في ذكرى مولد الرسول الأعظم مواقف منغصة حاولت إفساد المناسبة
حسن سعيد الدبعي
لقد أثبت الشعب اليمني أنه شعب الإيمان والحكمة والولاء الراسخ لله ولرسوله، وهو الشعب الوحيد في هذه الحقبة الكئيبة من تاريخ الإسلام، الذي يعطي مناسبة مولد الرسول الأعظم محمد بن عبدلله هذا الزخم الرائع من الاحتفال والتكبير والتهليل والصلاة على هذا الإنسان الذي كرمه الله بالرسالة ورفعه على سائر أنبيائه من خلال الخصال الكريمة التي حباه الله بها.. لقد كانت اللوحة الخضراء التي نسجها ورسمها اليمنيون ابتهاجاً بمولد نبيهم أجمل وصفة من الجمال والروعة، وربما يكون هذا الاحتفال درساً بليغاً للدول العربية والإسلامية التي بدأت تنحدر في اتجاه مسخ الدين الإسلامي في ذاكرتها والانكفاء تحت مظلة المشروع الأمريكي الخبيث الذي يعمل على تركيع الدول العربية والإسلامية والتعامل بكل مذلة وتخاذل مع العدو الصهيوني حتى تكون إسرائيل سيدة الموقف في منطقة الشرق الأوسط.. إننا نلاحظ هذه الأيام مواقف مؤذية ومخزية من قبل بعض الدول العربية تتمثل في الاستجابة للمشروع الأمريكي من خلال اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل والاستعدادات لإحياء احتفالات أعياد الميلاد “الكريسماس” والتغاضي تماماً عن ذكرى مولد الرسول الكريم.. لأن الاحتفال بالمولد النبوي معناه صلاة وتهليل وتسبيح.. أما أعياد الكريسماس فهي أعياد فجور وفسوق وتقبيح وهو ما لم يأمر به النبي عيسى عليه السلام.
لقد فتحت اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل شهية الدول الحاقدة على الإسلام وعلى رأسها فرنسا التي طالب رئيسها بإعادة هيكلة الإسلام زعماً منه أنه دين تخلف وإرهاب..
كما أن شاباً شيشانياً وهو مسلم غير عربي، انتقم لنبيه صلى الله عليه وسلم من أستاذ جامعي فرنسي قام بشتم وإساءة الأدب مع رسول الله.. ودافع عن موقفه بالقول “عندما تسيئون للإسلام فهذا حرية الرأي، وعندما ندافع عن نبينا وإسلامنا فهذا إرهاب بئس ما تفعلون» وللأسف الشديد أنه لم يصدر أي بيان من زعيم عربي يستنكر هذه التصرفات التي تسيء إلى نبي الإسلام ورسالته بل هناك بيانات شجب للهجوم على الأستاذ الجامعي الفرنسي.. فلعنة الله عليكم أيها المتخاذلون الساكتون عن هذه الموبقات..
نحن المسلمين لدينا ألسنة ولدينا أيد للطعن في الأديان الأخرى، لكننا ملتزمون بتعاليم الله واحترام الأنبياء المرسلين ولا نستطيع سب أو شتم أي من أنبياء الله فلا يجب على المنتسبين للمسيحية أو اليهودية الطعن في ديننا واعتبار الأديان ” خطوط حمراء” يجب التوقف عندها فالإسلام ليس دين مهزلة كما يظن هؤلاء الأفاكون، بل هو سيد الأديان ورسوله أفضل من حملت الأرض والسماء.
يقول الله سبحانه وتعالى ” وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ” ويقول سبحانه ” لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ ” فاليهود عداوتهم باطنة وخبيثة والمشركون عداوتهم ظاهرة والعداوة الظاهرة يمكن التصدي لها.. لكن العداوة الباطنة التعامل معها طويل.. وليحذر المطبعون الإماراتيون والبحرينيون والسودانيون وفي الطريق السعوديين من هلاك قريب أن لم تكن من شعوبهم فستكون من قبل المطبعين معهم، من خلال السيادة على كل شيء في الأرض والجو والثروة ومراكز القوة.. إن طلب الحماية من عدو غباء مركب يا دول الخليج الرعناء ويا مملكة آل سعود العجفاء.. راجعوا مواقفكم وأعلموا أن لا مستقبل لكم ولشعوبكم إلا باحترام نبيكم الكريم ورسالته السمحة وأخلاقه النبيلة خاصة وأن السعودية يوجد فيها الحرمين الشريفين وأي خطأ تاريخي تقوم به السعودية سيكون انعكاساً سلبياً عليها وعلى المنطقة برمتها ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ” تحذير شديد اللهجة من الله سبحانه وتعالى.. فالمسلمون لن يسكتوا على هذا الهوان الذي وصل إلى حد أن يطالب كاتب إماراتي السلطات السعودية بدفع تعويضات ليهود خيبر وهو ما لم تطالب به إسرائيل طوال صراعها مع العرب.
بعد أن فرغنا من شرح هذه المواقف المقززة من قبل بعض العرب المسلمين، دعونا نعود إلى صاحب الحدث سيدنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم، وأقول لعل أبرز الأنبياء الكبار الذين نعرف عن موالد هم ومناشئهم أكثر مما نعرف عن غيرهم أنبياء ثلاثة موسى والمسيح ومحمد عليهم السلام وأحدثهم ظهوراً وأوضحهم صورة في التاريخ هو النبي محمد خاتم الأنبياء، إذ ظهر في صحوة التاريخ واستطاع في حياته إقامة دولته مبادئ رجالاً كأرسخ ما تكون دولة وأبقاها على الزمن وحفظ أصحابه من أخباره العامة بل الخاصة ما لم يحفظ مثله لاحد في العالمين، كما أننا نعرف في نسبه وأخبار اسلافه وعشيرته الأقربين ما يزيد صورته وضوحاً ويجعلنا لا نستغرب الروابط بين مقدمات حياته وخواتمها مع بين هذه وهذه من عجائب متوقعة وغير متوقعة وكلها جديرة بالإعجاب والتعظيم.
وإذا بحثنا مولد كل من هؤلاء الثلاثة وجدنا أن كلا منهم قد ولد في أحوال مضطربة محفوفة بالشدائد والأخطار، فبداية حياة كل منهم كأنها سلسلة مغامرات في عالم الغيب تحول بين صاحبها وبين السلامة، وإن كتب له في ختامها الفوز والفلاح العظيم.. ولسنا نعرف من طفولة موسى عليه السلام شيئاً واضحاً عن أبويه غير أسميهما ولكننا نعرف من التوراة والقرآن وأسفار أخرى أن أمة حين ولدته بل قبل ولادته كانت عرضة لمحنة فوق ما تحتمل قلوب الأمهات في أطفالهن إذ كانت خائفة عليه من القتل عند ولادته وبعد ولادته لو كشف أمره معها، فلم يكن لها حول ولا طول إلا أن تستكين لما ألهمها الله في تدبير سلامته.
وأما عيسى عليه السلام فقد اقترن ميلاده المعجزة إلهية إذ حملت به أمه وهي غير ذات زوج ووضعته وهي في أشد الحرج فلقيت من قومها أشد الإنكار لكنها صبرت لقضائها حتى أستوى وظهرت بخابته واشتد لرسالته بعثه الله بها إلى قومه.
أما محمد عليه الصلاة والسلام فقد ولد كسائر الأطفال في سلام وبهجة وأن سبقت مولده أحوال شدة كادت تحول دون ولادته، ثم صحبت مولده أحوال شدة أيضاً حتى كادت تعرضه للضياع، وكان أباً وأماً في أشرف بيوتات قريش، ولذلك آثر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يقول “أنا خيار من خيار” وأن كانت القمة التي أرتقاها لتنقطع دونها رقاب أعاظم الرجال، إذ لا سبيل لبلوغها لغير من يختارهم الله من صفوة البشر ولا سيبل إليها بحسب ولا نسب ولا حول ولا اجتهاد.
الخلاصة أننا لم نقصدها في هذه المناسبة الكريمة وهي ذكرى ميلاد الرسول الأعظم إلا توضيح جانبين أحدهما ما مهد له إسلافه من شمائل المروءة ومناقبها في طرق الخير وتحمل مسؤوليات الآخرين في سبيل المصلحة العامة، والجانب الثاني ما سبق طفولته واحاطها من شدائد ومخاطر وما صاحبها من ذكريات ارتبطت بها سيرته في بقية حياته حتى أتاه اليقين وتكفي جميع الدلائل على عمق الوعي الكوني في نفسه الحية..
فالإسلام الذي أتي به هذا النبي كما تدركه واعيته الشاملة ليس ديناً للناس وحدهم، بل دين كل شيء في هذا الكون الفسيح بجميع سماواته وأفلاكه، وهذا الإسلام الكوني لم يبشر به أحد من رسل اله إلا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأنه جاء رسولاً لرب العالمين، ليكون رحمة للعالمين.. رغم أنف مانويل ماكرون وبنيامين نتنياهو ودونالد ترامب ومحمد بن زايد وآل خليفة وآل سعود وعاكر السودان وكل أراذل الأرض أجمعين.