يحيى اليازلي
زرت العالم الرباني الحكيم الكريم السيد سهل بن عقيل في منزله، وعلى الرغم من أنه قد قارب أو جاوز الثمانين، ويعاني من مشاكل صحية، إلا أنه يتمتع بذاكرة قوية وحس مرهف، عندما جلست أنا وصديقي الأستاذ محمد العابد عطرنا، وأعطانا ماء، ودعا لنا، دعا لي بالدعوة التي تحدثني بها نفسي، وحدثنا عن الأشياء التي تجول بخاطري.. كنت بحاجة لدعاء ما أحسه.. فقال لي “الله يعلي مقامك،” ثم تحدث عن التجريد.. ووالله إني كنت في الليلة الفائتة أقرأ في التجريد وكنت ما أزال أفكر في موضوع التجريد، فقلت بيني وبين نفسي: قدس الله سره.
ثم تحدث عن التاريخ الثلاثي لليمن، وتساءلت ماذا يقصد..؟!،ثم راح يفصِّل مفهوم التاريخ الثلاثي لليمن الذي يقصده.. فالأول يعني التاريخ الإنساني لفترة ما قبل الإسلام، والثاني بدأ بفجر الإسلام، مؤكدا أنه كان لليمن قصب السبق في انتشار الإسلام وقد أسلم ثلث سكان العالم بجهود أجدادكم يخاطب اليمنيين، وتاريخ المرحلة الثالثة وهي التي جاءتنا الآن ويقصد بها الثورة القرآنية التي انطلقت من اليمن .. وإذاً فاليمن تكتب بهذه الثورة التاريخ الإنساني للبشرية كلها.
ثم وأنا أتصفح يوتيوب، باحثا عن شيء يخصه تابعت له عدة لقاءات تلفزيونية، فوجدت أن معظمها لا يخلو من موضوع التاريخ الثلاثي لليمن، قلت: عالم جليل بهذه الدرجة العالية من العلم وهو مفتي تعز ولا يقل أهمية عن مفتي الجمهورية لابد أن يؤخذ كلامه على محمل الجد.. بل إني أعدها فتوى شرعية يتوجب على الدولة والمجتمع العمل بها ولا يجوز إهمالها، إنه يربطها في كل أحاديثه وحين يتكلم عن ثورة 2003م ويقصد بها ثورة أنصار الله المسيرة القرآنية.. يؤكد أنها المرحلة الثالثة والأهم في التاريخ اليمني فهي المرحلة التي قلبت المفاهيم كلها للثورات السابقة مع عدم تهوينه منها فهي -أي الثورات السابقة- كانت سلمية أو أقل قوة قياسا بهذه الثورة العظمية التي ستعيد -كما يقول فضيلة المفتي- الكرامة للعالم الإنساني، إن ما وصلنا إليه من وضع كارثي نتيجة لأننا لا نقرأ التاريخ بماضيه وحاضره ومستقبله.. تاريخ اليمن بكل حالاته وتأثيراته، ويجب قراءة التاريخ تاريخ اليمن القريب على أقل تقدير ثورة 62 م، قيام الوحدة ثم التآمر عليها، وهذا كله لا يعالجه سوى الإبرة المميتة للظلم والطغاة وهي ثورة الشعب.
أذناب إسرائيل
طلبت منه بعض الأحزاب أن ينضم إليهم وقدموا له المغريات.. رفض وقال إنه إذا كان سيتبع المغريات فإنه سيتبع المغريات الأكثر، وهو يقصد الجنة، بعد ذلك آذوه، كفِّروه، أخرجوه من داره واحتلوها وحاولوا اغتياله، لكنه ظل ثابتا على مواقفه صامدا في وجه العدوان والتطرف والإرهاب الذي يمارس بدواع تكفيرية، فالتكفير في الغالب مبرر للاغتيالات، وفي كل خطاب يؤكد تبعية السعودية وأذنابها لإسرائيل، وأسماهم أحذية اليهود، ودعا إلى الوقوف ضد المليشيات التابعة للسعودية من حزب الإصلاح التي عاثت في الأرض فسادا ونفذت الاغتيالات ضد مواطنين يمنيين في تعز وصنعاء ومناطق أخرى غيرهما، ودعا اليمنيين للاصطفاف يدا واحدة ضد العدوان ومرتزقته.. مشيدا بكون اليمنيين أصل الحضارات وأنهم علّموا العالم الكتابة، وعلموهم الدين والأخلاق، وكيف يحكمهم أولئك الحثالات من الأعراب.. وينوه بأن الأمر جلل وعلينا أن نأبى الخنوع والرضوخ للعدوان، فمواجهة العدوان ضرورة شرعية وإنسانية، إنها لمعجزة كبرى -على حد تعبيره- أي المسيرة القرآنية لأنها نفخت الروح من جديد في الأمة، وأن اليمن أصبح قبلة العالم وكان ينظر إلينا كفقراء، إنها بداية التاريخ الحقيقي لهذا البلد، ولذلك علينا التمسك براية الجهاد لتحرير المقدسات التي يحتلها اليهود.
مستقبل شبه الجزيرة
أهم عبارة قالها الحبيب سهل بن عقيل في مؤتمر حكماء اليمن الذي انعقد في حينه، هذه الكلمة وكان يكبر “الله أكبر” في هذا الموقف المهيب الذي جمع مشائخ وأعيانا وعقالا ومثقفين وسياسيين وأعضاء من مجلس النواب وأعضاء من مجلس الشورى، من المحافظات وقال هذه العبارة المهمة بالصوت العالي “سنوحد الجزيرة العربية”، السيد سهل بن عقيل له مواقف واضحة وصريحة عبّر عنها في كل خطاباته وكتاباته ضد العدوان، من أهمها رفضه المبادرة الخليجية، ورفض تقسيم اليمن إلى أقاليم، رفض الوصاية على اليمن، رفض التطرف والإرهاب النجدي السعودي، ويؤكد في خطاب له أن الانجلوسكسونية تآمرت على اليمن، وأن النظام السعودي يعرف أن ثورة اليمن مفتاح ثورة الجزيرة العربية، والواقع يقول تقريبا إن كل أنظمة منطقة الجزيرة العربية ملكية باستثناء اليمن جمهوري، لهذا مورس ضد الشعب الظلم والتجهيل، ونهب الثروات، والتقسيم المذهبي شيعة وسنة، ثم التقسيم إلى أقاليم، إنها سياسة فرِّق تسد القادمة من الخارج، أما اليمنيون فهم يد واحدة وكلمة واحدة، ثم قامت ثورة أنصار الله ودخلوا صنعاء فخافت الكثير من الجهات على مصالحها في اليمن، فشنت العدوان.
العلم والعقل
السيد سهل بن عقيل ولد في مدينة الحديدة، وانتقل إلى الدراسة في المدرسة الأحمدية التي خرجت -كما قال- بعد ثورة كبيرة لم يعرف اليمنيون قدرها لأنها ضد الأتراك، ووصفها بالمنارة، وعلى ذكر العلم يفرق سماحة المفتي بين الدراسة من أجل الشهادة والدراسة من أجل العلم، فمن طلب العلم أنتج معرفة، ومن طلب العلم من أجل الدراسة فهو مجرد آلة تسجيل، وشدد على أهمية العلم فهو الذي لا يمل ولا يكل منه العقل، فالعقل هو الشيء الوحيد الذي كلما ملأته اتسع، وبالعقل تتجسد جدوى التخاطب بين المجتمعات.
لكن منهجه في التفكير من منطلقات تاريخية واضح في تحليلاته لأي حدث، فعلى سبيل المثال عند حديثه عن جائحة فيروس كورونا، قال: بالنظر إلى اسم الفيروس سنجد معنى كورونا باللغة الأجنبية التاج..
عودة للأبعاد الثلاثة
عندما نبحث في تاريخ الطب العربي نجد أنها ذكرت – الأبعاد الثلاثة – في كتاب الطب لابن سيناء باسم الحمى التاجية، وبالنظر في التاريخ نجد أن هنالك طاعوناً اسمه عمواس، حدث بعد انهزام الدولتين العظميين على أيدي الرعاة البقر، يقصد أمريكا، وفعلا هناك مقاربة بين مجتمع أمريكا ومجتمع أعراب الجزيرة فكلهم رعاة، هنا تتجلى أهمية القراءة التاريخية للأحداث، ليس هنا فحسب ولكن في جانب آخر، عند حديثه عن لبنان يؤكد أن لبنان كان وما يزال جزءا من سوريا تاريخيا وجغرافيا، وأن إثارة كلام حول تدخل حزب الله في لبنان بعيد عن المنطق، لأن الدفاع عن سوريا واجب كل لبناني كونهم جسداً واحداً، ولأن أمن لبنان من أمن سوريا، على أن حزب الله قام بما لم تقم به الدول الإسلامية مجتمعة في حرب إسرائيل.
إن اختياره هذه الأبعاد الثلاثة التي تعني: الماضي المتمثل بالتاريخ الإنساني لليمن لما قبل الإسلام، ثم التاريخ الحاضر منذ البعثة النبوية للرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقياسا بطول فترة ما قبل محمد التي تمتد إلى آدم، فإن اعتبار فترة النبي زمنا حاضرا مستساغة، ثم البعد الثالث وهو المستقبل ويبدأ بانطلاقة الثورة من مران تحت راية القرآن بقيادة السيد حسين الحوثي.
ولاحظوا أن البعد الأول يبدأ بآدم والثاني يبدأ بمحمد والثالث يبدأ بثورة الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي- سلام الله عليه-، قد يتفهم البعض مسألة أن التاريخ الأول يبدأ بآدم ومسألة أن التاريخ الثاني يبدأ بمحمد، لكن قد يرى ذلك البعض في مسألة ابتداء التاريخ الثالث بثورة الشهيد القائد مشكلة لسبب أو لآخر، شخصيا أؤمن بما يقول وأصدق تنبؤاته وأنها ستتحقق، ولكن السيد بن عقيل له براهينه الحسية، كمنهجي، يعتبر العقل مقدما على العاطفة، فمعطيات الواقع تنبئ بالنتائج التي يقرأها، وكصوفي عارف يرى بنور البصيرة.