أسرانا الأخيار
مصباح الهمداني
كنتم هناك، حيثُ تُصنع العزة، ويُبنى المجد، ويصان العهد، وتتلألأ الكرامة، وتشمخُ الرجولة، كنتم في الصف الأول لمواجهة الغُزاة، وجدار الصَّد المنيع أمام البغاة، والسيف المسلَّط على رقاب الطغاة.
كنتم الحديد والفولاذ المصهور بسخانة، على جماجم وجلود المرتزقة. أنهيتم مهماتكم بهمةٍ عالية، ونفوس شامخة، وعزيمة لا تلين.
انتهى الرصاص تارة، وحوصرتم تارةً أخرى، وأحيط بكم في ثالثة، وتقدَّمتم بمغامرة الأسود ، ووقعتم في الأسر، لكن رؤوسكم مرفوعة، وضمائركم مطمئنة، وأيديكم بحبل الله معتصمة.
حاول السَّجان نزع كرامتكم فعريتموه، وحاول إذلالكم فأهنتموه، تجرأ على كبريائكم فقزَّمتموه.
جلدَ ظهوركم بخسّته، وعلَّقكم من أيديكم بدناءته، وربطكم على الكراسي بسفالته، وسحبكم في الممرات والصالات بوقاحته، وأحرق أجسادكم ببشاعته، وترككم تنزفون تحت سياطه برذالته.
لكنه في كل مرة يعود خاسئًا، حقيرًا، تافهًا، عاجزًا، وضيعًا…فيما تعودون بعد كل حفلة تعذيب؛ شامخي الرؤوس، مرفوعي الهامات، تحملون نفوساً تزداد طهارة، وقلوبًا تمتلئ يقيناً، وأرواحًا تعانق السحاب.
عجزَ السَّجان عن تذويب هويتكم، وكسر يمنيتكم، وتقطيع عروبتكم، ومسخ إسلامكم.
وكان رفقاؤكم في الجبهات، وعلى رأسهم صقر المفاوضات، وأسد الحوارات؛ محمد عبدالسلام، وترجمان الملفات عبدالقادر المرتضى، وفريق طويل لا يكل ولا يمل؛ يترجمون توجيهات السيد القائد في تحريركم، وإخراجكم ومعكم تيجان الذكريات، وكؤوس الانتصارات.
اليوم تخرجون وفي جباهكم، انتصار المواجهات، وعناوين الانتصارات، وكأني أقرأ في عيونكم ذكريات الحرب السادسة وخروج الأسرى، ذلك الخروج المشرِّف بالطائرات القطرية ليُنَكِّس بعدها الظالمُ رأسه، ويكنسُ بقايا جرائمه بنفسه.
واليوم ها أنتم ترسمون لوحات الفرح على وجوهنا، وتكتبون قصائد الملاحم في صفحاتنا، ويستقبلكم الكبير والصغير، كفاتحين ومنافحين، وتمتلئ البيوت اليمنية بزغاريد لا تنتهي وتكبيرات لا تنقضي وصرخات لا تتوقف، فيما العدو يجر الخيبة ويتجرَّع المرارة ويشرب الهزيمة ويتشرَّب الندامة ويُبادلكم وقد ذاق الويل، في كل سهل وجبل، ولم يعد يجد أمامه سوى الخزي والإفلاس والعار والانتكاس.
حللتم أهلًا ونزلتم سهلًا يا شرفاء الحرب ورجال الدرب وحماة الأرض وستار العرض.