باحثون: تزايد الطلب على "الباغا" في دول كمصر والهند جعل من الصعب شراءه محلياً
مصادر في الثروة السمكية: لا توجد حالياً سوى 31 حافظة أسماك بطاقة تخزينية تقدّر بـ 1255 طناً، و3 مجمدات بطاقة 83 طنا
تجار أسماك: ارتفاع أسعار الأسماك بسبب ما ندفعه في نقاط التماس من رسوم
التحدي الأبرز للصيادين يتمثل في حماية أنفسهم من الاستهداف المباشر والموت المحقق
الأسماك تباع في الأسواق بأضعاف مضاعفة عما تشترى به من الصيادين
دعم المنظمات اقتصر على توفير شِباكٍ وخزاناتٍ لعدة أشخاصٍ كمساعداتٍ لا تفي بالغرض
كانت أسواق الأسماك في صنعاء تستقبل ما يقارب 30 طناً يومياً قبل الحرب؛ غير أن هذه الكمية انخفضت إلى النصف، وفيما كانت الكميات المُصدَّرة لأسواقٍ خارجيةٍ، عبر مَنْفَذ “لطِّوَال مثلاً، تبلغ 38 ألف طن سنوياً، انخفضت إلى 9298 طناً، حسب إحصائيةٍ صادرةٍ عن وزارة الثروة السمكية وهناك عواملُ مصاحبةٌ للعدوان ساهمتْ في هذا الانخفاض، مثل الحصار المفروض على ميناء الحديدة وإغلاق مطار صنعاء، وعدم استقرار الوضع الأمني في عدن، وإغلاق مَنْفَذ “الطِّوَال” على الحدود البرية مع المملكة العربية السعودية.
مع ذلك لم يقفْ ما يفرضه العدوان من تحديات عائقاً أمام ممارسة العديد من الصيادين لأعمالهم المعتادة رغم المخاطر التي واجهتهم، والتي لم تقتصر على التحديات التقليدية؛ بل وصل الأمرُ إلى العمل تحت خطوط النار.. ما بين صعوبات ما قبل العدوان وتحديات ما في ظله يقول الصيادون “كنا نعاني قبل العدوان الكثيرَ من المعوقات والصعوبات، كهبوب الرياح الموسمية وأمورٍ أخرى تتعلق بالطبيعة، إضافة إلى ارتفاع أسعار أدوات الصيد، وأسعار المشتقات النفطية، ومنافسة الشركات التجارية التي تستخدم مُعدّاتِ صيدٍ غيرَ تقليدية”، أما في ظل العدوان، فقد صار التحدي الأبرزُ للصيادين يتمثل في حماية أرواحهم من الموت المحقق، بسبب القصف والاستهداف الممنهج..
الثورة / يحيى محمد الربيعي
مشقّةٌ واستغلال
أكدت مصادر إعلامية – نقلا عن صيادين يعيشون المعاناة – تغيَّر الوضع برمّته في مناطق الساحل الغربي بفعل العدوان، فلم يعد الصياد قادراً على مزاولة مهنته بشكلٍ اعتياديٍّ، بسبب القصف القادم من البحر والجوّ بالرغم من أن غالبية الصيادين كانوا قد اتجهوا للعمل في مهنٍ أخرى غير الصيد، إلا الصيادين ينطلقون عند ساعات الفجر الأولى ولا يعودون إلى الساحل إلا عند المغرب؛ ذلك أنهم يدخلون إلى أعماقٍ بعيدةٍ، بحثاً عن أسماكٍ ذاتِ جودةٍ عالية.
وهذا المشوار يستغرق منهم قضاء ما لا يقل عن أربع ساعاتٍ بعيداً عن الساحل، ثم يقومون بعمليات الصيد لأكثر من خمس ساعات. في بعض طرق الصيد الأخرى يمشي بعضُ الصيادون إلى قواربهم مسافةً تقدر بحوالي ٨٠ ميلاً بحرياً، كل يوم.. يتعرض الصيادون وتجارُ الأسماك لعمليات استغلالٍ من قِبَل أكثر من جهة وهو ما يفسر الكُلْفةَ المرتفعة لأسعار الأسماك التي تصل للسوق المحلية بعد رحلةٍ مكوكيةٍ تؤثر على جودة الأسماك ووفرتها.. عقب رحلة الصيد هذه تخضع عملية بيع الأسماك إلى مزاداتٍ علنيةٍ؛ إذ يقوم الصيادون ببيع أسماكهم عبر مزادٍ علنيٍّ إلى تجارٍ يبيعونها بدورهم في سوق “المِحْوات”، وهو أهمُّ سوقٍ لبيع وتصدير الأسماك بالجملة لمختلف الأسواق اليمنية والعربية غير أن أسعار الأسماك في تلك الأسواق، وغيرها ارتفع بشكلٍ جنونيٍّ في الآونة الأخيرة.
أضعاف مضاعفة
وحسب مصادر محلية يعود سببَ ارتفاع أسعار الأسماك إلى استغلال وجشع كبار التجار؛ حيث يتم شراءُ الأسماك من الصيادين بأثمانٍ بَخْسةٍ، مقارنةً بالأسعار الباهظة التي تباع بها للمواطنين ولشركاتٍ كبرى تعمل خارج اليمن.. بل إن الاستغلال لم يعُدْ يُمارسه كبار التجار على الصيادين فقط؛ بل طال التجار الصغار أيضا.
وقالت مصادر مطلعة إن الأسماك التي تباع في سوق “البُلَيْلي” المركزي في صنعاء ،مثلا، تباع بأضعاف مضاعفة عن الأسعار التي تشتُرى بها من الصيادين؛ حيث يباع الكيلو من سمك “الباغة” بـ500_1000 ريال, والطلياني بـ1000_ 1500 ريال، والديرك بـ2000_4000 ريال، والعربي بـ1500_3000 يال، هذا على سبيل المثال لاحصر.. ويتحكم عاملا العرض والطلب والوقت بنسبية الأسعار، فقد يبدأ سعر الديرك مثلا بـ3500 في أول اليوم وينتهي بـ1800 في نهاية ذات اليوم.. وفق ما تحصلت عليه “الثورة” من أفواه بائعي سمك في سوق البليلي خلال زيارة خاطفة قام بها المحرر.
بيد أن تجارُ الأسماك يرجعون السبب إلى ارتفاعَ تكلفة نقلها من محافظات: الحديدة، عدن، أبين، وحضرموت إلى سوق “البليلي” في صنعاء، ويقارن بين تكلفة النقل من محافظة الحديدة إلى صنعاء قبل العدوان وبعدها ، إذ كانت تقدر بما يقارب 30 ألف ريال (55 دولاراً) لحمولة السيارة الواحدة، أما خلال فترة العدوان المستمرة حتى اليوم فتبلغ كلفة النقل ما يقارب 200 ألف ريال (300 دولار)، أما كلفة نقل الأسماك من محافظة حضرموت إلى صنعاء، فتكلّف حمولة الشاحنة متوسطة الحجم أكثر من 600 ألف ريال (1000 دولار).
عددٌ من تجار بيع الأسماك تحدثوا لـ”الثورة” أنهم يعانون من سوء معاملة موظفي الجمارك في مداخل المدن.. ووفقاً لإفاداتهم، فإن إجراءات التفتيش على الناقلات السمكية، في مناطق التماسّ تستغرق عدة ساعات؛ ما يؤدي إلى ذوبان الثلج الحافظ للأسماك، أحد هؤلاء التجار يقدّر الكميات المخصصة يومياً لسوق السمك في صنعاء بـ19 طناً؛ وبالتالي تتعرض الكثير من الأسماك للتلف أو لتدنّي جودتها في أحسن الأحوال.. فيما تحدث آخر عن فَرْض رسومٍ ماليةٍ باهظةٍ على تجار الأسماك المصدِّرين.
التصدير
وفيما يتعلق بتصدير الأسماك اليمنية إلى أسواق خارجية يتحدث تجار الأسماك عن مشكلة عدم وجود خطوطٍ ملاحيةٍ مباشرةٍ إلى الدول المستوردة للصادرات السمكية اليمنية، وذلك فَاقَمَ معاناةَ تجار الأسماك الذين يشْكُون أيضاً من صعوبة تحويل قيمة الصادرات السمكية؛ لأنها لا تتم إلا عن طريق بلدٍ وسيطٍ، وفي حال كانت كمياتُ الأسماك المصدَّرةُ كبيرةً.
ويشكو صيادون من ضعف دعم المنظمات الدولية لأنشطتهم، مؤكدين أن دعم المنظمات اقتصر على توفير شِباكٍ وخزاناتٍ لعدة أشخاصٍ كمساعداتٍ، وهي مساعداتٌ لا تفي بالغرض.
شحة الإمكانيات
في السياق ذاته أرجعت مصادر رسمية في وزاره الثروة السمكية أسبابَ ارتفاع أسعار الأسماك وانخفاضَ كميتها في السوق المحلية إلى مجموعة من المُعوِّقات بالإضافة إلى ما أحدثه العدوان أبرزها يتمثل في قلة عدد الحافظات السمكية المتواجدة في مراكز الإنزال السمكي.. وبسبب ذلك لا توجد حالياً سوى 31 حافظة بطاقةٍ تخزينيةٍ تقدّر بـ 1255 طناً، عددُ المجمِّدات في عموم المناطق الساحلية في اليمن تناقص هو الآخر؛ فمن عشرين مجمِّدةً كانت توجد في مناطق الساحل الغربي قبل العدوان بقيتْ ثلاثُ مجمدات فقط، بطاقة تبلغ 83 طناً لليوم الواحد، كما تناقص عدد مصانع الثلج؛ حيث لا يوجد سوى عشرة مصانع، بالرغم من وجود 40 مركز إنزال سمكي، وفقاً للقرار الوزاري رقم 40 لسنة 2009م.
تعدُّد الأنواع وجودتها
تتميز أسماك اليمن بمذاقها اللذيذ ووفرة لحومها، ومن أشهر أنواعها، – حسب التسميات المحلية “السخلة”، “لديرك”، “الجحش”، “البياض”، “الثّمَد”، “الزينوب”، “الخَرَس”، “البكاس”، “العقمان”، “الجرم”، “الصفادم”، و”الهامور”، بالإضافة إلى سمك “الباغا”، الذي كان يعتبر سَمَكَ الفقراء، إلا أنه في الآونة الأخيرة صار من الأسماك المرغوبة خارجياً، وبسبب تزايد الطلب على “الباغا”، في دولٍ كمصر والهند ارتفع سعرُه وبات من الصعب جداً على المواطن اليمني شراءه.
ويُميّز الباحثون في الشؤون السمكية بين أسماك خليج عدن القاعية وأسماك المُكلّا والمَهْرة؛ إذ تُعد الأولى، ذاتَ جودةٍ ومذاقٍ مميزٍ، بسبب احتواء لحومها على دهون أكثر، مقارنةً بالأخرى التي يأتي لحمُها صلباً ومنكمشاً عند طباخته، ويعود السبب في ذلك إلى حالة الهدوء والاستقرار في التيارات البحرية القاعية بالقرب من الساحل في عدن؛ بينما الأسماك في الشعاب المرجانية التي في المكلا، فإنها تكون قريبةً من مياه المحيط المفتوح، الذي يستقبل تياراتٍ بحْريةً قويةً تجعل الأسماك تتحرك بشكلٍ دائمٍ؛ وهو ما يجعل لحومها صلبةً وقوية.. ويضيف الباحثون: أسماك الحديدة، في البحر الأحمر أسماكٌ قاعيةٌ تحصل على غذائها القريب منها بوفرةٍ، ما يجعلها ذات جودةٍ وقيمةٍ غذائية عالية.