أساليب الباطل وأهله في صراعهم ضد الحق
د. يوسف الحاضري
ما ذكره الله لنا في القرآن عن طبيعة الصراع بين الحق والباطل وعن النتائج الحتمية لهذا الصراع هو سلاح بل أقوى أسلحة يجب أن يتزود بها حاملو الحق في صراعهم ضد الباطل، فليس الأمر لمجرد القراءة بل لنتلوها والتلاوة تعني الاتباع، فالتالي هو اللاحق أي المتابع لمن سبق وكم هو عظيم أن تعرف نهاية ونتيجة الصراع قبل أن تبدا المعركة..
في بداية الصراع بين الحق والباطل يبدأ الصراع ثقافيا وفكريا ولكن سرعان ما يزهق الباطل أمام الحق ويتلاشى كونه أهش من بيت العنكبوت فيلجأ مباشرة إلى تشويه صورة الحق بأكاذيب وبهتان وأيضا يفشل سريعا فيلجأ بعدها سريعا لعامل الإرهاب “الحروب” والتي بطبيعة الحال تفشل في النهاية..
وضح القرآن الكريم لنا هذه النفسية بعدة جوانب منها بالحديث عن أحداث خاصة حصلت كـ(قصة فرعون مع موسى عليه السلام وقصة أصحاب القرية التي أرسل الله إليها رسولين وعززهما بثالث) وتحدث أيضا بصفة عامة عن كل الأقوام كما تحدث في سورة إبراهيم عن ذلك، وغير هذه الأساليب وضحها القرآن كنفسية ثابتة للباطل في هذا الجانب أو كسنن من سنن الله الثابتة في نتائج هذا الصراع في حال توفرت شروط معينة فيمن يحمل الحق كما سنذكر بعض النماذج عن ذلك..
فرعون كان متكبرا ومتعاليا على قومه أولا ثم على بني إسرائيل وكان يستند في هذا الاستعلاء إلى طرق الاستخفاف بقومه (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) واستند على الإرهاب النفسي والجسدي بالقتل والتعذيب لاستعباد بني إسرائيل(قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ) ومع مرور الأيام والسنون يزداد المجتمع جهلا وتدهورا في الثقافة والوعي ويزداد تجبر واستعلاء فرعون حتى وصل إلى أن قال لهم (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) ولم يجد أي معارضة أو ممانعة من احد وهنا تفرغ فرعون للبحث عن أي تهديدات قد تعترض طريقه حتى لو كانت مازالت في علم الغيب أو مجرد تكهنات كما قام بقتل المواليد الذكور من بني إسرائيل خوفا من خروج طفل يكون نهاية ملكه على يديه كما أخبره بذلك المنجمون ، ولم يدخر جهدا أو قوة في هذا العمل ، ومع مرور الزمن عاد موسى إلى فرعون نبيا رسولا وهنا بدأت معركة بين الحق والباطل ثقافيا وفكريا (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ) فجاءت ردود موسى قويه وناسفة لباطل فرعون فسارع فرعون للانتقال من الجدال الفكري والثقافي إلى تشويه الأشخاص خالقا له بعض التهم الباطلة التي بطبيعة الحال يستخدمها كسلاح يعطى لمن يتبعه لينفروا من الحق أو يستخدموها في صراعهم ضد أنصار الحق، وهذا أسلوب خبيث شيطاني يفلح ولكن لفترة بسيطة وغالبا ما يستخدم الباطل سلاح الاتهام بالسحر لأن الحق بطبيعته اقوى من الباطل وله تأثير قوي على النفوس فيسمون هذا التأثير وهذه القوة بـ(السحر) فيسقط فيها ناقصو الوعي وأصحاب النفوس الضعيفة والقلوب المريضة (قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ) فتشتد المعركة بين الحق والباطل لكن صبر وثقة الحق وحامليه ينسف أن هذه الأساليب المتخذة من الباطل حتى يلجأ الباطل في الأخير إلى سلاح الترهيب والقتل والحرب ( قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) فتكون نتيجة الصبر والصمود والتمسك بالحق كارثية على الباطل في الدنيا والآخرة كسنة من سنن الله ففي الدنيا ( وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) وفي نهاية المطاف ( فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ) والنتيجة للحق ( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِـمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ )
هكذا يوضح الله لنا سنة قوم معينين، وشرح لنا بشكل عام في سورة إبراهيم السنُةَّ الشاملة لهذه الأمور كالتالي ( أَلَـمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَـمُهُمْ إِلَّا اللهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) حيث كانت أول ردة فعلهم بالجدال الفكري والثقافي ولكنها هشة وضعيفة تجاه الحق يلجأون للمرحلة الثانية وهي التشكيك في شخص وحقيقة من يحمل الحق ويتحرك به ويدعوا إليه ( قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ) وعندما تضعف حجتهم وتفتضح أساليبهم ويعجزون أمام الحق يلجأون إلى التهديد والوعيد والتعذيب والمؤاذاة والحروب والحصار كحالة انتقامية يحملها الباطل ويلجأ إليها ظنا منه أنه سينتصر على الحق ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا) وعند هذه المرحلة يصل الأمر إلى نهايته حيث يقترب انتصار الحق كون هذا آخر سلاح للباطل ( فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِـمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِم) شريطة أن يكون حاملو الحق ملتزمين بتوجيهات الله (ذَلِكَ لِـمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ).
وتستمر النفسية تتوارث جيلا بعد جيل، حيث يحمل الباطل هذه الأسلحة في وجه الحق حتى وصل الباطل إلى زماننا في حربه على الحق خاصة في اليمن وفي محور المقاومة عامة، فنراهم كيف استخدموا كل الأسلحة الثقافية والفكرية ثم أسلحة التضليل الإعلامية لتشويه الحق وحامليه ليلجأوا في نهاية فشلهم إلى آخر أسلحتهم وهو (العدوان) وهو آخر أوراق الباطل وثقة بالله وبسننه وبما سرده لنا في القرآن لتطميننا ولتعزيز ثقتنا به ستكون نهاية الباطل، في عصرنا كما كانت نهايته في كل العصور السابقة ( وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) فسنة الله قائمة قائمة ( اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْـمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلًا ) فعلينا كحاملي حق ومتحركين به أن نؤمن بسنن الله ونتحرك واثقين منه خاصة والباطل وأهله عمي ولا يفقهون هذه السنن كما وضح الله هذا الأمر بقوله ( أَوَلَـمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا).
كاتب وباحث في الشؤون الدينية والسياسية