غرض شعري قديم متجدّد جوهره الثّناء والشّكر والتّنويه بمناقب خاتم الأنبياء:
المديح النبوي.. تعبير خالص عن حب النبي وتعظيمه وتوقيره
يمثّل الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم نقطة تحَوُّل في حياة العرب خاصّة والبشريّة عامة، ومن أكثر الشخصيات تأثيراً في التاريخ، هو رسول الإنسانية الذي أرسله الله رحمة للعالمين، ليخرجهم من الظلمات إلى النور ويعلمهم العلم والحكمة ويهديهم طريق الهداية والسلام والعلم.
أصبح صلى الله عليه وآله وسلم الشخصية العظيمة والأولى لدى المسلمين، يقتدون به ويسيرون على نهجه، يأتمرون بأوامره وينتهون بنواهيه، فهو لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحي.
تأثر به المفكرون والمبدعون والفلاسفة والمصلحون في كل زمان ومكان، كتبوا سيرته، ومشوا على نهجه وطريقته، ولهذا فقد حظي باهتمام كبير – قديما وحديثا- في أدبنا العربيّ شعرا ونثرا على حدِّ سواء، وقد رسم الشّعراء ملامحه وأخلاقه وصفاته في أجمل صورها، وتفنّنوا في مدحه منذ ولادته إلى وفاته، وما بعدها إلى يومنا هذا.
وأصبحت هذه القصائد تسمى بالمدائح النبوية، واعتبرت فرعاً مستقلاً من فروع الشعر، كما أن لهذا الفرع مصطلحاته الخاصة، واستعاراته الفريدة، وقد برز هذا المذهب الشعري، مع فجر الإسلام وفي حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد وفاته.
سنتطرق في الأسطر التالية إلى نشأة المديح النبوي وأشهر شعرائه وأشهر الدواوين والمؤلفات التي تطرقت إلى هذا المجال واستعراض لأبرز قصائد المديح النبوي:خليل المعلمي
مفهوم المديح النبوي
المديح النبوي هو ذلك الشعر الذي ينصب على مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتعداد صفاته الخلقية والخلقية وإظهار الشوق لرؤيته وزيارة قبره والأماكن المقدسة التي ترتبط بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم، مع ذكر معجزاته المادية والمعنوية ونظم سيرته شعرا والإشادة بغزواته وصفاته المثلى والصلاة عليه تقديرا وتعظيما.
ويُظهر الشاعر المادح في هذا النوع من الشعر الديني تقصيره في أداء واجباته الدينية والدنيوية، ويذكر عيوبه وزلاته المشينة وكثرة ذنوبه في الدنيا، مناجيا الله بصدق وخوف مستعطفا إياه طالبا منه التوبة والمغفرة، وينتقل بعد ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم طامعا في وساطته وشفاعته يوم القيامة، وغالبا ما يتداخل المديح النبوي مع قصائد التصوف وقصائد المولد النبوي.
وتعرف المدائح النبوية كما يقول الدكتور زكي مبارك بأنها: ” فن من فنون الشعر التي أذاعها التصوف، فهي لون من التعبير عن العواطف الدينية، وباب من الأدب الرفيع؛ لأنها لا تصدر إلا عن قلوب مفعمة بالصدق والإخلاص”.
ومن المعهود أن هذا المدح النبوي الخالص لا يشبه ذلك المدح الذي كان يسمى بالمدح التكسبي أو مدح التملق الموجه إلى السلاطين والأمراء والوزراء، وإنما هذا المدح خاص بأفضل الخلق ألا وهو محمد صلى الله عليه وسلم ويتسم بالصدق والمحبة والوفاء والإخلاص والتضحية والعشق الروحاني.
ظهـور المديح النبوي
ظهر المديح النبوي في المشرق العربي مبكراً مع مولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأذيع بعد ذلك مع انطلاق الدعوة الإسلامية وشعر الفتوحات الإسلامية إلى أن ارتبط بالشعر الصوفي مع ابن الفارض والشريف الرضي، ولكن هذا المديح النبوي لم ينتعش ويزدهر ويترك بصماته إلا مع الشعراء المتأخرين وخاصة مع الشاعر البوصيري في القرن السابع الهجري الذي عارضه كثير من الشعراء الذين جايلوه أو جاءوا بعده، ولا ننسى في هذا المضمار الشعراء المغاربة والأندلسيين الذين كان لهم باع كبير في المديح النبوي.
وهناك اختلاف بين الباحثين حول نشأة المديح النبوي، فهناك من يقول إنه إبداع شعري قديم ظهر في المشرق العربي مع الدعوة النبوية والفتوحات الإسلامية مع حسان بن ثابت وكعب بن مالك وكعب بن زهير وعبد الله بن رواحة، وهناك من يذهب إلى أن هذا المديح فن مستحدث لم يظهر إلا في القرن السابع الهجري مع البوصيري وابن دقيق العيد.
أهم شعراء المديح النبوي
لقد تسابق الشعراء في مدح الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حياته وبعد وفاته وقاموا بوصفه وتعظيمه وتعداد صفاته وخصاله ووصف أخلاقه، والتطرق إلى معجزاته، ومناجاته وطلب شفاعته، ومن أهم شعراء المديح النبوي سنورد الآتي:
حسّان بن ثابت الأنصاري:
كان الصحابي الشاعر حسان بن ثابت أحد الشعراء الذي تكفلوا بمهمة الرد على هجاء شعراء الكفار والمشركين، وأبرز المدافعين عن الدين الإسلامي، ويتميز شعره
بأنّه شعر مساجلات ونقائض مع شعراء قريش، أو في رثاء من ينال الشّهادة في المعارك مع المشركين، كما يتميّز بالصّدق والإخلاص لرسول الله خاصّة وصحابته ومن تبعه عامّة، إضافة إلى قوّة الرّوح والحماسة الشّديدتين،
ولعلّ أقوى قصيدة مدحيّة نظمها حسّان في الدّفاع عن رسول الله وأصحابه، هي وآله العَينيّة الّتي لم يُختلَف في نسبتها إليه، حيث قالها حينما قَدِم وَفْد تميم على النّبيّ صلى الله عليه وسلّم قائلين: ”جئنا لنفاخرك، وقد جئنا بشاعرنا وخطيبنا، فقام خطيبهم عطارد بن حاجب فتكلّم، وقام خطيب الرّسول ثابت بن قيس فأجاب، ثمّ قام شاعرهم الزّبرقان بن بدر وأنشد شعراً.
ولمّا سمع حسّان بن ثابت هذه القصيدة – بعد أن بعث إليه رسول الله لأنّه كان غائبا عن ذلك المجلس – قال قصيدته العينية المشهورة معارضا لها، والّتي يقول في مطلعها:
إنّ الـذوائبَ منْ فهرٍ وإخوتهم
قدْ بينوا سنة ً للنّاسِ تتبـعُ
يَرْضَى بهَا كُلُّ مَن كانَتْ سرِيرَتُهُ
تقوى الإلهِ وبالأمرِ الّذي شرعوا
قومٌ إذا حاربوا ضروا عـدوهم
أوْ حاوَلُوا النّفْعَ في أشياعِهِمْ نَفعوا
سجية تلكَ منهمْ غيرُ محدثة
إنّ الخـلائِق فاعلَمْ، شرُّها البدَعُ
ومن أجود مدائح حسّان وأطولها مرثيته الّتي رجّح الدّكتور زكي مبارك أنّها قيلت بعد وفاة الرّسول بزمان، ولم تُقَل مباشرة بعد موته، وهو ما يفسّر ما يُلاحَظُ فيها من نزعة صوفيّة لم تكن موجوده آنذاك، ويبلغ عدد أبياتها ستة وأربعين بيتا شعريا، وقد اُختُلِف في نسبتها إليه، وأثبتها ابن هشام في سيرته نقلا عن أبي زيد الأنصاري، ذَكَر في مطلعها حُجُرات الرّسول وبيته ومسجده وقبره، وحزنه الشّديد على رحيله، يقول حسّان في بدايتها:
بِطَيبة رسْم للرسول ومَعهد
منير وقد تعفو الرَّسوم وتَهْمُد
ولا تمتحى الآيـات من دار حرمة
بها منبر الهادي الّذي كان يصعـد
وخصّ حسّان مدحه لرسول الله في ختام قصيدته ذاكرا فضائله ومكارم أخلاقه وصفاته.
كعب بن مالك الأنصاري:
كان كعب بن مالك رضي الله عنه صحابيا جليلا لم يتّخذ من الشّعر صناعة يمتهنها أو سبيلا للعيش، بل كلّ ما وصل إلينا ممّا نظمه كان في أغراض نفسه المؤمنة، وملابسات حياته المسلمة، فصدرت قصائده صدورا طبيعيا كما يصدر الضّياء عن الشّمس، بعيدا عن التكلّف أو التكسّب، فكان مِن أهم مَن اعتمد عليهم رسول الله في الحروب والمغازي لتهديد المشركين وتوعدّهم والرّد على هجائهم… ومن نماذج شعره الّتي اشتُهر بها، ما قاله في يوم بدر رغم أنّه لم يشهده:
ألا هل أتى غسّان في نأي دارها
وأخبـر شيء بالأمور عَليمها
بأن قد رمتْنا عن قسـيّ عداوة
معدّ معا جُهَّالـها وحَليـمها
فولَّـوا ودسناهم ببيـض صوارم
سواءٌ علينا حِلفها وصَمـيـمها
وله قصيدة طويلة مشهورة أيضا ردّ بها على هبيرة بن أبي وهب المخزومي بعد غزوة أحُد، افتتحها قائلا:
ألا هل أتى غسّـان عـنّا ودونـهم من الأرض خـرق سيرُهُ متـنـعـنِع
صحـار وأعـلام كـأن قَتـامـها من البُـعد نقْـع هـامـد متقطّع
كما صَوَّر كعب في ثنايا قصيدته مدى طاعة المسلمين لرسول الله وإقبالهم على الاستشهاد من أجل إعلاء كلمة الله ونصرة دين رسوله، يقول كعب:
ولمّا ابتنوا بالعـرض قـال سـراتـنا
علام إذا لم تـمنع العـرض نـزرع؟
وفينا رسول الله نتبع أمره
إذا قـال فينا القـول لا نتـطلّـع
تدلّى عـليه الـرّوح من عنـد ربـه
ينزّل مـن جوّ السّـمـاء ويُرفـع
ودارت رحـانا واستـدارت رحـاهم
وقد جُعـلوا كُلٌّ من الشـرّ يشـبع
ونـحـن لا نـرى القـتـل سُـبّـة
على كـلّ من يحمي الذّمار ويمـنـع
ومن أشهر ما قاله كعب أيضا، شعرٌ كثيرٌ نظمه في غزوة الخندق، وخاصة حينما أجاب عبد الله بن الزبعري السّهمي مصوّرا ارتداد المشركين عن المدينة وخيبة أملهم، واصفا خيل المسلمين وصفا بليغا يقول في بداية قصيدته:
لأبقى لنا حدث الحـروب بقـيّة
من خير نحـلة رَبِّنا الوهّـاب
بيضاء مشرفة الـذّرى ومـعاطـنا
حُمَّ الجـذوع غزيـرة الأحـلاب
ولعلّ أشهر ما امتدح به كعبٌ رسولَ الله هو ما قاله بعد وفاته مُلِحًّا على عينيه أن تبكيا على رسول الله بدمع منهمر مبينا بعض خصاله الحميدة ومناقبه ومآثره، يقول:
أيا عين فابكي بدمـع ذُرَى
لخـير البـريّة والمصـطفي
وابكّي الرّسول وحـقّ البـكى
عليه لدى الحرب عنـد اللقى
على خير من حمـلـت ناقة
واتقى البـريّة عـند التّـقى
كما مدح كعبٌ رسولَ الله في أبيات أخرى متفرّقة من قصائد مختلفة، عدّد فيها أخلاقه وخصاله متأثرا بما جاء به الإسلام من مناقبَ وقيمٍ جديدة.
عبدالله بن رواحه:
كان عبد الله بن رواحة سيّدا عظيم القدر في الجاهليّة والإسلام، وثالث الشّعراء الكِبار الّذين تَبنَّوا الدّعوة للإسلام، وسَخَّروا مَقدرتهم الشّعرية في سبيل خدمة الإسلام، وتصدّوا للدّفاع عنه ضدّ كل من أراد النّيل منه أو التّشكيك فيه، حيث شكّل مع حسّان بن ثابت وكعب بن مالك جبهة شعريّة قويّة تقف إلى جوار رسول الله، وتردّ عنه الهجمات الشّرسة الّتي كانت تستهدفه وأصحابه، وتشكّك في نبوّته وحقيقة بعثه.
وكان النّبي (ص) يحبّ ابن رواحة، ويُثني عليه وعلى شعره، ويدعو له في أكثر من موقف، لأنّه كان مِن أوائل الّذين بايعوه على مشارف مكّة، وحملوا الإسلام إلى المدينة ومهّدوا لهجرته، ومِن أهمّ من شارك مشاركة فعّالة في المعارك الأدبيّة الشّعريّة الّتي لم تنفصل عن المعارك الحربيّة آنذاك، حيث كان الشّعرُ فيها سلاحا فتاكا يجرحُ مثلما يجرحُ السِنانُ، ويطعنُ مثلما يطعنُ السّيفُ.
ومن أشهر ما عُرف به من شِعرٍ أيضا ما قاله حينما دخل مكّة مع رسول الله في عمرة القضاء وهو آخذ بخطام ناقته، يقول ابن رواحة:
خلّوا بَني الكفّار عـن سَبيله
خـلّوا فكلّ الخـير في رسوله
يا ربَّ إني مؤمن بقيله
أعـرف حقّ الله في قَبوله
نحن قتلناكم عـلى تأويله
كما قتلناكم عـلى تنزيـله
ضربا يزيل الهام عـن مقـيله
ويذهل الخليل عن خلـيـله
كعب بن أبي سلمى:
كان كعب بن زهير بن أبي سلمى أحد الشّعراء المخضرمين في عصره، بلغ من الشّعر والشّهرة حظّاً وافراً خاصّة بعد مدحه للنّبي صلّى الله عليه وسلّم، وقصّة مدحه لرسول الله مشهورة.
وقد بدأ قصيدته بالغزل:
بانَتْ سُعَادُ فَقَـلْبِي الْيَـوْمَ مُتَـبْولُ مُتَيّـمٌ إثْـرَهَا لَمْ يُـجْـزَ مَكْـبُـولُ
وَمَـا سُعَادُ غَدَاةَ الْبَـيْنِ إذْ رَحَـلُوا إلّا أَغَنّ غَضِـيضُ الطّـرْفِ مَكْحُـولُ
هَيْـفَاءُ مُقْـبِلَةً عَجْـزَاءُ مُدْبِـرَةً لَا يُشْـتَكَى قِصَـرٌ مِنْهَا وَلَا طُـولُ
وختم كعب قصيدته بأبيات يمدح فيها رسول الله، ويُثنِي فيها على المهاجرين لخروجهم مع رسول الله من مكّة إلى المدينة بإرادتهم مقتنعين بما يفعلون، لا خوفا منه، ولا تهيُّبا من القتال والموت، يقول:
إِنَّ الرَسـولَ لَسَيـفٌ يُستَضاءُ بِـهِ مُهَنَّدٌ مِـن سُيوفِ اللَـهِ مَسـلولُ
في عُصبَةٍ مِن قُرَيشٍ قالَ قائِلُهُم بِبَطنِ مَكَّةَ لَمّـا أَسَلَموا: زولوا
زَالوا، فَمازالَ أَنكاسٌ، وَلا كُشُفٌ عِندَ اللِقاءِ وَلا مـيلٌ مَعازيـلُ
شُـمُّ العَرانـيـنِ أَبطالٌ لَبوسُهُمُ مِن نَسْـجِ داوُدَ في الهَيجا سَرابيلُ
بيضٌ سَـوابِغُ قَد شُكَّت لَها حَلَقٌ كَأَنَّها حَلَـقُ القَفعاءِ مَجدولُ
ابن جنان الأندلسي:
هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد الأنصاري القيسي المعروف بـ (ابن الجَنان) ـ بفتح الجيم ـ ، ويرجع في نسبه إلى الصحابي الجليل قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري، ولد في مدينة مرسية في الأندلس في القرن السابع الهجري، (عصر الموحّدين) حيث شهد خلال حياته في الأندلس مجد الدولة الموحّدية، كما شهد انحسارها وضعفها
اجتمعت للشاعر ابن الجَنان الأندلسي، عدّة مزايا لم تجتمع لشاعر في عصره، فرغم أن عصره كان زاخراً بالشعراء الكبار إلا أنه استطاع أن ينافسهم بشاعريته ويدرك مكانة متميزة بينهم لغزارة نتاجه الشعري الرصين، ولغته الجزلة المتينة الألفاظ وأسلوبه المتماسك التراكيب، وقد اعتمد ابن الجنان في شعره على فنون البلاغة لاسيما البديع وفنونه.
كما تميّز ابن الجنان بأنه من ذوي المواهب المتعددة، ففضلاً عن براعته في الشعر وإحرازه مكانة متميزة فيه فقد كان ناثراً مبدعاً تجلّى ذلك في مخاطباته ومكاتباته التي نقلتها المصادر والتواريخ، غير أن أهم ما يميزه هو كثرة قصائده وجودتها في مدح النبي (صلى الله عليه وآله) حتى عرف بـ (شاعر المديح النبوي).
وتتصدر (النبويات) ـ مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ـ ديوانه واحتلت نصف الديوان تقريباً، ومما قال:
أيذهبُ يومٌ لم أكـفّرْ ذنوبَه
بذكرِ شفيعٍ فـي الذنوبِ مشفّعُ
ولم أقضِ في حقِّ الصـلاةِ فريضةً
على ذي مقامٍ في الحسـابِ مُرفّعُ
أرجّي لديـه النفعَ فـي صدقِ حبِّه
ومن يربحُ المختارَ لا شـكَّ ينفعُ
وأهدي إلى مثـواهُ مني تحيةً
إذا قصدتْ بابُ الرضى ليسَ تدفعُ
ويقول في (مشفّعة) أخرى متوسّلاً بالرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) ويمزج في قصائده بين الدعاء إلى الله سبحانه، والتضرّع إليه والتوجه إلى الرسول بطلب الشفاعة:
يا أرحمَ الخلقِ يومُ الحشرِ والندم
ارحمْ عبيدَكَ يا ذا الطولِ والنعمِ
إني توسَّلت بالمختـارِ ملجأنا
الطاهرِ المجتبى من خيرةِ الأممِ
فهو الشفيعُ الذي أرجو النجاةَ به
من الجحيـمِ إذا الكفارُ كالحِممِ
وبلغت شهرة ابن الجنان في المديح النبوي أنه عندما أراد ابن المرابط تأليف كتابه (زواهر الفكر وجواهر الفقر) سأل ابن الجنان أن يتحفه بأبيات في مدح الرسول يفتتح بها كتابه، فالرسول الأكرم هو مفتاح أبواب الخير وبه يُدرك اليُمن وتنال البركة وتدرك الغايات السامية، فأرسل إليه ابن الجنان هذه الأبيات:
أبدأ مقالكَ بالثنـاءِ على النبي
يزكو شذا مسكِ الختامِ ويعبقُ
واجعلْ وسيلتكَ التي ترجو بها
درٌ على جيدِ المحـامدِ ينسقُ
بختام ديوانِ الرسـالةِ والهدى
فبه تروقُ النـاظرين وتؤنقُ
ويتجلى في مدائحه لسيد الخلق (صلى الله عليه وسلم) ذكر صفاته فهو إمام المسلمين، وأبهر الخلق، وصفاته أعجزت أهل البراعة أن يصفوها ويدركوا كنهها:
بخاتمِ الرُّسلِ أعني
إمام تلك الجمـاعة
لأبهرِ الخـلقِ مجداً
يحكي الصباحَ نصاعة
لمن صفـاتُ علاهُ
تُعجزُ أهلَ البـراعة
ويقول:
صلوا على خيرِ البـريَّةِ خيماً
وأجلِّ من حازَ الفخارَ صميما
صلوا على من شرّفتْ بوجودِه
أرجاءُ مكةَ زمزماً وحـطـيما
صلوا على نورِ تجلّى صبـحُه
فجلا ظلاماً للضـلالِ بهيما
صلوا على هـادٍ أرانا هديه
نهجاً من الدينِ الحنيفِ قـويما
صلوا على هذا النبـيِّ فإنه
من لمْ يزلْ بالمؤمنيـنَ رحيما
أما من النمط الثاني فقوله:
وبدت شواهد صـدقه قد قسّمت
بدر الدجى لقسيـمه تقسيما
والشمس قد وقـفت له لما رأت
وجهاً وسيمـاً للنبيِّ وسِيما
كم آيةٍ نطقـتْ تصدِّقُ أحمداً
حتى الجمـادُ أجابَه تكليما
والجذع حنَّ حنينَ صبٍ مُغرَمٍ
أضحى للوعاتِ الفـراقِ غريما
ويختم هذه القصيدة بقوله:
يا أيها الراجـون منه شفاعةً
صلّوا عليه وسلمـوا تسليما
ومن أشهر قصائده الدالية المعروفة بـ (القصيدة المباركة الشريفة) وهي في مائة وأربعين بيتاً، وهي أطول قصيدة للشاعر وقد دارت على ثلاثة محاور هي تعداد معجزاته (صلى الله عليه وسلم) والأمور الخارقة التي أجراها الله على يديه الشريفتين والاشادة بمقامه عند الله ومنزلته الخاصة، ثم يتحدث الشاعر عن شمائله وكريم صفاته وخصاله والقصيدة فريدة من نوعها يبدأ الشاعر كل بيت منها بكلمة (سلام على) يبدؤها الشاعر بقوله:
سلامٌ على من جاءَ بالحقِّ والهدى
ومن لم يزلْ بالمعجزاتِ مُؤيَّدا
سلامٌ على خيرِ البريـةِ شيمةً
وأكرمها نفساً وبيـتاً ومحتدا
سلامٌ على المختارِ من آلِ هـاشمٍ
إذا انتخبوا للفخرِ أحـمدَ أمجدا
سلامٌ على زينِ النـديّ إذا انتدى
وأجمـل ذي حلمٍ تعمَّمَ وارتدى
بردية المديح
من أهم المؤلفات التي تناولت المدائح النبوية والقصائد في مدح ووصف الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم هو “بردية المديح” لرائد المدائح النبوية -كما يسميه النقاد والأدباء- شرف الدين محمد بن سعيد البوصيري رحمه الله تعالى، ويحتوي الكتاب على عشرة فصول وبلغ عدد أبيات القصيدة المائة والستين بيتاً ذكرها “البوصيري” في أخر الأبيات الأخيرة من القصيدة:
وهذه بردة المختار قد ختمت
والحمد لله في بدء وفي ختم
أبياتها قد أتت ستين مع مائة
فرج بها كربنا يا واسع الكرم
وتعد قصيدته الشهيرة “الكواكب الدرية في مدح خير البرية” والمعروفة باسم “البردة” من عيون الشعر العربي، ومن أروع قصائد المدائح النبوية، ودرة ديوان شعر المديح في الإسلام، الذي جادت به قرائح الشعراء على مر العصور ومطلعها من أبرع مطالع القصائد العربية.
كتبها “البوصيري” في القرن السابع الهجري الموافق القرن الحادي عشر الميلادي، وقد أجمع معظم الباحثين على أن هذه القصيدة من أفضل وأعجب قصائد المديح النبوي إن لم تكن أفضلها، حتى قيل: إنها أشهر قصيدة مدح في الشعر العربي بين العامة والخاصة. وقد انتشرت هذه القصيدة انتشارًا واسعًا في البلاد الإسلامية، يقرأها بعض المسلمين في معظم بلاد الإسلام كل ليلة جمعة. وأقاموا لها مجالس عرفت بـ مجالس البردة الشريفة، أو مجالس الصلاة على النبي.
وقد تم تقسيم الكتاب إلى عشرة فصول الأول في ذكر عشق الرسول صلى الله عليه وسلم، والثاني في منع هوى النفس، والثالث في مدح الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، وجاء الفصل الرابع في مولده صلى الله عليه وسلم، والخامس في معجزاته، والسادس في ذكر شرف القرآن، والسابع في ذكر معراجه صلى الله عليه وسلم ويقول فيه، وجاء الفصل الثامن في ذكر جهاد النبي صلى الله عليه وسلم، والتاسع في طلب مغفرة من الله وشفاعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والفصل العاشر والأخير في المناجاة وعرض الحاجات.
ومطلع القصيدة:
محمد سيد الكونين والثقليـ
ـن والفريقين من عرب ومن عجمِ
نبينا الآمرُ الناهي فلا أحدٌ
أبر في قولِ لا منه ولا نعم
هو الحبيب الذي ترجى شفاعته
لكل هولٍ من الأهوال مقتحم
دعا إلى الله فالمستمسكون به
مستمسكون بحبلٍ غير منفصم
فاق النبيين في خلقٍ وفي خُلُقٍ
ولم يدانوه في علمٍ ولا كرم
وكلهم من رسول الله ملتمسٌ
غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ
وواقفون لديه عند حدهم
من نقطة العلم أو من شكلة الحكم
فهو الذي تم معناه وصورته
ثم اصطفاه حبيباً بارئُ النسم
منزهٌ عن شريكٍ في محاسنه
فجوهر الحسن فيه غير منقسم
دع ما ادعثه النصارى في نبيهم
واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف
وانسب إلى قدره ماشئت من عظم
فإن فضل رسول الله ليس له
حدٌّ فيعرب عنه ناطقٌ بفم.
نهج البردة
قصيدة نهج البردة من أجمل قصائد أمير الشعراء أحمد شوقي، وتعد من أروع قصائد المدح النبوي، لبساطة الكلمات وعذوبة الألفاظ كما أنها سهلة الشرح والفهم، لهذا أردنا هنا أن نسلط الضوء على هذه القصيدة الرائعة:
ريم على القاع بين البان والعلم
أحلّ سفك دمي في الأشهر الحرم
رمى القضاء بعيني جؤذر أسداً
يا ساكن القاع أدرك ساكن الأجم
لمّا رنا حدّثتني النفس قائلةً
يا ويح جنبك بالسهم المصيب رمي
جحدتها وكتمت السهم في كبدي
جرح الأحبّة عندي غير ذي ألم
رزقت أسمح ما في الناس من خلق
إذا رزقت التماس العذر في الشيم
يا لائمي في هواه والهوى قدر
لو شفّك الوجد لم تعذل ولم تلم
وقصيدة أخرى في مدح الرسول الكريم:
وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ
وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَناءُ
الـروحُ وَالـمَـلَأُ الـمَلائِكُ حَولَهُ
لِـلـديـنِ وَالـدُنـيـا بِهِ بُشَراءُ
وَالـعَـرشُ يَزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي
وَالـمُـنـتَـهى وَالسِدرَةُ العَصماءُ
وَحَـديـقَـةُ الفُرقانِ ضاحِكَةُ الرُبا
بِـالـتُـرجُـمـ انِ شَـذِيَّةٌ غَنّاءُ
وَالـوَحيُ يَقطُرُ سَلسَلاً مِن سَلسَلٍ
وَالـلَـوحُ وَالـقَـلَـمُ البَديعُ رُواءُ
نُـظِمَت أَسامي الرُسلِ فَهيَ صَحيفَةٌ
فـي الـلَـوحِ وَاِسمُ مُحَمَّدٍ طُغَراءُ
أشهر الدواوين والمؤلفات في شعر المديح النبوي.
كتاب “المدائح النبوية” من تأليف الدكتور محمود علي مكي وفيه سياحة قام بها المؤلف من عالم المدائح النبوية، التي بدأت في حياة رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم، في أوائل القرن السابع ميلادي حتى أمير شعراء العربية في القرن العشرين أحمد شوقي (المتوفى سنة 1932م)، أي على مدى ثلاثة عشر قرناً، ولم تنقطع هذه المدائح بعد أحمد شوقي، بل استمرت بعده وخصص لها بعض شعرائنا المعاصرين دواوين كاملة.
كما يعتبر كتاب “المدائح النبوية حتى نهاية العصر المملوكي” من أهم الكتب التي أرخت لقصائد المديح النبوي حتى نهاية العصر المملوكي وهو من تأليف الدكتور محمود سالم محمد وقد احتوى على أربعة أبواب.
جاء الباب الأول تحت عنوان “بواعث ازدهار المديح النبوي وانتشاره” وأشار إلى الأسباب التي أدت إلى ذلك ومنها السياسية والاجتماعية والدينية، أما الباب الثاني فقد خصصه لنشأة المديح النبوي وحدوده، وقد تضمن عدة فصول أولها نشأة المديح النبوي في حياة الرسول وفي عصر الخلفاء الراشدين والعصور الإسلامية “الأموي، العباسي، الفاطمي والأيوبي وحتى العصر المملوكي.
أما الباب الثاني، فقد خصصه المؤلف لأنواع المديح، وفيه عدة فصول تطرق فيها إلى نشأة المديح النبوي، واستعرض المديح والرثاء في حياة الرسول وفي العصور الإسلامية التي تلت فترة النبوة، وأشار إلى حدود المديح النبوي من الشعر التقليدي ومدح آل البيت والشعر الصوفي والتشوق إلى المقدسات والمولد النبوي.
وتحدث المؤلف في الباب الثالث عن المدحة النبوية، حيث استعرض المضمون والمعاني والأسلوب والشكل الشعري وكذا طريقة المدح بالقيم التقليدية وكذا مدحه صلى الله عليه وآله وسلم من خلال (محبته، فضائله، هديه، سيرته معجزاته، وفضائله).
وبين في الباب الرابع آثار المدائح النبوية في المجتمع من الناحية الاجتماعية والارشادية والثقافية من جهة، والأثر التعليمي لها على الشباب والنشء من خلال اظهار صفات الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وتشجيع الشباب على جعله صلى الله عليه وسلم قدوة في الأخلاق والمعاملات.
وقد خصص بعض المؤلفين فترات زمنية معينة للكتاب عن أدب المدائح في تلك الفترات ومنها كتاب “المدائح النبوية في أدب القرنين السادس والسابع للهجرة” لمؤلفه ناظم رشيد، وقد صدرت الطبعة الأولى عام 1423هـ، وقد خصص المؤلف الكتاب للحديث عن المدائح النبوية في هذه الفترة وتضمن الكتاب مختارات من المدائح النبوية لأبرز شعراء المديح النبوي خلال تلك الفترة.
وهناك الكثير من المؤلفات التي خصصها الباحثون والأدباء عن المدائح النبوية ومنها العقود اللؤلؤية فى المدائح المحمدية ليوسف بن إسماعيل النبهاني، وقد جمع فيها كما يقول في مقدمة الكتاب كل حسن من القصائد وما تم نظمه في مدح الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وكذا المطالع الشمسية في المدائح النبوية للنواجي، وكذا ديوان “نفائس المنح وعرائس المدح لمؤلفه محمد بن أحمد بن جابر الأندلسي المتوفي في القرن السابع الهجري.
وكذا ديوان الكتاني في المعارف والمدح النبوي للشيخ أبي الفيض محمد بن عبدالكريم الكتاني، والذي قام بجمعه وتحقيقه الدكتور إسماعيل المساوى وقام بجمع على عدة مراحل ويحتوي على آلاف الأبيات في مدح خير البرية صلى الله عليه وآله وسلم.
وهناك الكثير من المؤلفات في المدائح النبوية، ومؤلفات أخرى لشرح عدد من القصائد المشهورة في مدح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
تطور قصائد المديح النبوي
وتعود أشعار المديح النبوي إلى بداية الدعوة الإسلامية مع قصيدة “طلع البدر علينا”، وقصائد شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم كحسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وكعب بن زهير صاحب اللامية المشهورة:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبـول متيم إثرها لم يفـد مكبـول
وقد استحقت هذه القصيدة المدحية المباركة أن تسمى بالبردة النبوية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كسا صاحبها ببردة مطهرة تكريما لكعب بن زهير وتشجيعا للشعر الإسلامي الملتزم الذي ينافح عن الحق وينصر الإسلام وينشر الدين الرباني.
ونستحضر قصائد شعرية أخرى في هذا الباب كقصيدة الدالية للأعشى التي مطلعها:
ألم تغتمض عيناك ليلـة أرمدا
وعاداك ماعاد السليم المسهدا
ومن أهم شعراء المديح النبوي في العصر الأموي الفرزدق ولاسيما في قصيدته الرائعة الميمية التي نوه فيها بآل البيت واستعرض سمو أخلاق النبي الكريم وفضائله الرائعة، ويقول في مطلع القصيدة:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيـت يعرفه والحل والحـرم
وقد ارتبط مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمدح أهل البيت وتعداد مناقب بني هاشم وأبناء فاطمة كما وجدنا ذلك عند الفرزدق والشاعر الشيعي الكميت الذي قال في بائيته:
طربت وما شوقا إلى البيض أطرب ولا لعبا مني وذو الشوق يلعب
ويندرج ضمن هذا النوع من المدح تائية الشاعر الشيعي دعبل الخزاعي التي مدح فيها أهل البيت قائلا في مطلعها:
مدارس آيات خلـت من تلاوة ومنزل حي مقفـر العرصات
ويذهب الشريف الرضي مذهب التصوف في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم وذكر مناقب أهل البيت وخاصة أبناء فاطمة الذين رفعهم الشاعر إلى مرتبة كبيرة من التقوى والمجد والسؤدد كما في داليته:
شغل الدموع عن الديار بكاؤنا لبكاء فاطمـة على أولادها
ويقول أيضا في لاميته الزهدية المشهورة التي مطلعها:
راجل أنـت والليالي نزول ومضر بك البقـاء الطويـل
وللشاعر العباسي مهيار الديلمي عشرات من القصائد الشعرية في مدح أهل البيت والإشادة بخلال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصفاته الحميدة التي لاتضاهى ولا تحاكى.
وقد كان الشعراء المغاربة سباقين إلى الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونظم الكثير من القصائد في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم وتعداد مناقبه الفاضلة وذكر صفاته الحميدة وذكر سيرته النبوية الشريفة وذكر الأمكنة المقدسة التي وطأها نبينا المحبوب، وكان الشعراء يستفتحون القصيدة النبوية بمقدمة غزلية صوفية يتشوقون فيها إلى رؤية الشفيع وزيارة الأمكنة المقدسة ومزارات الحرم النبوي الشريف، وبعد ذلك يصف الشعراء المطية ورحال المواكب الذاهبة لزيارة مقام النبي الزكي، وينتقل الشعراء بعد ذلك إلى وصف الأماكن المقدسة ومدح النبي صلى الله عليه وسلم مع عرضهم لذنوبهم الكثيرة وسيئاتهم العديدة طالبين من الحبيب الكريم الشفاعة يوم القيامة لتنتهي القصيدة النبوية بالدعاء والتصلية.
ومن أهم الشعراء المغاربة الذين اشتهروا بالمديح النبوي نستحضر مالك بن المرحل كما في ميميته المشهورة التي يعارض فيها قصيدة البوصيري الميمية:
شوق كما رفعت نار على علم
تشب بين فروع الضال والسلـم
وأما في العصر الحديث، فالمتأمل دواوين شعراء خطاب البعث والإحياء أو ما يسمى بشعراء التيار الكلاسيكي أو الاتجاه التراثي فإنه سيلفي مجموعة من القصائد في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم تستند إلى المعارضة تارة أو إلى الإبداع والتجديد تارة أخرى. ومن الشعراء الذين برعوا في المديح النبوي نذكر: محمود سامي البارودي وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم ومحمد الحلوي وآخرين كثيرين.
فمن قصائد محمود سامي البارودي قصيدته الجيمية التي يقول فيها:
يا صارم اللحظ من أغراك بالمهج
حتى فتكت بها ظلما بلا حـرج
مازال يخدع نفسي وهي لاهية
حتى أصاب سواد القلب بالدعج
طرف لو أن الظبا كانت كلحظته
يوم الكريهة ما أبقت على الودج.
يتضح لنا أن المديح النّبويّ غرض شعري قديم متجدّد جوهره الثّناء والشّكر والتّنويه بمناقب خاتم الأنبياء والمرسلين محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، وصفاته وأخلاقه وسلوكاته، ويستوحي مادته الإبداعية من منظور ديني بحت.
فهو لون من ألوان التّعبير عن العواطف الدّينيّة، وهو شعر ينصبُّ على نظم سيرة رسول الله، وتعداد صفاته الخَلقيّة والخُلقيّة، وإظهار الشّوق لرؤيته وزيارة قبره، والأماكن المقدّسة الّتي ترتبط بحياته، مع ذكر معجزاته الماديّة والمعنويّة، والإشادة بغزواته ضدّ الكفّار والمشركين، والصّلاة عليه وعلى آله وصحبه تقديرا وتعظيما، بعيدا عن ظاهرة التّكسّب بالشّعر.