لماذا اليمن أولا◌ٍ ¿! 

تصبح الديمقراطية شرا◌ٍ مستطيرا◌ٍ ومبدأ فوضويا إذا ما ترافقت مع محاولات التوظيف الخاطئ والفهم القاصر والممارسة الانتهازية¡ التي تجرد هذه العملية الحضارية من مفاهيمها وقيمها ومقاصدها وغاياتها النبيلة. وتغدو الديمقراطية أشد قسوة من الشمولية والديكتاتورية¡ وأكثر ضررا◌ٍ وإيذاء لحياة الإنسان¡ إذا ما ابتعدت عن مساراتها¡ وصارت نافذة لنشر الفوضى¡ وتعطيل مبدأ سيادة القانون¡ ووسيلة للمقايضة بين الوطن والحزب¡ وبين العام والخاص¡ وبين مصلحة المجتمع ومصالح بعض الأشخاص أو الأفراد وأطماعهم الذاتية والأنانية. ومثل هذه المعادلة مع الأسف يظهر بعض ملامحها في جنوح البعض إلى اختزال الديمقراطية في شخوصهم وكياناتهم ورؤيتهم¡ فالديمقراطية بالنسبة لهم “شور وقول” فإن جاءت مخرجاتها لصالحهم وأهوائهم آمنوا وسلموا بها¡ وإن أتت عكس ذلك لعنوها وكفروا بها¡ واتجهوا إلى تفصيل نمط جديد من الديمقراطية وفقا◌ٍ لمقاساتهم ورغباتهم¡ مستخدمين كل أساليب التضليل والافتراء¡ بهدف إقناع الآخرين بأن ذلك النمط الذي أتوا به هو الديمقراطية¡ حتى وإن خالفهم الرأي كل مفكري السياسة ودعاة الديمقراطية في العالم كله¡ بعد أن عشعشت في عقولهم أوهام أنهم وحدهم من يملكون الحقيقة وترسخ في أذهانهم أن ثقافتهم تعادل ثقافة “بريخت” الألماني و”جارودي” الفرنسي و”جرامشي” الإيطالي و”لوكاش” المجري و”جوركي” “الروسي” و”الجواهري” العربي. وبما أن الديمقراطية صارت تمثل لنا في اليمن خيارا◌ٍ وطنيا◌ٍ لا رجعة عنه¡ فإن من غير المقبول استخدام هذا الخيار كمعول هدم لتخريب الوطن والنهش في سلمه الاجتماعي¡ فالوطن أكبر من الأحزاب والتيارات السياسية والحفاظ على مصالحه أولوية رئيسية لا ترقى إليها أية أولوية أخرى¡ والسياسي والحزبي الفطن هو من يدرك أن الشعب في أي بلد ديمقراطي هو من يحدد خياراته ويرسم توجهاته¡ وأن هذا الشعب هو المسؤول عن نفسه وليس بحاجة لمن يفرض عليه وصياته أو يقرر له ماذا يريد وماذا يختار. كما أن السياسي والحزبي الواعي هو من يدرك جيدا◌ٍ أن السياسة فن الممكن¡ وأن الديمقراطية فعل حضاري مبني على الحوار والإقناع والاعتدال في القول والعمل. وأن الديمقراطية سمة من سمات التقارب والتوافق والوفاق¡ والإطار الذي يحتكم إليه أطراف اللعبة السياسية لحل خلافاتهم وتبايناتهم¡ جاعلين مصلحة الوطن عنوانهم الكبير¡ وأي حزبية لا تغلب مصلحة الوطن على ما دونها من المصالح هي حزبية مبتسرة فاقدة المعنى والدلالة. والحقيقة أنه لو تعامل الجميع بهذه الروح وهذه الشفافية لما اختلفوا ولما تباينوا ولما انزلق البعض منهم في اتجاه شيطنة الديمقراطية وتشويه قيمها ومعانيها الراقية. ولو أن من يمارسون العمل السياسي والحزبي في بلادنا فهموا أن الديمقراطية ليست قطيعة ولا خصومة لتحلوا بالشجاعة واستوعبوا أنه لا مشروعية لأي تنافس لا يحتكم للدستور والقوانين والثوابت الوطنية¡ وأنه لا مشروعية لأي حزب لا يرفع شعار اليمن أولا◌ٍ¡ فكل الأحزاب في العالم ترفع شعار وطني أولا◌ٍ¡ ووطني دائما◌ٍ ولهذا فإنه ينبغي أن يكون هذا الشعار هو الشعار الدائم للجميع وهو عنوان الحوار الجاري بين مختلف القوى السياسية في الساحة الوطنية وتحت لافتته فليتنافس المتنافسون وبما يخدم المصلحة الوطنية.. ومن لا يعنيهم أن يكون اليمن أولا◌ٍ هم ولاشك لا يعنون اليمن¡ ومن لايوائمون توجهاتهم وفقا◌ٍ لشعار اليمن أولا◌ٍ¡ لا يستحقون أن يحملوا هويته¡ ومن الأجدى لهم أن يبحثوا عن هوية أخرى¡ وحينها يصير أمرهم لا يعنينا. وطالما ظلوا يزعمون أنهم أبناء هذه الأرض ويحملون هويتها وينعمون بخيراتها ويستنشقون هواءها فلا مناص لهم من الامتثال لشعار اليمن أولا◌ٍ. والغريب ألاø يرفع هؤلاء هذا الشعار¡ وهم الذين يعلمون علم اليقين أنهم وفي اللحظة التي يتخلون عن اليمن أو لا¡ يفقدون هويتهم الوطنية ورابطة الانتماء وديمومة وجودهم والكينونة التي يكنون بها. ولهذا فإن شعار اليمن أولا◌ِ◌ٍ سيبقى شعار كل وطني غيور وكل إنسان شريف على هذه الأرض¡ ولا عزاء للمتذبذبين واللاهثين وراء المشاريع الصغيرة والمصالح الضيقة¡ الذين تلاشت في قلوبهم معايير الولاء وصار ولاؤهم للمال¡ وهم وأمثالهم لن يفلحوا أبدا◌ٍ¡ وستظل خيبتهم تلاحقهم ما عاشوا¡ إذ لا كرامة لإنسان إلاø بكرامة وطنه

قد يعجبك ايضا