أوضح من كاتب وأفصح من قصيدة.. محمد المنصور الأديب والسياسي الذي ترجل

 

مواقف مشهودة في مواجهة العدوان الأمريكي السعودي ونضال في ميدان الكلمة
قاد مؤسسة الثورة في مرحلة حرجة واستطاع الحفاظ عليها رغم شحة الإمكانيات

ما أن تلقى موظفو مؤسسة الثورة نبأ وفاة الأستاذ محمد يحيى المنصور، حتى بدأوا يتذاكرون بألم تلك المرحلة القاسية بفعل العدوان التي عرفوه فيها حين كان رئيسا لمجلس إدارتهم، رئيسا لتحرير صحيفة «الثورة».
في 11 أكتوبر 2015 صدر قرار اللجنة الثورية العليا رقم 51 لسنة 2015م بتعيين محمد يحيى محمد المنصور رئيساً لمجلس إدارة مؤسسة الثورة للصحافة والطباعة والنشر – رئيساً للتحرير، كانت المرحلة حرجة لا تساعد أي شخص في تحمل المسؤولية على تحقيق الإنجاز، فكان التحدي – الذي وجد الراحل المنصور نفسه أمامه – هو الحفاظ على هذا الكيان الكبير المتمثل بمؤسسة الثورة، كواحدة من أهم المسؤوليات التي القيت على عاتق قيادات الدولة في تلك المرحلة وهي الحفاظ على مؤسسات الدولة من الضياع والانهيار.

الثورة /إدارة التحقيقات

كانت الظروف التشغيلية في منتهى الصعوبة والتعقيد، إلا أنه عكس خلال عمله قدرة إدارية فائقة على تجاوز هذه الإشكالية.. حاول الرجل بالإمكانيات المتاحة السير بعمل المؤسسة والحفاظ على صدور صحيفة الثورة ، إلى جانب شحذ الهمم لتقديم رسالة صحفية تكشف مقدار ما يتعرض له اليمن من هجمة شرسة اجتمعت له ثمانية عشر دولة في مقدمتها أمريكا وإسرائيل والسعودية والإمارات.
يشهد الزملاء – الذين رافقوا الراحل في تلك الفترة – على شحة الإمكانيات التي كانت تعيقه عن صرف أي مستحقات أو مكافآت لكنه في المقابل ، وكما يروي العديد من موظفي الصحيفة ، لا يرد أي شخص يأتيه لطلب مساعدة لسد حاجة أو حل مشكلة وبالقدر الممكن.
التربوي والناقد
كان تربوياً وسياسياً وشاعراً وكاتباً ومؤلفاً وناقداً، معروفاً في أوساط الأدباء والكتاب والإعلاميين، جمع بين الفنون الأدبية والسياسية.
وكان لقلمه حضورا مميزا بما كان يتناوله من موضوعات قريبة من الاعتمالات في الجانب السياسي للوطن، مع ما يتعرض له من عدوان غاشم من قبل السعودية والإمارات وأمريكا وإسرائيل وحلفائها من دول الخنوع والارتزاق.
كتب ، تعمق ، حلل وعرض العديد من الرؤى الثاقبة، في الأدب، في السياسة، في الدين في الاقتصاد، ولذلك تعدد حضوره في مؤسسات العمل المدني فكان عضو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، وكان عضوا في اتحاد الأدباء والكتاب العرب، كما كان عضو المجلس التنفيذي لحماية البيئة، رئيس فرع جمعية حماية البيئة في مدينة المحابشة.
كنت وصديقي
من أدبه قصيدة «في الطريق إلى الوقت» التي أهداها إلى الشهيد عبدالكريم الخيواني الذي اغتيل في العاصمة صنعاء الأربعاء، 18 مارس 2015م حيث كتب في الإهداء «إليه حيث ينتظر بشغف.. إلى عبد الكريم الخيواني».. ومما جاء فيها..
كنت وصديقي
نصغي إلى أنشودة قادمة من السماء
بصوت عيسى الليث
كان الضوء هادئا
يحتضن قليلا من غبار المدينة
كنا وصديقي
في الطريق إلى الوقت
نصغي إلى
المسافة
2
في أعماقنا
حياة لا تستطيع هذه العاصفة اجتثاثها
حياة قديمة
حياة جديدة
جافة
ومتشظية
لكنها
حياة
على أية حال
في أعماقنا حياة
لا يستطيعون
ابتلاعها
أو الدفع بها
إلى النسيان
3
شاء الله
أن نكون
غصة في حلوقهم
وكوابيس نومهم المترف
هذه الحياة
هبة من الله
لنا
فلماذا يريدون استلابها
منا
أولئك الغرباء
نحن على هذه الأرض
نشبه هذه الجبال التي
ولدتنا
قبل خلق العاصفة
بعد انبلاج النور من الصحراء
بقليل
كنا ولم نزل
نداء للفناء
هل يعلم القتلة الأغبياء ذلك
لأن أسماءنا واضحة
ولأننا استأنسنا الجراح
منذ كربلاء
ودجنا الفاقة
منذ حصار شِعب أبي طالب
منذ البداية
كانت البسمة لا تفارق أحزان أمهاتنا
ولأننا ولدنا هنا فلا يعني ذلك
أننا بدون أحلام
وبدون أمنيات
بسيطة
نتقاسمها
مع الآخرين

الفكر والصدق
كان الراحل فاعلا في الانتصار لقضية المظلومية اليمنية في العدوان، كما كان حريصا على الإسهام في التوعية وفق الثقافة القرآنية الضامنة للإنسان إذا ما أخذ بها يهنأ في الدنيا ويسعد في الآخرة.. وذات يوم من بداية هذا العام كتب المنصور تحت عنوان «الثقافة القرآنية وتغيير المعادلات»، ما رآه نتيجة واقعية لاجتماع الفكر بالصدق، موجها بالاستدلال بالشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي، ومؤكدا أن الثقافة القرآنية أثبتت فاعليتها في تطوير الواقع.. فكتب يقول:
عندما يلتقي الفكر بالمصداقية ويسعى إلى أن يعبِّر عن إرادة الله في تحقيق العدل والسلام والخير ومجابهة الظلم يكون التغيير الإيجابي للواقع، نرى التأييد الإلهي لمن ينشدون تغيير الواقع المرير.
وعندما يلتقي الفكر بالرجال الصادقين العاشقين للمبادئ والقيم العليا التي جاءت بها رسالات السماء فإننا نرى النموذج الذي قدمه الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي فريداً ونادراً في مخاطبته للواقع وفهمه، وقيادته والسير به نحو ما أراده الله للإنسان من عزة وكرامة وحرية، وللوطن وللأمة من سيادة واستقلال ورقي وتقدم يجسِّد ما تصبو إليه بأن تكون خير أمة أخرجت للناس.
أثبتت الثقافة القرآنية فاعليتها في تطوير الواقع اليمني بشتى مجالاته كما في خلق معادلة جديدة للشخصية اليمنية تتميز بالإيجابية والتفاعل والمبادرة والتضحية.

مملكة داعش
وفي واحدة من كتاباته وتناولاته الكاشفة للعدو السعودي وعدوانه على اليمن، اعتبر الراحل محمد يحيى محمد المنصور السعودية موطنا لتنظيم «داعش»، معتبرا عدوانها على اليمن انتحاراً.. يدوّن المنصور في مقالة بعنوان «انتحار مملكة داعش في اليمن» رؤيته التحليلية لوقائع الأحداث ونتائجه، فيقول:
«مملكة داعش السعودية وبفعل عدوانها التحالفي الهمجي على اليمن تعيش اليوم مأزقا سياسيا وعسكريا وامنيا واقتصاديا وأخلاقيا ﻻ يحتاج لدليل ، اليوم لم يعد نظام آل سعود محصنا من التفتت والسقوط بفعل طغيانه وإجرامه وعمالته لأعداء اﻷمة التي توجها بعدوانه على اليمن ، بل إنه يعاني انكشافا داخليا وإقليميا ودوليا ﻻ سابق له ، ويعيش النظام القروسطي على إيقاع فضائح أمرائه الأخلاقية العابرة للحدود ، والصراع بين أجنحة الأسرة على كرسي المملكة بلغ أشده ».
ويرى المنصور أن «كراهية الشعوب العربية والإسلامية بكل طوائفها وأديانها وأعراقها للسعودية ونموذجها الداعشي والقاعدي ﻻسابق له ، فلا يكاد قطر من الأقطار العربية والإسلامية بمنأى عن الصراع مع الدواعش الذين انتجتهم مدارس السعودية الوهابية ومخابراتها ومغامرة ملوكها وأمرائها ، كما أن صورتها في الغرب التي نجحت في تسويقها على مدى عقود من اﻻرتهان والتبعية تشوهت ، بفعل ممارساتها القمعية المتخلفة وتنكرها ﻷبسط حقوق اﻻنسان في الداخل ، وبفعل تغذيتها للإرهاب والصراعات في المنطقة والعالم ».
ويقول «اليوم السعودية بنزعتها المذهبية المتوحشة تقف في مواجهة العالم الذي بدأت تتكشف له حقيقة الدور السعودي التخريبي ، والهوس بزعامة العالم العربي والإسلامي ».
ويضيف «لقد بدأ مشروع السعودية التكفيري الوهابي في اﻻنحسار والتلاشي ، بعد أن بلغ ذروة انحطاطه وتوحشه ودمويته وسقوطه الأخلاقي الذي عبرت عنه من خلال حربها العدوانية على اليمن وممارساته الشائنة في سورية والعراق واليمن وليبيا وغيرها من البلدان العربية والإسلامية، تلك السياسات الطائفية والمشاريع التفتيتية والحروب العبثية التي خاضتها السعودية برعاية أمريكية صهيونية لم تكن سوى خدمة للمشروع الصهيو أمريكي الذي يدير حروب تفتيت وتدمير واستعمار المنطقة العربية والإسلامية.»
ويختتم الراحل مقالته بالقول:
في اليمن وقد بلغ الفشل والإخفاق السعودي التحالفي مداه السياسي والعسكري والاستراتيجي فإنه سوف يكون نهاية المطاف لتلك النزعة اﻻستعلائية التوسعية لمملكة داعش ، وسوف تتحطم آخر مغامرات صبيان آل سعود وتحالفهم ودواعشهم ومرتزقتهم في جبال ووديان وصحارى وشواطئ اليمن العظيم ، وسينكسر قرن الشيطان مرة واحدة والى اﻷبد بإذن الله .

قد يعجبك ايضا