تبادل الأسرى.. انتصار للإنسانية

عبدالفتاح علي البنوس

مشاهد تشرئب لها الأعناق سمواً ورفعة وعزة وشموخاً وعنفواناً، وتخفق لها القلوب ، فرحاً وابتهاجاً وسروراً ، لم نستطع معها حبس دموعنا ، دموع الفرح التي تفاعلت مع عظمة المشهد الذي احتضنته ساحة مطار صنعاء الدولي ، لحظة وصول أسرى الجيش واللجان الشعبية من سجون ومعتقلات السعودية ومرتزقة العدوان في مارب تنفيذا لاتفاق مونترو السويسرية ، المشهد كان مؤثرا جدا ، أسرى من أبناء الجيش واللجان الشعبية مضى على أسرهم سنوات ، بينهم بعض الذين تمت الصلاة على أرواحهم صلاة الغائب باعتبارهم شهداء ، بعد أن انقطعت أخبارهم ، مشاعر جياشة ولحظات فرائحية بهيجة لذوي الأسرى وهم يستقبلون فلذات أكبادهم بعد غياب قسري لسنوات في سجون ومعتقلات السعودية والإمارات ومرتزقتهم..
وصل الأسرى المحررون إلى أرض الوطن بعد جهود مكثفة ومتابعة حثيثة واهتمام خاص من قبل القيادة الثورية والسياسية ممثلة بالسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي والرئيس مهدي المشاط والجهود المشكورة لرئيس الوفد الوطني الأستاذ محمد عبدالسلام والأستاذ عبدالقادر المرتضى رئيس لجنة شؤون الأسرى وكافة العاملين في اللجنة ، ومعهم البرلمان والحكومة وكل من عمل على حلحلة وتحريك المياه الراكدة في هذا الملف الإنساني البحت الذي قامت قوى العدوان ومرتزقتها بتسييسه ووضعت وما تزال تضع العراقيل والعقبات التي تحول دون طيه وإغلاقه بإطلاق سراح كافة الأسرى دون قيد أو شرط على قاعدة ( الكل مقابل الكل )..
حتى بعد استكمال كافة الترتيبات الخاصة بإطلاق الأسرى المشمولين في الاتفاق عاد المرتزقة لوضع العراقيل باستثناء عشرة من أسرى الجيش واللجان الشعبية لدى مرتزقة العدوان في مارب ، بذريعة رفض الطرف الذي يحتجزهم الإفراج عنهم ، وهو ما اضطر الطرف الوطني بالتنسيق مع الأمم المتحدة إلى الرد بالمثل باستبعاد عشرة من أسرى المرتزقة ، وتم الاتفاق على عملية تبادلهم خلال الأيام القادمة ، وهو ما يكشف انقسام المرتزقة وعدم وجود قيادة تجمعهم ، وهو ما ينسف مسمى ( الشرعية) جملة وتفصيلا ، ليؤكد للعالم أجمع أن الشرعية والحكومة الوطنية هي التي تمثل الإرادة الشعبية اليمنية ، الشرعية التي تمتلك قرارها وتدير شؤون شعبها من صنعاء عاصمة كل اليمنيين ، الشرعية التي تبادل أسرى سعوديين وسودانيين مقابل الإفراج عن أبطالها المغاوير من الجيش واللجان الشعبية ، وتسعى جاهدة إلى إغلاق هذا الملف بشكل نهائي ، وترفض إقحام الملفات الإنسانية والاقتصادية في الحرب العدوانية التي تتعرض لها بلادنا.
واللافت في عملية تبادل الأسرى هو الاستقبال الجماهيري والشعبي والرسمي الكبير الذي حظي به أسرى الجيش واللجان الشعبية وهم يعودون إلى أرض الوطن ، بخلاف ما عليه الأمر فيما يتعلق بأسرى المرتزقة الذين وصلوا إلى السعودية وسيئون وعدن دون أن يحظوا بأي استقبال في مشهد يذكرنا بالمواطنين اليمنيين الذين كانوا يدخلون إلى السعودية عبر التهريب، حيث كانت تقوم بترحيلهم من أراضيها على متن طائراتها إلى مطار صنعاء ، في إهانة صريحة لهم ، رغم أنهم وقعوا في الأسر وهم يقاتلون في صفهم وخدمة لأجندتهم ومشاريعهم التآمرية..
بالمختصر المفيد: تنفيذ المرحلة الأولى لاتفاق تبادل الأسرى إنجاز يحسب للقيادة الوطنية ، وهو قبل كل ذلك انتصار للإنسانية ، وينبغي أن تكون هذه الخطوة دافعا لقوى العدوان والمرتزقة للمضي قدما في استكمال تنفيذ اتفاق تبادل الأسرى بشكل تام ، فهذا الملف إنساني بحت ، ومن الخسة والنذالة إخضاعه للابتزاز السياسي ، فلا مستفيد من هذا الملف على الإطلاق ، ونتطلع إلى طي ملف الأسرى والانتقال للملف الاقتصادي بالشروع في صرف المرتبات ورفع الحظر عن مطار صنعاء وإنهاء الحصار المفروض على ميناء الحديدة والسماح بتدفق السفن المحملة بالمشتقات النفطية والمساعدات تنفيذا لاتفاقات السويد ذات الصلة ، وهي خطوات إيجابية أرى أنها قد تمهد في ظل توفر النوايا الصادقة لدى قوى العدوان وفي مقدمتها الشيطان الأكبر أمريكا والسعودية والإمارات إلى إيقاف العدوان ورفع الحصار ، والشروع في حوار وطني يطوي سنوات الحرب والحصار ، ويضع رؤية لمعالجة تداعيات العدوان والحصار ، ويرسم ملامح المرحلة المقبلة ، بمعزل عن أي شكل من أشكال الوصاية والتدخل الخارجي.
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله.

قد يعجبك ايضا