذ البرية وتحديداً في رداع .
أخيراً ..حققت الهيئة العامة للزكاة خلال فترة وجيزة نجاحات كبيرة رغم حداثة إنشائها، ولذلك أثار هذا النجاح هيستيريا العدوان ومرتزقته الذين حاولوا التشويش والتشويه والتقليل من دور الهيئة في مواجهة جرائم العدوان والحصار، ولكن عندما تسابق الإنجازات الزمن وتفرض نفسها على أرض الواقع كما هو حال الهيئة العامة للزكاة، لذلك فإن أعداء النجاح لن يصمدوا أمام الحقائق والأرقام التي تعيد الأمل في نفوس كل من يراقب نشاط هيئة الزكاة في تعزيز صمود الشعب اليمني وفي تخفيف معاناة شرائح واسعة من المجتمع اليمني .