الديمقراطية التي أصابتها العين
عباس السيد
لا شيء يمكن أن يكون أكثر ضرراً على الشعوب والأوطان من حاكم جاهل مستبد يستمد سلطته من قوى الخارج، سوى معارضة انتهازية تحركها قوى خارجية أيضاً.. ومن سوء حظ اليمنيين أنهم ابتلوا بالاثنين معاً.
عام 1990، استبشر اليمنيون خيراً باقتران إعادة الوحدة اليمنية بإعلان التعددية الحزبية، وما صاحبها من إتاحة الحريات السياسية وحرية التعبير.
نمت الأحزاب السياسية كالفطر، وبلغ عددها بعد تحقيق الوحدة نحو ثلاثين حزباً، وصدرت عشرات الصحف الحزبية والأهلية، وأخذت هذه الأحزاب الوليدة مكانها في الشارع السياسي اليمني إلى جانب الحزبين الشموليين، حزبي السلطة، المؤتمر الشعبي العام، والحزب الاشتراكي اليمني، الحزبان اللذان كانا يجرمان الحزبية ويقطعان لسان من يعلو صوته على صوتيهما.
كان ذلك التحول السياسي بمثابة مفخرة لليمنيين، نسوا معها فقرهم وبؤسهم وتخلفهم، وباتت الديمقراطية التي يمارسونها متعة لا تدانيها متعة “التفحيط” التي تمارسها الشعوب في شبه الجزيرة العربية. وصندوق الانتخابات أكثر قيمة من حقل نفط. ومثل كل اليمنيين، كنت ضحية لذلك المناخ وتلك المتعة، وأسيراً لآمال وطموحات جمة، إذ تركت شهادة الهندسة المعمارية والتحقت بدبلوم الصحافة.
ومع مرور السنوات، تحولت “نعمة الديمقراطية” إلى نقمة، بفعل الكثير من العوامل والأسباب لا مجال لذكرها الآن، و يكفي أن نستعرض النتائج والثمار، وقبلها نسأل: أين ذهبت تلك الأحزاب في ظل المحنة التي يعيشها الوطن الذي بات فريسة يتناهشها القريب والبعيد، الصديق والعدو؟.. كيف يقطف الطامعون وأعداء اليمن ثمار الديمقراطية اليمنية، ويستغلون الأحزاب اليمنية لشرعنة عدوانهم واحتلالهم؟!
هل أصابتنا عين؟ هل دعا اليمنيون “ربنا باعد بيننا وبين أحزابنا ؟”.
من كان يعتقد أن الحزب الاشتراكي اليمني سيختفي من المشهد السياسي اليمني و “الجنوبي” أيضا ؟ وهو الحزب العريق الذي ارتبط ظهوره بظهور الدولة في الجنوب، ولا يقارن بالأحزاب الوليدة بعد الوحدة. ومع انتعاش سوق المناطقية والقروية، أصبح الحزب الأممي الوحدوي الذي كانت اليمن هويته والوحدة غايته ينظر إلى اسمه كعبء عليه.
يشبه حال الحزب الاشتراكي اليمني، سيارة قديمة من ماركة جيدة، يجري تفكيكها في ورشة تشليح وبيعها كقطع غيار بأثمان بخسة. فقيادات الحزب تم توزيعها بين مختلف المكونات بمختلف أمراضها السياسية، منهم من انضم للحراك، ومنهم من التحق بمثلث “الدوم أو مثلث البدو” وبعضهم تم تركيبه في سيارات عيدروس وبن بريك..
حتى القيادي البارز، ياسين نعمان ، وجدوا له مكاناً خاصاً ، يليق بمكانته ، فهو مثل القطعة الميكانيكية الأهم في سيارة الاشتراكي.. ياسين نعمان لم يتنكر للاشتراكية كرفاقه الآخرين، فهو لا يزال اشتراكياً، ولكن ضمن “اشتراكيي مجاهدي خلق” المنظمة الإيرانية اليسارية التي يستخدمها الغرب في معركته ضد الجمهورية الإسلامية في إيران..
نَسِيَ ياسين نعمان اليمن والحزب الاشتراكي اليمني، ومنصب السفير في لندن أشبه بدكان للتغطية على مهمته الجديدة المكرسة لمهاجمة إيران والنفوذ الإيراني والمد الشيعي، وغيرها من قائمة الأخطار التي أعدتها “اللجنة السعودية الخاصة” التي تدير أيضا “ورشة التشليح”.
ومن يتابع مواقف ياسين نعمان ومنشوراته، يجد أنه يتفوق على “مريم رجوي” في مهاجمة إيران.
ختاماً : انتقادي للحزب الاشتراكي اليمني وقياداته، لا يعني أنه الحزب الوحيد الذي ضل الطريق الوطني، وتنكر لمبادئه، فمعظم الأحزاب والمنظمات المدنية، أكثر ضلالة منه، لكن حجم العتب وحجم النقد بحجم الثقة والآمال التي كانت معولة عليه.