استعداد وفرح يغمر كل اليمنيين وصورة للابتهاج تنعكس في كل أحياء وشوارع العاصمة صنعاء وكل المحافظات المحررة بميلاد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فبمولده ولد الهدى وامتلأ الزمان والوجود وكل الكائنات ضياء، وتبسم فم الزمان بالثناء والفرح، إنه ليوم تاريخي، أعظم يوم طلعت فيه الشمس منذ أن خلق الله الأرض والسموات وقال لها وللأرض “ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ”..ننقل لكم آراء وانطباعات عدد من المرشدين والتربويين عن هذه الذكرى العطرة ..فإلى الحصيلة:
الثورة /أمين العبيدي
يترقب المسلمون ذكرى ميلاد سيدنا المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وكلهم فرح وابتهاج وسرور وقد تجدهم يتفقدون الفقراء والمساكين ويسارعون في قضاء حوائجهم وإدخال السرور عليهم كي لا يحزنوا في خير يوم طلعت فيه الشمس.. هكذا استهل الأستاذ محمد إبراهيم المعلمي مدير مدارس البناء التربوي في أمانة العاصمة الذي أوضح أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف احتفال بالقيم والأخلاق التي هي أصل متأصل في تاريخ اليمنيين وحاضرهم، فقد توارثوها جيلا بعد جيل من أجدادهم الأوس والخزرج.. مؤكداً أن العمل التربوي لا أهمية له إذا لم تعرف الأجيال عظمة هذا اليوم وقدسيته وتغرس في نفوس الطلاب المعاني الكبيرة للمولد النبوي الشريف، فبمولده تغير العالم وخرج البشر من الجور والظلم إلى النور والهدى ومن مستنقع العبودية لغير الله إلى توحيد الله، هو يوم تبسم فيه الزمان وكما قال أمير الشعراء شوقي رحمه الله:
ولد الهدى فالكائنات ضياء
وفم الزمان تبسم وثناء
فمظاهر السعادة تجدها في كل الشوارع والأحياء، والابتهاج يظهر جلياً في وجوه كل الناس بتبسم وسعادة، كيف لا وهو سيد الخلق ، وخاتم الأنبياء والمرسلين ، أضاء بحسنه مكة المكرمة ، فكان بشرى لأمه آمنة ولجده عبد المطلب هو البركة يوم جف حليب حليمه السعدية، ولقب بالصادق الأمين، لم يظلم أحداً ولم يأخذ مال أحد، أرسله الله رحمة للعالمين وقدوه للناس أجمعين.. موضحاً الدوافع التي تجعل محبي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يجعلون من يوم مولده يوم عيد فترى الشوارع تزدان وتفوح روائح البخور والطيب وتعقد حلقات الذكر في كل المساجد والمقائل والاجتماعات، فيما تعلو بعض الترنيمات بالمدائح النبوّية العذبة.. مشيراً إلى أنه يستحب الذكر والتسبيح والإكثار من الصلاة على الشفيع لنيل شفاعته فقد قال بأبي هو وأمي “من صلى عليَّ عشراً إذا أصبح وعشراً إذا أمسى أدركته شفاعتي “كما يجب أن تستغل هذه الذكرى في كل ما هو مفيد من أعمال الخير على اختلافها فتقدّم الصدقات وتُستذكر الأحاديث النبوية الشريفة ، ويُجمع الأطفال على فيض من المواقف النبويّة السمحة ليتعرفوا على نبيهم وهادي أمتهم أكثر، ويتلمسون حلاوة أخلاقه بقلوبهم، ويتمثلون بطباعه الزكية في معاملاتهم، فلا ينقطعون عنه وعن نهجه، ولا يغيبون عن محاسنه ومناقبه لأن أطفال اليوم هم الجيل الذي سنعتمد عليه ليكون خنجر مسموماً يقف في وجه كل من يعادي أمة محمد أو يحيك لها المكائد فالأبناء أمانة الله وعيد المولد النبوي الشريف بمثابة منارة نهتدي بها جميعاً ونستمدّ منها الأمل بولادة الخير والحق والتغيير والنصر لشعبنا وأمتنا ، لأن ولادته كانت إيذاناً بالتغيير الكبير لكل البشر.
وختتم المعلمي حديثه بقوله : سيظل المولد النبوي الشريف من أجمل الأيام التي يمكن الاحتفال بها بالرغم من أنه ليس عيداً دينياً كعيد الفطر أو عيد الأضحى، ولكنه يذكّرنا دائماً بنعمة الله سبحانه وتعالى على البشرية بأنه بعث إليهم أشرف الخلق أجمعين محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم ليخرجهم من الظلمات إلى النور ومن ضيق الدنيا إلى أفق وسعة الآخرة، فسلام ربي وتسليماته عليك يا رسول الله، فقد توفي الرسول الأعظم وترك فينا شوقاً متجدداً للقائه..
الحقوقي والمرشد الثقافي في حي الجراف الأستاذ ناصر المؤيد (أبو حسين ) تحدث فقال: المولد النبوي الشريف يوم عيد ورسالة حب ورحمة وسلام والفرح، والاحتفال بالمولد النبوي الشريف لا تنفرد به طائفة بعينها أو حزب وجماعة بل هو يوم سرور وابتهاج لكل من آمن بالله رباً وبمحمد صلى الله عليه وعلى آله نبينا.. موكداً أن مولد النبي العظيم يوم عرف فيه الضال طريق الحق، فقد أتى يحمل النور للإنسانية الضالة التائهة الغارقة في الخرفات والضلالات والأزمات المتعاقبة والمصائب المتلاحقة والفتن في دينها ودنياها جاء صلى الله عليه وعلى آله ومعه الدواء لكل أمراض البشر الحسية والسمعية والبصرية.
ويشير المؤيد بقوله : إن عظمة هذا اليوم مقترنة بمولد خير إنسان وحامل أعظم رسالة وقرآن عظيم من رب عظيم إلى أمة عظيمة، وما الاحتفال بمولده إلا شكر على هذه النعم واستذكار لفضل الله ورحمته وقد قال الله سبحانه وتعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ). آل عمران.
ويضيف : لقد احتفل الكون بمولد نبي الرحمة وظهرت المعجزات وكان أمره كله معجزات ..هو خيار من خيار، اصطفاه الله وكرمه واجتباه وكان يقول عن نفسه “أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب إذا اشتد القتال” وقد قال أصحابه “كنا إذا حمي وطيس الحرب وتكالب الأعداء برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم احتمينا بأشجع الناس وأجمل البشر” وصدق حسان بن ثابت حين قال :
وأجمل منك لم ترى قط عيني
وأحسن منك لم تلد النساءْ..
خلقت مبرأً من كل عيب
كأنك قد خلقت كما تشاء..
وهو الصادق الأمين قبل نبوته.. والأكثر إعجازاً علمه مع أميته والأعجب من ذلك خَلقه وخُلقه ففي ميلاده ظهرت الإرهاصات الغيبية التي حكاها الحاكي ورآها الرائي فاخضر الزرع ودر الضرع وشبعت الحيوانات ونمت الأموال وأضاء الكون وخمدت نار فارس وذُك إيوان كسرى ونكست الأصنام.
وعن شخص الرسول الأعظم ومناقبه الإنسانية يقول المؤيد: في شخص نبينا الكريم العزاء لكل صاحب مصيبة ونقمة، فقد مات جده ثم زوجته خديجة وسمي ذلك العام بعام الحزن، وهو العبرة لكل صاحب نعمة فقد كانت مفاتيح الخزائن بيده وراودته الجبال أن تكون له ذهباً فلم ينشغل بها وزهد فيها وأراها في نفسه معنى الإيمان، عمل راعياً للأغنام في مكة، نشأ يتيماً، فقد فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم والده وهو في بطن أمه وفقد أمه وهو لم يبلغ الحلم بعد فعاش يتيما وحيدا ليس له أخ أو أخت..
ولكل البائسين والفقراء فقد كان صلى الله عليه وسلم يْرقع ثوبه ويخصف نعله وكان ينحني ليدخل حجرته وقد أثر حصيرها على جسده وجنبه وكثيرا ما ربط بطنه من الجوع وعصبها بالحجر.
ولمن ابتلي بمرض فإن نبينا الكريم كان يتوعك كتوعك رجلين من أمته ولم يكن له ما يميزه عن صحابته حتى أن الآتي يأتي مجلسه وهو بين صحابته فيسأل أين محمد؟ وأردف المؤيد: من المؤسف أن نتكلم في مولد محمد صلى الله عليه وآله وسلم وفي أمته اليوم من يطبع مع اليهود ويواليهم ويقاتل المسلمين في صفوف أعدائهم ونرى في واقعنا المجازر الشنيعة والبشعة في حق أعظم شعوب الأرض أهل الإيمان وأحفاد الأنصار وهذا الحقد الهائل من دولتي السعودية والإمارات ما هو إلا دليل واضح أنهم أصبحوا أشرس وأقبح من الشيطان نفسه ..
وفي نفس السياق يقول الأستاذ محفوظ محمد القليصي عضو اللجنة التحضيرية للمولد النبوي الاحتفال بالمولد النبوي الشريف دليل وأضح على السير وفق شريعته والبراءة من أعدائه وبمولد الرسول الأعظم أُخرجنا من مستنقع العبودية والوثنية إلى طريق الحق والنور والعزة والكرامة التي من أجلها اليوم نستشهد وفي سبيلها نحيا، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وعلى آله الأسوة الحسنة ويجب أن نجعل من مولده ذكرى حسنة نستخلص من بوتقتها كل معاني الأخلاق التي كان عليها الرسول الأعظم .
لقد كان دعوة تنطق وقرآنا يمشي (كان خْلْقْه القرآن) .. وقال عن نفسه: (أدبني ربي فأحسن تأديبي) وهكذا تربى وربى جيلاً متكاملاً على يده ليشكل أنموذجاً مجتمعياً لمن خلفه من الأمة، فلم يكن الكلام والحديث والخطابة والتوعية هي الوسيلة والغاية لكن كان واقع التطبيق وإحداث التغيير الاجتماعي هو الهدف فكان هو المثال والصورة لهذه الدعوة وأشار القليصي بقوله : الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هو حمد لنعمة الإسلام الذي جاء به محمد ابن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حمداً أنه جعل من قبائل العرب المتناحرة المتنافرة واحدة وجعل من تفرقهم أمة ومن جهلهم علماً وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون.. وجاء بقرآن لا تنقضي عجائبه ولم تنته غرائبه وهو الأمي الذي ما كان يتلو من كتاب من قبله ولا يخط بيمينه إذا لارتاب المبطلون ..
ونوه القليصي في حديثه بتوحيد الصفوف والاستنفار الجاد والمسؤول والتحرك بكل الوسائل والإمكانيات لنصرة الرسول الأعظم بالاتجاه إلى الجبهات ومساندة الأبطال بالمال والرجال والغالي والنفيس، ويجسدوا معاني الحب والاحتفال والفرح بمولد الرسول الأعظم في كل صور الانتصارات التي يحققها المجاهدون في مختلف الجبهات..
وعن شخص الرسول ومناقبه وتواضعه يقول المشرف التربوي محمد العقاري: هو المربي الأول الذي علَّم العالم معنى التواضع وفي سيرة الرسول الأعظم الكثير والكثير من الصور والأمثلة فقد كان عليه الصلاة والسلام وعلى آله يركب ناقته ويكنس داره ويعين خادمه .. وفي حالة الشدائد والحروب أول من يتقدم الصفوف ويشهر السيوف .. كيف لا نحتفل بمن هذا حاله وقد اختاره الله اختيارا وليس اضطرارا إنه الشخصية التي يقف المفكرون والعلماء والأدباء أمامها عاجزين ويقف القلم وينتهي الحبر وينحني أمامها كل عظماء البشر من يوم خلق الله آدم إلى يومنا هذا.
ويضيف العقاري: نذكر أن نبينا هو نفسه الذي قال الله تعالى له (تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا) وقوله تعالى: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى).. لكنه لم يضطر إلى المسكنة ولم يختر الدعة.. بل قال: (رب أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين).
ولهذا قال تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) وبهذه الأسوة وجد من العرب أبطال لا يخافون في الحق لومة لائم قال تعالى: (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) فكانوا ربانيين في توحيدهم ومحمديين في سلوكهم قال تعالى: (أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا) ولو جمعنا كل الحروف العربية لنصيغ منها، مفردات، وكلمات وعبارات جميلة لما كفت في وصف جمال وخصال خير من وطأ الثرى بنعله ،وحن له الجذع، وسلم عليه الحجر والشجر ،ولو تحو لت البحار إلى حبر والأشجار إلى أقلام والصحارى إلى لوحات يكتب بها عن شخص النبي الأعظم ما وفيناه حقه، كيف لا وقد زكاه الله في كل شيء، زكاه في بصره وسمعه وفؤاده ورفع ذكره وأعلى شأنه هو خير ولد آدم فصلوت الله وسلامه عليه وآله.