أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية اليوم يتفقون في مواجهة المشروع الصهيوني- السعوإماراتي
سنكون في الصفوف الأولى في مواجهة العدوان الغاشم وتخليص اليمن من براثن الاحتلال
لن نتنازل على شبر من أرضنا ووطننا الحبيب اليمن
ستبقى الوحدة منجزاً تاريخياً وإن شابتها بعض التشوهات بفعل أشخاص أو جماعة أو كيان سياسي فإن ذلك لا ينتقص من عظمتها ومكانتها في قلوب اليمنيين الذين تغنوا بها طويلا وعملوا على تحقيقها عبر مراحل النضال الطويلة وكانت على رأس أهداف الثورات المتعاقبة والحركات التحررية في شمال الوطن وجنوبه، ومن الصعب إعادة التاريخ إلى الوراء لأن عقوداً من سنوات الوحدة قد أنتجت جيلاً وأحدثت تداخلاً في النسيج الاجتماعي بما يمكن تسميته تغيراً ديمغرافياً، إضافة إلى التركيبة الاقتصادية والسياسية بما لا يمكن فصلها، خصوصاً أنها كانت ثمرة من ثمار الخلاص من المحتل القديم وحجر عثرة أمام أطماع المحتل السعودي والإماراتي الجديد الذي يحلم بإعادة اليمن إلى الوراء والاستئثار بخيرات اليمن وبث روح الفرقة والشتات بين أبنائه من خلال ممارساته التي تتشابه مع ممارسات المحتل البريطاني البغيض، غير أن الاحتلال الجديد اليوم يواجه حالة من السخط الشعبي لدى أبناء المحافظات الجنوبية ومزاجاً قد يخلق فعلاً ثورياً تجاه المحتل.. تعيش اليوم مناطق الجنوب أوضاعاً مختلة، حيث تتواجد في عدن قوى نفوذ تعمل خارج إطار الدولة تحت أقنعة متعددة ويسعى كل قناع على حدة لتنفيذ أجندته المكلف بها من داعمه المستعمر الجديد..
إلا أن المتابع الحصيف لمجريات الأحداث في اليمن لا شك يدرك أن غالبية اليمنيين يؤكدون أن قيام دولة الحكم الرشيد في اليمن هو ما سيفتح المجال من جديد لطرح مجمل القضايا على الطاولة والأخذ بالحسبان المتغيرات التي حدثت خلال الفترات الأخيرة.
وفي هذا الاستطلاع نقرأ آراء سياسيين وكتَّاب حول المزاج العام لدى أبناء الجنوب تجاه المحتل:استطلاع/ يحيى الربيعي
أكد اللواء ركن طيار/ عبدالله حسن الجفري -عضو مجلس الشورى الحالي، والخبير الاستراتيجي العسكري- أن المزاج العام لدى أبناء المحافظات الجنوبية والشرفية نحو الاحتلال السعوإماراتي هو السخط الكبير والشديد إلى حد ندرك من خلاله أن ثمة صحوة مجتمعية قادمة.. صحيح أن هذه الصحوة ربما جاءت في وقت متأخر، ولكن “في كل تأخيرة خيرة”، كما يقول المثل، خاصة أن الوضع الآن في المحافظات الجنوبية سيء للغاية؛ حيث تعيش على صفيح ساخن تغذيه حمى الصراعات البينية المحتدمة فيما بين أدوات هذا الاستعمار البغيض من مرتزقة وعملاء.. المواطن في الجنوب يعيش حالة متردية؛ ارتفاع في الأسعار، وانقطاع المرتبات، وغياب الخدمات الأساسية من كهرباء وماء وصرف صحي.. وأعظم كارثة تمر بها المحافظات الجنوبية المحتلة تتمثل في انقطاع الكهرباء، وهي الكارثة التي أحدثت وفيات بلا قياس في صفوف كبار السن والأطفال ومن يعانون من أمراض مزمنة، وهذه هي المرة الأولى التي تنقطع فيها الكهرباء عن عدن منذ تأسيسها عام 1926م، كما أنها المرة الأولى التي يضطر فيها أبناء المدينة إلى جلب احتياجاتهم من الماء على ظهور الحمير.
وأشار الجفري إلى أن المغرر بهم من أبناء هذه المحافظات ظنوا أن عدن بتدخل الإمارات ستصير “دبي” أخرى، وأن التحالف سيفرش لهم الأرض ورودا وياسمين، وأن التدخل جاء من أجل خاطر سواد عيونهم؛ وأنه جاء ليحقق آمالهم وتطلعاتهم نحو العيش الكريم وتحقيق العدالة والحكم الرشيد.. مضيفاً: لكن ما يحدث الآن على أرض الواقع شكَّل مفاجأة وصدمة عنيفة أصابت الجميع، فقد تم تحويل عدن خاصة والمحافظات الجنوبية والشرقية عامة إلى مستنقع للأوبئة والأمراض التي باتت تفتك بأبنائها بلا رحمة بسبب المجاري الطافحة والقمامة المتراكمة.. وضاق بالناس حالهم المعيشي والركود الاقتصادي، وانقطاع الرواتب.. لافتاً إلى أن الوضع الأخطر هو الهاجس الأمني الذي يعاني من اختلالات فضيعة لا يقبلها لا عقل ولا منطق، فالاغتيال أصبح عادة يومية، أما الانتهاكات فلا حدود لإبداعات المستعمر الجديد فيما يبتكر من أساليب تعذيب وإهانة وفوضى وسلب ونهب وبسط على أراضي وممتلكات العامة، والأفظع من ذلك هو ما يجري من فعل مخز وعيب أسود يتنافى مع القيم الأخلاقية والإنسانية والدينية من اختطاف واغتصاب تمارسه قوى الاحتلال في حق النساء والأطفال وما يتعرض له سجناء المعتقلات من انتهاكات وحشية للقيمة الإنسانية.. ليس هذا وحسب، فالمحتلون تجاوزوا كل الأعراف والقوانين الدولية إلى حد انتهاك حرمات البيوت إلى غرف النوم في أوقات متأخرة من الليل؛ يعتقلون ويعبثون وينهبون.. كل هذا لم يكن يحدث في عدن المدينة التي عرفت بأنها حاضنة أحرار العالم، وملاذ تعايش كل الأطياف والمذاهب والاتجاهات.. اليوم عدن أصبحت أشبه بمعتقل كبير تمارس فيه كل أصناف الانتهاكات.
وتابع الجفري: اليوم أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية بكل توجهاتهم ومذاهبهم وطوائفهم وشرائحهم يتفقون على مواجهة هذا المشروع الصهيوني الذي تتبناه دول تحالف الشر والعدوان وتنفذه أياد يمنية باعت ضمائرها وتنازلت عن كل القيم والمبادئ الوطنية مقابل حفنة من مال مدنس أو رتبة عسكرية بلا هيبة أو منصب فخري.. بهذا الثمن الرخيص صار أولئك المرتزقة دمى شيطانية تحركها أطماع المستعمر حيثما شاء.. اليوم أبناء الجنوب يأبون على أنفسهم أن يستمر بهم الحال هكذا، ويرفضون أن تنحني جباههم للمستعمر الغاصب وأدواته الرخيصة، فها هي عدن ومن حولها كل أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية تنتفض في وجه الاستعمار، تقارع الظلم، وتنشد الحرية.. وظهرت العديد من الحركات الحرة التي باتت تقود مرحلة نضال من أجل التحرر، مرحلة بدأت بمعركة تحرير الوعي قبل تحرير الوطن؛ إذ لا بد أن يسود الوعي بأن اليمن بما تمتلك من مساحة جغرافية على الخارطة الدولية وما تمتلك من موانئ وجزر وثروات وموقع استراتيجي، اليمن الإنسان والأرض، اليمن من المهرة إلى صعدة هي ملك كل اليمنيين ومن واجب كل يمني أن يفتخر بهويته وانتمائه لليمن وأن ينطلق بجهده وفي مجال استطاعته ليشارك في معركة التحرير الكبرى، تحرير الإنسان من أوساخ الثقافات المناطقية والحزبية والطائفية التي بمجرد الانتصار عليها تتحرر الأرض من دنس المستعمر الغاصب ويستعيد اليمنيون مكانتهم الحضارية.. مؤكدا في ختام حديثه أن ثمة مؤشرات إيجابية وكبيرة جدا عن توصل العديد من التيارات السياسية المتواجدة على الأرض إلى نقاط مشتركة يستشعر من خلالها الجميع خطر استمرار الاحتلال السعوإماراتي الذي يجسد في تواجده مؤامرة تحاك على الكل وأن على الكل مواجهتها والتصدي لتداعياتها.
استعادة المجد
من جانبه يقول الأستاذ طارق سلام محافظ عدن: لقد تسببت الأوضاع الراهنة بمشكلاتها المتعددة من عدوان وقف وحصار في خلق فوضى متعددة الأشكال ومعاناة لا متناهية حالت دون وقف العدوان وطرد الاحتلال ومعاقبة أدواته التي أوصلت البلاد إلى هذا الحال المزري، ومثل هذا الهدف السامي لا يتحقق دون وجود تكاتف وطني واسع من جميع الأطياف والمكونات والمحافظات.. إن المحتل الذي عاث في اليمن فسادا وأهلك الحرث والنسل بلا وازع ديني أو إنساني، قد أضاف إلى أوجاع اليمنيين جروحا ومعاناة بعد أن دمروا مقدرات الوطن ونهبوا ثرواته وشردوا أبناءه بصورة جبانة، وذلك يتطلب تضافر جهود كل اليمنيين لاحتوائها ولملمة شتاتها.
وأضاف محافظ عدن لـ”الثورة”: لقد استفاد أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية من الدروس والعبر التي خلفها المحتل طيلة أمد العدوان والاحتلال بصورها المتعددة وأصبح اليمنيون يدركون ضرورة السير خلف قيادة وطنية تخلص الوطن من أذناب المحتل وأدواته، ولنا في المظاهر الاحتجاجية التي شهدتها تلك المناطق خير دليل، وهو ما يتوجب علينا النظر فيه بتمعن لإدراك حقيقة التطورات التي تستجد على الأرض وضرورة تبني رسائلها وإيصالها إلى الجهات المختصة وتبنيها بما يضمن تسهيل الوصول إلى نتائج قوية تنتشل البلاد من وضعها الراهن خاصة أننا تعيش أجواء الانتصارات التي يحققها الأبطال في مختلف الجبهات ولاسيما التطورات الأخيرة في جبهة مارب والساحل الغربي لأنها من أهم طرق الحل والخلاص للأزمة الجنوبية بشقيها الإنساني والعسكري.
وأكد سلام أن احتفالاتنا بالأعياد الوطنية وبالـ30 من نوفمبر المجيد على وجه التحديد تجعلنا نقف إجلالاً وإكبارا أمام تلك التضحيات الكبيرة التي يسطرها أبطال الجيش واللجان في سبيل الذود عن الوطن وحماية مقدراته والسعي إلى استعادة المجد وتحقيق النصر المنتظر بإذن الله وطرد المحتل إلى غير رجعة، ونحن بعون الله سنكون في الصفوف الأولى في مواجهة هذا العدو الغاشم وتخليص اليمن من براثن العدوان والاحتلال وبناء دولة قوية تستطيع الوقوف أمام كل التحديات والصعوبات.
هيهات منا التنازل
الناشطة الحقوقية والمحامية ميرندا عبدالرحمن شهاب- عضو الجبهة الجنوبية لمقاومة الغزو والعدوان- بدورها تقول: المستعمرون مهما حاولوا أن يؤثروا ويغيروا من خلال ما يروجون له من أفكار هدامة تمس وحدة الشعب اليمني، لكن لا يصح إلا الصحيح.. مضيفة “تعاقبت على الجنوب إمبراطوريات غزاة محتلين منذ 500 سنة لاحتلال أرضه ونهب خيراته والتحكم بمنافذه البحرية.. ولأهمية عدن بموقعها الاستراتيجي والهام عند نقطة التقاء ثلاث قارات- آسيا وأفريقيا وأستراليا- استولى الأسطول العثماني في عام 1538م على عدن وأنزل الأتراك قواتهم في جزيرة كمران وجعلوها قاعدة لهم وزحفوا منها إلى زبيد ودخلت اليمن مرحلة الفوضى وغياب السلطة المركزية.. ثم هاجم البرتغالوين الشحر بحضرموت عام 1528م، واستولى العثمانيون على عدن في 26 فبراير 1548م بقيادة سليمان القانوني.. وفي عام 1513م هاجمت أساطيل الغزاة البرتغاليين مدينة عدن، وبعد معارك غير متكافئة تم احتلالها فهاجر الكثيرون وبقي البعض يقاوم بسراشة أوجعت المحتل كثيرا.. واحتلت بريطانيا عدن في عام 1839م تحت مبررات عملت وعمدت من خلالها إلى فصل عدن عن الريف واستخدمت سياسة “فرَّق تسد” بين أبناء الوطن الواحد، كما عملت على نشر الطائفية المقيتة وروجت لشعار “عدن للعدنيين”.. وها نحن نرى أن الزمن يعيد نفسه، فهذا ضالعي وذاك أبيني وعدني وردفاني والمحتل هو المحتل”.
وتابعت المحامية شهاب: هكذا تثبت لنا حقائق التاريخ أن مصير المحتلين الأعراب وتحالفهم الشيطاني أذيال اليهود والنصارى وأتباعهم من المرتزقة وبائعي الأوطان إلى زوال.. مؤكدة أن هذا هو حال الشعوب هناك أحرار وشرفاء وهناك مرتزقة وخونة من بائعي الأوطان.. والتاريخ يورد لنا الكثير من الأمثلة، وكيف أن شعبا مثل شعب فيتنام البطل قاوم واستبسل في مواجهة الفرنسيين والأمريكيين والصينيين الغزاة، وكيف أن المرأة الفيتنامية كانت فدائية عندما أبدت استعدادها للتضحية.. وأضافت: ونحن كأمة تعشق الحرية لا بد أن نأخذ العبر من التاريخ، ففي بداية دخول الإمارات إلى الجنوب تحت مبرر ما يسمى “إعادة الشرعية” رحب بالإمارات مغرر بهم لعدم وعيهم بخطورة ذلك، لكن الآن وبحمد الله أصبح هناك وعي كبير في أوساط الشعب الجنوبي لما يحدث وأصبحت هذه الأنظمة العميلة الخائنة لأمتها والعدو التاريخي مكشوفة ومفضوحة، وتبين أنها وراء كل جريمة منذ أن وطأت أقدامهم أرض الجنوب.. فقد كشفوا عن وجوههم القبيحة وعن قبحهم فنكلوا بالأبرياء واغتالوا وقتلوا وانتهكوا واختطفوا واغتصبوا الرجال قبل النساء وقاموا ببناء السجون والمعتقلات في الجنوب.. وتساءلت ميرندا: هل من المعقول أن يسكت ويصمت شعب اليمن جنوبه وشماله عما يحدث ويجري من جرائم يندى لها الجبين وترفضها الشرائع السماوية وكرامة الإنسان وفطرته السوية؟
لتجيب: إن شعباً كاليمن يعتز بنفسه لن يصمت، وقد لمسنا ذلك حتى وإن كان هناك قلة يتحركون، ففي كل زمان ومكان القلة هم الذين يغيرون مجرى التاريخ وهناك خوف لدى البعص لأن العصابات منتشرة.. وهناك صمت.. لكن الصمت لا شك سيولد انفجاراً، وهناك سخط شديد وكبير تجاه المحتل ومرتزقته.. وكما نلاحظ من الإعلاميين المحسوبين عليهم يقول أحدهم: الإمارات جعلت من عدن بؤرة للجرائم وما من جريمة إلا وخلفها الإمارات.
وأردفت: إن ما يجري في جنوبنا فوق ما يحتمله المواطن من غلاء المعيشة وغياب الخدمات الضرورية للحياة.. المواطن الجنوبي اليوم وهو يرفع شعار “برَّع برَّع يا استعمار.. يا تحالف.. يا حمار” فإنه يعمل في المقابل مقارنة بين الوضع المأساوي الذي يعيشه في الجنوب والوضع في شمال اليمن الذي يتمتع بأمن وأمان وأسعار المعيشة أفضل بكثير.. وأكدت شهاب أن الوحدة قدر وأمر إلهي بنص القرآن (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ
) ففي وحدتنا عزتنا وكرامتنا وقوتنا مهما تكالب علينا أعداؤنا.. وهيهات أن نتنازل عن شبر من أرضنا ووطننا الحبيب اليمن.
ثلاثة تهديدات
ويرى ناشطون في المجال السياسي أن الوقت يجري، في إشارة إلى حقيقة أن الاستمرار في معارك التراشق بالخيانة والعمالة بين اليمنيين ككل لن توصلهم إلا إلى مزيد من الانقسام والتشظي حتى يجدوا أنفسهم أمام واقع مختلف لا يقدر أحد على تغييره وسيفقدون بذلك أقوى أسلحة التغيير وهي الوحدة الوطنية.
ويؤكد محللون أن القفز على الواقع لن يؤدي إلا إلى مزيد من النتائج السلبية، وأن من يرهن نفسه وقراره إلى دول الاحتلال على مدى سنوات لا يمكنه في لحظة أن يتحول من عبد إلى سيد، وأكدوا “الأمر يحتاج حكمة ويتطلب أن يتوارى العبيد عن المشهد ليحل محلهم من لم يتدنسوا بأموال العبودية”.
وكثير هم من يتساءلون حول ما تبقى من الوحدة؟ وفي نفس الوقت هم من يجيبون بحتمية أن الوحدة اليمنية حقيقة يعيشها جميع اليمنيين على مر التاريخ، ولا شك أن ملامح اليمن الجديد سترسم من خلال ما يتفق عليه اليمنيون كهوية واحدة لا تنفصم وليس لها من هدف تسعى لتحقيقه أولى من لم الشمل اليمني ورص الصفوف وشحذ الهمم نحو تطهير الأرض اليمنية من دنس الاستعمار السعو-إماراتي وإقامة دولة الحكم الرشيد على كامل التراب اليمني الممتد من المهرة إلى صعدة.
ووفقا للتفاعل العام فإن الوحدة اليمنية في الواقع هي قيمة وطنية ومنجز عظيم ومن غير المنطقي أن يحتكرها أحد في منطقة أو حزب أو مذهب، كما أنها قضية قدَّم لأجلها اليمنيون قوافل من الشهداء، لكن إدارتها بمنطق السيطرة والمحسوبية المناطقية أو المذهبية أو الحزبية لاشك أنه ما أوصل اليمن إلى المستوى الذي هو عليه الآن.
وهناك ثلاثة مخاطر تهدد الوحدة اليمنية اليوم -بحسب باحثين- أولها ممارسات البعض الهادفة إلى إزاحة الآخرين والانفراد بالسلطة والثروة لتوظيفها في أطر مصالحية ضيقة، كما هو حاصل اليوم في جنوب الوطن- وهو ذاته مضمون المهدد الثاني الذي يصدر ممن يحبون اليمن والوحدة ولكنهم يقدمونها بشكل خاطئ من خلال السياسات التي يتبعونها والنفوذ الذي يمارسونه وفقا لقواعد امتلاك الحقيقة المطلقة.
والمهدد الثالث يأتي من قِبَل من ينادون باستعادة الحقوق المناطقية ولكنهم يخطئون بالوسيلة ويعتقدون أنهم من خلال ذلك سينجزون استحقاقا، وهم لا يدركون أنهم من خلال ذلك يعملون على تمزيق اليمن وإعادة حكم السلطنات.
نطاق الرفض يتسع
إلى ذلك يواصل التحالف السعودي الإماراتي توسيع تواجده العسكري في المحافظات الجنوبية والشرقية في مشهدٍ يعارض كل الأعراف الدبلوماسية وعلاقات الدول فيما بينها، وسط رفض شعبي متصاعد.
ويأتي تسريع الرياض لتواجدها العسكري في المهرة المحاذية لسلطنة عُمان من وحي أن السعودية كانت تعد العدة للسيطرة على المحافظة حتى قبل دخول البلاد في دوامة الحرب التي شنتها على اليمن، وذلك وفق قراءات لباحثين ومهتمين بالشأن اليمني يرون أن ذلك تم من منطلقات أمنية واقتصادية وجيوسياسية.
وقد صادف الثاني عشر من نوفمبر الجاري مرور 3 أعوام على التواجد العسكري السعودي في المهرة، ويبدو المشهد وكأن الرياض باتت تسيطر بالقوة على كل المنافذ البحرية والجوية والبرية في المحافظة، بعد أن حولتها إلى ثكنات عسكرية، ونشرت قوات يزداد حجمها بشكل مستمر، إضافة إلى المليشيات المحلية التي شكلتها على غرار مليشيات الإمارات في مناطق تخضع لنفوذها كعدن وسقطرى.
في المقابل تشهد المحافظات الجنوبية والشرقية والمهرة على وجه الخصوص هذه الأيام اعتصامات ورفضاً شعبياً ضد التواجد السعودي الإماراتي فيها، حيث ينادي المواطنون بخروج “قوات الاحتلال” في إشارة إلى السعودية والإمارات.
إدارة اعتصام المهرة بدورها أكدت استمرار مسيرة النضال والرفض الشعبي للتواجد السعودي في المحافظة حتى خروج آخر جندي أجنبي، مستخدمة كل الأساليب السلمية في التعبير عن رأيها الرافض لهذا التواجد.
وقبل أيام عقدت اللجنة العليا للاعتصام اجتماعاً موسعاً أقرت فيه استئناف أنشطتها الميدانية التي كانت أوقفتها باتفاق مع السلطة المحلية، إبّان تفشي فيروس كورونا في موجته الأولى.
وبحسب بيان صادر عن اللجنة فإنها بصدد عقد لقاءات مع السلطات المحلية لمناقشة جملة من القضايا من بينها موقفها من التواجد السعودي.
سالم عبدالله بلحاف -رئيس الدائرة الإعلامية في الاعتصام- قال في تصريح خاص لـ “سقطرى بوست”: الهدف الرئيسي للاعتصام هو الدفاع عن السيادة الوطنية ورفض أي تواجد خارجي في المهرة أو أي محافظة يمنية.
وأضاف “إن الرفض الشعبي المتمثل بالاعتصام والفعاليات السلمية كشف مخططات السعودية والإمارات في المهرة وسقطرى، وعرَّى هذا التحالف أمام العالم”.
وتابع “حققنا نجاحات عدة ونمتلك من الوسائل والآليات ما نستطيع بها تحقيق كل تطلعاتنا”.. داعياً كل مكونات المحافظة للتكاتف حول قضيتهم الرئيسية وقضية كل الوطن.
وأشار إلى أن فعاليات الاعتصام “مثلت الصخرة الأولى القوية التي تحطم عليها معول التحالف (السعودي الإماراتي) ومن خلاله تخلّق وعياً مجتمعياً وسياسياً وشعبياً على مستوى اليمن الذي بات يعرف جيداً أهداف هذا التحالف”.
وأكد بلحاف أن الأيام القادمة ستشهد زخماً كبيراً ضمن خطط تم الاتفاق عليها في لقاءات مكثفة تم عقدها لهذا الشأن.
وبطبيعة الحال يبدو أن حلم التواجد السعودي في المهرة ليس جديداً، إذ أفاد تقرير سابق لمركز “أبعاد” للدراسات أن الرياض تسعى إلى “إنشاء ميناء نفطي في المهرة على ساحل البحر العربي، وهو الحلم الذي ظل يراود السعودية للتنفس جنوباً عبر المحيط الهندي دون قلق من تهديدات إيران حول مضيق هرمز”.
وتابع “بعد خمس سنوات من تحويل محافظة خراخير التابعة لمنطقة نجران جنوب السعودية إلى مخزن للنفط الخام وإجلاء جميع سكانها يمكن مد أنبوب نفطي وإنشاء ميناء في المهرة بتكاليف أقل، وفي وقت قياسي مقارنة بميناء المكلا الذي كان ضمن استراتيجية السعودية القديمة”.
وأضاف التقرير “بقراءة واقعية لدراماتيكية الحرب على اليمن، فإن التحالف لا يبحث عن انتصار سهل وسريع في اليمن، وإنما يريد أن يحقق مصالح استراتيجية، على رأسها منع نشوء دولة يمنية قوية منافسة إقليمياً في المنطقة”.
لا تفريط في السيادة
المكونات والأحزاب السياسية في المحافظات الجنوبية والشرقية المحتلة بدورها رفضت -في فعاليات احتجاجية مختلفة- الممارسات التي تقوم بها الأدوات المدعومة من الإمارات والسعودية سواء في عدن أو في سقطرى وشبوة، ونددت بكل ما يمارسه الاحتلال الثنائي في موانئ الجنوب اليمني برا وبحرا من نهب للثروات وعبث بالمقدرات.
وقالت الفعاليات “ما يحصل هو إعادة لإنتاج سيناريو قديم تمثل في دعم أدوات استعمارية تتصارع فيما بينها على عدة مصالح، سيناريو عمل الاستعمار القديم والجديد من خلاله على تغييب الدولة لصالح العناصر المسلحة والأذرع العسكرية والأمنية المدعومة من قبل الإمارات أو السعودية، فيما عملت القوات الإماراتية والسعودية من أجل الاستيلاء على منافذ البلاد برا وبحرا”.
الفعاليات الجنوبية والشرقية من أحزاب وتنظيمات سياسية ومنظمات مجتمع مدني ووجهاء قبائل وفعاليات شعبية على مستوى المحافظات الواقعة تحت الاحتلال حمّلت من أسموا أنفسهم “الشرعية” المزعومة كافة التبعات القانونية والتاريخية عن تفريطها في السيادة الوطنية ومكتسبات الشعب وتهاونها وارتهانها للموقف السعودي-الإماراتي.
وعلى الصعيد ذاته تؤكد الفعاليات رفضها القاطع للتواجد السعودي الإماراتي على التراب اليمني، وحمَّلت من خلال ما نظم من فعاليات ومهرجانات ومسيرات حاشدة التحالف السعودي الإماراتي المسؤولية الكاملة عن إراقة الدماء والسعي الحثيث إلى تفتيت النسيج الاجتماعي اليمني وتوظيف ذلك في إدارة الصراع بين أدواتهما وأذرعهما العسكرية واستغلال الوضع في استمرار العبث وتنفيذ أجندات إحكام السيطرة على خطوط الملاحة الإقليمية في ظل صمت دولي مخز.
كما تشير الفعاليات إلى أن الأساليب التي تمارسها الأدوات المدعومة من الإمارات باسم الجنوب ليست طريقاً للحل وإنما الغرض منها تمييع القضية العادلة واستخدام الجنوبيين من أجل مصالح الإمارات والسعودية، وبعد هذه الأحداث التي مرت خلال السنوات الماضية والتي انكشفت فيها الأهداف والنوايا السعودية والإماراتية اتضح لليمنيين والعالم أن هذا التحالف لا يقود أي معركة عادلة وإنما يخوض معاركه لاحتلال اليمن.
الإنقاذ والمقاومة
المقاومة الجنوبية في اليمن بدورها دعت جميع المكونات الجنوبية إلى الوقوف صفاً واحداً لرفض التواجد السعودي الإماراتي في جنوب اليمن.. مؤكدين أن قيادة وأفراد مجلس أحرار المقاومة يرفضون العبث بأمن واستقرار الجنوب، في إشارة إلى القوات الموالية للإمارات في عدن وأبين وشبوة وحضرموت، والقوات السعودية في المهرة.
داعين كافة أبناء الجنوب إلى الوقوف صفا واحدا وقول كلمة الفصل واتخاذ القرار الحازم الذي لا رجعة فيه، والذي لا بد أن يكون قرار كل اليمنيين.. كما ندد أحرار المقاومة بما تقوم به قوات العدوان السعودي والإماراتي من زج بأبناء الجنوب اليمني في معارك عبثية خاسرة تزيد من نزيف دم الشعب اليمني.. مشددين على ضرورة عدم القبول بأي قوات احتلال إطلاقاً أيا كانت.. هذا وتشهد مدينة عدن وعدد من المناطق الجنوبية احتجاجات غاضبة ومتواصلة على ممارسات التحالف السعودي الإماراتي وانتهاكاته بحق المواطنين في الجنوب المحتل.
الجدير بالذكر أنه في الـ19 من أكتوبر الماضي تم تشكيل “مجلس الإنقاذ الوطني الجنوبي” الذي ضمّ أسماء قيادات جنوبية معروفة بمواقفها المعارضة للإمارات و”المجلس الانتقالي الجنوبي” والسعودية.. ودلت الأهداف التي تبنّاها المكوّن الجديد- تلك التي يؤكدها المعارضون للوجود السعودي الإماراتي في المهرة (شرق) خاصة، وجنوب اليمن بشكل عام- دلت على رفض “التواجد العسكري الأجنبي في اليمن”، في إشارة إلى التحالف السعودي الإماراتي، والمطالبة بوقف العدوان ورفع الحصار، وإنقاذ البلاد من التقسيم، والدعوة إلى حوار يضم جميع اليمنيين.